أين أنت أيها الجنرال؟
غسان شربل الحياة - 12/05/08//

الوطن كما الافراد. يحزن ويتألم ويبكي. يصيبه الإحباط وينتابه الذعر. تنشطر روحه حين ينشطر شعبه. الوطن يخشى الموت ايضا. وليس صحيحا أن الاوطان لا تموت. ينتهي الوطن حين يخسر سر وجوده وبقائه. حين يصبح مساحة من الارض لا تتسع لكل بنيه. وفي لحظات الغرق يلتفت الوطن حوله. لا دواء من الخارج. لهذا يفتش عن رجل بحجم الخطر المحدق. والويل لبلاد لا تعثر في ساعة الشدة على رجل ينقذها من اقتراب جنازتها.

شرف لأي رجل أن يناديه وطنه في الساعة الحالكة. إنه تفويض أهم من الانتخابات. موقع أهم من القصر. انها فرصة الدخول الى التاريخ. طريق التاريخ لا تمر بالضرورة بموقع الاختام. وكم من الرؤساء حلموا بالتاريخ ولم يتيسر لهم النوم حتى في ضواحيه.

وحين يستدعي الوطن رجلا لا يحق له أن يتلكأ. كأن يتذرع بارتباط سابق. او ينتظر جلاء غبار المعارك. او يخاف على نفسه او مستقبله. او يستسلم لجبن المستشارين. واذا كان الرجل المعني جنرالا تتضاعف الأعباء. عليه ان يتذكر العلم والقسم. ويوم تسلم السيف. ويوم تعهد للوطن ان لا يخاف ولا يبخل.

حين يستدعي الوطن جنرالا لا خيار امامه غير ان يذهب. لا يحق له الالتفات الى ساعته. ولا إلى مصالحه. عليه ان ينسى جروح الحروب الصغيرة. واحقاد البارحة. ووشايات المختبئين داخل البطانة يستعدون لوليمة مضمونة ويغالبون لعابهم.

أكلني الخوف وأنا أرى الفتنة الدامية تجوب البلاد. لا اعرف لماذا داهمتني عبارة لا تتلكأ أيها الجنرال. ورحت افكر. مر ببالي الجنرال ميشال عون. يحب بلاده ومسكون بهاجس التاريخ. ماذا تراه ينتظر؟ انه جنرال. وزعيم تيار واسع. ورئيس كتلة نيابية كبيرة. يملك قدرة على التحدث الى الطرف الأقوى في المواجهات. تربطه بـ «حزب الله» علاقات وثيقة. قدم للحزب في حرب تموز دعما ثمينا. جنبه بعد الحرب العزلة. لا يحق له انتظار شيوع الركام ليطل لاحقا حاملا الضمادات.

هذا المنعطف تاريخي. يحتاج الى قامات. لا يحق لجنرال قادر على خدمة بلده ان يستسلم لحسابات اقل من الوطن. لن يكون رابحا اذا اجتاح الحريق المناطق التي ينال منها تفويضه. سيخسر اذا سال الدم هناك. يستطيع من موقعه الحالي ان يرفع الصوت. ان يتقدم بصيغة تنقذ الدولة والمقاومة معا. لا أحتاج إلى تذكيره بأن التأخير يلغي الفرصة. ليست الساعة للشماتة او تحقيق المكاسب او الانتصارات. يعرف سر لبنان وخطورة الإخلال بالسر. لا عذر له ان تأخر. فليستخدم رصيده لدى السيد حسن نصرالله والمعارضة وفي ساحته لوقف الانهيار الكبير. لقد جرب مرارة ان يكون المرء مظلوما او منفيا. انها ساعته. عند المنعطفات تمتحن القامات.

لا اخاطب الجنرال عون لأحرجه. حجم المأساة لا يسمح بهذا النوع من التسليات. كنت ناشدته قبل شهور ان يقرع كل باب في الداخل والخارج. كي لا تبقى الجمهورية مقطوعة الرأس. وما كان للفتنة ان تندلع لو لم يكن القصر الجمهوري شاغرا. فالفراغ يغري بالمغامرات والمجازفات. أين أنت أيها الجنرال؟ انها فرصتك الاخيرة. ليس من حقك ان تتلكأ.

فكرت في جنرال آخر. العماد ميشال سليمان. شاء حظه ان يكون قائدا للجيش في موسم الزلازل. أعرف ان المحافظة على وحدة الجيش هاجس دائم لديه. يعرف الجيش ويعرف الاخطار. حاول السباحة بين التوترات والانقسامات وتأجيل الحرائق على امل أن يستجد ما يمنع اندلاعها. تناديه بلاده في هذا الظرف الحالك. يراقب التاريخ سلوكه. مهمته ليست التعايش مع النار. واجبه المسارعة الى اخمادها. لا يحق له ان يطل لاحقا بعد استشراء الركام.

لن يكون ثمة معنى لأي رئيس توافقي اذا جلس في قصر محاط بالمناطق المنكوبة. غياب الدولة سيكون مفزعا ومريعا. شعور الناس بأن الجيش لا يحميهم سيفتح الباب مجددا للميليشيات. سيفتح الباب واسعا امام «القاعدة». ومن يعرف المنطقة ومجرياتها والمشاعر يعرف اننا لا نبالغ. ما ظهر في اليومين الماضيين على مواقع المتشددين ينذر بعرقنة لبنان.

انت صاحب الرصيد الواسع لبنانيا وعربيا ودوليا. وصاحب رصيد لدى المقاومة ايضا. لا يحق لك ان تتأخر. لا يحق لك ان تتلكأ. تعرف خطورة كسر ارادات مناطق او طوائف. تقدم. جنب بلادك الفوضى الدامية او العرقنة او العزلة. من حق المواطن ان يستجير بالجيش. ومن واجب الجيش ان يحميه. لا تتلكأ. سيقسو عليك التاريخ لو فعلت.