يصر البعض على اطلاق النعوت والاتهامات والتشنيعات على البعث (عادة العراقي، بالرغم ان السوري ليس افضل بحال من الاحوال). وشخصيا اعتقد ان هذا الامر خاطئ، تروج له بالدرجة الاولى الاحزاب الاصولية الشيعية لانه يخدمها سياسيا وفكريا.

بالتاكيد ارتكب حزب البعث جرائم شنيعة، وشخصيا احد ضحاياه، ومع ذلك يجب رفض هذا المسلك الاصولي (الشيعي بالدرجة الرئيسية)، الذي يحاول تطبيق شعار " اجتثاث البعث"، بعد ان فرضه مادة في الدستور من اجل الانتقام من اعدائه السياسيين واخلاء الساحة له للسيطرة على اجهزة الدولة العراقية وابتلاعها، مستغلا خلاء الساحة من قوة سياسية منظمة وفعالة غير طائفية تستطيع تعطيل مشروعه.

ولكن، هل كان البعث الا نتيجة من نتائج عصره؟

جميع الاحزاب السياسية في العراق، من حزب الدعوة الى الحزب الشيوعي الى الناصريين العرب الى المجلس الشيعي الاعلى، كانوا سيكونون ديكتاتوريين وشموليين لو استولوا على السلطة من حزب البعث..

عندما كانت جورج بوش الاب على قاب قوسين من اسقاط نظام صدام اجتمعت قوى المعارضة في سوريا لتنظيم حكم مابعد صدام، ولكن عندما رأى المجلس الشيعي الاعلى ان الامور اصبحت جدية غادر سوريا على الفور متجها الى ايران من اجل الدخول للعراق وقيادة الانتفاضة لحسابه رافضا توقيع اي اتفاقية مع المعارضة محذرا اياهم من العودة الى العراق.

ليس تبريرا، ولكن ثقافة الادارة المتفردة والشمولية متجذرة في اغلب القوى والحركات السياسية العراقية، وممارساتها في مناطقها اليوم تشير بوضوح الى نرجسيتها وشموليتها وسعيها للسيطرة والاخضاع وابتزاز الاخر وتصفيته..

نعم، من الضروري معاقبة البعثيين ، افرادا، على جرائمهم في ظل النظام المنهار. ولكن من اشد الضرورة اجتثاث ليس البعث حصرا وانما فكر الاستفراد والابعاد والتمييز وخرق القانون والدعوة الى التفرقة وانتهاك الحقوق وبعث الكراهية والحقد على اساس العنصر او الجنس او المذهب او الدين..

ولكن الاحزاب الطائفية لم تدعو الى هذا، بل وعلى العكس تقوم اجهزتها الايديولوجية على اشاعة التمييز وبعث الحقد والكراهية والتفرقة والتمييز وانتهاك حقوق المواطنة.. في هذا لاتختلف عن حزب البعث كثيرا.

ان شعار " اجتثاث البعث" ليس سعيا لاجتثاث الانتهاكات وانما لتصفية منظمة سياسية هي الاقدر على اعاقتهم من استلام السلطة وتصفية الفكر المدني وفرض الفكر الاصولي والمشروع الشيعي الاصولي، تحت ستار المظلومية التاريخية، محملين السنة على العموم اسباب آلامهم، مرددين عبارات تهديدية مثل " ياثأر الله"، تشيع الخوف وتغرس وتد التفرقة في الوحدة الوطنية..

ان مثل هذه الممارسات التي تخلق الاضطرابات والانتهاكات هي التي يجب اجتثاثها، إذا كانوا فعلا لديهم نيات حقيقية.. اما ماحدث فهو تصفية حساب بين ذئبين لااكثر