عزيزي العلماني.
اسمح لي ان اعود الى " البدايات " التي اعتقد ان فيها يوجد " موطن " الخلاف ( على امل ان لا يفسد للود قضية ). واقصد هنا " ايمانك " ان الاسلام او الحركات الاسلامية لا يمكن ان تتماشى مع مباديء العقلانية او الحداثة او التنوير. وهو ما اختلف معك فيه, فلا علاقة مباشرة بين الاثنين. ذلك انك دائما تستعمل ما ذكر (العقلانية او الحداثة او التنوير ) كشرطا للعلمانية , ومن ناحية اخرى كشرطا لاقصاء الحركات الاسلامية, هذا رغم ان مصطلح العلمانية هو في اساسه مصطلح " ديني " بامتياز !. بل مصطلح ديني مسيحي غربي تحديدا. يحوم حول كلمة " saint ": ف "" secular جائت مناقضة ل saint" "( مقدس ) وليس ل " religion ". لكن نتيجة الارتباطات السياسية التي انتجت التجربة " العلمانية الاولى " الثورة الفرنسية " تحول هذا المصطلح ليقابل " الدين " بدل من " المقدس ".

ومرة اخرى عودة الى البدايات, وعصر النهضة تحديدا, ليس صدفة في نظري ان كل من اقترح " العلمانية " بديلا في تلك الفترة كان ذو نزعة " دينية " . ان كان محمد عبده او علي عبد الرازق, لكن انتبه ان الشيخ محمد عبدة ترجم كلمة Secular على معنى " مدني " وليس " علماني " , او في وصف علي عبد الرزاق ان الخلافة كانت مؤسسة " مدنية " وليست دينية . ذلك ان بعكس ما يعتقد " الهوني " في العلمانية منطق اقصاء, فلا يمكن للعلمانية ان تتعايش مع الدين اذ وجدت اصلا من اجل نقضه. لكن هذا النقض يكتسب شرعية اذا ارتبط بالثلاث كلمات ذات التاثير السحري (العقلانية او الحداثة او التنوير ). ولهذا السبب فارتباط هذه الكلمات بالعلمانية جعل ما يقابلها يرتبط بما يناقضها ( الفكر الاسطوري, التخلف, الاصالة ). ولك هنا ان تخبرني ان بقيت اية فرصة " للتعايش المتساوي بين الجميع " اذ لم يبقى هنالك اية مكان للدين حسب هذه المنظومة. العلمانية هي مصطلح فئوي يقبل من قبل تلك المنظومة. وكل من يلتزم به فهو متخلف لا عقلاني.

لسبب ما ربط الدين بالطائفية, وهذا خلط " مقصود " لا اعلم اسبابه, لكن الحقيقة التي يتجاهلها البعض ان الطائفية في اساسها ظاهرة اجتماعية ,وليست دينية تعتمد على مبررات اقتصادية في اسباب وجودها. وكما ذكرت في مداخلتك ان حماس ستاخذنا الى حكم اضطهادي, الاضطهاد ليس امرا دينيا بل شأنا طائفيا له علاقة بالتنافس الاقتصادي بين مكونات المجتمع المختلفة. واذكرك كان فلسطين لا تمتلك ارثا طائفيا تاريخيا ترتكز عليه كما هو الحال مثلا في لبنان. بل ان النواة المؤسسة للحركة الوطنية الفلسطينية كانت مسيحية باساسها !.

Array4) ارتباط العلمانية بالدول الاستبدادية ووضع البيض في سلة واحدة. لن أقف كثيراً هنا أيضاً. ولكن لأقل بأن العلمانية هي مثل "الويندوز" تشغل به الجهاز ويكون قاعدة للبرامج المفيدة وقاعدة أيضاً للفيروسات. هي مثل الطاولة، تستطيع أن تضع عليها الماء والأدام، وتستطيع أن تضع عليها "حذاءك" لو أحببت. العلمانية تستطيع أن تنجب الديمقراطية وتستطيع أن تنجب الاستبدادية.
في عالمنا العربي أدت النظم "المتعلمنة" (وبالكاد ... راجع غالي شكري!!!) إلى الاستبدادية والقمعوية. ومع بعض الدعايات المغرضة صرنا نضع البيض في سلة واحدة وينظر الانسان العربي المحبط من دولته إلى أن العلمانية والاستبداد مرادفات لبعضهما البعض ...

المسألة إذاً هي قصور في النظرة وتعميم وجهل ... ولكن الجاهل لا يدرك أنه جاهل، وإلا فإنه لا يبقى جاهلاً. [/quote]

كنت اتمنى ان تتوسع فيما كتبت لغرض ما في نفس فرناس