إذا خرجنا من حيز التنظير الإستعراضي ،و عندما نصل إلى التفاصيل و نشرع في مناقشة قضايا تتناول ممارسات حماس و حزب الله أو المشروع الإيراني في المنطقة ، نكتشف اننا في مواجهة اتجاه جديد يمكن تسميته العلمانية الإسلامية الأصولية !، هذا التناقض لا يمكن أن نصادفه سوى في الشرق الأوسط ، عندما تصبح قيما مثل العلمانية و الحداثة مجرد ديكور يضعه البعض في غرفة الإستقبال بينما يمتلأ البيت كله ببخور الأصولية و السلفية الفاضح ، ما أروع العلماني الأصولي وهو يهتف عاليا :" أنا علماني حتى النخاع و أيضا ملحد على البيعة .. و لكني مساند بحماس لحزب الله و حماس و مؤيد لأحمدي نجاد و كل ستاليت الأصولية ، لأنهم ممانعون ولا يتوقفون عن مقاتلة إسرائيل و هزيمتها و إحراز إنتصارات ربانية وهمية" ، هؤلاء العلمانيون الممانعون ينتشرون في كل مكان ،و ليس في منتديات الحوار فقط ، بل يملأون الصحف و الفضائيات بلا أي إحساس بالتناقض ، إلى هؤلاء العلمانيين الأصوليين في العالم العربي أقدم هذه المقالة بقلم د.عبدالمنعم سعيد في المصري اليوم القاهرية بتاريخ 29/ ٣/ ٢٠٠٩ ، منتظرا تعليقا ليس ممانعا كلية ، بل يحترم بعض المنطق و تقاليد العلمانية .
............................................

..وهل توجد بوابات أخرى؟!

اختلفت كثيرا مع الأستاذ فهمى هويدى فيما يكتب ويقول، ولكن هذه المرة شعرت بتعاطف شديد معه، عندما كتب مقاله «بوابة الإسلام العقابى» فى صحيفة «الشروق» الغراء، حيث بدأ مصدوما من النتائج التى أدى إليها اتفاق السلطات الباكستانية مع شيوخ القبائل فى «سوات» على تطبيق الشريعة الإسلامية فى مقاطعتهم، فما كان منهم إلا أن أقاموا محاكم الحدود، وتغاضوا عن الواقع الاقتصادى والاجتماعى المؤلم فى ذلك الإقليم التعيس.
ومن وجهة نظر كاتبنا أن ذلك كان - للأسف - هو السلوك نفسه الذى طبقته «حركة المحاكم الإسلامية» فى الصومال، ومثيلات لها فى نيجيريا وأفغانستان، وأقامته بقسوة حركة طالبان فى أفغانستان طوال حكمها، وفعل هذا كل هؤلاء بعد غض البصر عن فقه العمران والاهتمام باحتياجات الناس. لاحظ هنا أنه لم يلفت نظر كاتبنا ولا وجد حرجا ولا ما يستحق التعليق فى أن إقليما كاملا فى دولة باكستان قد تم تسليمه من قبل الحكومة المنتخبة ديمقراطيا فى انتخابات حرة إلى جماعة من «اليعاقبة» و«الأغبياء» - والتعبيران ليسا من عندى ولكنهما أوصاف الأستاذ هويدى - لكى يقيموا نظامهم القانونى والأخلاقى الخاص. وحدث ذلك لأن هذه الحكومة كانت واقعة تحت الاختيار الصعب ما بين الحرب الأهلية التى تستنزف البلاد وتضعفها إلى ما لا نهاية، والاستسلام لرغبات الجماعات القوية التى تستخدم الدين فى حشد جحافل من المعتقدين المتعصبين.وهو اختيار تعرضت له مجتمعات إسلامية شتى تواجدت فيها جماعات إسلامية متشددة، حتى وقعت ضاحية بيروت الجنوبية، والحقيقة كل بيروت، تحت سيطرة واحدة منها، وكان ذلك بالاتفاق مع الحكومة المركزية، وغزة تحت واحدة أخرى، ولكن هذه المرة رغما عن السلطة الوطنية. ولكن هؤلاء على أى حال «مقاومون» و«ممانعون»، وربما كانت جماعات طالبان وطلاب تطبيق الشريعة فى دول شتى مقاومين وممانعين أيضا بأشكال مختلفة للغرب أو للهنود أو للشيعة أو للسنة؛ ومع ذلك فإن الإشكالية الأكبر هى: هل كانت لدى هؤلاء طريقة أخرى غير تطبيق الإسلام العقابى، الذى عرفته دول كثيرة رفعت شعار الدين فى الحكم؟
وباختصار: هل كانت هناك بوابات أخرى يمكن بها السيطرة والهيمنة والاستبداد والسيطرة على الناس، حيث توزع الأيديولوجية الإيمانية للسمع والطاعة بيد، والعقاب البدنى والعقلى باليد الأخرى؟ إن هذه المسألة للحق هى لصيقة بكل أنواع الحكم الشمولى، وربما كان الأصوليون الإسلاميون يقومون بقطع الأيدى، أو الرجم أو تنقيب النساء، أو تطويل لحى الرجال، أو مطاردة من كانت لديه وسيلة للاتصال بالعالم الخارجى، أو ذبح من يختلف معهم فى الدين أو العقيدة، ولكن ذلك وما هو أكثر منه حدث من قِبَل الجماعات الفاشية أو النازية، أو بحق كما قال الأستاذ هويدى، أشكال «اليعاقبة» فى كل أنواع الثورات.
ولكن، وللحق أيضا، إن جميع أنواع الشمولية الأخرى كانت لديهم مذاهب ومدارس للعمران، والتنمية المادية والمعنوية لشعوبهم، وعرف عن هتلر اعتقاده الجازم بأن «العمارة» جزء لا يتجزأ من المذهب، ومن العصر بل من الحضارة الدموية التى أراد إنشاءها. وعلى عكس جماعتنا فى «سوات» وغيرها من معاقل الفكر الطالبانى، فإن الشيوعية والنازية لم تحرم المرأة من التعليم ولا من العمل، وفى كثير من الأحيان كان المذهب الشمولى إحدى أدوات التوحيد بين عناصر الأمة المختلفة. مثل ذلك لم يحدث عندنا، فما دخلت الأصولية بلدا إلا فرقته ومزقته وخلقت خوفا ووزعت ذعرا، وما بالوسع إلا مراجعة ما جرى فى السودان بعد وصول الجبهة القومية إلى الحكم، وما حدث فيه بعد ذلك حتى يومنا هذا.
إن السؤال المطروح حول ذيوع «بوابة الإسلام العقابى» ليس مشروعا فقط من زاوية أولويات الدين الإسلامى، كما قال بها الأستاذ هويدى واستند إليه فى فكر الشيخ محمد الغزالى، ولكنه مشروع أيضا من زاوية الفقر المدقع فى فكر العمران الإسلامى، حيث لا نجد فكرة واحدة تخص التعليم أو الصحة أو تخطيط المدن أو تحقيق التنمية المتوازنة تخرج من عباءة الإسلام السياسى، رغم قدراته الفائقة على النقد اللاذع لما يقوم به الآخرون من جهد زاد أو قل.وربما كانت هذه القضية وهى أن هناك حاجة أكبر إلى التوازن الموضوعى ما بين الأفكار الثيوقراطية والأفكار المدنية وإلا كان فى الأمر كارثة، أو ما هو أكثر!!.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	الاحزاب الدينية فى اوروبا و العلمانيين فى بلادنا	حسام يوسف	1	2,569	05-21-2010, 09:43 AM آخر رد: طريف سردست
	طلب من الاخوة العلمانيين والمثقفين ، لو تكرمتم	رحمة العاملي	18	6,123	01-28-2010, 12:54 AM آخر رد: السلام الروحي
	لماذا ينبذ الشعب العربى العلمانيين العرب	على نور الله	4	3,068	07-17-2009, 11:53 PM آخر رد: أبو خليل
	شبكة العلمانيين العرب الموقع الأكثر حجبا في العالم العربي!	abu yasaar	17	8,188	12-21-2008, 02:02 PM آخر رد: عمر أبو رصاع
	منتدى العلمانيين العرب ...مدينة دكتاتورية صغيرة	القلعة	9	5,486	10-06-2008, 01:38 AM آخر رد: صانع المطر