أما بالنسبة لموضوع ما فهمته من كلامي :

فلقد كان من الأولى أن تستوضح مني أثناء كلامي مع الزميل الكندي بدل أن تحمل كلامي ما لم أقصده ، وتقولني ما لم أقل ، فقلت على لساني حول حديث ( أمرت أن أقاتل الناس ) :
(يقصد قتال الجميع حتى يسلموا) ...


وهذا ما لا أقول به ، بل أقول كما أجابك الإخوة قبلي ، فليس الأمر بالقتال هنا ما نسجه خيالك عني ، فالحديث يُفهم بضم النصوص إلى بعضها البعض ، فنظرنا في القرآن فوجدنا أن الله يقول :

لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

فالقرآن يحضنا على برّ الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا ، ولا حظ أنّه استخدم ( البرّ ) الكلمة نفسها التي تطلق على المعاملة الحسنة للوالدين ( برّ الوالدين ) ، ثم يتابع القرآن موضحاً الفئة التي نهانا الله عن موالاتها :

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

فالذين قاتلونا وأخرجونا من ديارنا وظاهروا على إخراجنا لن نقف مكتوفي الأيدي أمامهم ، بل ندافع عن أنفسنا ونرد كيد المعتدين وظلم الظالمين ، وبالرغم من ذلك ينهانا القرآن أن نعتدي :
( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) . البقرة 190

واوصانا عز وجل فقال :
( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) . البقرة 190


فهنا نتخذ القاعدة في مشروعية الحرب والقتال ، وعلى ضوئها نفهم الحديث السابق الذكر ( أمرت أن أقاتل الناس ) ...

فقوله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس ) حق ، وهو ملزم لنا ، فنحن أيضاً مأمورون بقتال الناس ، ولكن من و متى ؟؟

إذا قوتلنا وأعتدي علينا ، فعندها نقاتل الناس الذين قاتلونا .

لذلك نجد أنّ الحبيب محمد صلوات ربي وسلامه عليه عندما مرّ على إمرأة مقتولة إثر إحدى المعارك ( ما كنت هذه لتقاتل ) أخرجه أبو داود وأحمد .

فعلمنا أن المقاتل منهم هو من نقاتله .

هذا هو ما أعتقده عزيزي ، عندما كنت أتحدث مع الكندي كنت أتكلم معه بشكل عام ، وأن الإنسان يجب عليه أن يطيع ربّه في كل شيء ، وعقولنا نستخدمها للتثبت والتيقن أنّ الأمر الفلاني هو من عند الله ، فإذا قام البرهان عندنا وأيقنا أن هذا الشيء هو أمر من الله لنا ، وجب عليّنا إطاعة الله فيما أمر ، لا أن أعترض وننصّب عقولنا حكماً على أوامر الله .

ولكن لا أنت فهمت المقصود ولا الكندي .

ولو نظرنا في أوامر الله إلى موسى وبني اسرائيل بإبادة الشعوب الستة وغيرها ، نجد أنّ موسى وبني اسرائيل لم يقولوا إنّ هذا ظلم ووحشية وارهاب ، ولم يقولوا إننا أعملنا عقولنا فوجدنا هذا ظلماً قبيحاً لذلك لن نسمع لك ، بل أطاع موسى ولم يعصي ربّه .

وكذلك فعل يشوع ..
وكذلك النبي صموئيل في سفر ( صموئيل الأول 15 ) عندما أمره الله بأن يذهب ويخبر الملك شاول أن عليه أن يضرب عماليق ويبديها بمن فيها من نساء وأطفال رضّع ، لم يتوقف صموئيل ليعمل عقله في حكم الله ، ولم ينصّبه حكماً على ربّه الذي خلقه ، بل أطاع ولم يرفض الإذعان لأوامره .
وكذكلك الملك شاول عندما أخبره صموئيل لم يتوانَ عن تنفيذ أوامر ربّه ، ولم يقل : لقد أعملت عقلي فوجدت أنه لا يجوز قتل الأطفال والنساء ، لأن هذا إرهاب وهمجية .

فالإنسان إذا تيقن أن الله يأمره بشيء وجب عليه الإنقياد والطاعة ، سواء فهم الحكمة من أمر الله أم لم يفهم ، رضي بها أم لم يرضَ ، كل ذلك سواء .

وإن عرف الحكمة فحسن ، ولكن عدم فهم الحكمة لا يعني أن يرفض قبولها بعد أن ثبت له أنها من عند الله .

فالإنسان لا يحق له أن يسأل ربّه لماذا ، فهو لا يُسأل عمّا يفعل ، ونحن مسؤولون .

وهذا هو رأي القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية 9 :
(( 20 بل من انت ايها الانسان الذي تجاوب الله ، ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا )) .

وفي تفسير تادرس ملطي ينقل جيروم عن ذهبي الفم قوله :
((( أراد أن يؤكد للسامع أنه ليس من حقه أن يقف هكذا موقف الناقد أو الديان لله، وكأن الرسول يقول: [عملنا هو أن نخضع لما يفعله الله لا أن نكون متطفلين محبين للاستطلاع حتى وإن كنا لا نعرف حكمة تصرفاته. لذلك قال: "من أنت الذي تجاوب (ضد) الله"؟… من أنت؟ هل أنت شريكه في سلطانه (أي 38)؟ بل! هل تجلس لتدين الله؟ )) .


يتبع ...