لبنان: ما بين الولادة القيصرية والاستنساخ
سلامة نعمات الحياة 2005/03/3

من الخطأ التسليم بأن سقوط حكومة الانتداب السوري في لبنان هو بداية النهاية لسلطة الوجود السوري في هذا البلد. فالمسألة ليست بهذه السهولة او البساطة. لا يمكن التقليل من اهمية الضغوط الدولية المتفاقمة، ودورها في محاصرة سورية منذ اطاحة النظام العراقي، والضغوط الداخلية المتنامية منذ اغتيال رفيق الحريري، لكن من المبكر القول إن التغيير الديموقراطي، الذي هبت رياحه من بغداد ورام الله، سيواصل مدّه الى لبنان. فالظروف التي واكبت التغيير في العراق ليست هي التي انجزت التغيير في فلسطين، ولن تكون نفسها التي ستقرر مصير لبنان، رغم تداخل عوامل ثانوية في الحالات الثلاث.

التغيير في العراق انجز بإستخدام اميركا قوة عسكرية ضاربة لإطاحة نظام مستبد، تلاه تحالف مصالح بين قوى عراقية داخلية، واخرى اقليمية، استفادت من سقوط النظام، وهي كثيرة. فهل كان بإمكان الاحتلال الاميركي ان يقيم نظاماً ديموقراطياً، بعد اطاحة نظام البعث، بمعزل عن فتاوى آية الله العظمى على السيستاني، ودعم الحزبين الرئيسين في كردستان، بهدف تقاسم السلطة؟ ألم تساهم ايران (محور الشر) في تسهيل المهمة الاميركية لاطاحة صدام حسين قبل ان تشن حربها الخاصة لإستباق الهيمنة الاميركية على العراق الجديد، لحماية نظامها من الاستهداف لاحقاً، وضمان دورها المستقبلي في العراق عبر حلفائها الطبيعيين؟

في فلسطين، حالت اسرائيل دون اجراء الانتخابات الفلسطينية، الى ما بعد وفاة ياسر عرفات. إذ ان تل ابيب كانت تعرف تماماً بأن اجراء الانتخابات، بوجود عرفات، سيعني اعادة انتخابه، ومنحه شرعية كان من الممكن ان تخرجه من حصاره الجسدي في المقاطعة، وحصاره السياسي في العالم. وبقي السؤال: لماذا لم يطالب عرفات، الذي كانت انتهت ولايته الاولى، بإجراء الانتخابات، أقله لإحراج الاسرائيليين وكشف زيف ادعاءاتهم بالحرص على الاصلاح والديموقراطية؟

في لبنان، لم تكن حكومة عمر كرامي هي السلطة الحاكمة فعلاً ليؤدي سقوطها الى سقوط النظام الحاكم فعلاً. فالقوى التي شكلت الحكومة اللبنانية ما زالت في مكانها، وقد تبقى في مكانها حتى بعد انسحاب القوات السورية من لبنان. فهي تحكم بأجهزة الاستخبارات وحلفائها اللبنانيين المسلحين بمختلف ادوات السلطة، فيما لا تملك المعارضة الشعبية من ادوات المقاومة سوى الرغبة الوطنية النبيلة في الانعتاق من الاحتلال وعملاءه المدججين. وخلافاً للعراق، ليست في لبنان قوات متحالفة متعددة الجنسية تقودها الولايات المتحدة، وليست هناك، اقله حتى الآن، قرارات دولية نافذة تضمن انتداباً دولياً موقتاً يؤدي الى حصول انتخابات حرة في ايار (مايو) المقبل، او تحول دون تشكيل حكومة عسكرية تشكلها سلطة الوصاية. كما ان غالبية الدول العربية تعارض احباط النفوذ السوري في لبنان، تماماً كما سبق وعارضت اطاحة صدام حسين ونظامه.

صحيح انه لا يمكن التقليل من اهمية الانتفاضة الشعبية اللبنانية، والعاملين الاميركي والفرنسي ودورهما المحتمل في ضبط الاداء السوري في لبنان، فضلاً عن دور مجلس الامن. إلا ان الضغوط المقابلة ليست اقل اهمية وفاعلية. وفيما قد لا يتسنى للنظام السوري، في نهاية المطاف، أن يفرض ارادته على اللبنانيين من جهة، والاميركيين وحلفائهم الاوروبيين من جهة اخرى، الا انه قادر، في حال شعر بأن وجوده بات مهدداً، على خلق اوضاع تجعل من كلفة تحرير لبنان اشبه بكلفة تحرير العراق. هذا على افتراض ان اميركا والاوروبيين مستعدون لدفع الثمن.

فعندما تكون الديموقراطية إما في الرحم او في القبر، ليس من الحكمة التفاؤل بولادتها المبكرة او بقيامها من بين الاموات. في العراق، كانت الولادة قيصرية دموية. وفي فلسطين، كانت استنساخاً مشوهاً تم استدراكه بعمليات تجميلية. اما في لبنان، فالديموقراطية عالقة في انتظار الولادة القيصرية، على يد القابلة الاميركية، او الاستنساخ على يد القابلة السورية وحلفائها العرب.