عزيزي فادي،

أولا دعني أوضح أن أي مناقشة في تفاصيل المسيحية هي مناقشة نظرية و فرضية لا أكثر. في الواقع لا يوجد أي دليل على صحة أي شيء يُذكر مما يزعمه العهد الجديد، و التطورات النصية للاناجيل بما فيها من تناقضات و ميثولوجيا تشير الى أننا أصلا لا نعرف الكثير عن يسوع الناصري، فأغلب ما نُسب له من اقوال و افعال هي من كتابات اتباعه، و أتباعه اختراعاتهم كثيرة. فالقصة "الرسمية" التي وصلتنا اليوم عن المسيحية ليست إلا بعض ما جمعته الجماعة الرابحة من بين العشرات من الجماعات المتنافسة في المسيحية المبكرة.

على كلٍ، من أهم المفاهيم الموجودة في الكتاب المقدس هو مفهوم المعصية و الكفارة بالدم (من العهد القديم الى اخر العهد الجديد)، و أنه بدون دم لا توجد مغفرة. و ذبيحة المسيح الدموية هي الطريقة الوحيدة الى اللـه، و كل من لا يتبعها مصيره الهلاك. و العهد الجديد ممتلئ بعبارات تهدد و تتوعد بـ "غضب" اللـه الآتي على الارض، و نجد ان المسيحيين الاوائل يدعون الناس الى "التوبة" و ... و إلا!

مداخلتك بالمقابل تجعل من اللـه متفرجا و الموضوع ليس موضوع حكم من اللـه بل هو نتيجة طبيعية مثل قوانين الفيزياء و قوانين نيوتن. اذا رمينا حجرا الى الاعلى، يسقط الى الاسفل، و اذا ارتكب الانسان خطيئة، فالنتيجة هي الموت تلقيائيا و لا علاقة لحكم اللـه بالموضوع.

الكتاب المقدس كما نعرفه، ليس فيه هذه المفاهيم، فاللـه فيه متحكم بالامور كلها، و هو وضع قوانينه و طالب الانسان بتطبيقها، و حين فشل الانسان في تطبيقها، حكم اللـه عليه بالموت و العذاب.

ما تقوم به أنت هو برأيي عملية تجميل، و أنا هنا لا أقصد السخرية، و لكني مطلع على الكثير من المحاولات المعاصرة لانقاذ المسيحية من المشكلة التي هي فيها، و التي تتمثل في مفاهيمها الغريبة و الخرافية، الخ. لذلك يقوم الكثير من المسيحيين بالعمل الدؤوب على ايجاد تفسيرات "معقولة" يقبلها العاقل.

ما قاله دوكنز هو كما قلتُ مسبقا في صلب الرواية المسيحية، و مفادها أن اللـه أرسل ابنه (الذي هو اللـه أيضا!) لكي "يفدي" البشر بدمه (يعني عملية انتحارية). هذا هو جل القصة الانجيلية: المسيح جاء لـ "يفدي" البشر. أجرة الخطية هي الموت و علينا كلنا "التوبة" من الغضب الاتي.

أنت تقول ان ما قاله دوكنز هو "مفاهيم غريبة". طيب أنا أسألك: أي جزء مما قاله دوكنز هو غير موجود في الكتاب المقدس؟ هل تنكر قصة الافعى المتكلمة؟ هل تنكر قصة الإله الذي ولّد نفسه من عذراء؟ هل تنكر قصة معصية آدم و ما ترتب عليها من عقاب حين قام اللـه بطرده من الجنة؟ أين هي المفاهيم الغريبة هذه؟