الزميل العزيز لوجيكال،
فى البداية أحب أن اشير إلى أننى لا أعتبر أننا فى حوار أكاديمى. الحوار الأكاديمى له أصوله و ثوابته. لكن ما أردته من بداية الحوار هو ايصال مفهوم كان غائباً عنك، فربما يفيدك. كما أننى لا أقصد أبداً أن اجرحك بقولى أنك لم تبذل المجهود اللازم، و اعتذر عن هذا لو ازعجك، لكنها كانت نقطة شخصية فقط و ليس معيبة فيك.
اقتباس:اللـه، ان كان موجودا، لم يقل لي شيئا على الاطلاق. و ان كان قال لي شيئا بطريقة او بأخرى، فلا أُلام و لا أوبّخ ان لم يصلني كلامه.
الله لو كان موجوداً، و الكتاب المقدس هو كلمته، و انت قرأت الكتاب المقدس..فأنت قرأت ما قاله لك.
اقتباس:سؤال جاد: اذا كان التعب و الاجتهاد و الامانة هم طريق الخلاص، و ان المنهج و ليس النتيجة هو شرط الخلاص، فما فائدة المسيحية يا ترى؟ التعب و الاجتهاد و الامانة و غيرها من الفضائل يمكن لأي انسان ممارستها مهما كان دينه او حتى لو لم يكن له دين.
ما رأيك أن تدرس النصوص الكتابية من هذا المنطلق؟ فتستطيع تكوين صورة كبيرة عن هذا الزعم.
اقتباس:طبعا انا لا يمكنني ان ازعم اني عالم او خبير بأي موضوع، ناهيك عن موضوع تاريخ الكنيسة او النقد الكتابي. لكن اذا كنتُ ما أعرفه أنا لا يؤهلني لمعرفة الحقيقة و أنا بحاجة الى دراسة أكثر تعمقا، فأغلب سكان الارض لا سبيل لديهم لمعرفة هذه الحقيقة، او حتى "الخلاص" اذن، فقلة من الناس تتعمق في الموضوع أكثر منك (أو حتى مني أنا).
نعم أعتقد أن هذا حقيقى.
اقتباس:متى اصحاح 24 و اصحاح 16 ينسبان ليسوع القول بأن بعض الناس الجالسين معه لن يذوقوا الموت حتى ينتهي العالم و يعود المسيح ثانية.
أين هذا بالضبط؟ ممكن النصوص؟
اقتباس:عزيزي الدراسات النقدية للاناجيل الروائية Synoptic انتجت ما يُسمى انجيل Q و هو مصدر هذه الاناجيل الروائية (متى، مرقس، و لوقا). الفرضية تقول أنه بما أن انجيل مرقس موجود تقريبا بالكامل في انجيلي متى و لوقا (كلاهما على انفراد)، فلا بد ان متى و لوقا نسخا مرقس. ثم بما ان متى و لوقا يشتركان ببعض النصوص غير الموجودة في مرقس، فلا بد ان لهما مصدر ثان غير مرقس. لو وضعنا النصوص المشتركة بين الاناجيل الثلاثة، و بين متى و لوقا مع بعض، نجد اننا بصدد مجموعة من الاقوال المنسوبة ليسوع، سماها العلماء "انجيل Q". اكتشاف انجيل توما السري في القرن المنصرم أعطى بعض المصداقية لفرضية Q حيث ان انجيل توما هو مجموعة اقوال منسوبة ليسوع (بمعنى اسلوب انجيل الاقوال كان موجودا فعلا).
الان لو فرضنا صحة فرضية Q و درسنا هذا "الانجيل" المفترض، نجد ان المسيح فيه لم يولد من عذراء، لم يقم بأي معجزات، و لم يتم صلبه. كل هذه الاقاصيص هي امور تمت اضافتها الى متى و مرقس و لوقا، و بشكل متناقض! قصة الصلب مثلا كلها اخطاء و تناقضات و لا يكاد الانجايل الثلاث يتفقون فيها على شيء.
هل قرأت وثيقة Q من قبل؟!
حسناً، وثيقة Q هى أقوال يسوع المشتركة بين إنجيلى متى و لوقا فقط. و رغم أنه صحيح بأنها لا تحتوى على أحداث، فإنها تحتوى على حادثة شفاء، هى الحدث الوحيد الموجود فى Q. لذلك حتى اليوم يتصارع العلماء الملحدين و الليبراليين الذين يرفضون الإعجاز فى تفسير هذه الحادثة.
و من ناحية أخرى، من قال أن Q هو انجيل؟ و من قال أنه على شاكلة انجيل توما؟ أنا أدعوك لأن تقرأ هذه الوثيقة، حيث تم إعادة تكوينها باليونانية و ترجمها للإنجليزية جيمس روبينسون.
لم أفهم بالضبط ما الذى تريد أن تقوله من هذه النقطة؟ أن الأحداث و حياة يسوع الموجودة فى الأربعة أناجيل كلها اساطير و خرافات بالكامل؟!
اقتباس:طبعا انت يبدو انك تقسم الباحثين الى مجموعات، فالليبراليين يقولون كذا، و السمينار اليسوعي يقول كذا، و الملحدين منهم يقولون كذا. انا لا اعتقد ان هذا التقسيم يقلل من مصداقيتهم. أنا قرأت عددا من الكتب حول هذا الموضوع، و أعجبنتي جدا اعمال "بارت ايرمان" Bart Ehrman الذي هو بالمناسبة "لاأدري"، و أحد الامور التي شدتني اليه هو حقيقة ان "لاأدريته" سببها هو ان وجود العذاب في العالم امر يتناقض مع زعم ان اللـه موجود. هو كتب كتابا كاملا في الموضوع يبحث فيه الاعذار الموجودة في الكتاب المقدس لتفسير ظاهرة الشر في العالم، اسمه God's Problem، لأن هذه المسألة بالذات هي برأيي من أقوى الحجج التي يرددها الملحدون في كتبهم.
و الغريب في الموضوع ان الكتاب المقدس نفسه لا يتردد في نسبة افظع الشرور للـه! خذ كمثال بسيط قصة نوح و الطوفان. اللـه في هذه القصة أغرق جميع سكان الارض. تصور معي الاعداد غير المعدودة من الاطفال الرضّع و العجزة و غيرهم من البشر و هم يغرقون حتى الموت بفعل مباشر من اللـه. طبعا ستقول ان القصة "رمزية" (أنا أقول أنها خرافة)، لكن ليست العبرة فيما اذا كانت القصة حقيقية. العبرة هي: ما هو الدرس الاخلاقي الذي نأخذه من القصة؟ أنا أراها قصة شريرة و حقيرة لا أخلاق فيها، و أي إله مزعوم كهذا لا يستحق لا الاحترام و لا العبادة.
بصراحة معظم الكتاب المقدس أنا شخصيا أرفضه علميا، و لكن الاهم من ذلك هو انني ارفضه أخلاقيا. و أستغرب تمسك الناس به، غير انهم فقدوا حسهم الاخلاقي، و بات كل عمل يُنسب الى اللـه أخلاقيا تعريفا Moral By Definition.
يعني تخيل لو جاء شخص و قال ان كتاب "كفاحي" (من تأليف هتلر) هو كتاب رائع، مليء بالحكمة و الحب. سنقول له، "ماذا عن كذا و كذا من الفظائع التي في الكتاب؟" سيقول لنا، "هذه الامور كلها رمزية و يجب علينا ان نفتح عقولنا و نبتعد عن التفسيرات الساذجة للكتاب و نحاول ان نرى المسألة بشكل ايجابي."!!
أولاً، أنا لا أقسم العلماء لكى أقلل من مصداقيتهم. كما ترى، فكل احتجاجاتى كانت عن طريق ليبراليين و ملحدين، حتى تضمن أن النتيجة الأخيرة لم تسيطر عليها نزعة المسيحيين. أما هذه الأحداث فليست رمزية و طوفان نوح حقيقى، لكن أنت تنظر لها من زاوية و أنا أنظر لها من زاوية أخرى. و من الواضح أن مشكلة الشر و الألم بالنسبة لك مشكلة كبيرة مع الله.
جميل أنك قرأت كتاب ايرمان. هل سمعت مناظرة ايرمان و توم رايت حول هذا الموضوع؟ يمكنك أن تجدها
هنا.
اقتباس:الأصل في الزعم هو أي يجيئنا حامله بالدليل. اذا زعم شخص انه حدثت جريمة بالهند، فعليه هو اثبات ان الجريمة حصلت، بدل أن يطالبني بأن أثبت بأن الجريمة لم تحدث، فلا انا كنت في الهند وقت الجريمة، و لا كنت اتوقع ان يزعم احد وقوعها حتى اترقبها و أثبت عدم وقوعها.
و على ذلك يكفي ان يكون الزعم ضعيفا او متناقضا او بدون أدلة حتى أمتنع عن تصديقه حرصا مني على الدقة، و إلا ستجدني اصدق كل ما هب و دب من خزعبلات، على أساس أني لا امتلك أدلة على خطئها!
بالنسبة لمسألة المسيح، فلا يوجد أي اثبات وافي على صحة الرواية. هناك قلة قليلة مما يمكن أن يرمز الى المسيح في كتب المؤرخين الذين عاصروه، ثبت ان بعضها مزوّر و ملفق، و البعض الاخر جاء بعد ما كان من احداث، يذكرها ذكرا عابرا على ذمة تلاميذه و من زعموا اتباعه.
أما بولس، و هو الاقرب الى يسوع تاريخيا من بين الاشخاص الذين كتبوا عنه، فهو باعترافه لم يعرف المسيح حين كان حيا، بل هو يكتب عن المسيح ككائن روحاني. و بعد ذلك فإن الاساطير التي أضافتها الكنائس عن المسيح تكاثرت حسب الطلب على ما يبدو و لا يمكن التعويل عليها تاريخيا.
على فكرة، أنا صديق لي نمت على ظهره أجنحة بالأمس و طار في السماء هم هبط الى الارض. هل تصدقني؟ هل لديك دليل على ان كلامي غير صحيح؟ ما انوي قوله هنا هو أن المزاعم التي فيها ما يُسمى "معجزات" هي: 1) معظمها خرافات، و لا يُلام عاقل على تكذيبها، و 2) لا يمكن اثباتها او نفيها لكن الحيطة و الحذر في البحث عن الحقيقة تدعو الى التردد في تصديقها
هناك مشكلتين فى هذا الاحتجاج:
1- أنك تؤكد أن الرسل و التلاميذ كاذبين بدون دليل.
2- أنك تعتبر الإعجاز خرافة.
أنا قلت لك أن هناك أدلة لدىّ على أن التلاميذ ليسوا بكاذبين، و أنت أيضاً يجب أن يكون لديك فى المقابل أدلة أنهم كاذبين. أنا لا أطلب منك عرض هذه الأدلة هنا، ولا أنا سأعرض هذه الأدلة هنا، لأن كما قلت فى البداية، الحوار الأكاديمى له أصوله و التى لا تنطبق على هذا الحوار الذى أعتبره حوار شخصى فقط أخاطب فيه شخصك لا عقلك. و إذا كنت تعتبر هذا تطفلاً فيمكن إن نتوقف هنا. و لكن لو أردت أن نبدأ فى حوار أكاديمى حول المسيحية التاريخية، فيمكننا فتح موضوع مباشرةً فى هذا الموضوع.
الأمر الثانى هو اعتبارك للإعجاز خرافة. فأقول لو أننا نسلم بوجود إله، فلما يمكنك اعتبار المعجزة خرافة لا يمكن أن تحدث؟ أعتقد أنك تعتبرها كذلك لأنك لا تؤمن بوجود الله. فتكون هذه المناقشة غير مبنية على أساس، لأن الأساس فيها هو أن تفترض وجود الله.
اقتباس:أنا سألتك و انت لم تجبني بوضوح. ما هي المخاطر الناتجة عن عدم التعب او السهر و الامانة في البحث؟ هل سيؤدي ذلك الى "جهنم"، او "الانفصال عن اللـه" كما تقول؟
نعم
اقتباس:ثم يعني هل تعمقت انت في دراسة البوذية مثلا كما تعمقت بالمسيحية؟ ماذا عن الهندوسية و الديانة اليابانية و السيخية و ديانات الهنود الحمر؟ ام انك نبذتها كلها بعد دراسة سطحية و تتوقع ان اللـه سيحاسب من لم يتعمق في المسيحية فحسب؟
لا أنا لم أتعرض لهذه الديانات أصلاً، كى أعتنقها أو أنبذها. و أنا لم أقل أن الله سيحاسب من لم يتعمق فى المسيحية فحسب، بل سيحاسب كل من قصّر فى بحثه.
اقتباس:المسألة ليست عدم بذل المجهود، فكل الاعذار سمعتها، و لكني لست مقتنعا بها. المسألة هي أن المسيحية ديانة فيها تعدد الآلهة، تتغطى بغطاء التوحيد تحت اعذار ضعيفة. هذا رأيي. لكن انت ترد على كل شيء أقوله بالقول اني لم ابذل جهدا كافيا لدراسة الموضوع.
التناقض في الثالوث هو الاصرار على ان الاب و الابن و الروح هم ثلاثة اشخاص ذات جوهر واحد. هذا يعني ان اللـه مركّب. لكن المسيحية تنفي عن اللـه التركيب. هذا تناقض. البعض يقولون ان الثالوث هو عبارة عن ثلاثة "صور" manifestations للـه الواحد لكن على حد علمي فان اللاهوتيين يرفضون هذا التفسير.
على كل النقطة التي كنت انويها هي ان الموضوع هو موضوع "غيبيات" لا يمكن الحسم فيه بالعلم و المنطق. يمكنك كلاميا ان تقارن اللـه بكيلو برتقال، لكن هذا مجرد تقريب للفكرة، و يبقى الثالوث أمرا ايمانيا بحتا لا يمكن البت فيه.
كيلو البرتقال = عشرة برتقالات هو امر يمكننا البت فيه لانني اعرف ان الكيلو وحدة قياس الوزن بينما العشرة تدل على العدد. لكن القول ان ثلاثة اشخاص هم واحد من ناحية "الجوهر" فهو كلام لا معنى له و الكنيسة تعترف انه "سر" من الاسرار.
بالتأكيد ليس معنى أن هناك جزء يمكن فهمه عن الله بالعقل، أننا نستطيع فهم كل شىء عن الله بالعقل. الفكرة هى هل تستطيع أن تضم كل شىء عن أى شىء و تفهمه بعقلك؟ هل أنت تقول بان العقل يستطيع فهم أى شىء؟ أنا لا أعتقد بذلك، و أعتقد أن هناك مساحة من الإيمان مطلوبة. و لكن لو أن الدليل رافقك فى مسافة لا بأس بها من الرحلة، فأنت بذلك تضع إيمانك فى مكان موثوق به. لذلك لأنك اختبرت هذا الطريق خلال مرافقة الدليل لك.
ألاحظ فى كلامك أنك لا تؤمن سوى بالمادة، أو بالملموس، أو باليقين المادى. و أعتقد أن هذه القاعدة هى التى يشوبها خلل فى الإستدلال.
على أية حال، كل شخص حر فيما يعتقد.
تحياتى