حين النظر في سيرة وفقه الإمام أبي حنيفة النعمان، نجد ما يلي:

أبو حنيفة كان يعدل عن كثير من الأحاديث إن رويت عن طريق أبي هريرة أو أنس بن مالك، لأسباب لم يوضحها، ظن من قعد لأبي حنيفة أصوله بعده أن ذلك مرجوعه لاستحسان أو قياس، خروجا بأبي حنيفة أن يكون من المعسكر الآخر، لا سيما بعد أن طوى العباسيون تلاميذه تحت جناحهم وسلموا زعيمهم أبا يوسف رئاسة القضاء، وجعلهم لاجتهاده هو المذهب الرسمي العملي للدولة حتى اليوم.
أبو حنيفة أيد بالمال والرأي ثورة يحيى بن زيد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط، واعتذر عن الخروج بنفسه بسبب الودائع لديه، ثم أيد بالمال والرأي ثورة إبراهيم الإمام بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط.. مع تتلمذه على يد جعفرالصادق كما روي، مما يرجح لدي أن أبا حنيفة كان شيعيا زيديا، يرى إمامة كل من خرج من أبناء فاطمة مع توفر الشروط الأخرى، وهذا يفسر أيضا سبب التشابه الشديد بين الفقهين الزيدي والحنفي أصولا وفروعا.

وما نسب إلى أبي حنيفة من استحسان أو قياس أو غيرهما، كان إنما هو عدول عن روايات بعض من لا يرى أبو حنيفة صحبتهم ممن رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن روايات عن أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي ما استطاع أحد حينذاك الرواية عنه إلا تعريضا أو بكنية غير ما اشتهر به كقولهم عن أبي زينب أو عن رجل.

نخلص أن أبا هريرة لم يكن معدودا من الصحابة عند كل العلماء في القرن الثاني، أما القرن الأول فقد ورد أن عمر ضربه مرارا على الرواية، وأن عليا نهاه عنها، وأنه قد كان في معسكر البغاة ضد علي مع معاوية، وأن النصوص تجعل من قاتل عليا في وضع مريب إلا أن يخرج منه بتوبة... فليس علي بالذي يقرن بمن جعل مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا، مع توافر النصوص في ذمهم.