مساء الفل (f)

الزميل لوجيكال مرحبا

أعتقد أن الهندوسيّة هي التي تؤمن بآلهة كثيرة وطبقة كهنتها "البراهمة" هم الذين استطاعوا تجاوز هذه التعددية للوصول إلى وحدة الوجود . وقد جاءت البوذية كما يرى البعض كتمرّد على الهندوسيّة ( بنصوصها وكهنوتها ) ، ولكن التساؤل هو : هل كان هذا الإيمان الهندوسي حقّا بآلهة مثلما تؤمن بقيّة الأديان ؟ أم برموز(مفاهيم ) تعدّ بمثابة علامات للعامّة كي يتوصلوا من خلالها إلى وحدة الوجود ؟

وأعتقد معك بأنّ البوذيّة لا تنكر الآلهة لا لتثبت وجودها ، بل لأنها لا تهتم بها إطلاقا سواء من ناحية وجودها من عدمه ، فعندما يتحدّث " بتانجالي " كاتب سوترات اليوجا مثلا عن " الله " فهو لا يقصد الكائن الذي خلق الكون ويحاسب النّاس ، بقدر ما يقصد الحقيقة الموجودة في مركز الإنسان والتي يسعى من خلال اليوجا للتّوصل لها والتوحد بها ، ومن خلالها يكون قد توحّد بالكون كله ، وتنتهي كل الحدود ، ويكون الإنسان قد دخل في النرفانا حيث لا خروج منها بعد ، بل حيث تنتفي مفاهيم الدخول والخروج كليّا .. وهو المطلوب.

وأعتقد أن التأمّل بشتّى أنواعه سواء كان تنفّسيّا ( كالذي مارسه جواتام بوذا ) أو كان بطريقة تانترية ( الجنس والحب بشكل عام كطريق للوحدة مع الكلّ ) أو كان بطريقة الزّن الصينيّة ( الاندماج الكليّ في اللحظة والعمل الآني والاتحاد بالوجود الحاضر ) ، هذا التّأمل غرضه الوصول إلى التّخلّي Non Attachment وهو السبب الرئيسي الذي يؤدّي إلى انحباس الروح في العالم.

و الذي لا شكّ فيه أن البوذيّة تؤمن بتناسخ روح الكائن الحيّ إلى فترة لا نهاية لها حتى يصل في مرّة أو في إحدى الحيوات إلى الاستنارة ويدخل مرحلة النرفانا ، ويكون تجسّد الروح في الحياة القادمة معتمدا على قانون الكارما ، وهو قانون كوني طبيعي (لم يشرّعه إله فوقي) ، وهناك قصص عن سيدهارثا نفسه ( وهو اسم بوذا قبل الاستنارة ) تحكي كيف كان في حيواته السابقة متجسّدا على هيئة وعل برّي ، وغيره من الكائنات . ويمكن العثور على تلك القصص من نفس الموقع في مكتبة الموقع المجّانية .

أنا حاليا في طور الدراسة لتاريخ البوذيّة والهندوسية والفلسفات المجاورة لهما والمتأثّرة بهما ، ولهذا فحتّى هذه اللحظة لست واثقا تمام الوثوق من أيّ ممّا كتبته أعلاه ، لهذا أرجو تصحيحي إذا بدرت منّي تخريفة هنا ، أو شطحة هناك .

ولكن المهم هو أن "الله" الكائن المستقل الذي يحاسب البشر ويرسل الرّسل وينزل الكتب السماوية ويحشر النّاس إلى موعد لا ريب فيه ويدخل الجنّة والنار: هذا الله بوذيّا غير موجود . ممّا استدعى الإشارة هنا لئلّا يلصق أحد بالبوذية تهمة هي منها براء لمجرّد أن ( يكثّر ) من أتباع صفّه وكأنّه بكثرة العدد ينتصر في المعركة .. رغم أن نصوصهم ذاتها تنكر ذلك . لا بالقوة ولا بالقدرة ولا بالكثرة تنتصرون ...ولا بالالتصاق بغيركم "غصبا" ممّن لا يعتقد بما تعتقدون به من إله فوقي، رغم أنّكم تعتقدون بأنّه ذاهب إلى الجحيم في شتّى الأحوال سواء آمن بإله كإلهكم أو لم يؤمن . سيّان.

أراكم بعد حين :97: