لا بد أن الورقة المعنونة مذكرة احتجاجية على أوضاع حركة فتح أو استقالة جماعية منها والموقعة من عناصر من حركة فتح قد أثارت نقعا في الإعلام المرئي أكثر مما أثارت على الأرض ، فأحدثت زوبعة إعلامية خارجية دون أن تثير أي غبار أو تصدر جلبة أو تبرز ململة ما في صفوف الحركة ، فالحياة كما هي تسير دون أي تأثيرات من أي افتعال فضائي أصبح يتعمد البحث على ما تحت التراب في الشأن الفلسطيني وفي حركة فتح خاصة حاضنة الصمود ومفجرة الانتفاضات ومطلقة الثورة وصاحبة المبادرات وحركة الثبات حين يتولى الآخرون في ساحة الوغي والقنبلة الانشطارية في محيط بائس من الغياب الإقليمي والعربي ومحققة الآمال في واقع ترفسه أرجل الماعز والثيران ممن لم يدركوا في عمق الأمة أهمية استمرار النار متقدة تقري الضيفان وتسجل علامة عن بعد لتواصل النضال .

إن الورقة التي كتبت بيد منشئها ضاما له عدد ممن ذكر انتماءهم لحركة فتح تثير الكثير من الشبهات، لا سيما وأن المجلس الثوري للحركة على وشك الانعقاد لمعالجة أمور الحركة التي شخصناها في عديد الدراسات والمقالات وقلنا فيها ما لم يستطع أصحاب الورقة (إن كانوا أكثر من واحد)أن يصرحوا به أو يدركوه إدراكا حقيقيا، لماذا؟ لأن من كتبها لا يعبر في الحقيقة إلا عن رأيه لا رأي مائة أو مائتين أو ألفا ، وفي ذلك مفارقة عجيبة فالحركة التي لا تستطيع هي أو غيرها من التنظيمات الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي أن تعقد اجتماعا جماهيريا بسهولة أو تتواصل كوادرها بشكل سلس وأمين نظرا لتربص قوات الاحتلال بها ، يقول منشيء البيان أنه أجرى مع آخرين من الموقعين حوارات دامت شهورا طويلة ( ولم يعلم بها أحد من الحركة سواء في قياداتها الوسيطة أو العليا؟!) أدت لتوصلهم لهذه الورقة مما لا يتفق وصعوبة بل استحالة جمع أو تواصل مثل هذا الحشد المدون أسماؤهم في الورقة ، ناهيك عن تضمن الورقة لعدد من الأسماء الوهمية ولعدد من الأطفال وآخرين من الشهداء الذين هم أكرم منا جميعا ولا ندري كيف تحصلوا على تواقيعهم كما يذكر منشيء الورقة.

إن الانتماء لحركة فتح انتماء يعبر عن خيار ولا يعبر عن خوف من تضرر للمصالح كما أشار منشيء الورقة وإن شاب الجسد الفتحوي مما لم يذكر من مساؤي ومن سلبيات بل ومن مفاسد البعض الذين أسقطوا مفاسدهم في السلطة على حركة فتح أو العكس، وغير ذلك مما يشكل الطفيليات التي تعلق في الجسد في حلاّت من الرطوبة أو العفونة والتي هي في حركة فتح والجبهة الشعبية وحركة حماس ربما تكون قد زادت عن حدها لدرجة تحتاج به فعلا إلى العلاج بل والى النظافة المتكررة .

في لقاء استضفنا فيه الأخ جمال الشوبكي العضو القيادي في حركة فتح منذ أيام شخص الداء في حركة فتح وتفاعل الحضور من الكوادر معه بآلية تبتغي الحل وبآلية تستدعي الماضي وتنظر إلى المستقبل الوطني بكل ثقة وعنفوان فحركة فتح الآن مازالت –وكما قال أحد الأخوة- أسدا رابضا وأسدا متسيدا وأسدا ناهضا لاشك في ذلك لدى كوادر الحركة ولكن هذا الأسد عليل ، نعم نعترف وبملء الفم أن لدينا في حركة فتح علل وآفات وأمراض ومنها القابل للشفاء ومنها المستعصي الذي يحتاج إلى صبر و علاج طويل بلا كلل ولا ملل (مثل ذلك الذي قال منشيء البيان أنه أصابه) ، ولكن المهم في الأمر أن آلية التغيير والعلاج في الحركة في ظل الديمقراطية الفتحوية -المفرطة أحيانا إلى حد التسيب- هي بقوة الرغبة والإرادة في التغيير ، ولا يتبقى إلا اختيار الشخوص والزمن المناسب لإحداث الفرق . وما الأمراض المزمنة في حركة فتح إلا نتاج مسيرة طويلة مثقلة صعُب فيها تجاوز العديد وصعب فيها التخلص من الإرث وصعب فيها عدم استيعاب الجديد دون تمحيص يذكّر بالانقضاض الأول(من البعض المدفوع أو الموتور أو المتصيد أو الانتهازي) على الحركة عقب معركة الكرامة عام 1968 ، والذي ماثله انقضاض ارتبط برغبة الكسب منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ودخول الوطن عام 1994 .

إن حركة فتح جسد فتي وإن شابه ما لم يجرؤ منشيء الورقة على قوله وقلناه وقاله غيرنا الكثير من كوادر حركة فتح ذات الأقلام الناطقة والآراء التي لا تقبل الانحدار وتدعو دوما للتغيير والانقضاض على المساويء والمفسدين والانتهازيين في جسد الحركة لا الانقضاض عليها وتدميرها وهرسها .

وفي ذات اللقاء مع الأخ جمال الشوبكي افترض الأخوة أن الأطر على تقادمها-وضروة التغيير فيها- مازالت قائمة ولا بد من إعادة تفعيلها وتنشيطها في أمد قصير وصولا للتغيير الممنهج الذي يربط القديم بالحديث ولا يتخلى عن عمق أو يرفض جديد ما دام قدر الحركة أن تتجاور الأجيال الأربعة معا على مدى ما يقرب من أكثر من 40 عاما من تاريخ الحركة التي خط فيها الرواد بيان حركتنا عام 1957 ، وقلت في اللقاء أن الأسد المريض الرابض يبقى أسدا فلم يكن يوما ليتحول الأسد إلى أرنب أو شاة ولكن هذا الأسد إضافة إلى أمراضه المزمنة والتي تحتاج إلى علاج قد يطول أيضا يعاني من السمنة المفرطة مما يعني ضرورة التمحيص في آليات الاستقطاب والعضوية في حركة تجمع بين مفهومي الطليعية والجماهيرية .

إن حركة فتح لا شك تعاني من أزمة الأحزاب والتنظيمات في العالم الثالث وخاصة الأحزاب والتنظيمات العريقة مثل الأخوان المسلمين والقوميين والأحزاب الشيوعية وتتمثل هذه الأزمة برؤوس صخرية ناتئة ثلاثة :

أولا: تشابك العلاقات بين الأطر المختلفة الأهداف أو الصيغ أو الوسائل، وخاصة بين آليات الحكم وبين التنظيم أو الحزب مما جعل من المفسدة في أي منهما تضر بالآخر والحسنة في أي منهما لا تحسب إلا للإطار نفسه أو للفرد ، ولا ينكر أحد صعوبة ربط أو نز ع التداخل بين السلطة (الحكم) والحزب حين يكون في المقدمة أو في الحكم وخاصة متى ما تلازمت الانتهازية و العقلية الفاسدة مع ضعف المتابعة والرقابة مما شكل الداء الأساسي لأحزاب العالم الثالث سواء التي في الحكم أو التي خارجه.

ثانيا: الحراك الداخلي، حيث تعاني الحركة كما هو شأن العديد من التنظيمات الأخرى من ضعف آليات المشاركة ، ويشهد الله والوضع على الأرض على أن الاحتلال –وهو هنا ليس شماعة- يمثل أحد أكبر الأسباب التي تضعف هذه المشاركة نتيجة ما تفرضه قوات الاحتلال من أولويات مختلفة ونتيجة ما تفرضه من كوابح للحركة ونتيجة ما تفرضه من جنازات الأكرم منا جميعا التي تجعل من التفكير فيما عدا المواجهة أو تسيير الشأن اليومي شيئا عصيا وصعبا وهذا عامل وعامل رئيسي، ولكن العامل الآخر هو الإغراق في الديمقراطية الذي أنتج انتخابات للجان الأقاليم في الوطن لم تكن مؤتمراتها دلالة على أن الجسم الديمقراطي عفيّ بقدر ما أظهر أن الحركة تجمع بين جنباتها الصالح والطالح والأمين والحرامي والمنتمي والطامع ما أثر في مرحلة لاحقة على التفكير في إعادة برمجة المؤتمرات بشكل لا يسمح للأعشاب الضارة والمتسلقة أن تصبح هي الواجهة وهي الممثل الشرعي والوحيد للحركة.

والعامل الثالث هو تيبس المفاصل أو التكلس الذي أصاب بعض الأطر المركزية وما دونها في بعض المواقع ما يستدعي التغيير والتغيير الحذر كيلا يصبح التغيير انقلابا على كل موروث في الحركة التي أبدعت العاصفة ثم الفهد الأسود وصقور الفتح وكتائب شهداء الأقصى، كما أبدعت منابر فكرية وسياسية دللت على أن الصراع-وهو أصيل في أي حياة داخلية لأي تنظيم حيوي – قائم ومتواصل ، وهذا ما لم يدركه منشيء الورقة التي قالت باستقالة مشكوك بها لعدد لا يعرف صحته لأعضاء في الحركة، حيث أن ضعف الإدراك لقيمة الصراع ضمن آلية الحراك الداخلي ينتج في حالات عدم القدرة على فرض النموذج أو الفكرة ينتج واحدة من ردتي فعل هما: إما أن يتحول العضو إلى عضو تطهري يطالب بالمثاليات ويطالب الحد الأقصى من كل شيء جميل وصحيح وفق وجهة نظرة أو يتحول إلى شخصية انتهازية توظف قدراتها وإمكانياتها وتوظف الآخرين لخدمة أغراضها والتي غالبا ما تشكا انحرافا عن المسار العام أو عن الأهداف لأي حزب أو منظمة أو عن النهج الوسطي الذي تمثله حركة فتح في فلسطين وفي الثورات العالمية .

ثالثا: وفي ضوء ما سبق فإن ضعف البصر وأحيانا البصيرة وما يعبر عنه باهتزاز الأهداف الصغرى( وليس الكبرى المتمثلة بالغايات الفلسطينية المعروفة من التحرير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس والسيادة وعودة اللاجئين ) واهتزاز صورة الوسائل والاختلاف عليها بين التوقيتات والمراحل والاستراتيجيات وخاصة في ظل ارتجاج المرجعيات أحيانا وعدم ضبطها لآليات الحراك التنظيمي والسياسي ، أصبح هذا الضعف بحاجة لعلاج وبحاجة لتنوير يثبت المرجعيات ويقيم الآليات وفق النظام الأساسي –أي نظام أساسي مقر-.

أن وضوح الهدف والوسيلة ما يُدرك بالبرنامج السياسي والتنظيمي يجب أن يخضع لآليات الديمقراطية والتحقيق والتطوير كما يجب أن تخضع القرارات والتوجيهات للمحاسبة والمتابعة والتدقيق ضمن مرجعية موحدة لا تسمح بالخروج عن خط الحركة كما لا تسمح لكل من هب ودب وامتلك صاع أو إردب أن يقول في حركة(فتح) أي قولة بعيدا عن طرق الأبواب الصحيحة والعناوين الصحيحة .

قلت ما لم يقله المنشيء لورقة الاستقالات نقدا في حركة فتح -التي انتميت إليها وسأظل- وقلت الكثير مما يمثل أحد أشكال النقد الصارخ ولكن غير الجارح ، النقد عالي الصوت ولكن الذي لا يغرض التشكيك أو التعريض أو الشتم لأشخاص بعينهم داخل الحركة مهما أساؤا لأن في الحوار أدب عدم تناول المواضيع الشخصية، وفي الحوار أدب عدم التعرض للأشخاص في ذواتهم وكما حصل للأسف من بيانات سابقة تعرضت لأشخاص بعينهم من عدد من التنظيمات الفلسطينية وفي الحوار إغناء ورغبة في الإصلاح وحاجة للتطوير تعني أن يلقي الفرد بنفسه في أتون العملية المعبر عنها بالحراك الداخلي طويلة المدى أحيانا فيحاول أن يقصر من الأزمان والأزمات لا أن يثير الزوابع في مجالات خارجية ومرئيات ومواقع مناهضة علنا للحركة .

لقد قام الأخ هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ضمن مسؤوليته بإعادة ترتيب وضع مكتب التعبئة والتنظيم في الوطن، وربط العمل مع الأخ أبوماهر غنيم في تونس، ضمن آلية صعبة واستغرقت من كوادر المكتب جهدا كبيرا أثمر تشكيل عدد من اللجان التي تحتاج العديد من الروافع والحوافز والإمكانيات وسهولة الحركة والصلاحيات ونفض الاحتلال لتستطيع القيام بواجباتها على الوجه الأكمل ، والحق يقال أن المصاعب جمة ولا يدركها إلا من يعيش في حركة بلغت سن الرشد وامتلأت بالكثير الكثير من المخزون التفاعلي النشط ولا نكيل مديحا إذا قلنا أن الأخ هاني الحسن يكرس كل وقته –حيث لا وقت خاص لديه مطلقا- للعمل في تفعيل مسار الاستنهاض الحركي، ومعه كادر التعبئة والتنظيم رغم ما لا ننكره من الجعبة المليئة بالكثير مما نحتاجه لإعادة تنشيط جسد العملاق أو الأسد، وما يحتاج لكثير من الدفع والتواصل والتفكير الحر والمشترك.

لم يستقل أحد من أي من كوادر الأقاليم في حركة فتح وهم قيادة الصف الثالث أو الرابع ولم يستقل أحد ممن هم أدنى مرتبة ولم يستقل أحد من القيادات الأولى وهي التي نسعى لإقالة بعضها ديمقراطيا في أي مؤتمر قادم أو اجتماع موسع بغية التجديد والتغيير وضخ دماء جديدة في الجسد المتيبس ، وليس أبلغ مما قاله الأخ الرئيس ياسر عرفات في العام 1983 تعليقا على تململ أفضى لخروج أنه (يا جبل ما يهزك ريح) .

إننا بحاجة لمراجعة نقدية شاملة وبحاجة لحراك دائم وبحاجة لفهم الصراع ووضعه في نصابه وبحاجة لتجديد الأولويات وبحاجة لتجديد الأهداف الصغرى وتجديد القيادات وبحاجة وبحاجة وبحاجة الى الكثير سواء في حركة فتح أو الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، وسواء لأحزاب العالم الثالث عامة ولكن في خضم النضال وغمة الاحتلال لا بد من وقفة معتدلة وليست معوجة

بكر أبوبكر
فلسطين في 9/2/2004

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	السلطة الفلسطينية وهبلها!	السلام الروحي	27	5,984	01-09-2012, 07:53 PM آخر رد: السلام الروحي
	ماذا يعني إعلان الدولة الفلسطينية واسئلة أخرى ؟	عبادة الشايب	25	7,460	05-15-2011, 07:48 PM آخر رد: غسان الغسان
	القضية الفلسطينية: مقترح عملي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة	زيني عبّاس	50	11,807	05-15-2011, 01:56 PM آخر رد: أسامة مطر
	لماذا لايحمل الملحد العربي السلاح ؟ وكيف ينظر للقضية الفلسطينية ؟	ابن نجد	37	8,781	11-29-2010, 02:17 AM آخر رد: مرسيل
	هل حركة فتح الفلسطينية حريصة فعلاً على إجراء انتخابات نزيهة؟	المهاجر الفلسطيني	37	8,413	11-07-2009, 12:12 PM آخر رد: المهاجر الفلسطيني