من إيجاز تلك العبارة عند العرب عدُّوها غاية ما تصل إليه براعة العرب وفصاحتهم.. وذلك بعد مفاضلتها بعبارات أخرى لنفس المعنى مثل: قتل البعض إحياء للجميع، أكثِروا القتل ليقل القتل....

نعم ... القتل أنفى للقتل هي أبلغها وأفصحا في الدلالة على المعنى..

ولكن... أين هي من كلمة الله العليا وحكمته المثلى :

1. الآية شملت الضد ومقابل الضد ( في القصاص حياة ) أي: في الإماتة إحياء.
2. كلمة العرب فيها تكرار حرفي غير مستحب وغير فصيح : القتل.... القتل.
3. ليس كل قتل أنفى للقتل.. بل قد يقتل القاضي المتسرع غير القاتل.. وقد يكون للقاتل الأول سبب أو شبهة... الخ فليس كل قتل أنفى للقتل.

4. كلمة ( قصاص ) تحمل معنى القصّ: وهو التتبع. فيجب على القاضي بذل أقصى طاقته في تتبع دوافع وظروف القتل وأدلة إثبات التهمة على القاتل لأن ذلك إنهاء حياة.
ولهذا لم يقل ( في الاقتصاص حياة ) لأن الاقتصاص هو قتل لمجرد الاقتصاص مهما كان السبب والدافع .
الآية الكريمة تعيد للنفس إنسانيتها .. فمن حق القاتل المنازعة والدفاع عن نفسه.
في الآية طلب إلى القاضي : ليكن همك القصاص لا الاقتصاص.
الاقتصاص شريعة الفرد، والقصاص شريعة المجتمع.

5. ادعاء قصر كلمة العرب وكونها أقل كلمات من الآية غير مسلّم به . لأن الآية في حقيقتها تفيد معنى ( في القصاص حياة ) بينما تقدير مقولة العرب ( قتل القاتل أنفى لِقتل من لا ذنب له )..
وعلى هذا تكون الحكمة الربانية ثلاث كلمات وما قاله العرب سبع كلمات !!!!

6. كلمة العرب تفيد في الردع عن القتل فقط ، بينما الآية عامّة في كل جناية على البدن من ضرب وإيذاء وبتر وقتل...

7. القتل ظلما قتلٌ ، ولكنه ليس أنفى للقتل .. بل سبب لزيادة القتل والثأر.. وهذا خلل بياني في كلمة العرب.. ظاهره غير مقصود.. بخلاف الآية القرآنية الواضحة ظاهرا وباطناً.
8. تنوين كلمة ( حياةٌ) وتنوينها دليل على التعظيم .. تعظيم شأن الحياة .

9. التنكير والتنوين فيهما معنى العموم أي كل أنواع الحياة.. الحياة السياسية ، الحياة الاقتصادية ، الحياة الاجتماعية ، الحياة النفسية.... كلها تكون حياة سعيدة ، هانئة ، عادلة ...وهذا لم تفده كلمة العرب.

10. الآية الكريمة نصت على ما هو مطلوب بالذات.. ( الحياة ) . فالقصاص رغم أنه تفويت لحياة البعض إلا أنه يحمل معنى الحياة للأكثر.
11. كلمة العرب تحتاج إلى بيان الحيثية ( العلة ) لماذا القتل أنفى للقتل ؟
بينما الآية الكريمة بينت ذلك.

12. القصاص فيه معنى المساواة .. فقديما كان العربي إن قتل أحدهم عبدا له قتل في المقابل عبدا للقاتل.
وهذا ظلم أي ظلم .. فلا تزر وازرة وزر أخرى.
بينما كلمة العرب لا تفيد معنى المساواة.

13. لا تعدوا كلمة العرب من أن تشبه قول القائل: إن قتلت خصمك لم يقتلك.. فهل هذه بلاغة تقارع بلاغة القرآن الكريم ؟؟
فهي أشبه بعبارة قاطع طريق يتوثب على سالك الطريق: إما قاتل أو مقتول !!
وانظر إلى معنى الآية الكريمة في كلام علمي دقيق رفيع: في نوعٍ من سلب الحياة ، نوع من إيجاب الحياة.

14. نزهت الآية الكريمة تسمية ما يقوم به القاضي بالقتل كما فعلت الكلمة العربية.. فما يقوم به القاضي عدل شرعي لا جريمة واعتداء.

15. القصاص يشمل أخذ الدية والعفو فهي أقرب إلى الإنسانية من كلمة العرب التي لا تبقي للقاتل إلا حلا واحدا ( القتل ).. فيكون القاضي كأنه وحش مفترس ليس من طبعه إلا أن يفترس.

16. جاءت لفظة القصاص معرفة بأل التعريف لتدل على أنها مقيدة بقيود قانونية شرعية كثيرة.. فلا تصلح الإنسانية بغير تقييدها.

17. عاب ( سيد ) على الآية ذكرها لعبارة ( يا أولي الألباب ) باعتبارها فضلة لا داعي لها.
فهل هي كذلك ؟؟
لا يغيب عن ذهن الزملاء الكرام ، أن هناك دعوات عالمية لإلغاء عقوبة إعدام القاتل عن سبق الإصرار.. وأحسب أن بعض الزملاء الأكارم من حملة هذا الرأي.
وسبب دعوتهم تلك اعتبار القاتل كالمريض .. بحاجة إلى دواء .. بحجة أنه لا يوجد إنسان غير قابل للإصلاح ..
ولا يخفى عليكم أيها الأكارم أن هذه المبررات عاطفية أكثر منها عقلية ؛ فقلب هؤلاء الرقيق العاطفي جعل مصلحة الفرد مقدَّمة على مصلحة المجتمع.. فنبههم إلى أن حقيقة العلم لا تؤخذ بالعواطف . بل قبل ذلك باستخدام اللب والبصيرة وبعد النظر.

وهكذا نرى أن الآية الكريمة لها سبعة عشر وجهاً إعجازياً ، معنى ذلك : أنها أسقطت الكلمة العربية سبعة عشر مرة.


المراجع: تفاسير الآلوسي والرازي ومحمد رشيد رضا ، وكتاب وحي القلم للرافعي.

:wr: