{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز)
skeptic غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,346
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #5
عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز)
المثقفون والانتلجنتسيا في مصر


هذه السطور ليست تأريخا للثقافة والمثقفين في مصر، ولكنها مجرد سطور اقتضتها رؤية ذاتية للمثقفين في مصر في اللحظة الراهنة، أثارتها حادثة الروائي صنع الله ابراهيم. انها ليست سوي لمحة سريعة موجزة لظاهرة المثقفين في مصر الحديثة.. لقد بزغت جماعة المثقفين في نهاية حكم الخديو اسماعيل كفئة اجتماعية تتكون من متعلمين ومبدعين ذوي اهتمام مشترك بالثقافة والفكر نتيجة للسياسة التي اتبعها محمد علي ومن بعده اسماعيل في ادخال التعليم الحديث علي النمط الأوروبي في مصر. وقبل تبلور هذه الفئة الاجتماعية المثقفة، كان قد ظهر من قبل أفراد من المثقفين الكبار من الأزهريين أبرزهم رفاعة الطهطاوي (1801 1873)، ومن قبله الشيح حسن العطار (1766 1835) ومن بعده الشيخ حسن المرصفي (1815 1890). وتميزت هذه الفئة عن غيرها من الفئات والطبقات الاجتماعية بتنوع وتباين أصولها الاجتماعية والاثنية والوطنية والدينية، فمنهم من كان من الاستقراطية، ومنهم من كان من عامة الشعب من الريف والحضر، ومن المصريين والشوام والشركس والأرمن، ومن المسلمين والمسيحيين واليهود. وقد تطورت تلك الفئة من المثقفين التي يجمع بينهم الاهتمام المشترك بالأفكار والثقافة والابداع الأدبي والفني، وظهرت شريحتها المناضلة (الموجة الأولي للانتلجنتسيا المصرية) إبان الانتفاضة العرابية وبتأثير جمال الدين الأفغاني. فمن هؤلاء الانتلجنتسيا محمود سامي باشا البارودي الشاعر المجدد للشعر العربي وهو من الأرستقراطية الشركسية حفيد أحد المماليك ومن رجال الحركة العرابية ورئيس للوزراء خلالها. وقد كتب البارودي في يومياته: 'كان هدفنا هو تحويل مصر الي جمهورية مثل سويسرا. ولكن أدركنا مبكرا أن العلماء (يقصد علماء الدين الأزهريين) ليسوا مستعدين لأن يتقبلوا هذه الفكرة. أنهم متخلفون كثيرا عن زمنهم. ومع ذلك فسوف نحاول..'.
وعبدالله النديم خطيب الانتفاضة العرابية وهو صحفي وشاعر من أصول مصرية ريفية. وأديب اسحاق من الشوام المتمصرين من أسرة مسيحية في دمشق، تلقي تعليمه في بيروت ثم هاجر الي مصر، وقد كان نموذجا للكتاب الثوريين وأكثر أتباع الأفغاني موهبة وأصدر صحيفة اسمها 'مصر'. ويعقوب صنوع المعروف بأبونضارة وهو من عائلة يهودية واشتغل بالصحافة وكتابة المسرحيات والتمثيل، وكان الخديو اسماعيل يسميه 'موليير المصري'، وقد كان من أصدقاء الأفغاني والشيخ محمد عبده، ويعتبر من رواد الصحافة والمسرح في مصر. هؤلاء كانوا بواكير الانتلجنتسيا المصرية، فقد جمعوا بين الثقافة والسياسة بين الابداع الأدبي والفني والنقد السياسي الراديكالي للسلطة الخديوية والتدخل الأجنبي، وكان هناك أيضا علي باشا مبارك المثقف الكبير والمصري الأصيل متعدد المواهب، فهو مهندس تلقي تعليمه في مدرسة البوليتيكنيك الشهيرة في باريس ومؤرخ ومن رجال التعليم الكبار وتبوأ مناصب حكومية كبري، ولكنه يختلف عن الآخرين الذين سبق ذكرهم في أنه لم يقف ناقدا أو معارضا للحاكم طوال حياته، فقد كان بيروقراطيا وتكنوقراطيا بامتياز، فلا يمكن وصفه بأنه من الانتلجنتسيا.


الموجة الثانية


وجاءت الموجة الثانية من المثقفين والانتلجنتسيا في بداية القرن العشرين، بعد هزيمة الانتفاضة العرابية واحتلال القوات البريطانية لمصر عام 1882، وقد تمثلت هذه الموجة في الشيخ محمد عبده وتلامذته وأتباعه، ولقد قيل أن محمد عبده هو أهم مفكر أنجبته مصر الحديثة. ومنذ أن قال الخديو اسماعيل قولته الشهيرة 'إن مصر قد أصبحت الآن قطعة من أوروبا'، بقيت هذه الفكرة مسيطرة علي عقول أغلبية المفكرين في مصر طوال النصف الأول من القرن العشرين. وقد بنيت القومية المصرية الليبرالية علي فكرة وجود حضارة حديثة واحدة، أنجبتها أوروبا الغربية، وأن علي مصر أن تكون جزءا من هذه الحضارة. هذه القضية كانت تشغل فكر محمد عبده وتلامذته ومريديه قاسم أمين ولطفي السيد وسعد زغلول، وظلت موضع اهتمام بعض ممن تبعهم من الكتاب والمفكرين أمثال سلامة موسي وطه حسين، ويمكن سماع أصدائها في كتابات وأقوال كثير من الكتاب حتي هذه الأيام. وقد تركز فكر الشيخ محمد عبده علي محاولة جعل الفكر الاسلامي يتلاءم ويتكيف مع الحضارة الحديثة، وعلي كيفية جعل الشعوب الاسلامية جزءا من العالم الحديث، مع بقائها في ذات الوقت علي اسلامها. وكانت الدعوة الي التعليم هي صيحة كل المصلحين ابتداء من الشيخ محمد عبده ثم من تبعه من تلامذته أمثال قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول. كانوا رجالا آمنوا بالاصلاح وامكان تطوير العقيدة في خطاب أكثر عصرية، وكانوا يؤمنون بامكان تعايش الحداثة داخل الاطار الوطني ومواءمة الدين مع الأساليب العصرية والمتطلبات المحلية. كانوا يتبنون أفكار فيلسوف التنوير الفرنسي كوندورسيه عن فكرة التقدم الدائم للانسانية ودور التعليم والمعرفة في ذلك.
وكانوا يؤمنون بأن التعليم يفضي الي الديمقراطية وأن التقدم الطبيعي سيتيح لهم التخلص من الاحتلال والاستبداد في الوقت المناسب. وأن التعليم يتيح للمرء أن يطور ملكاته ويتيح له استخدام المنطق بدلا من العاطفة، كما يفعل الراديكاليون المتحمسون أمثال مصطفي كامل وأتباعه. هذه النزعة الاصلاحية المعتدلة التي جاءت بعد فشل الانتفاضة العرابية، دعت كرومر الحاكم البريطاني في مصر، أن يطلق عليهم اسم 'الجيروند' تشبيها لهم بالجناح المعتدل في الثورة الفرنسية.
كان أحمد لطفي السيد أبرز أتباع محمد عبده، وقد أصدر صحيفة 'الجريدة' عام 1907 ورأس تحريرها حتي عام 1914، وقد ساهم في اصدارها أعيان من ملاك الأراضي المصريين، وبعد ذلك بستة أشهر قرر مساهمو 'الجريدة' تشكيل حزب سياسي أسموه 'حزب الأمة'.و اتضحت أيديولوجية الحزب من المقالات الافتتاحية التي كان يكتبها لطفي السيد والتي كانت موجهه لطبقة الأعيان المصريين واتسمت 'بالاعتدال' في المطالب الوطنية، كما أظهر استعداد النخبة المثقفة في حزب الأمة لأن تتعاون مع السلطات البريطانية مقابل الوعد بجلاء القوات البريطانية عن مصر. كان أحمد لطفي السيد علمانيا يؤمن بأن الدين يجب أن يقتصر علي الاهتمام بعلاقة الانسان بربه، وأن الحكومة يجب أن تكون علمانية، وأن الانسان في حاجة الي الدين ليمده بعون روحي وبمنهج سلوكي، ولكنه في حاجة الي حكومة ذات طابع علماني قائمة علي مباديء المنفعة، كما نادي بها الفيلسوف والاقتصادي الانجليزي بنتام. وأنه إن كان صحيحا أن المعرفة ليست لها وطن، فإن تزاوج علوم الشرق والغرب هو الوسيلة لاكتسابنا الحضارة، بينما نحافظ في الوقت نفسه علي طابعنا السلوكي الخاص.
كان التعليم هو مفتاح فلسفته أيضا، اقتداء بأستاذه محمد عبده، وطالب لطفي السيد بمستويات عليا التعليم والصحافة، فوضع مبدأ الحرية الأكاديمية في الجامعة عندما تولي بعد ذلك منصب مدير الجامعة، فاستقال مرتين من هذا المنصب، الأولي احتجاجا علي نقل رئيس الوزراء آنذاك اسماعيل صدقي للدكتور طه حسين عميد كلية الآداب لوظيفة بوزارة المعارف دون أخذ رأيه، بسبب كتابه 'في الشعر الجاهلي'، والثانية عندما تقرر انشاء حرس جامعي لقمع اضرابات الطلبة، وإن كان هذان الموقفان التحرريان لم يمنعاه من ترك منصبه كمدير للجامعة مرتين ليصبح وزيرا في حكومات انقلابية يرأسها محمد محمود باشا (رئيس حكومة اليد الحديدية) ضد الدستور والحكومات الوفدية المنتخبة من الشعب مما يضعف مصداقيته الليبرالية.
أما بالنسبة للصحافة فقد اعتبرها لطفي السيد مهنة يمكن أن يطمح لها رجال الأدب وذلك بمحاولته اتخاذ أسلوب أكثر عصرية للكتابة، وبدعوته لأن يكون الصحفي صانعا للرأي العام و معلما للشعب، وليس مجرد كاتب يبيع قلمه لمن يجزل له العطاء.
وتحققت هذه الدعوة فيما بعد عندما مارس أدباء كبار الكتابة الصحفية مثل الدكتور حسين هيكل والعقاد وسلامة موسي والمازني. ولقد لقيت حركة اصلاح الفكر الديني والاسلامي والليبرالية والوطنية العلمانية صدي في الأعمال الأدبية والفكرية في ذلك العصر، وظهرت في المائتي جريدة ومجلة التي كانت تصدر وقتذاك في مصر. وفي أعمال اثنين من خريجي الأزهر بعد ذلك في عشرينات القرن الماضي، هما الشيخ علي عبدالرازق بكتابه 'الاسلام وأصول الحكم' وطه حسين بكتابه 'في الشعر الجاهلي'. وكلا الكتابين أحدثا ثورة وصودرا ولكن مؤلفيهما لم يقتلا أو يعتدي عليهما، وقد عبر كتاب علي عبدالرازق عن اعتقاد كان شائعا بين كثير من المفكرين وصار أكثر تقبلا بعد أن أنهي مصطفي كمال أتاتورك الخلافة في تركيا، وهو أن الرسول عليه السلام بعث ليقيم الدين الحنيف وليس ليؤسس نوعا من الحكومات. وأن العلمانية لا تعني إلحادا وكفرا، بل تعني أن الاسلام دين لا يحتاج أن يكون طرفا في حكومة وأن الحكومة لا دخل لها بالدين. وأن الحاكم ليس حاكما بأمر الله ولكنه حاكم حكمه مؤقت وسلطته مستمدة من الشعب وأن الدين لله والولاء للوطن. تلك الرؤيا الليبرالية لمجتمع اسلامي متطور وعصري وحكومة علمانية، كانت مستمدة من فكر اسلامي مستنير كانت لها الغلبة حتي نهاية عقد العشرينات العقد الفريد للثقافة المصرية وكانت لمفكرين من تلامذة محمد عبده وبتأثير فكر التنوير الفرنسي والليبرالية البريطانية.
وقد نشبت ثورة 1919 ضد الاستعمار البريطاني، واشترك فيها كافة طبقات الشعب بقيادة الانتلجنتسيا الوطنية الليبرالية بزعامة سعد زغلول تلميذ الأفغاني ومحمد عبده. وقد أدي تصاعد الحركة الوطنية الي اتجاه المصريين الي الاهتمام بالصناعة التي كان الأجانب يمسكون بزمامها.
فقام طلعت حرب وشركائه بانشاء بنك مصر وشركاته. وكانت نتائج ذلك ظهور بورجوازية مصرية حضرية وطبقة عاملة جديدة وبورجوازية صغيرة وطنية من صغار التجار والحرفيين وصغار الموظفين ورجال المهن الحرة وبخاصة المحامين والطلبة وتكونت منهم طبقة متوسطة أصبحت عماد الحركة الوطنية. وبدلا من أن تقوم طبقة البورجوازية الوطنية الليبرالية الجديدة الصاعدة، بمنافسة كبار ملاك الأراضي في السلطة والنفوذ، قاموا بالاتحاد معهم والاندماج بهم، فقد استثمر ملاك الأراضي أموالهم في الصناعة والتجارة، كما اقتني رجال الصناعة والتجارة الجدد الأراضي الزراعية الشاسعة وأصبحو هم أيضا من ملاك الأراضي، فمثلا كان شركاء طلعت حرب، فؤاد سلطان ومحمد شعراوي وهم من ملاك الأراضي وجاء رأس مال الصناعة الوطنية المصرية من مكاسب بيع القطن التي كان يحققها كبار ملاك الأراضي. وتشكل ترابطا بين ملاك الأراضي ورجال الصناعة والتجارة واندمج الطرفان فأصبح ملاك الأراضي رجال صناعة وتجارة، وأصبح رجال الصناعة ملاك أراضي ومثال ذلك أن المهندس أحمد عبود الذي أنشأ امبراطورية صناعية في البلد، صار مالكا لخمسة آلاف فدان، وعلي أمين يحيي الذي كان من ملاك الأراضي أصبح مالكا لأكبر دار مصرية لتصدير القطن. كما كان حال عائلات سلطان وشعراوي والشواربي والبدراوي وسراج الدين وغيرهم. وقد أدي هذا الي اجهاض الثورة البروجوازية الصاعدة دون أن تحقق أهدافها كاملة في الحرية والاستقلال الحقيقيين والديمقراطية الراسخة والحداثة، وكما فشل التحديث القسري من أعلي واقتصاد الدولة في حكم محمد علي واسماعيل، فشل التحديث من أسفل واقتصاد السوق الليبرالي تحت حكم ترابط البورجوازية وملاك الأراضي، في اقامة اقتصاد ومجتمع متقدم. كما تفسر الثورة المجهضة غلبة التيار الاصلاحي ثم تحوله الي المهادنة مع سلطة الاحتلال وسلطة الحكم الملكي، والتحول السريع الذي طرأ علي المثقفين ذوي الأيديولوجية الليبرالية واندماجهم في الطبقة الحاكمة الجديدة المكونة من ترابط البورجوازية وملاك الأراضي. وانقسم المثقفون الي فئتين، فئة المثقفين الباشوات الذين اندمجوا في الطبقة الحاكمة وتبنوا قضاياها ودافعوا عن مصالحها، وأصبحوا مثقفين عضويين حسب مصطلح ومفهوم المفكر السياسي الايطالي جرامشي الذي عني بتحليل أوضاع المثقفين والهيمنة الثقافية في المجتمع أمثال لطفي باشا السيد وحسين باشا هيكل، وفئة المثقفين الأفندية التي تتكون من الطلبة وصغار الموظفين والمهنيين، وهذه الفئة الأخيرة، هي الانتلجنتسيا الراديكالية التي تحول الجيل الثاني منها في عقد الثلاثينات الي جناحين أحدهما يميني ويمثله الاخوان المسلمون وحركة أحمد حسين (مصر الفتاة) ذو النزعات الفاشية والتشكيلات شبه العسكرية، مما أدي الي تفاهم ظاهرة الاغتيال السياسي (اغتيال أحمد ماهر والنقراشي والقاضي الخازندار وأمين عثمان وحسن البنا ومحاولة اغتيال النحاس). والآخر يتكون من الشباب الوفدي وعناصر ليبرالية وديمقراطية واشتراكية مثل سلامة موسي وعصام حفني ناصف. وانقسم الفكر المصري في توجهه، الي نزعة غربية تدعو الي الاقتداء بأوروبا وتقليدها وتتكون من سلامة موسي وطه حسين واسماعيل مظهر ومحمود عزمي وحسين فوزي. ونزعة شرقية وسلفية يمثلها حسن البنا وأحمد حسين. ونزعة وسطية توفيقية انتقائية ويمثلها أحمد أمين وتوفيق الحكيم ويحيي حقي تدعو الي الأخذ بالعلم الغربي مع الاحتفاظ بالقيم الروحية الشرقية.


الموجة الثالثة


'بوسعي أن أوثر السلامة بتجنب السياسة ولكنني آمنت بأن ذلك لا يتفق بحال مع احترام العقل وتقديسه السياسية هي الحياة' نجيب محفوظ في روايته 'قلب الليل'.
ثم جاءت الموجه الثالثة في أربعينات القرن الماضي بأجيالها المتعاقبة من مبدعين ومفكرين ونقاد وكتاب ، كان أبرزهم نجيب محفوظ الذي يعكس عالمه الروائي الواقع المصري منذ ثورة 1919 وحتي اليوم بكل ما فيه من تيارات اجتماعية وسياسية وفكرية وبمحتوي أيديولوجي ليبرالي اشتراكي كما تبدي في ملحمياته الثلاثة الكبار ثلاثية بين القصرين والسكرية وقصر الشوق، وأولاد حارتنا، وملحمة الحرافيش في بحثه الدائب عن معني الحياة في صراعات السلطة والدين والمال. وفي رواياته الواقعية والتعبيرية والرمزية، اللص والكلاب والسمان والخريف وثرثرة فوق النيل وميرمار وقلب الليل وليالي ألف ليلة ويوم قتل الزعيم، وكلها مفعمة بالصراعات والدلالات والنقد السياسي. وكذلك في أعماله التي تكشف عن مواقفه وأفكاره السياسية وقناعاته بشكل واضح مثل رحلة ابن فطومة وأمام العرش. والكاتب والناقد لويس عوض الاشتراكي الديمقراطي ذو التوجه والنزعة الغربية. وراشد البراوي المفكر والداعية الاشتراكي.
أما كتيبة الانتلجنتسيا التي ظهرت في نهاية الحرب العالمية الثانية في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي فقد كانت ذات توجه يساري، يربط بين النضال السياسي من أجل الاستقلال والديمقراطية وبين الصراع الطبقي والاجتماعي القائم بين الفلاحين والعمال من جهة وكبار ملاك الأراضي والرأسماليون الكبار من جهة أخري. وتكونت هذه الانتلجنتسيا من الطليعة الوفدية وهي الجناح اليساري الراديكالي المناويء للجناح اليميني بزعامة فؤاد سراج الدين سكرتير عام حزب الوفد آنذاك. وكانت الطليعة الوفدية تتكون من الطلبة والشباب ويتزعمها الدكتور محمد مندور الناقد الأدبي والكاتب السياسي والمحامي والدكتور عزيز فهمي الشاعر الأديب والكاتب السياسي والمحامي ومصطفي موسي زعيم الطلبة الوفديين. وكان محمد مندور الذي لقب بشيخ النقاد هو العقل المفكر للطليعة الوفدية ورئيس تحرير جريدة صوت الأمة الواسعة الانتشار (من الطريف أن باعة الصحف كانوا ينادون كما جرت العادة علي جريدة صوت الأمة بالصياح 'إقرأ مقال الدكتور مندور' بدلا من ذكر اسم الصحيفة نظرا لشعبيته الواسعة). وبجانب الطليعة الوفدية كانت الانتلجنتسيا تضم كوكبه كبيرة من المثقفين والمبدعين والنقاد والأكاديميين والطلبة اليساريين الماركسيين الذين تشكل وعيهم في حلقات الدراسة والنقاش التي انبثقت في ذلك الوقت كبديل للصالونات الأدبية (مثل صالون مي زيادة) التي كان يؤمها الأدباء والمثقفون في العهود السابقة. وكانت هذه الكوكبة من الانتلجنتسيا تستند علي قاعدة شعبية عريضة من الطلبة والعمال بقيادة نضالية هي لجنة الطلبة والعمال التي تكونت في صراعها ضد وزارة اسماعيل صدقي في عام 1946 والتي وصفها المؤرخ البريطاني والترلاكير بقوله 'إن التاريخ لا يعرف مجتمعا لعب فيه الطلبة والمثقفون بصفة عامة دورا طليعيا في الحركة الوطنية كما حدث في مصر'.
تتمثل هذه الكوكبة من الانتلجنتسيا من جيل النصف الثاني من الأربعينات علي سبيل المثال لا الحصر كما تعيها الذاكرة وبدون ترتيب من نعمان عاشور ويوسف ادريس وعبدالرحمن الخميسي وعبدالرحمن الشرقاوي وعلي الراعي وأحمد رشدي صالح ولطيفة الزيات ومحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس وأنور عبدالملك وأبوسيف يوسف وأحمد صا دق سعد وسعد زهران وصلاح جاهين وفؤاد حداد والمفكر الاسلامي الديمقراطي المستنير خالد محمد خالد والرسام التشكيلي عبدالهادي الجزار الذي سجن في 1949 بسبب لوحته المسماه 'الجوع'. وما تبعهم من أجيال مثل صلاح عبدالصبور وأمل دنقل ونجيب سرور وأحمد عبدالمعطي حجازي وكاتب الدراما ميخائيل رومان وغيرهم. وقد شكلوا ثقافة بديلة يسارية منحازة لمصالح الطبقات الشعبية، نقدية الطابع وتتسم بالاستنارة والعقلانية وظهر بجانب الوعي الوطني والديمقراطي وعيا طبقيا واجتماعيا يدعو للعدالة الاجتماعية. وكان هذا الجيل دعاة تواصل ثقافي وحضاري مع أوروبا، بالرغم من نضالهم ضد الامبريالية الغربية، سيرا علي خطي المفكرين المصريين السابقين الكبار، رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك والشيح محمد عبده ولطفي السيد وحسين هيكل وطه حسين والعقاد الذين كانوا يؤمنون بوحدة الحضارة الانسانية والتراث الانساني. فقد كانوا يرون أنه لا يوجد تناقض بين الأصالة والمعاصرة أو بين الموروث والوافد كما يجب أن يسميها البعض فالحضارة الاسلامية كانت نتاج التفاعل مع الحضارة الفارسية والبيزنطية واليونانية.


06-12-2005, 03:21 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
عودة الإنتلجنتسيا (حسين عبدالعزيز) - بواسطة skeptic - 06-12-2005, 03:21 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  عودة إلي مسقط الرأس: وأنا رأيت بيت لحم يا مُريد ! بسمة 2 740 10-26-2005, 09:10 AM
آخر رد: بسمة

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS