عزيزي ديدات تحياتي،
دعني أبدأ ردّي بملاحظة صغيرة، وهي إطلاعي على مداخلاتك ومواضيعك الأخرى. ولا أنكر بأنها مواضيع هامة. لكن ما لا أقدّره فيك هو الطريقة "
الإستهزائية" العدائية التي تعبّر عنها نحو الكتاب المقدس. والحقيقة لم أحب طريقتك الإستهزائية أيضاً في موضوعك عن الحمير في الكتاب المقدس. يعني أنت تستهزئ قبل أن تحاور وتفهم. برأيي، افهم أولاً، وبعد ذلك لنرَ إن كان سيبقى لديك سبباً للإستهزاء.
وكما ترى يوجد أمامك عدة أشخاص للحوار. إن لم يعجبك الآخرون فأنا هنا. والواقع، سأعطيك الفرصة لأرى إن كنت مستعداً السير معي بحوار عقلاني محترم وبنـّاء. وإلاّ فلا حاجة للإستمرار!
وما يؤسفني ويصدمني هو استعدادكم السريع لابتلاع أفكار بعض قادتكم الدينيين الهادفين تضليلكم، والمتصلبين بتعصب لعداء كل ما يناقض ما اعتاد المجتمع الإسلامي الإيمان به. فبدلاً من محاولتهم زرع روح التسامح والتقارب بينكم وبين أتباع الأديان الأخرى، يزرعون فيكم روح العداء والغيرة العنيفة وتوسيع فجوة البعد عن الآخرين. لقد اختلقوا لكم أفكاراً بأن يسوع المذكور في الكتاب المقدس ليس هو المسيح الموعود به. لقد اختلقوا لكم فكرة أن الكتاب المقدس جرى تحريفه. وأنتم بدوركم برهنتم أنكم "بالوعة" مستعدة أن تبتلع بـِنـَهـَم كل فكرة ترضي عواطفكم المعتادة على ذلك الدين. لا بل رضيتم التلاعب بمعاني آيات قرآنكم التي تحثكم على الإيمان بالمسيح والكتاب المقدس. وها أنت الآن تلصق التهمة التي حذرك منها قرآنك، معتبراً "يسوع من الأنبياء الكذبة"!
ما هو إذاً اختلافكم عن اليهود الذين قتلوا يسوع معتبرين إياه مسيحاً كاذباً؟ ألا تلاحظ بأنكم أنتم أيضاً تقومون بفعل "صلبه" (إعدامه) ثانية على طريقتكم، مثلكم مثل اليهود؟ إذا كان قادتكم الدينيون لا يريدون إظهار الولاء لحقائق الكتاب المقدس، ويقاومونه بعنادهم من أجل مصالحهم الشخصية، فلماذا تتبعون أضاليلهم بأعين مغمضة كما فعل قبلكم الشعب اليهودي، ورفض المسيح، وهم لا يزالون بانتظاره حتى الآن؟
يا حبيبي، قبل الحكم على الأمور، ورفض المسيح بتلك الطريقة ("الكافرة")، حاولوا أن تفهموا جيداً معنى كلماته. هل إساءة فهمكم لمعاني كلماته تبرر قفزكم الفوري لاتهامه بأنه كاذب؟
آه، أفهم عليك! اتهامه بالكذب هو الوسيلة الأسهل والأقرب والأبسط لتمسككم بما أنتم عليه! فلمَ التغيير؟ ولماذا عناء التفكير والتغيير؟ يناسبنا ويلذ لنا أن نبقى على ما وُلدنا فيه. فهو الصواب! فلنبقَ إذاً على ما نحن عليه! أليس كذلك؟
نأتي الآن إلى موضوع حضرتك:
الواقع بعد قراءتي لرد الزميل عبدالمسيح شعرت بعدم ضرورة تدخلي. فما أعطاه الزميل من أفكار وأجوبة كان برأيي كافياً. لكن بما أنكم بانتظاري بحسب وعدي لكم، سأحاول أن أضيف فقط بعض الأفكار. وكل أملي أن تفي بالغرض.
من الجدير ذكره، وللتمهيد للبحث، أود الإشارة إلى أن بعض نبوات الكتاب المقدس لها غالباً إتماماً واحداً فقط. بينما في حالات معينة لها إتمامين. ونجد أحياناً أن البعض منها لها حتى ثلاث إتمامات. وطبعاً ليس من الضروري أن نأخذ كل الإتمامات بالمعنى الحرفي ذاته. فالبعض منها لها مجرد إتمامات رمزية أو "صـُوَرِية" (تصويرية)، يعني معنوية فقط.
اقتباس: ديدات كتب/كتبت
تنبا لهم ان انتهاء العالم يسبقه عدة ايام تبدأ بمشاهدة رجسة الخراب فى المكان المقدس
العفو يا عزيزي، فأنت تخلط هنا!
رجسة الخراب التي يتحدث عنها هنا هي بالتحديد القوات الرومانية التي دخلت هيكل أورشليم سنة 66 ميلادية بقيادة سيستيوس غالوس بهدف تدميره والقضاء على التمرد اليهودي. والواقع دمرت جزءاً منه، لكنها توقفت بعد ذلك وانسحبت مبدئياً، لتعود إليه ثانية سنة 70 ميلادية بقيادة تيطس، وتدمر أورشليم بشكل كامل مع هيكلها.
طبعاً التسمية "رجسة" تعطي معنى النجاسة. وهذا الأمر يتناسب مع النظرة اليهودية بأن كل الشعوب الغير يهودية (الأممية) هي نجسة. فكيف إذاً لأرجل أولئك النجسين الرومان أن تطأ أقدس مكان يهودي (الهيكل)؟!!
لكن بما أن يسوع كان يعطي الجواب بطريقة ثنائية، (1 - دمار أورشليم 2 - نهاية الأنظمة البشرية)، يمكننا الآن أن "نجتهد" لإيجاد إتمام ثاني. لكن هذه المرة سيكون الإتمام متناسباً مع وقتنا وعصرنا، إذ لا يوجد هيكل حرفي لأورشليم، ولا حتى يهم الله في ما بعد مصير الأمة اليهودية من أجل إتمام نبواته.
اقتباس: ديدات كتب/كتبت
ثم يمر العالم بضيق عظيم ليس له مثيل ,
نبوة لها إتمامين: الأول على أورشليم بسبب الحصار الروماني، والثاني لوقتنا الحاضر (الأيام الأخيرة)، والتي ستشمل ضيقاً لشعوب الأرض جمعاء على كل الأصعدة: اقتصادية أمنية حياتية الخ ... وهذا سيكون المرحلة الأخيرة التي سيتلوها بشكل فوري التدخل الإلهي بواسطة يسوع المسيح وملائكته لإنهاء الأنظمة الشريرة لأرضنا، من ثم تأسيس ملكوت الله عليها.
اقتباس: ديدات كتب/كتبت
ويلى ذلك سقوط النجوم على ارض واظلام الشمس والقمر واضطراب الفضاء وانفجاره بمجراته ونجومه وكواكبه
- فى هذا المشهد الكونى المرعب ...
سقوط النجوم بحسب نبوات الكتاب المقدس لا يجب أن يؤخذ بطريقة حرفية. وطبعاً يكفي أن نفهم في وقتنا ما معنى الكلمة نجم (يعني "شمس") لندرك بأنه من غير المنطقي أن تسقط الشموس على أرضنا هذه التي تعتبر مجرد غبرة في هذا الكون الفسيح. ومن غير المنطقي أيضاً ان يبقى بشر على قيد الحياة عليها ليشهدوا، بعد سقوط الشموس، رؤية علامة ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء!
من ناحية أخرى، ماذا سيكون قصد الله من تخريب ما خلقه؟ لقد عمل الكون ونجومه ليبقى، لا ليجري تدميره وحرقه بطريقة يائسة عشوائية وبلا معنى!
في الواقع هذا يقودنا إلى بحث جدي أفضل من أجل الوصول إلى المعنى المراد. وفعلاً، فالكتاب المقدس يشير في عدة أماكن إلى
السلطات السائدة كـ "سموات" (من السموّ). والكواكب والشموس فيها هم البارزون الذين ينظر إليهم الناس بأمل. كما أن الكلمة "أرض" يمكن أن تعني المجتمع البشري، وليس بالضرورة الأرض الحرفية.
هوذا أحد الأدلة على ملك بابل مصوَّراً كـ "سموات":
" 14: 12 كيف سقطت من
السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم
14: 13 و انت قلت في قلبك
اصعد الى السماوات واجلس على جبل الاجتماع في اقاصي الشمال
14: 14 اصعد فوق مرتفعات السحاب اصير مثل العلي" – إشعياء 14 : 12 – 14.
http://st-takla.org/pub_oldtest/23_jesa.html
وإليك إشارة أخرى إلى نبوخذ نصر كـ "
سموات" (أي أن الله هو صاحب السلطان):
"4: 20 الشجرة التي رايتها التي كبرت و قويت
وبلغ علوها الى السماء ومنظرها الى كل الارض
4: 21 واوراقها جميلة و ثمرها كثير و فيها طعام للجميع و تحتها سكن حيوان البر وفي اغصانها سكنت طيور السماء
4: 22 انما
هي انت يا ايها الملك وسلطانك الى اقصى الارض
4: 25 يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة ازمنة حتى تعلم ان العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء
4: 26 وحيث امروا بترك ساق اصول الشجرة فان مملكتك تثبت لك عندما تعلم ان
السماء سلطان" – دانيال 4 : 20 – 22 و 25 – 26.
http://st-takla.org/pub_oldtest/27_dan.html
إذاً فنبوة يسوع تشير إلى اضطرابات رهيبة في أنظمة الحكم البشرية في وقت النهاية، مصحوباً بما عبّر عنه بالقول: " تظلم الشمس والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء".
ماذا يعني هذا القول؟
حسناً، فالظلمة هي إشارة إلى زوال حالة الإزدهار أو الظروف المؤاتية. فالأحوال الإيجابية ستفسح المجال إلى الأجواء البشرية المظلمة التي ستعتم الرجاء أمام الناس، كحالة غيمة أو ضباب يغشي حياتهم. والواقع نجد تعبيراً في اللغة العربية يـُستعمَل حتى يومنا هذا بالقول: "السما اتطربقت على رأسي" (السماء سقطت على رأسي) للدلالة على أن كل شيء يسير في الحياة بشكل معاكس، ولا منفذ!
اقتباس: ديدات كتب/كتبت
سيأتى يسوع فى السحاب مع ملائكته التى يرسلها لجمع المؤمنين به من كل انحاء العالم
للأسف، غالباً ما تجري إساءة فهم هذا التعبير! فمعظم قراء عبارات الكتاب المقدس لا ينتبهون للكلمة "
سحاب. إذاً صار غير منظور لهم في ما بعد.
ولذلك عندما يتحدث يسوع في اقتباسك أعلاه بأن يسوع سيأتي مع ملائكته في السحاب، هذا يعني بأن حضوره سوف يكون
غير منظور للأعين البشرية. إنما الدمار وتخريب الأنظمة البشرية الشريرة سيجري إدراكها ورؤيتها طبعاً.
يتبع ...
(سأتوقف هنا مبدئياً لتجنب إعطاء رد طويل ومثبط للقراءة. سأعود إن شاء الله للمتابعة في ما بعد.)