اقتباس:*
إن الحياة حركة، لا تشريع. إنها لا تُتَعلَّم، بل تخرق التعاليم. أما الإنسان فهو آلة وحافز.
هذا يناقض كلامه السابق ، فهو يطالب بعدم الصدام مع الطبيعة ، والطبيعة ثابتة ، فإذا جاءت قوانين وشرائع مطابقة للطبيعة ، اذا ستأخذ صفة الثبات . تناقض ما لنا الا السكوت له ..
والتناقض عموما لا يدل على رؤية شاملة مترابطة ، بل يدل على ان التفكير جاء كرد فعل لأمر معين . والتناقض مشكلة واضحة و واسعة في الفكر المادي ، و يبدون كمن لا يبالي بها . مع أن التناقض في رايي كاف لإسقاط اي فكرة .
هم يخشون من الجزء ، والمشكلة تأتيهم دائما من الكل .
اقتباس:*
إن الذين ينزعون إلى تقييد حياتهم بالمحرَّمات، تديُّنًا أو تغنِّيًا بالفضيلة، إنما يكشفون بذلك عما في أنفسهم من استعداد للهرب من الحياة.
لماذا لا تقول انه هرب من الرذيلة ؟ اليست هذه اسهل ؟ لماذا نذهب الى التفسير الابعد مع وجود التفسير الاقرب ؟ لماذا جعل الرذيلة هي الحياة ؟ الحياة تشمل الخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، فهل نحن مطالبين باخذ كل ما في الحياة ؟ هذا ما يبدو من كلامه .
فكرة عدم الفصل بين الخير والشر هي التي تقتضي تسمية الكل بالحياة ، اي اقبلها بخيرها وشرها ، والخير والشر متناقضان ، فكيف الجمع بين متناقضين ؟ وهذا امر لا يفعله صاحب الحياة ، فالحياة فيها خطر وأمن ، وهو يتجنب الخطر دائما ولم يجمع بينه وبين الامن ! اذا لماذا لا يقبل الخطر والضرر كجزء من الحياة ؟
اذا قبول الحياة بكل اوضاعها فكرة غير واقعية وغير منطقية . وهذه الفكرة أسميها فكرة وحدة الحياة ، وهي عدا فكرة وحدة الوجود ، يعتمد عليها الفكر العلماني والملحد والدنيوي ، الذي لا يحب التفريق بين الخير والشر ، على اعتبار انه من الممكن ان يستفيد من كليهما متى شاء . لكنه لا يقبل هذا الخلط ابدا اذا كان الامر ضد المصلحة . وهذه صورة من صور التناقض الكثيرة في العقلية الملحدة .
اقتباس:*
الذين يحرِّمون على البشر سلوكًا أو شيئًا ما إنما يعنون أن يحرِّموا عليهم الذكاء والحرية والمقاومة.
هذا كلام غير واضح من حيث الربط بين الامرين . كأنه يقصد انهم يحرّمون عليهم التجربة ، ولو كان من يفكر مثل القصيمي يفعل هذا في كل شيء ، لكانت الفكرة مقبولة وغير متناقضة . ولكن فيما يتعلق بمصلحته ، فهو يحب النصائح الجاهزة ولا يحب اعادة تجربتها بنفسه ، فعندما يرى لوحة : احذر خطر الموت ، فهو لا يحب ان يتأكد بنفسه حتى لا يكون غبيا ، اما ما يتعلق بالدين والاخلاق فيقول : اتركوني اتأكد بنفسي حتى لا أكون غبيا . وهذا التفريق ليس له مبرر منطقي ، اذا الفكرة متناقضة ، والمتناقض ساقط .
وكل فكر متناقض هو فكر ميت او في طريقه اى الموت . لأن التناقض لا بد ان يكتشف ، والتناقض ضعف في التاليف والبناء . وهو صدام وصراع داخلي في بنية الفكر ، يهدم بعضه بعضا من الداخل .
اقتباس:*
إن التحريم يعني أنه يوجد شيء فوق البشر؛ إنه دائمًا دلالة أليمة على أن الإنسان محكوم من بعيد.
الإنسان ليس الها ولم يخلق نفسه ، ويعرف في داخله انه منتمي لشيء وانه لم يأت من فراغ ، ويحب ان يكون محكوما من بعيد ، ولكن بقوة حكيمة راشدة . ويحب ان يكون مرتبطا بالحقائق والخير ، وليس الخير رباط قهر وأذى للنفس كما يرى القصيمي . بل هو راحته واستقراره .
الانسان لا يحب ان يكون قشة ليبرالية في مهب الريح ، لاحظ ارتباط الانسان بوطنه وقوميته ومجتمعه واسرته وجذوره ، حتى تفهم ان الانسان ليس ليبراليا بالفطرة ، بل منتميا بالفطرة ، بل يتألم اذا قطع عن هذه الارتباطات ، ويناضل حتى لا ينقطع ارتباطه باصدقائه واشيائه التي يحبها . وهذا يؤشر الى ان الانسان في داخله عبد وليس الها . وهذه من الخيوط التي تدل على وجود الله . الاله هو الذي لا يرتبط بأحد ولا يناسبه ذلك ، فهو الغني الحميد .
الحاجة الانسانية للارتباطات لسابقة ، تدل على ان له حاجة لارتباط اكبر ، وليست هذه فقط حاجته للارتباط ، لو كان الانسان ليبراليا بطبعه لملّ من اهله واحبابه ولما بكى على فقد احدهم ، بل يفرح حتى يبدله بغيره ويتحرر من قيده ، وصارت متعته ان يبدّل في كل شيء وينطلق الى كل شيء .
اذا المادية والالحاد لم يفهما الانسان ، هذا سبب المشكلة كلها . و هنا تكون معاكسة الطبيعة رذيلة .
القصيمي يتصور ان الانفلات هو الطبيعة ، بينما الارتباط هو الطبيعة ، ومن شاء أن يتأكد فليتأكد بنفسه . والانسان يُعرف من خلال ارتباطاته ، ولا يعرّف به إلا من خلالها ، لاحظها من الإسم والبلد والديانة والمذهب الفكري والهواية إلخ .. ولا يعرَف من خلال انفلاتاته وليبراليته . ولو كانت السعادة في الانفلات وعدم الارتباط ، لكان الايتام اسعد الناس لانهم بلا اهل يرتبطون بهم .
القصيمي يتصور ان الدين سلطة ضاربة تفرض على الناس ما لا يريدون رغما عنهم . وهذا التصور سطحي جدا ، جاء من معاناة شخصية ربما ؛ لان الناس هم من اعطوا رجال الدين هذه القيمة .
حاجة الناس للدين هي التي صنعت رجال الدين ، وليس قوة في رجال الدين . كما ان حاجة الناس للسياسة صنعت رجال السياسة ، وملـّكتهم أمور الناس ، وليس قوة خاصة في رجال السياسة . السياسي لا يحكم بارادته هو بل بارادة الناس . اذا لا السياسي ولا رجل الدين ولا رجل الفن ولا الادب ولا العلم ، كلهم صنعتهم حاجات الناس وليسوا هم من فرضوا انفسهم على الناس رغما عنهم .
الانسان لديه غريزة الارتباط ، والفكرة الليبرالية من هذا المنطلق لم تؤسّس على اساس الانسان ، هي تتصور ان الانسان يريد الانفلات على طول الخط ، وهذا جهل واضح في ماهية الانسان ، الانسان يريد ان يرتبط بالفضيلة والحقيقة ، و الا فلماذا الانسان عنده عقل ؟ لو كان اصل الانسان الليبرالية ، لما احتاج للعقل ؛ لان العقل يثبت ، وهو رباط .
اذا طبيعة الانسان انه يبحث عن الاشياء الصحيحة ليرتبط بها ، لا ان ينفلت منها بلا جذور و لا طاعة ولا ولي ولا مبادئ . والعقل لا يفهم الا من خلال الربط وليس الانفلات . وهذا ما يفسر لنا الشعور بالوحشة والفراغ الداخلي الذي يعانيه اكثر الشباب في الغرب ؛ انهم يعانون من الليبرالية ، فهي بحد ذاتها مرض .
لماذا لدى الانسان رغبة المعرفة ؟ ألينفصل عنها وينفلت ؟ لا بل ليرتبط بها ، اذا فكرة الليبرالية المطلقة فكرة غبية وساذجة ولا تمثل الانسان . نعم الانسان يريد ان يكون ليبراليا تجاه الخطأ و الشر والظلم ، لكنه يريد ان يكون محكوما من قبل الحقيقة والخير .
واللذة والحلاوة التي تصاحب كلمة حرية ، هي التي أوهمت الماديين في ان اصل الانسان يريد الحرية ، هذه الحلاوة لهذه الكلمة جاءت بسبب الظلم والالزام بما لا يلزم وكثرة شيوعه في المجتمعات . لكن اذا نظرنا اليها بعمق نجد ان الانسان لا يريد ان يزيد هذه الليبرالية الى ما لا نهاية ، بل يريد ان يرتبط ، والاساس هو الارتباط ، وطلب الحرية هو عرض ، بسبب ظروف طارئة من تسلط الشر .
اقتباس:*
إنه لولا رجال أصحاء جاءوا يبشِّرون بالحياة ويصنعونها ويمارسوها، جاءوا يدعون إلى مجد الأرض ويشيدوا بمجد الشهوة والغريزة بسلوكهم ومنطقهم، لما استطاعت الإنسانية أن تعبُر الصحراء الرهيبة الفاصلة بين البداوة والحضارة.
قبل قليل يمجد الليبرالية المطلقة ، والان يمجد الارتباط بالشهوة ، وهذا تناقض !
المطلوب عند الملحد : اترك الدين والاخلاق و ارتبط بالشهوات ! هذا هو كل فحوى كلام القصيمي ، فلماذا لم يكتب بهذا الشكل الواضح والصريح ؟ هل الامر مخجل ؟ لماذا الخجل ؟ اليس مرضاً من بقايا الدين ؟ وهؤلاء الرجال الاصحاء لماذا لم يقولوها بكل صراحة ؟
البداوة هي الاقل ارتباطا والاكثر ليبرالية ، والاديان صاحبت الحضارة ولم تصاحب البداوة . تاريخيا : الأديان هي التي اقامت الحضارة وليست البداوة ، فاين يذهب القصيمي من الحقائق التي تلاحقه ؟
الحضارة بنت العقل ، والهمجية بنت الشهوات . وهو يدعو إلى الشهوات بدون قيد ولا شرط كما دعا استاذه نيتشه الاهوج من قبله .
اقتباس:*
الفضيلة قدرة، لا فكرة.
يشير الى كلام نيتشه تماما ، عندما قال أن الرذيلة هي الضعف ، والفضيلة هي القوة ، والقوة قدرة ، وها نحن نفسّر له ألغازه وهو لا يكاد يبين من شدة الخجل . و بعد هذا الغموض يشتكي من عدم وضوح القرآن !
اقتباس:*
كيف يستوعب العقل البشري أن الآلهة تغضب على الذين يضحكون ويفرحون وترضى عمَّن يحزنون ويبكون؟!
ليس بعد هذه السطحية سطحية .. يضحكون من ماذا ؟ ويبكون من ماذا ؟ لماذا لم يفصّل ؟ هل تريد من الله ان يحب من يضحك على سحق الضعفاء وانتثار اشلائهم ، ويغضب ممن يبكي بدافع الرحمة ؟
نيتشه مجنون ! لماذا يربط نفسه به ؟ والمرء من قرينه . القصيمي ليس ملحدا بل ملاحدة .
اقتباس:*
أهل الأديان يريدون تحويل التاريخ كلِّه إلى مبكى بعد أن حوَّلوه إلى معبد. لقد ابتكروا خصاء الرجال ليفقدوهم كلَّ طموح إلى الحرية والتمرد والاستقلال والمقاومة، ليفقدوا حوافز المجد والغضب للكرامة عند فقدانهم الرغبة الجنسية.
هذه المرة فرويد الملحد يتكلم !!
هذا كلام عام يراد منه التشويه ليس إلا ، هو يعلم ان الاسلام يحرّم الخصاء ولا يكبت الرغبة الجنسية بل يوجهها ، وأديان أخرى ايضا ، وليس الخصاء خاصا بالاديان ، فهو يمارس حتى مع الحيوان احيانا .
والأديان الاخرى بشكل جزئي تحمل مثل هذه الشذوذات والأخطاء . واقتناص الاخطاء من اي دين في الاديان وتعميمه على البقية ، هذا منهج فاسد ؛ لأنه يكشف النية والإغراض ، وهو من مغالطات التعميم . لو أنه قال : أكثر الأديان أو بعض الأديان ، لكان أوجه . وهذه بحد ذاتها تكشف عدم مصداقية الرجل وأن اخباره ليست ثقة . فهو يتحدث كذبا الان ، والتعميم من انواع الكذب . اذا سرق واحد من المجموعة ، وقلت ان كل المجموعة سراق ، فانت تكذب الان ، مع وجود السرقة في احدهم ، على سبيل العقاب الجماعي ، وهذا احتقار للمنهج العلمي الذي يدعيه .
وبعد هذا ، هل يستطيع ان يقول احد ان القصيمي موضوعي وعلمي في نقده ؟ لن يقولها الا صاحب هوى ، خصوصا بعد ان يقرأ هذه السقطة السابقة .
اقتباس:*
إن الشهوات هي التي تغيِّر الأفكار وهي التي تخلقها. عواطفنا هي التي تحكم عواطفنا، وشهواتنا هي التي تحمينا من شهواتنا.
هذا الكلام غير منطقي من ناحية أن الشيء لا يـُغيّر بنفسه ، بل من خارجه ، هو يتكلم عن ترك شهوة لوجود شهوة اهم منها ، وهذا لا يعني تغيير الشهوات كلها ، هذا تغيير نوعي وليس كلي .
مادام ما في انفسنا الا الشهوات ، اذا حتى نتغير لا بد ان نغير ما في انفسنا ، (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . وهو جعل الشهوات هي التي تصنع الافكار وتغيرها ، ولكنه لم يوضح لنا ما هي العواطف وما دورها ما دامت الشهوات هي كل شيء وما دام ان حياتنا من صنع افكارنا وأن افكارنا من صنع شهواتنا .. هو لم يقل ان عواطفنا تحمينا من شهواتنا ، كان يمكن الفهم ، مثل من يشتهي مثلا قتل خصمه طمعا ولكن تمنعه عاطفة الرحمة ، من الواضح انه لا يريد هذا المعنى ، بل يريد ان يجعل الشهوات هي المحرك لكل شيء . وكأنه يريد ان يجعل الانسان شيئا واحدا وليس ثنائيا كما هو انسان انساني و انسان مادي شهواني ، و كلاهما في شخص واحد . هو انا وأنت واي شخص .
يتبع ..