مرحباً للجميع :
حقيقة أحببت أن أعود لأعلق على الموضوع بمداخلة سريعة حول الأبحاث التي تجرى في مجال علوم الحياة ... لكن نظرة تأمل على الموضوع ووجدت أنني في مأزق حقيقي ، عن ماذا سأكتب وفي ماذا سأنظر ؟
فالموضوع المطروح قد يكون يركز على ناحية معينة في أبعاده ولكن هناك مجموعة يجب أن يتصل فيها من حيث القواعد المعرفية التي يجب أن تسنده ، وموضوع مثل هذا وإن بدا بسيطاً مباشراً في الطرح فإنه لا يبدأ من داروين فقط ولا ينتهي عند علم الاقتصاد مروراً بعلم الاجتماع وكل هذا وذاك وفق المنهج العلمي المستند لقواعد الإحصاء التطبيقي ...
ولأني قرأت في معظم هذه المواضيع وإن كنت غير متخصص ولم أقرأ الكتاب تحديداً بسبب أولويات القراءة التي أعانيها واللائحة الطويلة التي تنتظر جاهل مثلي يعاني الكسل المزمن أن ينجزها قبل أن ينجز هذا الجسد وقته ويتخذ قراره ، فقد قررت فعلاً الصمت اعترافاً مني بجهلي وإقراراً بأن أي مداخلة أو حتى مجموعة مداخلات لن تفي الموضوع حقه من الدرس فالموضوع واسع ومتشعب وفي النهاية الموضوع برمته مجرد رأي .
إن جل ما أريد قوله خصوصاً لهالة وبهجت -كونهما انتظرا تعليقي علّه يكون مفيداً (وليت شعري)- أنني حاولت بهذا التعليق "الصغير" أن أبين مدى الجهل الذي يعتريني لا أكثر "المختصر المفيد " ...
واعترف أني لن أتكلم في الموضوع بتوسع ولكني سأطرح بضعة أفكار اختصاراً لوقتكم ورحمة بكم من كلامي الفارغ ، وبناء على المقدمة السابقة أعتقد أنكم استنتجتم أنها كلها من أجل التمهيد "للتخبيص" القادم على لساني ...
عند الكلام عن اختلاف القدرات الذهنية (Mental Power) فإن أول شيء يخطر في بالنا هي الفروقات الفردية التي تؤطر هذا الموضوع امتداداً من الرجل والمرأة مروراً بالتصنيفات الطبقية ووصولاً إلى المتمدنين وغير المتمدنين (أولاد المدارس والفلاحين)* . ومن هنا إذا اعتمدنا الداروينية ومبدأ البقاء للأصلح على المستوى الفردي فقد نواجه دعوات بأن هناك عنصرية كامنة في خطابنا أقل ما تدل عليه هو الفروق التي نوه إليها دارون (شيخ الكفرة والمارقين من الدين ) بين الرجل والمرأة في القدرات الذهنية ، وسندخل في جدل بيزنطي حول إشكالية الرجل والمرأة لنصل منها إلى الداروينية الاجتماعية ولنتكلم عن أعراق متفوقة وأخرى دنيا ... وبالتالي سوف نجد على الخط معارضين يتسألون عن أمرين ملحين وهما :
1- ما مدى علمية نطرية الدراوينية الاجتماعية ؟
2- أليست الداروينية الاجتماعية أحد مفرزات البرجوازية المعاصرة المقابلة للماركسية المادية التاريخية ؟
وبالتالي سوف ندخل قبل أن نبدأ بالموضوع في أحاديث حول أيهما أصح الدراوينية الاجتماعية أم المادية التاريخية ... مع ان فكر المدرسة الحتمية تراجع بشكل كبير في النظريات الاجتماعية الحديثة ....
من هنا من على إرتفاع أكثر من 1000 متر مكعب عن سطح بركة الماء المجاورة لخيمتي ... أقول لكم وبالفم الملآن أنني لن أخوض في النظريات السابقة رغم أن الموضوع متصل منفصل ... أي بمعنى آخر لو نظرنا إلى المادة وقوانينها (مثلاً) لوجدنا أن هناك مجموعة قوانين مختلفة ومتضاربة أحياناً تحكمها ففي الحجوم الكبيرة نحن نتبع "النسبية" منها وفي الحجوم الذرية نحن نتبع "الكمية" منها ...
وعلى غرار ما سبق قد يتصل الموضوع بالنظرة البيولوجيا من جهة على المستوى الفردي ، لكننا سنضطر إلى تطبيق معايير أخرى على هذا الموضوع عندما نبدأ بالنظر إلى المجتمعات الإنسانية ككل ...
وبدون كثير كلام ، اعتقد أن كثيرين منكم توصل إلى نتيجة مفادها أننا بحاجة إلى تخفيف كم البيولوجيا في الدراسات المجتمعية مع عدم إهمالها وإلى زيادة جرعة علم النفس والاجتماع مع عدم الخضوع المطلق لاستناجاتهما ...
وحتى نستطيع خلق مقاربات صحيحة أو تقارب الصحة في علوم الاجتماع غالباً ما يتم اللجوء إلى علم الإحصاء التطبيقي كي يحل مشكلة الحالات الشاذة التي تواجهنا دائماً كي نستطيع أن نثق قدر الإمكان في الاستنتاجات التعميمية ، ولا بد من الإشارة أن الاستنتاجات التعميمة ليست شر مطلق ولكن بالمقابل علينا أن لا نعتبرها الأحكام التي لا تقبل الشك وهذامعروف كالمعلوم من "الدين" بالضرورة ...
ومن هنا إذا كان يجب أن تنقد هذه الدراسة فلا بد ان تنقد من وجهة نظر علم الإحصاء التطبيقي أولاً وربما أخيراً (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم) .
وهنا سنقف أنا وإياكم لنتسائل متى نعتبر أن النتائج الإحصائية التي حصلنا عليها (في أي دراسة كان) ذات قيمة أو أنها تؤشر إلى شيء ذي مغزى ...؟
لن أسوق لكم مثال عدد مرات ظهور الصورة والكتابة إحصائياَ لأنه مثال بسيط وأولي رغم جزمي (واعذروني على هذه الكلمة) بأن أكثر من تسعين بالمئة ممن يقرأونا في المنتدى لا يعرفون تحليل المثال بشكل علمي وفهم النتائج المترتبة عليه ...
تعالوا أنا وإياكم لنتصفح الرابط الذي وضعته قبلاً عن أولمبياد الرياضيات العالمي :
http://international.daralhayat.com/inte...cle/172086
فلو افترضنا أنا وإياكم أن التفوق في الرياضيات في هذه الأولمبياد هو المعيار المتبع لمدى اتقان الرياضيات على مستوى شعوب الدول ... ونظرنا للخبر فللوهلة الأوى سنعتقد أن "التألق" السعودي يؤشر على أن السعودية تفوقت على العرب وتساوت مع المغرب وبالتالي المستوى السعودي في الرياضيات متفوق على الدول العربية ... وهذا ليس صحيحاً بالقطع ... ليه ؟
الاختلافات Variations :
إن الاختلافات في نجاح التجربة تفسر الحاجة إلى تكرارها عندما نقوم باختبار المهارت الإنسانية تبعاً لظروف الاختبار وعدد المتسابقين ونوعية المتسابقين ... إلخ
ومن هنا ماذا نستنتج من الخبر أعلاه فيما يختص بمستوى السعودية في الرياضيات بالنسبة للدول العربية ؟
ببساطة وفق علم الإحصاء نستنتج لا شيء (nothing) ... ففي علوم الحياة حيث تكون الأشياء المدروسة أنظمة مفتوحة تتفاعل وتتغير وفقاً للتجربة ذاتها ، فإن الحصول على تكرارات ناجحة على أساس بضعة أحداث فقط هو الاستثناء بدلاً من كونه القاعدة .
وحتى أستطيع أن أبني نتائج صحيحة لمستوى السعودية او أي دولة عربية بالنسبة للمغرب مثلاً فيما يختص بهذه المسابقات فإنني أحتاج لتطبيق دراسة إحصائية تتناول عدة عوامل من وجهة نظر إحصائية حتى أستطيع عقد مقارانات صحيحة توصلني لنتائج صحيحة حول مستوى الدول العربية بالنسبة للمغرب أو لبعضها .
كيف ذلك ؟ (حتى الآن أعتقد أن التعليق مازال صغيراً)
المهم ... كنا نقول كيف يتم ذلك ؟
اول قاعدة يجب أن أنطلق منها في أي دراسة اجتماعية هو أنني لا أستطيع أن أعاملها كالتجربة العلمية :
"نفس المدخلات ستعطي نفس المخرجات فيما لو طبقت عليها الشروط نفسها في كل مرة" .
وبالتالي حتى أستطيع أن أتخطى عائق الشذوذات في النتائج وقياس الإنجاز أو قياس المستوى لأمر معين على أن أعتمد على عدة مبادئ في علم الإحصاء منها :
التقدير النقطي Point estimates و فترات الثقة Confidence Interval وهذان العاملان لا يمكن أخذ نتائج صحيحة لو طبقتهما إلا بواسطة التكرار Replication وهنا "زبدة" الموضوع ...
يعني حتى نحصل على تقدير مقبول متساوٍ لإنجاز المغرب والسعودية (مثلاً) علينا أن نأخذ 19 مشاركة للمغرب مقابل 19 مشاركة للسعودية وإخضاعها لمبادئ الإحصاء والخروج بأرقام أولية ذات مغزى ...
وكما أن علوم الاقتصاد والاجتماع والنفس تتقاطع في الموضوع المطروح فإن المعيار الوحيد الذي يؤهل أي دراسة مشابهة للأخذ بها هو النتائج المستخلصة من الدراسات الإحصائية للبيانات المجمعة ، وكلما كانت البيانات المجمعة أكبر وتشمل شريحة أوسع ومكررة أكثر كلما كانت النتائج أكثر مقاربة للصحة ...
وبالتالي ما أحببت -وأنا نادراً ما أحب- أن أقوله أن الفيصل في هذا الموضوع والمواضيع المشابهة هي الدراسات الإحصائية ومدى دقتها وتقاطع هذه النتائج مع الواقع المدروس ..
ولأني لا أريد التطرق للدراسة كوني لم أقرأ سوى بضع موضوعات وبضع روابط حول هذه الدراسة ولم أقرأ الكتاب نفسه ، سوف استقرأ في الموضوع الاقتصادي على عجل وبغض النظر عن الذكاء الجمعي لمجتمع معين .
دعونا نأخذ الحالات الغير شاذة مثل الصين لنسأل أنفسنا وكنت قد نوهت في موضع سابق بأن النظام الاقتصادي الصيني قد يصبح هو نموذج المستقبل المخيف للعالم ...
http://nadyelfikr.com/showthread.php?tid=35134
وبالتالي هل النموذج الصيني الاقتصادي يرتبط فعلاً بالذكاء بقدر ارتباطه بطبيعته الهجينة الجديدة ... يعني بالمختصر ... هل ذكاء الشعوب مرتبط بتطورها الاقتصادي أو الديمقراطي أو أو أو ... أم أن الخيار النخبوي لشعب وتجاوب الشعوب مع هذا الخيار هو ما يرتبط فعلاً بتطورها على كافة الأصعدة ....؟
وطبعاً قد لا ننسى المثال الفاقع الذي يخطر ببالنا دائماً وهو الاتحاد السوفيتي ونقل ستالن المجتمع الروسي من مجتمع إقطاعي زراعي إلى مجتمع عامل بقوة السلطة وليس بقوة المصالح ، والقائمة تطول من الكوريتين إلى الأمريكيتين ، وهو ما يؤكد أن الخيار النخبوي يغير شكل المجتمع وبالتالي علاقة ترابط معاملات الذكاء والاقتصاد والديمقراطية ... ولكل قاعدة شواذ والعرب دائماً هم الشذوذ عن القاعدة مع اني أومن بالحكمة القائلة "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" ...
في نهاية هذا التعليق "الصغير" قد لا أكون ... بل من المؤكد أني لم آت بجديد وخصوصاً أني كنت سأحصر تعليقي باتجاه الدراسات الإحصائية لأي بحث مماثل ، لأجد نفسي غارقاً بالنظريات المرتبطة بالموضوع بدءاً من داروين(قبح الله وجهه) وانتهاءاً بكارل بوبر ...!!
وقبل أن يقتحم البعض علينا "الغرزة" على حين غزة ... أقول هذا الطرح هو المختصر الشديد وغير المفيد لما يجول في بالي من أفكار واستحضاراً (غير موفق على الأغلب) لمجموعة أفكار حاولت أن أكتبها الساعة الخامسة صباحاً قبل أن أنام ولأني إذا لم أكتبها اليوم فإني أعلن بإنه لن يأتي وقت وأكتبها أبداً ....
تحية لبهجت وهالة وأرجو أني لم أزعجكما بهذا التعليق "الصغير" ...
الهوامش :
* أولاد المدارس وأولاد الفلاحين هي نظرية تعود لزميلنا العزيز قطقط وهو أحد العلامات الفارقة في نادي الفكر العربي ... وجب التنبيه