عاد إلينا الزميل العميد – وهو من يكره التبريرات السخيفة السقيمة الهزيلة – بحجج من قوتها لم نتوقف أمامها كثيراً..
ونحن نفهم أن المصاغ على هيئة "حجة" هو ليس بالحجة بقدر ما هو المهبط الأخير..
فلقد وضّحنا سلفاً أن الزميل قد انطلق شارحاً ناصحا.. ثم تحول من النصح للتوبيخ.. ومن التوبيخ للمعايرات ودس الأغلوطات والتلبيس على القارئ (وإستقر هنا طويلاً، فهنا كمن كل ما استطاع قوله)
لكن لابد له بالنهاية أن يهبط على أرض الموضوع، فلا يصح أن يكون الأمر مفضوحاً للجميع..
لنتأمل قليلاً فيما أتانا وإياكم به من حجج وبراهين..
اقتباس:أما بالنسبة لموضوع ما فهمته من كلامي :
فلقد كان من الأولى أن تستوضح مني أثناء كلامي مع الزميل الكندي بدل أن تحمل كلامي ما لم أقصده ، وتقولني ما لم أقل ، فقلت على لساني حول حديث ( أمرت أن أقاتل الناس ) :
(يقصد قتال الجميع حتى يسلموا) ...
وهذا ما لا أقول به ، بل أقول كما أجابك الإخوة قبلي ، فليس الأمر بالقتال هنا ما نسجه خيالك عني ، فالحديث يُفهم بضم النصوص إلى بعضها البعض ، فنظرنا في القرآن فوجدنا أن الله يقول :
لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ الممتحنة الآية 8]
ثم إستطرد الزميل فى وضع الآيات القرآنية المنسوخة ظناً منه أننا لا نعرف المنسوخ من الناسخ..
ما علينا، فقضية الناسخ والمنسوخ خارج محور نقاشنا..
مبحثنا هنا، أن الزميل يقول بأنى قولته ما لم يقله..(يقصد قتال الجميع حتى يسلموا)
وفى واقع الأمر، فالزميل جانبه الصواب ونلتمس له العذر، فكل من كان فى موقفة، سيتصبب العرق من وجهة وغالباً ما يسئ الفهم بسبب الإرتباك..
فنحن - يا عزيزنا المرتبك - لم نتحدث على لسانك.. بل على لسان الحديث المنسوب لرسول..
أنظر الإقتباس كاملاً يا عزيزى القارئ:
اقتباس:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"
أمرت أن "أقاتل" حتى يسلموا..
فإن فعلوا، عصموا دماءهم وأموالهم..
ليس هذا فقط، بل (إلا بحق الإسلام) تضيف إنه مازالت فى الأمور أموراً أخرى..
لماذا يفهم الجميع أنى أعيد كلمات الحديث ما عدا أنت الذى ظننت أنى أقول كلامك؟
أهاا، إنه الإرتباك.. لا عليك يا رعاك الله فقلبى معك..
دعنا من سوء الفهم، فهذا لن يقدم ولن يؤخر فى الأطروحة شيئاً..
اللغة العربية فى الحديث واضحة، محكمة، لا يتسرب منها الماء، ولا تحتمل التأويل..
"أمرت" (مبنية للمجهول وعائدة على الله)
"أن أقاتل" (وكلمة أقاتل تحتمل معنى "القتال" الدموى، أو - إحقاقاً للحق - القتال الفكرى يمكن أن يكون هو المقصود أيضاً)
"الناس" (هكذا.. عامة.. لم يحدد صنفاً منهم، وهم المفعول بهم فعل "المقاتلة" سواء جسدياً أم فكرياً)
"حتى يشهدوا"... إلى قوله "يؤتوا الزكاة" (هى الأشياء التى لو لم يفعلها الناس، وجبت مقاتلتهم)
"فإذا فعلوا ذلك" (هنا نبدأ فى الإستثناء للناس التى إلتزمت وفعلت)
"عصموا مني دماءهم وأموالهم" (هنا مفاز الخاضعين، وهو عصمة من الدماء (إذن القتال جسدى فقط) والأموال (بدون هذه الشروط فأموالهم حلال))
إن كانت هناك أى أضافة على فهمنا للغة العربية، أو معيارنا الموضوعى فى الكيل.. فتفضل بتوضيحة..
إن كانت هناك أى شبهة حول نسب الحديث للرسول.. فتفضل بتوضيحه..
غير ذلك، فهو ضرب من العبث..
إن ثبت المعنى، وقوى السند (وهو ما نراه)، وفى نفس الوقت نادى المتن بهذه الدعوة (لن نصفها بالبلطجة إلى حين)
فما الواجب على المسلم فعله؟
يقول بعض السنة مثل العميد.. نتبع بلا نقاش.. (وهنا يولد الإرهابى، وسنتكم هى المفرخة لهذا الإرهاب)
يقول الشيعة.. نعرض المتن على العقل وعلى القرآن.. (وهذا ما نحترمه فيهم كمبدأ، إذ أنهم ليسوا "أغبياء الله")
أما طائفة مثل القرآنيين، ففيها من الخير مافيها.. إذ لا تؤمن بالحديث جملة وتفصيلاً.. (وهذا أيضاً نحترمه لطالما وصلته يد العبث البشرى والإسرائيليات والموضوعات والأخبار الظنية، فرفضوا هذا الباب الموارب)
الخلاصة.. الإسلام الكتاب والسنة وخاصة الأصولى والوهابى منه هم الأكثرية..
لكنه أولاً وأخيراً، فرقة.. مجرد رأى.. إسلامى لا محل له من الإنسان..
والعالم كله ضده بمختلف طوائفة.. لأننى لعمرى، لم أرى شيئاً مثل "نتبع بغباء حتى لو تعارض مع الشعور" مناقضاً لجوهر الإسلام ذاته..
فيا عقلاء الإسلام.. هل نلتقى سوياً على كلمة سواء..
اقتباس:فقوله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس ) حق ، وهو ملزم لنا ، فنحن أيضاً مأمورون بقتال الناس ، ولكن من و متى ؟؟
إذا قوتلنا وأعتدي علينا ، فعندها نقاتل الناس الذين قاتلونا .
خطأ..
إذ أن الحديث قد وضع شروط المقاتلة بكونها الشهادتين، وإقامة الصلاة، ودفع الزكاة، ولم ينص على غير هذا، ولا إجتهاد مع النص..
وكلها أمور خاصة بالمسلم وحده.. من يفعلها فقد أسلم.. ومن لا يفعلها.. فهو من المهدورة دمه وماله..
إنه مبدأ "أسلموا تسلموا" الذى لا ينازع فيه إلا مخادع..
نجده أيضاً هنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=2931&doc=0
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=9450&doc=6
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...sp?hnum=6&doc=0
(لاحظوا شرح مقولة "السلام على من إتبع الهدى" لأنهم لا يبدأون بالسلام)
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=3322&doc=1
(لاحظوا تعبير "دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم" فى شرح كتاب الرسول إلى هرقل)
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=2641&doc=2
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=4470&doc=4
وهنا..
http://hadith.al-islam.com/Display/Display...hnum=2252&doc=6
يا عقلاء الإسلام.. هل يمكن أن نلتقى سوياً على كلمة سواء؟؟
بالنسبة لقضية "إذا آمنا أن أمراً من عند الله، فلا مجال للعقل أو الشعور" التى تطرقت إليها فى اليهودية والمسيحية..
أشير هنا، إن إستخدامكم للمقارنة مع الأديان الأخرى فى هذه الجزئية، كان من باب الإقناع حقاً، - بعكس المرة الأولى – فهى تسلق على الظهور للطعن في الأديان الأخرى..
لذا، ستجدون منا سمعاً حسناً وأسلوباً ليس بشديد اللهجة كما الأولى.. بل أخاً طيباً كما عهدتمونا..
بالنسبة للجزء الأخير الخاص بالمسيحية..
اقتباس:وهذا هو رأي القديس بولس في رسالته إلى أهل رومية 9 :
(( 20 بل من انت ايها الانسان الذي تجاوب الله ، ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا )) .
وفي تفسير تادرس ملطي ينقل جيروم عن ذهبي الفم قوله :
((( أراد أن يؤكد للسامع أنه ليس من حقه أن يقف هكذا موقف الناقد أو الديان لله، وكأن الرسول يقول: [عملنا هو أن نخضع لما يفعله الله لا أن نكون متطفلين محبين للاستطلاع حتى وإن كنا لا نعرف حكمة تصرفاته. لذلك قال: "من أنت الذي تجاوب (ضد) الله"؟… من أنت؟ هل أنت شريكه في سلطانه (أي 38)؟ بل! هل تجلس لتدين الله؟ )) .
هناك خلط هنا يا زميل..
فالمقصود هو عدم مجادله الله فى أفعاله.. وهذا ما لم أقله..
إن المقصود هنا.. هو مبدأ الإيمان بقضاء الله وقدره فى المفهود الإسلامى.. إنه امر مثل "لا راد لقضاء الله"
لذا سأتجاوز عن التعليق هنا، وأدخل فى الجزء الذى يطابق موضوعنا والذى إخترته من اليهودية..
من ذكرتهم يا عزيزى، هم أنبياء.. يتلقون الأمر الإلهى من مصدر علوى مباشرة..
هنا الأمر ليس يدخل فى نطاق التصديق وحسب.. بل يدخل فى نطاق الوعد الإلهى..
ولكى لا تتعب نفسك فى أمثلة كثيرة.. فشروع رجل الله "إبراهيم" فى ذبح ابنه.. هو أكبر مثال واضح وجلى لما تود قوله.. أليس كذلك؟
فهو لم يسأل عن الحكمة من ذبح ابنه.. لأنه يثق.. وعظيم كان إيمانه..
هذا ما لا أستطيع مجادلتك فيه.. بل أؤمن به مثلك تماماً..
لكن يا عزيزى العميد، هل أنا أو أنت أو هو أو هى.. رجال الله؟
هل كلم الله أحد منا من وراء حجاب؟
هل تملك أنت أو أنا قرينة مادية مثل تلك التى توافرت للأنبياء على وجود الله؟
هنا.. بداية المشكلة..
إيماننا يا عزيزى.. هو إيمان تصديقى..
أى أنك صدقت محمد.. أنا صدقت المسيح.. وهكذا غيرنا..
لم يعش أحد منا فى زمان محمد أو المسيح ليسأله فيما يريد سؤاله الآن..
بل سبقونا بأزمنة غابرة.. وتوالت الأجيال تنقل تعاليمهم من جيل إلى جيل..
ما الذى بين أيدينا الآن من كلام الله الذى نقله الأنبياء؟
أنت تقول القرآن.. وأنا أقول الكتاب المقدس.. وهكذا غيرنا يقولون كتب أخرى..
وطبعاً إيمانك بالقرآن له أسبابه (العقلية)، وكذلك إيمانى بالكتاب المقدس، خاصة أن كل منا يطعن فى كتاب الآخر بوسائل هى أيضاً تبدو لكل حزب عقلانية..
بخلاف هؤلاء.. لا يؤمن أحد منا بنزاهة كتاب آخر..
أنظر للواقع من حولنا يا صديق.. من منا قادر على الجزم بأن ما فهمه من كتابه (كتاب الله) هو كلام الله بطريقة لا تحتمل التأويل؟
هل يمكننا قياس ذلك مع الأمر الإلهى المباشر من مصدر علوى؟ لا أخالك بالغت إلى هذا القدر يا رفيق..
بالطبع تعلم موضوع "المحكم والمتشابه" والأوجه وما إلى ذلك..
لا نستطيع التيقن سوى فى المحكمات.. أما المتشابهات.. فترد لرجال الدين.. (لاحظ كيف تطور الأمر من رجال الله إلى رجال الدين)
ولنكون جميعاً فى صراحة مؤلمة.. فهذا ليس أبداً مصدر جزم..
فحتى لو أخلص رجل الدين وجهه لله وأخذ أجراً واحداً.. فهذا لا يمنع من أنه أخطأ بحسن نية..
ناهيكم عمن يستغل الدين أساساً لمآرب شخصية.. وهم موجودين منا ومنكم، فنحن بشر.. والخطأ جزء من تكويننا..
لذا، مخطئ من ظن أنه إمتلك الحقيقة المطلقة.. إذ أنه "ظنّ" بالإمتلاك.. ولا حقيقة فعلية..
هذا عن الكتب المقدسة، ولا نطلب من المؤمن من كل دين سوى إعمال عقله فيما قالوه له أنه كلام الله..
فلا التفاسير معصومة.. ولا رجال الدين هم من الخوارق والأنبياء..
أى أنى لا أبغى أكثر من أن يكون المؤمن "كيّس فطن" فيما يصله.. هل هذا صعب؟
أما بالنسبة للإستدلالات غير المعصومات (مثل الأحاديث).. فموضوع العلوم الظنية يطول..
فهذه قد طالتها يد العبث البشرى.. وما "صحيح" فلان، أو مسند الإمام فلان، ألا أدوات لنفض الغبار عن الموضوعات..
هذه الأدوات، وكل علوم التخريج.. هى طرائق بشرية.. أى أنها أيضا تحتمل الخطأ..
لا يمكن يا عزيزى العميد مهما إستخدمت هذه الأدوات، الوصول لمرحلة "الجزم اليقينى"
أعلم أن ما أقوله سيفهمه البعض أنى أطلب إسقاط الأحاديث جميعاً صحيحها وموضوعها من تفكير المسلم..
وهذا – أيضاً - ما لا أقصده..
أنا فقط أطلب عدم ترديد مقولة "لطالما وثقنا أنه من عند الله، فلا مجال للتفكير أو المشاعر" فى أمور لا تتوافر بها صفة الجزم اليقينى..
إذ بهذه الطريقة، أنت تغلق باب الفرز الداخلى والضميرى للإنسان الذى سيفقده لو لم يفكر ويشعر..
وأطلب أن تكون لهذه الأدوات الداخلية، اليد العليا فى صنع قرار المسلم فى أنه "يشعر" و"يعقل" أن هذا الحديث من عند الله فعلاً أم لا..
الله حق.. لا يأمر بغير الحق..
الله رحمن رحيم.. لا يأمر بالعنصرية والبلطجة..
كل المسلمين يعرفون هذا.. يؤمنون بهذا..
لكنهم يشعرون بصراع نفسى رهيب عند قراءة هذا الذى قالوا أنه من عند الله..
فيجد الرسول بلطجياً.. وهو الذى عهده بالمتسامح.. فماذا يفعل؟!؟
يجد الله عنصرياً فجاً.. وهو الذى عهده الحق والرحمة.. فماذا يفعل؟؟؟
كثيرون من المسلمين تركوا الإسلام بسبب هذا..
فرفقاً بهؤلاء الذين وضعوا فى هذا الصراع بسبب "لا إجتهاد مع النص" و"قال الله" و"قال الرسول"..
دعنى أطبّق هذا على مثالنا، الحديث السالف (ما وصفناه بالبلطجى) وعلتنا فى ذلك تقريب الرؤى ولا ألزم أحداً بالرد إلا لو كان صادقاً مع نفسه قبل أن يكون صادقاً معى والقارئ..
كم مسلم إستفتى قلبه؟
وبعد إستفتاء القلب.. ما الذى رأيته بصدق..؟
هل هذا الكلام يمكن أن يقوله "نبى" (محمد)؟
أم لا يمكن أن يقوله "محمد".. قلبى لا يفتينى بهذا..
قلبى، يرفض هذا..
قلبى، يكره هذا..
ها هى رخصتك يا أخى المسلم..
"
إستفت قلبك.. وإن أفتوك.. وإن أفتوك "
تذوقها..
أشعر بها..
"
إستفت قلبك.. وإن أفتوك.. وإن أفتوك "
لا تصدقنى ولا تكذبنى..
بل إتبع تلك الوديعة التى وضعها الله بداخلك..
استخدمها.. دع الإنسان يولد بداخلك..
إستخدم رخصتك.. وكن إنسانا..
"
وتعرفون الحق..
والحق يحرركم.."
تحياتى للجميع