بسم الله الرحمن الرحيم
ردي على السيد العلماني :
يا سيد علماني أراك تخلط الحابل بالنابل وتتخبط خبط عشواء في الحديث ، ولربما الهوة بين أهدافنا وأهدافك ومشاريعنا ومشاريعك هو السبب ، فمن غير المنهجي ولا العلمي أن تحكم على الإخوان وفق تصورك وفكرك الضيق ، فالمشاريع التي تطالب الإخوان بإظهارها قد تكون من وجهة نظرك ردة حضارية " لأنك لا تمتلك خلفية حضارية تفتخر بها " وقد تكون من وجهة نظرنا من أسمى الإنجازات وأروعها .
فمحاكمة الإخوان تكون من خلال ما قدموه لأفكارهم ومشاريعهم والتي وضعوها لكي تخدم الدين الإسلامي والدولة المصرية ، فالإخوان ساهموا " شئت أم أبيت " في إيقاظ الصحوة الإسلامية وإحياء المصطلحات والنظريات الشمولية وبث الروح الثورية في مصر دائماً ومواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية ، فإذا كان دعاة الوطنية يحيون حب الوطن ويؤكدون على رابطة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد وإذا كان دعاة القومية يؤكدون على ترابط العنصر العربي والأمة العربية الخالدة فنحن نؤكد على ترابط وأخوة المسلمين من مشرقهم لمغربهم ، فإذا كان مفهومكم الضيق يستوعب 80 مليون مصري أو 300 مليون عربي فمفهومنا ونظريتنا تستوعب مليار ونصف المليار مسلم ، فمن هو صاحب النظرة المتخلفة والضيقة للآخر ؟ نحن أم أنتم ؟
** حديثك عن الوحدة الوطنية يكفي لنقضه شيء واحد ، وهو أن جماعة الإخوان تأسست عام 1928 وتاريخ الثورة المصرية كان في 1919 ، فكيف دمر الإخوان الوحدة الوطنية وهم لم يكونو قد تأسسوا بعد ، أم أنهم دمروها بأثر رجعي ؟
وما دام الحديث سهلاً وبسيطاً ، أحضر مثالاً واحداً على قيام الإخوان بتدمير هذه الوحدة ؟ حادثة واحدة ضد المسيحيين أو كنائسهم وأديرتهم قامت بها جماعة الإخوان ؟
ولذلك عند الحديث عن إنجازات جماعة الإخوان المسلمين يجب علينا أن تكون نظرتنا شاملة كاملة والأخذ بالإعتبار بأنها جماعة سياسية معارضة لم تصل إلى الحكم بعد ، ولكنها سبقت إسمها بكثير ، فقدمت الخدمات للمجتمع المصري بكافة شرائحه ، وبنت المستشفيات والشركات الإقتصادية الكبيرة في مصر ، ولك أن ترجع لحسن مالك وعدد الشركات الكبرى التي أغلقت له ، وهو الذي يصنف كأول اقتصادي في مصر ورابع إقتصادي في الوطن العربي وفي ذلك يقول الشاعر عبد الرحمن الأبنودي " في حواره مع المصري اليوم أكد الشاعر الكبير على أن الأخوان وحدهم هم من عرفوا كيفية الوصول لعموم الشعب فحين سأل عن من يعرف الناس من النظام أو المعارضة قال:
"«الإخوان المسلمون» الذين يعبئون للناس الكراتين المعبأة بالشاي والسكر والأرز والزيت والصابون والاحتياجات اليومية، وهم الأكثر نظامية والأنجح"
من دمر الوحدة الوطنية يا _ حجي _ هو من فتك بأكبر نسيج داخل المجتمع المصري ، ومن زج بأكثر من عشرين ألف شاب في السجون البوليسية ومن قام بتهجير النوبيين من السد العالي بطريقة همجية وهو الذي قام بتجهير اليهود من سيناء وطردهم خارجها ليصبحوا بعد ذلك إسرائيليين أقحاح ، وهو الذي قام بإعدام رجالات الفكر والأدب والقانون في المجتمع المصري ، وهو الذي خان رفاق الثورة وسجن بعضهم وقتل البعض الآخر وتآمر ضد من تبقى .
** حديثك عن التكبيس والحليب والنياق يعكس جهلك بالإخوان ، وربما كثرة السفريات الباريسية أجهلتك أوضاع الإخوان وأدبياتهم ، " فأقرأ أدبياتهم قبل أن تتحدث " فالإخوان لا يلتفتون لهذه الصغائر والفرعيات ولا يتحدثون عنها ، هم يتحدثون عن الأهداف الكبرى والأهم للمجتمع المصري والمجتمع المسلم ، ولذلك تجد السهام الموجهة من قبل بعض الإسلاميين ضد الإخوان أكثر من السهام الموجهة منكم ، لأن الإخوان يقفون على الناقض والنقيض ومشروعهم يهددكم ويهددهم .
** الجميع قاتل في حرب 1948 ، فالجيوش من الطبيعي أن تقاتل لأنها جيوش ، ولكن نحن نتحدث عن جماعة سياسية ، قل لي جماعة واحدة مصرية قاتلت في فلسطين ؟ فالمجتمع المصري كان ينظر لفلسطين كجزء من قضيته الوطنية وكانت تربطه بينه وبينه فلسطين وخصوصاً غزة الكثير من الروابط الجغرافية والإجتماعية ، وسأتغاضى عن جهود الإخوان في حرب 1948 ومنها فك الحصار عن سيدك في الفالوجا والذي كانت تأتيه الفواكه والطعام من قبل الإسرائيليين كما قال سيد التهامي و معروف الخضري والكلام ليس بالضرورة صحيح ولكن اعتبرها شهادة للتاريخ كما هو الحال مع ابن الست بيرين .
ولكن ماذا تسمي جهادهم في قناة السويس حتى قال عنهم توم ليتل " إنَّ كلَّ الحركاتِ النشطة والعاملة في مصر بما فيها حزب الوفد اشتركت في العملياتِ الهجومية ضد قوات الجيش البريطاني المرابطة في قناة السويس, ولكن المصدر الذي انبعثت منه إستراتيجية حرب العصابات ضد الإنجليز, وإثارة الشغب ضدهم، تتمثل في جماعةِ الإخوان المسلمين, المتوغلة في تطرفها الوطني".
و ذكر الكاتب الإنجليزي جوردن ووتر فيلد:
"إلى أنَّ تلك المعركة التي خاضها شباب الإخوان اضطرت رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ونستون تشرشل إلى قطع إجازته والعودة إلى لندن ليشرف بنفسه على خطط وزارة الدفاع البريطانية لمواجهة تزايد أعمال المقاومة التي كان يقودها الإخوان المسلمون ضد القوات البريطانية في مصر"
ودورهم في إبطال معاهدة 1963 ؟ ودورهم في إنجاح ثورة يوليو ؟ والدور الذي لعبوه في كافة القضايا الوطنية المصرية ؟
ألم أقل لك أن الإنصاف عزيز ؟
** من الطبيعي أن يفكر حسن البنا في الوصول إلى الحكم ، هذا أمر يتمناه الجميع ، كل الأحزاب السياسية والعسكرية في العالم يتمنون هذا الأمر ، وخصوصاً أن الإمام والجماعة عاهدت نفسها إرجاع الخلافة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي ، وحينها كان النظام الملكي نظام فاسد ومتعاون مع الإنجليز فتفكير الإمام في الثورة وقلب نظام الحكم نقطة لا تضره ، أم حلال على عبد الناصر وشلته الثورة حرام على حسن البنا والإخوان ؟
ونقطة أخرى بما أنك ناصري يساري ، ألم يبايع جمال عبد الناصر الإمام حسن البنا ويتوعد بالتحقيق في مقتله وكان يكيل المدح له ؟ فلماذا تهاجمونه الآن ؟ هل أعتبر الأمر نفاق ؟
** قلت لك سابقاً لا تحاكم الأمور وفق نظرتك الضيقة ، فإن كنت تعبر الصحوة الإسلامية لوثة فكرية فإننا نعتبر العلمانية والإلحاد لوثة كفرية ومرض وبائي خطير يهدد المجتمع الإسلامي وجب التخلص منه بأي طريقة .
وعندما نتحدث عن الحضارة الإسلامية لا نتحدث عن بعض الفروع هنا وهناك ، بل نتحدث عن الحضارة الإسلامية كمفهوم شامل وكامل ، نتحدث عن الإسلام الذي جعل رعاة الأغنام وشراذم القبائل المتخلفة سادة العالم والدنيا وصناع حضارة دان لها المشرق والمغرب ، هو الإسلام نفسه الذي جعل المماليك والعبيد قوة كبيرة تدحر أكبر غزو في تاريخ البشرية " الغزو المغولي " وهو الإسلام الذي جعل ثلة ضعيفة من السلاجقة والعثمانيين في صحاري الأناضول إمبراطورية ضخمة أرعبت أوروبا وأفشلت مخططاتها في المشرق العربي ، وهو الإسلام الذي صهر كل الأعراق والفوارق الإجتماعية وساوى بين العبد والحر والقوي والضعيف ، هي الحضارة التي أعطت بعداً معنوياً ساطعاً لكلمة " عربي " أم أنك تعتقد بأن هذه الكلمة كانت ستكون ذات قيمة لولا ما أعطاه الإسلام من بعد معنوي وديني وتاريخي لهذه الكلمة ؟
لكن في الوقت نفسه ماذا قادمت الأحزاب العلمانية والبعثية والإشتراكية للوطن العربي والإسلامي غير النكسات والتخلف والتراجع في كافة الصعد والميادين والهزائم المتتالية والإنسلاخ عن هوية الأمة والمقابر الجماعية وهتك الأعراض والإعدامات ؟
ماذا قدم الفكر الشيوعي اليساري في مواطنه غير المذابح الجماعية وقتل عشرات الملايين من البشر بشكل مروع ؟
لا تتحدث عن التقدمية والحضارة يا رفيق ، وأنتم آخر من يتحدث عنها .
** حديثك عن ثورة يوليو ينفع في الغرف الضيقة ، وعند الردح والنعيق ، ولا ينفع في الحوار المنهجي الذي يسعى لإبراز الحقيقة ، فثورة يوليو أصلاً أنجحها الإخوان ، فضلاً عن كون الضباط الأحرار كانوا تحت نظر الإخوان المسلمين وكان غسمهم " ضباط الإخوان المسلمين بقيادة الصاغ محمود لبيب " ولإستيعاب أكبر قدر من الضباط وخصوصاً الذين لا يؤيدون الإخوان أصبحت التسمية الضباط الأحرار وكان نصف هؤلاء الضباط من الإخوان المسلمين مثل عبد المنعم عبد الرؤوف ومعروف الخضري ، وهذا الأمر تؤكده جميع البحث المنهجية " ولك أن ترجع لبرامج قناة الجزيرة حول هذه القضية " ولشهادة حسين الشافعي في شاهد على العصر .
فضلاً عن كون الثورة كما يقول الشافعي كانت إسلامية تهدف لخدمة الشريعة الإسلامية ، وهذا ما وعد به عبد الناصر الإخوان ، فلماذا بعد ذلك تحول عبد الناصر للمنهج اليساري ؟ هل هذا يعني نفاق أم تسلق ؟
ولا تصدق يا زميلي أن بضعة من الضباط القلائل لا وزن لهم في الجيش يستطيعون إحداث ثورة بهذا الشكل وقلب نظام الحكم ، فلولا تدخل الإخوان بقوتهم وامتداهم الشعبي الواسع وتأمين مداخل القاهرة وحصار القصر الحاكم بسبعة الالاف شخص لما نجحت الثورة أصلاً .
** بخصوص إستفادة مصر ، فهي أصلاً كانت محتلة من الرومان ، وكانوا يمارسون اشنع الإضطهادات بحق الأقباط ، ودور مصر تراجع قبل الفتح الإسلامي بمئات السنين ، وكانت عبارة عن محمية رومية لا أقل ولا أكثر ، وبعد الفتح الإسلامي اكتسبت مصر مكانة هامة وكبيرة جداً ، وجهلك في أصول الدين الإسلامي " لكونك مسيحي سابقاً ملحد يساري حالياً " تعتقد بأن العبرة في الدولة ومكانتها ، وهذا ليس صحيحاً بل العبرة في الدين والعقيدة ومدى تمكنهما ، فلا يهم إن كان مركز الدولة دمشق أو بغداد ولكن المهم أن تبقى الخلافة قائمة فلا يوجد هناك فرق بين المسلم المصري وبين المسلم البغدادي وبين المسلم الدمشقي ، فأرض الخلافة كانت دولة واحدة ، ورغم ذلك لعبت مصر أبرز الأدوار في التاريخ الإسلامي ، فمنها تم تحرير بيت المقدس وهو أكبر عرس إسلامي حصل في تاريخ الدولة الإسلامية ، ومن مصر تم صد المغول وهو أكبر إنجاز للإنسانية وللدولة الإسلامية ومن مصر كانت مرابط المرابطين لتحرير الشام من الصليبيين والفرنجة ، وفي مصر كان الأزهر الشريف قبلة العلماء والفقهاء من كل الأمصار ، فمحاولتك اللعب على هذا الوتر محاولة فاشلة ، فالمصريين نفسهم في تلك الفترة لم ينظروا لهذه التفاهات والسخافات .
** أما الفرق بين الفدائي والشهيد ، فكلامك متهافت جداً وأستغرب من مثقف " أو هكذا يقال " يقول هذا الكلام ، فمن قال لك بأن الشهيد تحركه مطامعه وأنانيته ؟ فالشهيد حتى يكون شهيداً بحق عليه أن تكون شهادته من أجل الله والدين وحدهما لا لشيء آخر ، وإذا تحقق هذا الشرط تأتي الجنة والحور العين كجائزة له على هذا الأمر ، فتضحية الشاب بدمائه سواء كان مسلماً أو يسارياً أمر يستحق الإحترام والتقدير بغض النظر عن قناعاتي أنا وأنت ، فالأمر أرنستوا تشي جيفارا سيبقى رمزاً ومعطفاً هاماً في تاريخ الإنسانية هو ورفاقه لما قدموه من تضحية ، كما أن خطاب وشامل باسييف المسلمين سيبقون رجالاً ومعاطف مهمة في التاريخ الشيشاني ، وكذلك يحيى عياش وعماد عقل في فلسطين ، فلم يحرك هؤلاء للتضحية والتحرير إلا دوافع الظلم والمهانة عند اليساري والدوافع الإسلامية عند المسلم .
فحتى المجتمع المصري نفسه كان ينظر للشهيد والجنة التي تنتظر الشهيد ، فمصطفى كامل مثلاً مؤسس الحزب الوطني قام بالحديث عن نظرية تجمع بين الوطنية والدين وكان من أبرز الدعاة لعودة الخلافة الإسلامية وفي نفس الوقت يركز على إحياء الشعور الوطني عند المصريين وكذلك محمد فريد وعبد العزيز جاويش فكل هؤلاء كانوا وطنيين ولم يرو تعارضاً بين الوطنية وبين الدين ومبادئه وكذلك يرى الإخوان المسلمين الوطنية ، فهم وطنيين أكثر منك بترليون مرة ، ولذلك في كل إحتلال لمصر كان الإخوان هم طليعة المواجهة ، فضلاً على أن حرب أكتوبر كانت في رمضان وأفتتحت على تكبيرات " الله أكبر " .
وإن كنت ترى في الإخوان لوثة فكرية لأنهم سيطبقون حد الجلد مثلاً ، فنظام عبد الناصر قد جلد عشرات الالاف من الشباب بالالاف الجلدات ، حتى وصل الأمر بأن يجردوا الحاجة زينب الغزالي وأمينة قطب من الملابس وينهالوا عليهن كالكلاب بالسياط الحقيرة كما هي وجوههم ، هل من المروءة جلد النساء ؟ وهل من الوطنية قتل أخطر مطلوبين للإنجليز واليهود " محمد فرغلي وهشام طلعت " ، وهل من الإنسانية الفتك بسجناء يمان طرة بطريقة همجية ؟ وهل من الحرية منع أي رأي من مخالف وقمع البشر ؟ وهل من الأخلاق إعدام رجل فاق الستين من عمره ؟
وأختم حديثي البسيط بما قاله المفكر القبطي الدكتور رفيق حبيب والذي أسس حزباً وتحالف مع الإخوان في السبعينات عن الإخوان المسلمين " إن قوة تنظيم الإخوان تحمى الأمة
الأمة تخسر إذا لم تستطع الجماعة القيام بواجبها تجاه الأمة .
المشروع الحضارى الذى يقدمه الإخوان قادر على إستيعاب الأقباط
الإخوان ليسوا فقط حركة بل هم مدرسة
نثق بنواب الإخوان على تحمل المسؤلية
الإخوان يناضلون لحماية الأمة "
وأنصحك أيها الوطني اليساري ، أن تلتفت للمقدسات في أراضي 48 " وخصوصاً أنك من الجليل الأعلى كما أعتقد " وأن تكافح من أجل هذه الأرض الطاهرة بدل أن تتسكع في حواري باريس وتترك هذه المهام لرجال الحركة الإسلامية في الداخل ، وبعد ذلك تأتي لتتطاول على وطنية الإسلاميين .
أدامك الله _ لي _ ولنادي الفكر .