اقتباس:و قصة "أبو الريش" يا أستاذنا؟؟؟
كله و لا البؤساء في الأرض!
وقصة ( أبو الريش ) أيضا
علي أن تكون العزيزة هالة مسئولة عنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الأولي بائع النجوم
هذه هي الثورات : مصر وتونس وليبيا واليمن فسوريا.
عملت منذ صغري في التجارة وأي تجارة !
كانت والدتي تصنع لي طبق الحلوى وترسلني لأبيعه في السوق.
كنت أقضي أياماً متجولاً في الشوارع، واقفاً على مفارق الطرق، لأبيع بضع قطع فقط...
ومن سيشتري تلك الحلوى المليئة بغبار التجوال والمحاطة بالذباب ودخان السيارات. كنت لا أجرؤ بذاتي على تناول قطعة منها إلا عند أحساسي بالجوع الشديد.
لم تكن والدتي عنيفة. كانت تؤنبني قليلاً عندما أعود بأكثر من ثلاثة أرباع الطبق. وبدأت فعلاً بتخفيف الكمية التي تحملني إياها كل يوم. ومع ذلك، فإن إحساسي بالقهر، ومسؤوليتي تجاه أختي الصغيرتين، وحقدي على والدي الذي تركنا، جعلني أنفجر باكياً عندما أوقعت طبق الحلوى في أحد الشوارع، لتنتشر القطع على الرصيف بين أرجل المارة.
أحسست يومها أن السماء أطبقت على الأرض، وأنني فقدت كل شيئ يعطيني أملاً في المستقبل وهذه الحياة. إلى أن بعث الله رجلاً تبدو عليه الطيبة، فخفف عني ألمي، وأعطاني ما يتجاوز قيمة الطبق ثلاث مرات. فعدت إلى البيت وقد بعت الطبق كاملاً للمرة الأولى.
لم تمر بضعة أيام حتى فهمت اللعبة... فصرت أغير الشارع في كل يوم بضع مرات، وأرمي بطبق الحلوى ارضاً، وأجهش بالبكاء أمامه، نادباً حظي العاثر ووالدي الذي يضربني عند عودتي كل مساء. وكنت بهذا أحصل على أضعاف قيمة الحلوى ممن يشفق قلبه على ذلك الطفل الضعيف البائس.
كبرت وكبر طبق الحلوى الذي أبيعه.... صرت أتاجر بهوائيات التلفزيونات مدعياً أنها تلتقط الأقمار الصناعية، وأقبض ثمنها عشرات الأضعاف.
وصار لدي دكاني، وتاجرت بالأدوات الكهربائية. كنت أبيع هذه الأدوات بأقل من الكلفة التي أدفعها للوكالة. ولكن طبق الحلوى الأول كان دائم الإلهام لي.... كنت أفتح علب هذه الأدوات قبل بيعها، وأزيل منها كل ما أمكن إزالته لأبيعه لاحقاً منفصلاً....
وهكذا بعت الطابعات من غير حبر، والهواتف بدون شواحن أو بطاريات. وكنت أبيع بقربها الحبر والشواحن والبطاريات. كان الزبون يعود دوماً في الغد لشراء حبر الطابعة أو شاحن الهاتف. وهكذا صنعت ثروة لا بأس بها.
كل من رأى طبق الحلوى أعجبه. ولكنه لم يكن يعرف أنه يدفع أضعاف ثمنه، وهو مسرور من نفسه، يضحك للسعر المنخفض الذي دفعه....
وصار عندي منزلي وسيارتي. وتكلمت كل المدينة عن حفل زفافي الفاخر. وصرت تحت حماية والد زوجتي العزيز، ضابط الأمن....
وأتت الثورات، وبدأ عملي يقل ويضعف رويداً رويداً.... ولم يعد أحد يأتي إلى دكاكيني، ولم يعد أحد يكترث لطبق الحلوى المرمي أرضاً بين صور الضحايا المرميين هنا وهناك.... وصارت المظاهرات تدوس عليه وكأنه جزء من النظام الذي سيسقط. وصار رجال الأمن يدوسون عليه وكأنه متظاهر مغلوب على أمره تخلف عن رفاقه ممن فروا من وجه البطش وآلة القمع.
جلست أتأمل في موظفي الدكاكين كلما زرت أحدها. وكانوا بدورهم ينظرون إلى بطرف عينهم ينتظرون أن أتفوه بقرار طردهم للتخلص من عبئهم.
وكم كانت دهشتهم كبيرة ومتعتي أكبر عندما جمعتهم جميعاً عندي وأخبرتهم أني سأحافظ عليهم حتى آخر يوم من الاضطرابات وإلى ما بعدها مهما كلفني الأمر....
لم يكن الأمر إحساساً بالمسؤولية أو حادث عودة للضمير أصابني.... بل كل ما في الأمر أن لكل زمان تجارته، ولكل شارع طبق الحلوى المناسب.
بدأت أبيع أجهزة الاتصال اللاسلكي الثريا للثوار، بأقل من ثمنها كيلا ينافسني أحد في السوق. وشاركت في العمل الثوري مباشرة.
لم أكن مؤمناً بثورة أو مقاوماً لظلم... ولكنني كنت أبيع الجهاز اليوم، ويسترجعه والد زوجتي بعد عدة ايام، ويقبض على مالكه أو يتركه يهرب حسب المصلحة...
بعنا نفس الجهاز عشرات المرات.. وللمرة الأولى لم يطلب مني الأمن أن يشاركني في تجارتي. إذ كان القبض على الشباب المتحمس كافياً ووافياً بالنسبة لهم.....
اليوم أجلس على ثروة لم أكن احلم بجنيها يوماً.... وكل ذلك بفضل حلوى والدتي وزمن الثورات....
أذكر عندما كنت صغيراً، أنني رأيت على التلفاز رسوماً متحركة تتحدث عن رجل يحصي النجوم ويبيعها للناس.... أعتقد أنني جعلت هذه القصة تتحقق، فبعت الناس الثريا، وجعلتهم يشترون النجوم....
كوكو