لو سمحتم لي بالتطفل وارفاق مقال جميل باعتقادي ، وهام للرفيق د.عادل سمارة :
العرض المسلح، العدوان...وحماس في السلطة؟
اقتباس:هل تقف السلطة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني على عرض المقاومة، وهي تسرع للاعلان بأن الانفجار نتج عن عامل داخلي؟ وحتى لو كان كذلك، أليس لنا أن "نكذب" مرة! هل كل هذه أمانة سياسية ؟ ألم يقم الكيان الصهيوني على الكذب من يافا حتى أريحا؟ ألم يغيروا اسماء الحجارة والحصى في فلسطين؟ أليست السياسة الدولية والامم المتحدة كذبة ونفاق هائلين؟ وإلا ما معنى تمرير احتلال العراق؟ لا بل ما معنى الاعتراف الفعلي من الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني الاشكنازي؟
د. عادل سمارة
Link:
http://www.kanaanonline.org/articles/00693.pdf
ما الذي يمنع الاحتلال من عدوان جديد على عدو حقيقي ومكشوف في نفس الوقت؟ هذا أول ما يتبادر للذهن حينما تقوم المقاومة بعرض عسكري في غزة، سواء قبل ان يعتدي الاحتلال على العرض أم لم يعتدِ. وحينما يعتدي كما حصل، يصبح السؤال ملحاً أكثر، كما تترتب عليه أسئلة أخرى.
وهكذا كان. فقد ضرب الاحتلال بكل الفاشية الممكنة تجمعاً لم يقتصر على المسلحين، حيث كل فلسطيني مشروع ضحية من ضحايا الاحتلال، وإلا كيف استششهد محمد الدرة والطفلة بوجه ملائكي إيمان وغيرهما؟ هل كان هؤلاء في عرض عسكري؟ هل كان أهالي قرية قبية عام 1956 في عرض عسكري عندما ذبحهم شارون وهو ضابط برتبة صغيرة، وهل كان مشروع الاستيطان الصهيوني نفسه إلا عدوان استيطاني سافر على فلسطين بأكملها؟
أما، هل كان نفس المشروع الاستيطاني مجرد مشروع ديني كي يُصلوا في البراق، أو يزعموا ان الهيكل تحت الاقصى، فهذا تبسيط لجوهر الصراع، ومحاولة تجنيدية سطحية ومسطحة، حينما توضع مقابل المشروع الرأسمالي الاستعماري الغربي والصهيونية جزء منه.
هل تقف الأمم المتحدة اليوم ضد هذا العدوان الصهيوني على العرض الشعبي في غزة؟
لقد استقبل حكام العالم شارون قبل ايام، وتأستذ عليهم وزعم امامهم جميعاً بمن فيهم حكام القطريات العربية بازيائهم المختلفة (من البدلة الاوروبية، الى العباءة الوهابية، الى الملايات البيضاء في السودان)، وقبل هؤلاء الحكام مزاعم شارون. وبهذا المقياس المزعوم يعتبر الاحتلال معتدٍ بوضوح على "دولة" أخرى سواء كانت في عرض عسكري أم في احتفال راقص؟ كلا، فالامم الرسمية المتحدة صهيونية الهوى.
هل تقف الانظمة العربية ضد هذا الاعتداء، وهي التي التقطت الانسحاب المزعوم من قطاع غزة، لتهرول باتجاه تل ابيب نازعة قطعة بعد أخرى من كرامتها القومية لتصل الى الارض المحتلة عارية تماماً، وبهذا العري وحده تثبت أنها لا تحمل شيئاً وهي تدخل فلسطين. لا حاجة لنقاط التفتيش اذن.
هل تقف السلطة الفلسطينية ضد العدوان الصهيوني على عرض المقاومة، وهي تسرع للاعلان بأن الانفجار نتج عن عامل داخلي؟ وحتى لو كان كذلك، أليس لنا أن "نكذب" مرة! هل كل هذه أمانة سياسية ؟ ألم يقم الكيان الصهيوني على الكذب من يافا حتى أريحا؟ ألم يغيروا اسماء الحجارة والحصى في فلسطين؟ أليست السياسة الدولية والامم المتحدة كذبة ونفاق هائلين؟ وإلا ما معنى تمرير احتلال العراق؟ لا بل ما معنى الاعتراف الفعلي من الأمم المتحدة بالكيان الصهيوني الاشكنازي؟
لا أحد يقف مع اي مسلح حتى لو كان يحمل سكيناً. هي هكذا في حقبة العولمة دوليا، وسلام راس المال عربياً.، بل يقف العالم الرسمي بأجمعه ضد المقاومة، وتقف غالبية الشعب العربي مندهشة أو باكية على ما حصل، في حقبة لم تعد للمئاتم والبكائيات قيمة تذكر ولا تشكل بحد ذاتها أي دعم للمقاومة.
لم تكن السلطة الفلسطينية مرتاحة لقيام حماس بعرض عسكري. ومن يدري، فقد تمنع السلطة قريبا حتى التظاهرات الشعبية العادية. وإذا كان الاحتلال قد خرج من غزة، فهذا مدعاة للفرح والاحتفال، لا يعرف طعمه إلا من قاوم الاحتلال ومن عانى من الاحتلال. فالاحتلال باختصار هو وضع دبابة على صدر كل طفل فلسطيني ليل نهار، هو قيام اسرائيليين اثنين بتعذيب كل فلسطيني ليل نهار. هذا هو الاحتلال. أليس مجرد إعادة الانتشار مدعاة للفرح؟ حينما يصحو أي فلسطيني في الصباح ولا يرى العدو في ساحة المنزل، يكاد يحتفل ببضع ساعات على غياب هذا الكابوس المميت.
ولا ندري لماذا حساسية السلطة الفلسطينية وحتى تنظيمات فلسطينية إذا كانت الاراضي المحتلة مقبلة على انتخابات "ديمقراطية تحت الاحتلال وعلى مقاسه"، وبالتالي فإن حماس تقوم بدعاية انتخابية. ألا يقوم تحالف التسوية بدعاية انتخابية منذ عام 1993؟ دعاية انتخابية بتوزيع الوظائف والاعطيات والاسلحة والاموال وتراخيص الاستيراد والتصدير والكازينو ومناصب أجهزة الأمن والقمع والفساد والإفساد والرحلات الى الخارج (للرفاهية او للتطبيع او للتدريبات البوليسية)؟ فكل من استفاد من هذه لا بد أن ينتخب السلطة عينها ونفسها.
ليست حركة حماس وحدها التي احتفلت، بل احتفلت مختلف قوى وأجنحة المقاومة، فلماذا الضيق والحساسيات، وحتى نسب الانفجار لعامل داخلي؟
حول جوهر الانفجار، يحتاج الامر لمعرفة إن كانت هناك أسلحة حية أم لا؟ فالمألوف ان صواريخ العرض لا تكون مشحونة في عروض أنظمة الحكم كي لا يقوم فريق بانقلاب او باغتيال كما حصل "لأنور السادات، ولا تكون مشحونة، أو يجب ان لا تكون مشحونة في حالة المقاومة حفاظاً على أرواح الناس.
ولكن، بعيداً عن هذه الأمور التقنية، ما معنى أن تقوم قوات الكيان الصهيوني بهذا العدوان؟ هذا يعني ان الاحتلال هناك، وأن ليست للسلطة سيادة، وليس لحماس او غيرها أن تشعر بالامان وتقوم باحتفال عسكري تحت الاحتلال.
لقد نشرنا في كنعان لكثيرين بأن ما يسمى سلاماً بالنسبة للكيان الصهيوني هو طبعة أخرى للحرب، ليس أكثر. لذا، من الخطورة بمكان ان يغفل أحد منا عن هذه الحقيقة، ولا سيما المسلحين. فالعدو الذي ضرب المفاعل العراقي ويحاول ضرب المفاعل الايراني، ولم يلغِ ضرب المفاعل الباكستاني رغم إمتطاء تل ابيب لكراتشي، لماذا لا يضرب عرضا مسلحاً لحماس؟
لماذا لا نفهم معادلة الصراع كما هي؟ فالسلطة الصهيونية ترى نفسها في حرب مع كل فلسطيني. حتى المقابر الفلسطينية هي رمز للوجود العربي هنا، ولذا هي عرضة للرمي في البحر. وعليه، فالاحتلال ليس فقط ضد المقاومة المسلحة، بل حتى ضد "انتخابات بشروطه ومفاهيمه". لذا، يطالب بأن لا تشترك حماس في الانتخابات المقبلة. وحتى لو كانت هذه الانتخابات ديمقراطية، فمن قال ان الاحتلال يريد للشعب العربي الفلسطيني ديمقراطية؟ فمجرد وجود الاحتلال هو نفي مطلق للديمقراطية فكيف إذا كان احتلال يكنس التاريخ والذاكرة ويلتهم الارض.
هل يريد الاحتلال من حماس الخروج من جلدها المقاوم كي يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات او يقبل نتائج انتخابات تشارك فيها حماس؟ وهل تعتقد حماس ان المشاركة في الانتخابات هو عربون مرونتها بما يقنع الطبقة الحاكمة عبر البيت الابيض لتقنع الصهيونية الاشكنازية بهذه المرونة؟ لا. فما تريده الصهيونية الاشكنازية هو تغيير قلب المقاومة وجلدها.
أما في هذه العجالة فيبقى السؤال ألاخير: هل صحيحاً إجراء عرض مسلح في قطاع غزة؟ بل هل صحيحاً مجرد إنكشاف أي مناضل مسلح في الاراضي المحتلة ومنها غزة؟ هل يقبل الاحتلال بحماس المسلحة وحماس الانتخابية معاً؟
أسئلة معقدة جداً، وسهلة في نفس الوقت. معقدة إذا لم نفهم طبيعة الاحتلال جيدا، وسهلة إذا فهمناه حقاَ. لا يمكن للانسان وضع بطيختين في يد واحدة، إلا إذا اصبحتا حبتي ذرة! ولكن، إلى ان يصبح بالامكان حمل البطيختين معاً لا بد من تعامل مع الواقع كما هو: اي ان عملا مسلحا علنيا في ظل الاحتلال من جهة، وفي عالم العولمة الرسمية حيث كل العالم الرسمي ضد المقاومة، هو مغامرة مكلفة فوق المألوف.
وإذا كانت ترمي حماس من وراء العرض المسلح تجريد تأييد انتخابي، فإنها تكلف نفسها ثمنا مجانياً. فالتأييد الشعبي لحماس بغض النظر عن نسبته هو لما قامت به من مقاومة، وليس لما لديها من سلاح. ولنا في الانظمة العربية عبرة. فما أكثر اسلحة الانظمة العربية، وما أقل استخدامها لأهداف الامة، بل هي مستخدمة ضد الأمة. هنا الدولة عدو الأمة بلا مواربة ولا تدليس. ولا بد لحماس وكل من قاوم ان يتذكر، بأن ذاكرة الشعب حية ويحفظ لكل حقوقه ومساهماته.
وإذا كان هدف حماس تمرير رسالة الى السلطة بأن لدينا قوة تحول دون تجريدنا من السلاح، فإن هذا لن يخدم كثيراً. فحينما تصل التسوية إلى وجوب تجريد المقاومة من السلاح، أو تحولها تحت الارض "إن كان هذا ممكناً بعد كل هذه العلنية" فإن أيلول اليوم يذكرنا بأيلول عمان. ومن يرفض تجريد المقاومة من سلاحها، لن يكون له في قلب كونداليزا رايس الاسود مكاناً.
وهذا يطرح سؤالين أكثر تعقيداً:
الأول: هل تحلم حماس بالسلطة في الاراضي المحتلة التي لم يحن الوقت التاريخي بعد لطرد الاحتلال منها وبالتالي، فإن الامر يتطلب عرضا للسلاح، كتوازن رعب؟ هذا متروك لقيادة حماس للتفكير فيه. وحتى لو طرد الاحتلال، فهل ستتخلى حماس عن تحرير فلسطين الأم، 1948؟ وما هو التفسير؟ وقد يكو من دواعي هذا العرض رغبة قادة حماس في إرضاء مشاعر الجيل الشاب. ولهذا معنى. ولكن ربما المعنى الأعمق ان يعرف هذا الجيل، بأن المناخ المقبل كالحالي هو للعمل السري، وان استقطاب الشارع هو بالمقاومة والديمقراطية وليس بالاحتراب.
والثاني: لو وصلت حماس الى السلطة في الاراضي المحتلة أو شبه المحتلة 1967، فهل جهزت نفسها لأجندة إجتماعية؟ أين يقف مشروعها الاجتماعي الاقتصادي السياسي: مع الرأسمالية أم القطاع العام والتعاونيات الشعبية، مع الوهابية أم مع إسلام محاضر محمد، مع طالبان فيما يخص المرأة، أم مع مساواة النوع كما هي روح العصر. مع الحجاب بالاقمشة أم مع الحجاب بالوعي؟ مع الاسلام كمصدر من مصادر التشريع أم مع طبعة من الاسلام تستحضر الماضي كما كان؟ هل تفكر باجتهادات عمر بن الخطاب وإبن رشد، أم بتكفير سيد قطب؟ وماذا عن التعددية الفكرية والسياسية، هل سيسمح بالتفكير الاشتراكي والقومي؟ هل يمكن في هذا العصر أن يكون المجتمع لونا واحدا ومدرسة واحدة؟ هل يمكن الانغلاق عن ما يدور في العالم؟ هل يمكن ان نقرأ تجربة الغرب في علاقات القوى مع بعضها، ليس للتقليد ولكن على الأقل لفهم اسبسب النجاحات العلمية والاقتصادية. فلم يصل الغرب الى صناعة كل شيىء، بينما لا نصنع حن شيئاً، إلا بمغادرة ذهنية التحريم والتكفير. وبالمناسبة، ليست ذهنية التحريم عند إسلاميين فقط في بلادنا، فهناك ذهنية تحريم تلبس طربوش اليسار وطربوش القومية وطرابيش كثيرة.
إذا كان لدى حماس تفكير بالسلطة، فسيكون الوصول الى السلطة هو اسهل الأمور، لأن ما بعدها هو الامتحان العسير بل الامتحانات الدائمة!
(f) للجميع