الزميل المحترم الراعي تحية وبعد ..
فإني آعتذر لك وللصديق god help us عن هذا التأخير بسبب كثرة مشاغلي هذه الأيام .
كتبت تقول :
( فإريناؤس كان تلميذا لبوليكاربوس وبوليكاربوس كان تلميذا ليوحنا تلميذ المسيح ، وقد أعلن إريناؤس أن كاتب الإنجيل الثالث هو القديس لوقا ، إذا فهو قد حصل على هذه المعرفة من بوليكاربوس وبوليكاربوس عن يوحنا ) .
أقول : لقد تطرقنا لهذا الاحتجاج منك من قبل في حوارنا حول كاتب إنجيل يوحنا، ورددنا عليه ، ومررت عليه سيادتك مرور الكرام ، ولم تحاول تفنيده ، ثم تعود وتطرحه وكأن شيئاً لم يكن وأكرره هنا مع بعض التعديل ...
اقول : لا يمكن الاعتماد على قول اريناوس ، وهو مرفوض لعدة أسباب :
أ – لأنه لم يذكر أنه أخذ هذه المعلومة من بوليكاربوس ، وقولهم لا بد أنه أخذها عن أستاذه قول في غير محله وتأكيد سقيم ، إذ أن هناك احتمالات أخرى ، فيحتمل أنه نقلها عن آخر مجهول لا نعرفه ، أو أنه غلبه الظن والتخمين فكان ذلك من استنتاجه الشخصي ، وفي مثل هذه الحالة لا يمكن أن ننهض بهذه الأدلة الواهية لندلل على أن لوقا هو الكاتب ، بل هذا يحتاج إلى أدلة قاطعة بيّنة لا تحتمل الشك ولا يتطرأ إليها الإحتمال ، وإلا فسدت ، لأنه من المعلوم ان الدليل متى تطرق اليه الاحتمال بطل به الاستدلال ..
وكونه تلميذ بوليكاربوس لا يعني أنه أخذ كل شيء عن بوليكاربوس ، فلو صحّ ذلك لوجب أن يكون فلورينوس الغنوسي ( وهو من الهراطقة في نظر الكنيسة ) أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس أيضاً ، لأنه كان تلميذه ، تقول دائرة المعارف :
( فلورنيوس الذي كان أيضاً تلميذاً من تلاميذ بوليكاربوس ، ولكنه انحرف إلي الغنوسية ( .
فهل يقول النصارى أنّ فلورنيوس الغنوسي تلميذ بوليكاربوس أيضاً أخذ أفكاره الغنوسية عن بوليكاربوس ؟؟؟
طبعاً لا أظن أنهم يقولوا به ...
وكذلك لوجب أن بابياس وهو من الآباء الرسوليين الذي كان صاحب بولكاربوس وتلميذ يوحنا قد أخذ عنه كيفية موت يهوذا الاسخريوطي ، والتي وصفها كالتالي :
Judas walked about in this world a sad example of impiety; for his body having swollen to such an extent that he could not pass where a chariot could pass easily, he was crushed by the chariot, so that his bowels gushed out.
( ولقد أصبح يهوذا مثال سيء على عدم التقوى في هذا العالم , فلقد تضخّم جسده حتى أنّه لم يكن بمقدوره المرور حيث يمكن أن تمرّ عربة حنطور بسهولة , ولقد دُهس بعربة حنطور حتّى انسكبت أحشاؤه خارجاً ) ( Fragments of Papias - chapter 3 )
والآن نسأل :
أليس بابياس تلميذاً ليوحنا الرسول ؟؟؟
أليس بابياس صديقاً لبولكاربوس ؟؟؟
نعم هو كذلك ، واريناوس نفسه يؤكد ذلك ويقول : " بابياس الذي سمع يوحنا وكان صاحباً لبوليكاربوس " . ( Irenaues A.heresies, Book 5 , ch:33 ) .
فهل يقول المسيحيون أنّ بابياس أخذ هذه عن الرسول يوحنا لأنه كان تلميذه ؟؟
أو هل يقولوا أن بابياس أخذ هذه عن بولكاربوس لأنه كان صديقه ؟؟؟؟
فحسب قاعدتهم وجب أن يجزموا أنه أخذ هذه المعلومة عن يوحنا أو على أقل تقدير من بولكاربوس الذي بدوره أخذها عن يوحنا الرسول ؟؟؟
لا ، لن يجزموا بذلك و إلا اضطرّوا معها إلى الجزم بتناقض البشيرين متى ويوحنا ، لأن هذا فيه تكذيب واضح لإنجيل متى 27 : 5 ( فطرح - يهوذا- الفضة في الهيكل وانصرف ، ثم مضى وخنق نفسه ) .
وكذلك فيه تكذيب واضح لأعمال الرسل 1 : 18 ( فان هذا - يهوذا - اقتنى حقلا من اجرة الظلم واذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت احشاؤه كلها )
ولقد أجبت عزيزي الراعي بنفسك عن هذا تبعاً ليوسيبيوس أن بابياس سطحي وساذج ويُخطأ ويهم كثيراً ، والعجيب أن شهادة بابياس حول كاتب إنجيل متى تستخدم كدليل معتمد في إثبات أن متى هو الكاتب ، ومن الذين اعتمدوا عليه دائرة المعارف الكتابية وقاموس الكتاب المقدس ومنيس عبد النور في شبهات وهمية ، وأكد شهادته واعتمد عليها كل من اريناؤس واريجانوس .
فهل رأيتم تناقضاً وازدواجية في المعايير أكثر من هذا ؟؟؟
فالمسألة كما يبدو أنها أهواء ، فإن كان كلامه موافقا فهو حجة دامغة أما إن كان كلامه مخالفا فهو سطحي وساذج ورأيه رأي شخصي لا يُلزم أحداً ، مع أنّ قول بابياس هنا ليس رأياً بل هو خبر ورواية .
والعجيب أنك مع كل هذا تجزم أنّ اريناوس أخذ هذه المعلومة حول كاتب إنجيل لوقا عن معلّمه بولكاربوس وتتمسك بها بالرغم أنه لم يصرح بذلك ، فأوجبت أن ما يقوله اريناوس هو ما أخذه عن معلمه ، ولكن هل تستطيع أن تظل متمسكا بقولك إن كل ما أخبر به اريناوس هو مما أخذه عن بولكاربوس ؟؟؟؟
حسناً اضبطوا هذه النقطة ...
يقرر اريناوس في كتابه الثاني ضدد الهراطقة في الفصل الثاني والعشرين ( 22 ) أنّ المسيح – عليه السلام – كان قد جاوز الخمسين سنة عند موته ، ولقد جادل في ذلك ونافح بقوة واستخدم الأدلة والبراهين مثل ( يوحنا 8 : 57 ) لإثبات قوله ، فاليهود قالوا للمسيح ( ليس لك خمسون سنة بعد ، أفرأيت ابراهيم ) ، فخلص إلى أن سنه في هذا الوقت كان فوق الأربعين ، والملفت للنظر أنه صرّح بكل وضوح أن هذه المعلومة حول سن المسيح سلّمها يوحنا الرسول لتلاميذه الذين رافقوه في آسيا وبقوا معه حتى حكم تراجان .
فالآن عزيزي القارئ نرى قولاً صريحاً في أن يوحنا بن زبدي أخبر تلاميذه أنّ المسيح جاوز الخمسين عند موته ، فهل تعلم أنّ الكنيسة ترفض هذا القول بشدة ؟؟؟؟
وتجمع الكنيسة أنّ بدء عمل المسيح عندما كان له نحو ثلاثين سنة ( حسب لوقا 3 : 23 ) ، وأنّ فترة عمله دون أربع سنوات كاملة ، وعلى هذا يكون سن المسيح عند موته لم يتجاوز أربع وثلاين سنة .
فلقد صرح المؤرخ الشهير يوسيبيوس القيصري ( توفي 340 ) أنّ فترة عمل المسيح على الأرض لم تبلغ أربع سنوات كاملة فلقد قال في كتابه تاريخ الكنيسة ، الجزء الأول ، الفصل العاشر منه :
( وبناء على الوقت المبارك لعمل المخلص يتّضح أنه لم يكن بمجمله أربع سنوات كاملة ) .
Accordingly the whole time of our Saviour's ministry is shown to have been not quite four full years
ولقد خطأت الكنيسة قول اريناوس وقالوا عنه أنه استنتاج شخصي خاطئ مبني على فهم مغلوط بالرغم من أنه يقول بكل وضوح أنّ هذا ماأخبر به يوحنا تلاميذه ، وعلّق هارفي على قول اريناوس في الهامش :
( مع الاحترام لهذا التّأكيد العجيب من إيريناؤس , يعلّق هارفي : قد يدرك القارئ هنا الأحرف الغير مرضية للتقليد , حيث أن الحقيقة المجرّدة مضطربة .فمن خلال التّدبّر المبني على التّاريخ الانجيلي , وبالإضافة إلى شهادة خارجيّة , نجد أنه من المؤكد أن عمل المسيح امتدّ قليلاً فوق ثلاثة سنوات , لكن هنا يصرّح إيريناؤس أن هذا تضمّن أكثر من عشرة سنوات , و يدعو إلى تقليد مبني - كما يقول - من خلال هؤلاء الذين رافقوا الرسول ) .
وكذلك خطأه متى هنري في تفسيره ( سنة 1706 ) ليوحنا ( 8 : 57 ) ، وقرّر أن عمر المسيح يومئذٍ كان اثنين وثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة .
وجزم تفسير روبرتسون ليوحنا ( 8 : 57 ) أنّ المسيح كان يومئذٍ بين ثلاثين وثلاث وثلاثين ( 30 – 33 ) .
الخلاصة هي أننا نرى بكل وضوح كيف أن الكنيسة والعلماء المسيحيين يخطّئون اريناوس علانية ، بالرغم من أنه يصرح أنّ هذا ما أخبر به يوحنا تلاميذه ، ولكنهم رموا بكل هذا جانباً وضربوا به عرض الحائط عندما لم يناسب هواهم .
ثم يأتوا إلى قوله بأن لوقا كتب إنجيلاً ويجزمون أنه مما أخذه عن بولكاربوس بالرغم أنه لم يصرح أنه أخذ هذه المعلومة عنه.
أليس هذا عجيباً ؟؟؟؟
ما يقول به صراحة أنه أخذه من التلاميذ يكذبونه به ، وما لم يخبر به أنه عن التلاميذ يجزمون أنه مما أخذه عن التلاميذ ....
أليس هذا هو الكيل بمكيالين ؟؟؟
ولماذا لا يقولوا أن قول اريناؤس أن لوقا كتب إنجيله هو استنتاج شخصي وفهم مغلوط ؟؟؟؟
وخصوصاً أن هذا القول أجدر لأنه لم يصرح بأنه أخذه من أحد ؟؟؟
أم المسألة أهواء ؟؟
أرأيت من اتخذ إلهه هواه ؟؟؟
نعم وما هذه إلا مسألة أهواء ، فما يوافقهم فهو مما أخذه عن التلاميذ وإن لم يصرح هو بذلك ، وما لا يوافقهم فهو من استنتاجه الشخصي وحتى إن صرح بأنه مما نقله التلاميذ عن البشير يوحنا .
إذن ، فالجزم بأن أيريناوس أخذ هذه المعلومات عن بوليكاربوس فيه مجازفة كبيرة وبعداً عن المنطق والحقيقة .
وألخّص الكلام وأقول :
بين اريناوس ولوقا حلقة منقطعة ، وهذه الحلقة غير معروفة ، أي لا يُعرف من هو هذا الذي أخبر اريناوس أن لوقا هو الذي كتب انجيل لوقا ، ولا نستطيع أن تقول أن بولكاربوس هو الحلقة هنا ، لأن اريناوس لم يصرح باسم من أخبره بذلك ، فهذا مجرد ظن وتخمين ، ويبقى القول أن بولكاربوس هو من أخبر اريناوس مجرد احتمال ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال .
فالعقائد لا يمكن أن تبنى على الظن والاحتمالات ، بل تبني على اليقين الثابت .
وكتبت تقول :
اقتباس: " لقد تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للجميع عامة ، ثم سلموه لنا بعد ذلك ، حسب إرادة الله ، في أسفار مقدسة ليكون أرضية وعامود إيماننا " (Ag. Haer.3:1.) .
يا عزيزي أنه يؤكد أنه تسلم الإنجيل الشفوي والمكتوب ممن سبقوه لذين نادوا به شفوياً أولاً ثم سلموه لهم مكتوباً أيضاً ، إلا يكفيك هذا أم فقط تجادل بأسلوب جدلي لأنكار الحق الواضح !!!!!!!!
أقول :
يا عزيزي أنت لا تفتأ بالمغالطات ، تريد أن تثبت زعمك مهما كلف الأمر حتى لو اضطررت لليّ عنق النصوص وتشويهها ...
لنلقي نظرة على ما اقتبسته من اريناوس :
( لقد تعلمنا خطة خلاصنا من
أولئك لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للجميع عامة ) .
من هم الذين يعنيهم اريناوس بـ "أولئك" ؟؟؟؟؟
هل هو بوليكاربوس ؟؟؟
لا أبداً ...
إنه يتحدث عن الرسل وتلاميذ المسيح ولا يتحدث عمن هم دونهم ، والدليل على ذلك السياق الذي أوضح فيه اريناوس أن المعنيين هم تلاميذ المسيح ، وهذا السياق كاملاً :
(( لقد تعلمنا خطة خلاصنا من [COLOR=Red]أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل
هل تلاحظ الذي وضعته باللون الأحمر ؟؟؟؟؟
يقول ( أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل ) .
ثم يقول ( كانوا يمتلكون إنجيل الله ، كل بمفرده ) .
ثم يوضح من هم أولئك الذين يتحدث عنهم ، فيبدأ بالتفصيل فيقول :
- نشر متى إنجيلا .
- سلم لنا مرقس كتابة ما بشر به بطرس .
- دون لوقا الإنجيل .
- نشر يوحنا إنجيلاً .
هؤلاء هم من يتحدث عنهم اريناوس ويعنيهم أنهم سلموا لهم الإنجيل ....
فهل سلموا له الإنجيل مباشرة ؟؟؟؟
لا ، ليس هذا المقصود ، بل المقصود أنهم كتبوا أناجيلاً للمؤمنين المسيحيين .
هذا هو اعتقاده ، وهذا اعتقاد كل مسيحي ، فكل مسيحي اليوم وفي كل عصر يستطيع أن يقول ( تعلمنا خطة خلاصنا من أولئك الذين سلموا لنا الإنجيل الذي سبق أن نادوا به للجميع عامة ) .
ونحن لا ننازعك في أنكم تدعون ذلك ، ولا ننازعك في أن أريناوس أيضاً يدعي ذلك ، ولكن ننازعك في كيفية الطريقة المجهولةالتي عرف بها اريناوس هذا الكلام .
أفلا ترى عزيزي أنكم تبنون إيمانكم كله اريناوس هذا ؟؟؟
يعني ليس عندكم إلا هذه الطريق المنقطعة ...
تبنون إيمانكم كله على قول شخص واحد لا ندري أصادق أم كاذب ، مخطئ أم مصيب ، متوهم أم لا ، أسمع هذا الكلام من أحد أم استنتجه حسب ظنه !!!!!!!!!!!!!!!
ثم تطالب متحدياً أن أقدم لك أسانيد القرآن التي لا حصر لها ؟؟؟؟
وكانه يظهر منك أنك رافض لصحة أسانيد القرآن ومستخف بها من البداية ، والتي لو اعتبرنا جدلاً أن أقوى سند متصل منها مساوياً لسند اريناوس المنقطع الهزيل لبلغت آلاف أضعاف سند الأناجيل عندكم ...
فأنتم إن ملكتم سنداً( والحقيقة أنكم لا تملكون ) ، فإنما هو سند واحد فقط لا غير ، بينما القرآن نقل نقلا متواترا بحيث لا يدانيه نقل بقوة تواتره واستفاضته ، ولو أردنا أن نحصي أسانيد القرآن لوقعنا كما قلت سابقا في بحر من الأسانيد .
فأنا لو كنت مكانك لاستحيت أن يكون عندي سند واحد منقطع لكتابي ثم أطالب المسلمين الذين يملكون آلاف الأسانيد للقرآن أن يأتوا بالسند له .
وأخيراً أقول :
أنا مستعد لمناقشة هذه الموضوع معك لتقديم أدلة تواتر القرآن الكريم ، شريطة :
- أن نناقشه نقاشاً موضوعياً علمياً .
- أن لا تطرح أكثر من اعتراض واحد في كل مرة حتى ننتهي منه ، وبعدها تطرح واحداً فقط وهكذا .
- أن تناقشني من مراجعي فقط ( فأنا من المذهب السني ) ، أما إن كان لديك شيء من المذهب الشيعي ، فتستطيع أن تفتح حوارا مع الإخوة الشيعة الأفاضل هنا أمثال ( علي نور ) فهو متمكن من أمور مذهبه وعلى درجة عالية من العلم والثقافة ، وكلّ واحد منا أدرى بأمور مذهبه .
إذا كنت تقبل بهذه الشروط فأنا مستعد للحوار معك وأرحب به .
إلى أن اسمع منك ، لك مني كل التحية والاحترام .
العميد