عزيزي كمبيوترجي؛
أحيي فيك هذا الرفض المنهجي والذكي لربط الإسلام بالإرهاب، وبنفس الوقت رفض التبريرات "التقديسية" التآمراتية حول ما يحدث اليوم.
البعض يحلو له أن يصور المسلم كملاك، وعداه كشيطان ضمن تسطيح عجيب غريب يجعلني أتقيأ، وهذا ما يمنعني فعلاً من النقاش في هذه الفترة المحمومة في نقاشات فكر حر أو الأديان حيث تطغى الروائح المتطرفة.
فكل من يسمع سمعة أو إشاعة يذكرها كحقيقة، فلديه من المؤكد أن اليهود لم يذهبوا للعمل هناك في يوم 11 سبتمبر، ولديهم أنه من المؤكد أن الأردن قام بإخلاء الإسرائيليين قبل غيرهم بعمان.
وهلم جراً، وكله دون أدنى احترام لما يسمى المعلومة، احترام المصادر، فيأتي بمصدر من الأنترنت، ونعرف كيف تنتقل الإشاعات بالأنترنت أكثر مما تنتشر بالحياة الواقعية.
المشكلة أن هناك عقل تبريري لا يملك النقد، والنقد يجب أن يتحلى به كل شخص، فلا يصدق كل شي كيفما كان، لا من هذه الجهة أو تلك في عالم محفوف بمخاطر الإعلام والإعلام المضاد. علينا أن نبحث ونبحث.
ولنكن واقعيين وصادقين مع أنفسنا فكم من فضيحة تسيء للجيش والسياسة الأمريكية والإنكليزية نشرت عرضها الوسائل الإعلامية الأمريكية والإنكليزية نفسها، من خلال شفافية تتمتع بها هذه المجتمعات المدنية. فبربكم هل يمكن ألا يرشح عن هذه المجتمعات ومن خلال الشفافية التي نعرفها عنها شيء عن تآمر ما؟
يعني كما يقول المؤمنون الله عرفوه بالعقل. فخلونا منطقيين.
لو كان هناك إمكانية أن يكون بن لادن والزرقاوي صنيعة أمريكية، لكان ذلك رشح ولو من خلال إشاعات. فكيف لا نرى هذا الأمر يرشح ولا نعرف عنه شيئاً؟
ولكي لا نقول أني أعتبر أن الإسلام إرهابي هذه وصلة لمقال مهم نقلته للنادي عن بدايات الإرهاب العالمي:
في زمن الإرهاب الفوضوي
الإرهاب ليس إسلامي، وليس الإسلام بجوهره إرهابي إلا لدى الجوهريين الذين لا أطيقهم. الإسلام تعددي فيه الجميل والقبيح.
الإسلام فيه الصوفيين وابن عربي وابن رشد والفارابي والحلاج وعلي وفاطمة سيدة النسا.
فيه معاوية قائد عسكري، ومعاوية الذي كان ديكتاتوري نعم لكن أقل ديكتاتورية من عروبي العصر حين قال من كف لسانه عن حكمنا فليقل ما شاء (أو كما قال)، وفيه يزيد المعتوه السكير العربيد. فيه صلاح الدين وفيه شجرة الدر. تعددي هذا الإسلام. يجمع بين أيروسية ألف ليلة وليلة، وتزمت الوهابيين.
فيه ديك الجن الحمصي، أبو نواس، وولادة وابن زيدون.
فيهم من التعدد ما لايقاس، فيه عبارة " اتخذ لأخيك ألف عذر قبل تكفيره"، فيه وضع شرعي مميز لأهل الذمة يعتبر الوحيد عند أهل الديانات الذي يشرع وجود الكافر بوضع خاص، صحيح لا يسمح بالمواطنة ولكنه بالنسبة لعصره يعتبر تشريعاً متقدماً إذ أنه يسمح بتشريع وجود معترف به قانونياً.
هناك الكثير يُقال بحق هذا الإسلام المتعدد تاريخياً، لكنه سقط حين اسودت الوجوه، وعادت الحضارة أدراجها لتشكل نكسة على الحضارة، فلم تعد تعتبر التاريخ استمرارية، بل وقوفاً عند حقبة.
عندما صرنا نطالب التاريخ بأن يكون لنا وحدنا أو لا شيء غيره.
ولا نريد أن نعترف بتفوق الأمم الأخرى علينا، هي أخذت عنا بالطبع، ولكنها ذهبت بعيداً ووصلت مواصيلاً لا ينفعنا معها خطبة علي ولا قرآن محمد، ولا تاريخ القرطبي ولا فلسفات ابن رشد.
العالم تقدم ونحن نحاول استجرار تاريخنا، بدلاً عن الأخذ من جديد لكي نستطيع العطاء.
ونعود أخيراً لمسألة المؤامرة التي أراها غاية في الوضاعة والسذاجة. كيف يتحكم بالكون كله بضع أشخاص ولا يتسرب ذلك إلا لشخص أو شخصين مرفوع عنهم الستار؟
كن عاقلاً تعقل، ولكن أن تضحك على الناس بدغدغة نرجسيتهم القومية بأنهم على الحق، وأن ترديهم الحضاري ليس إلا مؤامرة صهيونية أمريكية، فهذا معناه أنك تضحك عليهم وأن كل ما هم عليه منذ ألف سنة من تدهور ما هو إلا مؤامرة، وبما أن المؤامرة مستمرة وناجحة، فلماذا المقاومة؟ لأن الذي استطاع الانتصار عليك والتآمر عليك حتى دون أن تعلم مستمر بذلك، فليس لديك أي شيء تقدر فعله أمامه.
هذه دعوة للتشاؤم واليأس. أو دعوة للفوضى، وكلاهما سيان.
(f)