قراءه فنية ثانية "سورة العاصفة"
يرجى من السادة المشرفين نقل هذا الموضوع الى ساحى المعتقدات و الأديان.كان يفترض بهذا الموضوع أن ينشر منذ ثلاثة ايام و لكن قوانين المنتدى تفرض ثلاثة ايام بين نشر الموضوع و الذي يليه..
القرآن تحدى بشكل صريح أن يؤتى بمثله و يحمل هذا التحدي معرفة ضمنيه بأن بعضهم سيحاول تقليده و "عاصفة" الختيار هنا ليست إلا إستجابة لهذا التهدي, و قد لا تكون فكرة طيبة أن يلجأ أحدهم الى تحدي ما يقدسه الناس و لكن يمكن أن نعتبره "إجتهاد",قد يصيب صاحبه و قد يخيب و لكل مجتهد نصيب.عند مقاربة نص الختيار مع القرآن سنظلم كلا النصين لأن القرآن يحمل ظلال من القدسية تكدست على صفحاته طوال أربع عشر قرنا و لا يمكن أن نتجاهل هذه القدسية عند المقارنه و هذا ما لايتوفر لنص الختيار لذلك لن نلوم من ينظر الى نص الختيار على أنه نص متهافت لا يستحق النظر أليه لمجرد أنه رد على التحدي,و لكن يجب أن يكون للحقيقة نصيب فليس كل حرف من حروف سورة العاصفة قابل للثلب كما فعل البعض لأن فيها شيء يقارب النفس القرآني ولو أعتبرنا أن الختيار رجل يحمل قدسية ما لنظرنا الى نصه نظرة مختلفة.
قرآت النص عدة مرات و حاولت أن أرجع الى نصوص قرآنية مشابهة فخرجت برؤية فنية خاصة بي و ذلك بعد أن تعاملت مع القرآن كنص لغوي و حاولت أن أحاكي لهجة المفسرين المعجبين بأي القرآن و هاكم النتيجة.
سورة العاصفة, ايات قصيرة متلاحقة تحبس الأنفاس تجرد قارئها من ذاته ليخلص لها القراءة و يخشع بتقى أما لكنتها القاطعة الحاسمة,قريبة جدا من النفس المكي,يستهلك الختيار أياتها السبع الأول لقسم عظيم أولة يمسك أوله كالبنيان المرصوص فيؤلف مشهدا كاملا يلخص فيه الوجود كله فيبدأ بداية كالصدمة الكهربائية التي توقظ متعبي القلوب بقوله "و الذي خلق فقدر"قسم بالذات التي تخلق ثم يتبع الخلق التقدير و في ذلك إشارة الى أن الخالق لا يترك خلقه سدى فهو يقدر لهم ما لهم ثم يتبعها "و رفع الشمس و القمر" يزداد التركيز على قدرة الله فبعد الخلق و التقدير تأتي "الهندسة" هندسة التموضع للشمس و القمر و لا حظ أنه ذكر الجرم الأكبر الشمس ثم الجرم الأصغر القمر و في هذا توكيد هندسي آخاذ و فيه مقاربة لهندسة "الطبولوجيا" المكانية,وفتق السماء و أنزل المطر" بعد القدرة و الهندسة تأتي الحكمة و في هذه الآية تشبية غاية في الإتقان و قد شبه السماء بجيب يجب شقه لينزل المطر و لا تخفى دلالات هذه الإشارة الى أن أنشقاق السماء و هطول المطر مربوط بالخلق و التقدير و معطوف على وجود الشمس و القمر و لا داعي لذكر دور الشمس و القمر في دورة المياه في الطبيعة,لا تمهلنا السورة لنلتقط أنفاسنا فتقذف في وجهنا صورة أخرى من صور قدرة الخالق و هو خلق الجنة و عطفها على البشر و لا حظ هنا أنه لم يقل النار و ربط خلق الجنة بالبشر و هي كناية عن رحمة الله الواسعة و جنة الرحيبة التي تتسع لجميع البشر و لم يقل المؤمنين أو المسلمين و في هذا القسم دليل على أن البشر عند الختيار وحدة واحدة و لا فضل لمسلم على غير المسلم فكلهم معرضون للدخول الى الجنة,"و شق البصر", هذه الآية يمكن أن تفسر كل ما سبقها دفعة واحدة لأنها تدير الأبصار الى كل ما سبقها من قدرات و هذه لا تدرك إلا بالبصر و الختيار الذي أوجد الخلق و رفع الشمس و القمر و فتق السماء لينزل المطر لو وقف هنا لقلنا من الذي سيعقل كل هذه الآيات فتأتي عملية شق البصر و بالبصر وحده يمكن" لمس" كل ما سبق دفعة واحدة و بهذه الآية بالذات أزال الختيار الغموض عن سبب قسمه العظيم السابق, الآية التالية يجب أن تقرأ مع ما يليها فنقول فلق الحجر و فجر الأنهار تجري بقدر, و لم يمكن أن نتصور جريان للأنهار بدون فلق للأحجار فالعمليتات متتابعتان متضامنتان لا يمكن للواحدة الوجود بدون الآخرى و لذلك جاءتا متلاحقتين و تلاحقهما يعطي القارىء أحساسا أنسيابيا و كأنه تيارا من الماء يسير أمامه, أما الآية العظيمة فهي في توقف الختيار بقسمةعند قولة "تجري بقدر" و هو ابتدأ القسم بقولة و الذي خلق فقدر لاحظ البداية هو "التقدير" و النهاية هو "التقدير" و التقدير هو قانون الطبيعة الذي أرساة الختيار في موجوداته فلا وجود و لا حياة بغير هذا التقدير الذي بدأ به و أنتهى به. و بنهاية هذه الآية ينتهي القسم.
و كأن الختيار هنا يقسم بمشهد الخلق فيوضح فيه القدرة و الهندسة و الرحمة و هذه ثلاث خصال من أنبل فضائل الختيار لذلك أنتقاها ليقسم بها ,و لا يمكن أن أنتهي من شرح معاني القسم الجليلة قبل أن اشير الى ثلاث كلمات بينات واضحات يأخذن بمجامع القلوب و هي " الفتق,و الشق, و الفلق"لحرف القاف في هذا التتالي حكمة و عظه فهو يصدر الحلق و الحلق مجرى الهواء و في التنبيه الى مجرى الهواء تنبيه بمعنى الحياة.
تمضي السورة كخط منحن يمثل تابعا رياضيا إنسيابيا لاتحس بإنعطافه بل يأخذك بهدوء الى حيث يريد فيقول و حنو كل أمهات العالم في لكنته "أشريك مع الله العظيم" و يتابع الختيار بكل ما يحمله المطر من خير و فرح "كلا و المطر", جملتان يفرغ فيهما الختيار شحنة من الود و كأنه يمهد الى قسوة قادمة مطلوبه هي ليست قسوة الجلاد القاسي و لكنها قسوة الأب الحاني فيقول "لتبعثن من الحفر, زمرا زمر,فيعلم من كفر,إن العاقبة لمن شكر"بيان بديع و تلخيص كثيف مؤثر لمشهد عظيم يبسطه الختيار بجمل أربعه متلاحقه يمكن أن تقرأ بنفس واحد البعث الجماعي من الحفر و في قوله الحفر حكمة يهدف منها الى التخفيف من حدة الكلمة التي تخلفها لفظة قبر أو جدث وفي هذا رحمة و موادعة من الختيار,ثم أن الكفار سيعلون أن من يشكر الله له عاقبة الدار, و لكن ماذا عن اللذين يتأخرون فيصف حالهم بقوله "و أما من تأخر" و التأخير هنا بمعنى أن حسابهم سيكون بعد أن يحاسب الشاكرين زيادة في ترقبهم و الترقب يخلق من الرهبة أكثر من العذاب نفسة و هذا يدل على معرفة الختيار بالتركيب النفسي للإنسان فعاقبة بالأنتظار,ذلك اليوم هو يوم تئز الأرض و ترز وترز الرعود و تنز القبور, حكمة الزاي في هذا السياق لا يدانيها ألا حكمة القاف في الآيات السابقة الزاي حرف يخرج من مقدمة الفم و يخرج من أول اللسان و فيه تذكير للإنسان بحفظ اللسان لأن في حفظ اللسان صيانة للقلب, و هذا من الأسرار الكثيرة المودعة بسورة العاصفة,ينتقل الختيار الى تصوير ذلك اليوم العظيم و يدعوه يوم النفير,لقب جليل ليوم جليل حيث ينفر الجميع كل بما عليه من أسمال و بما له من أعمال فيقف, في وجه الريح العاتية القاصفة, و هنا مشهد يعجز عن تصويره أكبر مخرجي هوليود حيث تعصف الرياح و تتحول ألوان الشعر الى الأبيض مع خلفية صوتية اشبه بالأنين يسميه الختيار النحيب, تصوير الختيار شديد الدقة و يكاد يكون متحركا ملموسا من شدة صدقة و تأثيره.
سورة جليلة هدفها واضح جلي تبدأ بتصور القدرة العظيمة, وقسم بالذات القادره ثم حنو وود يتلوه تصوير الوجه الآخر,تتقلب السورة بين هذه المعاني برقه و تكاد تشكل لوحة متكاملة مضاءة من كل الزوايا فلا يخفى جزء و تختفي تفصيلة, تشتد أواصر هذه الصورة بعبارات رقيقة حيث تلزم الرقة و شديدة حيث تلزم الشدة و توصيفات محددة جامعة مانعة متوازنة,تتكامل الأية مع التي قبلها كخيطان التطريز الملونة لتخرج الصورة بابهى حلة,و لا ابالغ لوقلت أن هذه السورة تحاكي الحواس جميعا حتى حاسة الشم تتحرك عند ذكر القبور الزائلة رائحة الموت التي تلف المكان,تهزنا هذه السورة بعنف و تهيج حواسنا لتتحرك افكارنا و يستيقظ الإنسان في دواخلنا و هو هدف الختيار النهائي من هذا البيان.
|