اقتباس: بهجت كتب/كتبت
أصبح لدينا مقتربان لفهم الثقافة ، الثقافة العالمية الواحدة كحزمة من المنتجات الراقية للصفوة و ثقافات شعبية متعددة بتعدد المجتمعات للجميع ، المفهوم الأول يعني الإلياذة و الأوديسا لهوميروس و سيمفونيات بيتهوفن و فالسات شتراوس و باليه بحيرة البجع لتشايكوفسكي و لوحة الموناليزا لدافنشي و تمثال الملك داوود لمايكل أنجلو و الجحيم لدانتي وأشعار شيكسبير و رباعيات الخيام و مبنى الأكروبول الإغريقي و معبد الكرنك الفرعوني و بروميثوس طليقا لشيلي روايات ديستويفسكي و نجيب محفوظ و باولو كويلو و سرفانتيس و نقد العقل الخالص لكانط و كارل ماركس و فولتير و بيكاسو و برنارد شو وداروين و سارتر و أينشتين و الجينوم البشري و الديناميكا الحرارية و البيئة و ...... هي باختصار كل ما يتحدث فيه العلمانيون و يستعيذ الإسلاميون بالله منه ! .المفهوم الثاني للثقافة هو كل ما هو خاص و شعبي كأزياء الرهبان البوذيين و رجال قبائل الطوارق و شعب الأسكيمو و الصلوات الخمس للمسلمين و قداس الأحد لدى المسيحين و مراسم عاشوراء الشيعية و هز الرأس أمام حائط المبكى لدى اليهود ، تعدد الأزواج في بعض قبائل الهند و الرقص الشرقي و الدبكة السورية و رقصة قبائل الماساي و النقاب السعودي و راقصات المعابد الفرعونية و الأطعمة الصينية و موسيقى القبائل البدائية في أستراليا و حرق الموتى لدى الهندوس وموسيقى الجاز و الأطعمة السريعة الأمريكية و .... الخ،
الزميل المحترم / بهجت
تحياتي و إحترامي ،،
تابعت شريطك منذ بدأ .. و علمت يقينا منذ البداية أنك تقصد المفهوم الأول للثقافة - تعريفا - لكي تبني عليه باقي طرحك و أسئلتك - مثل الدور المطلوب منه .. إلخ.
بل و لا أخفيك أني أنتظرت مداخلتك التي إقتبست منها أعلاه - لكي تفض الإشتباك بين كلا المفهومين بعد قليل من خلاف و بعض من هجوم على مفهوم الثقافة و المثقفين.
و لكن هل حقا يوجد مفهومان للثقافة - و هل هو وضع طبيعي ؟ و إذا كان كذلك - فهل الإختلاف بالشريط أعلاه - و على الواقع - هو إختلاف وظيفي بين المفهومين - أي هما إطاران يجمعان تحتهما العديد من الأنشطة و الأدوار الإجتماعية ؟
و في النهاية هل يزدوج مفهوم الثقافة في جميع المجتمعات أو معظمها - و بنفس الدرجة - أم أن هذا الوضع - أو بهذه الدرجة من الإختلاف هي حكرا على مجتمعات معينة و نحن منها؟
و اسمح لي أولا و بشكل عفوي و بسيط محاولة تحديد ما هو مشترك بين هذين المفهومين للثقافة - و ماذا نعني نحن - و يعني غيرنا من مختلف الجنسيات و درجات التعليم - حين نطلق على شخص صفة مثقف؟ Intellectual ؟ .. إلخ.
و لكن لنبق سؤالنا السابق مؤقتا - بداخل كل مجموعة بشرية مشتركة في خلفياتها المعرفية و الدينية و الأخلاقية ... إلخ - أي بداخل كل حضارة على حدة.
ماذا قد يعني رجل الشارع و المزارع البسيط أو أي فرد بأي مجتمع - حين ينعت أحدهم بالمثقف - و ما هو وجه التمايز بين المثقف من عدمه؟
لا أعتقد معنى اللفظ يخرج كثيرا عن الزيادة النسبية في كم المعلومات عن المتوسط و الشائع في الأفراد من حوله.
فالمثقف هو لفظ نسبي و يدل على زيادة نسبة المعرفة عن المتوسط - المثقف هو العارف أو الأكثر معرفة - و الثقافة هي المعرفة.
لكن لنكن أكثر تحديدا - فالمعرفة التي نتحدث عنها هي أيضا المعرفة الخاصة بهذا المجتمع على وجه التحديد. أو التي تسير في فلكها - أو على أقل الإيمان لا تتعارض معها.
ففلان المثقف في مجتمعه - هو الأكثر علما بمعارف هذا المجتمع و في إطاره.
و بغض النظر عن اللفظ و حداثته - فالمثقف أو الحكيم أو العارف .. إلخ تصبح كلها ألفاظا لنفس المدلول.
سوف يصبح ساحر القبيلة البدائية مثقف - و يصبح حكيم القرية وهو أكثرهم معرفة مثقف - و يصبح رجل الدين في المجتمعات المتدينة مثقف .. إلخ.
و لعله سؤال عميق هذا الذي طرحه زميلنا المحترم / زياد
اقتباس:هل هو ال Cultured أم هو ال Intellectual
لكن يكون هناك تناقض بين اللفظين السابقين حال إستخدامهم بنفس مجتمعهم.
فيصبح المثقف - Intellectual - العارف - الحكيم .. إلخ هو:
الأكثر معرفة في نفس إطار معارف مجتمعه - منتجات مجتمعه الفكرية و الموروثة - Culture - .. إلخ.
فلا يوجد تناقض بين هذين اللفظين بالغرب - حال كون المثقف هو الأكثر معرفة في إطار الحضارة الغربية.
لكن التناقض كله - في مجتمعاتنا - حدث كما تفضل زميلنا حين تم إعتماد لفظ مثقف لكي يدل على من لديه معرفة بناتج حضاري - من غير حضارتنا نحن - بل من حضارة إعتدنا على إعتبارها معادية - و الأكثر أن ناتج معارف هذه الحضارة مخالف في قليل أو كثير للإطار الفكري العام لمجتمعنا نحن.
الهجوم على نعت المثقف أو الثقافة إذا ليس هجوما على المعرفة - كدعوة لنقيضها - بل هو الهجوم على الثقافة المخالفة.
فكما هو جلي - ما نقصده بالمثقف - هو الأكثر معرفة في إطار الحضارة الغربية و ليس الحضارة و المعارف المتداولة و الموروثة بمجتمعنا نحن.
لفظ المثقف إذا - مخادع - و سوف يصبح مدحا أو ذما - حسب موقع من يطلقه و إلى أي حضارة ينتمي.
و أعتقد أن مداخلة الزميل المحترم / رحمة العاملي جاءت شديدة الوضوح - و إن كنت أقف على طرف النقيض منها - إلا أني أحترم كم صراحتها - فالتناقض و الإختلاف ليس هو المشكلة - لكن تكمن المشكلة في وجهة نظري في إخفاء هذا التناقض سواء عن قصد أو عن إلتباس:
[quote]
رحمة العاملي كتب/كتبت
لانك بلا ان تشعر تعترف بازمة انتماء وازمة هوية ثقافية
خلافنا الثقافي حقيقة ليس مع تلك (المنتجات الراقية)
خلافنا مع المثقف الذي يؤمن بسيادة العالم الحر (الاسم الحركي الجديد للاستعمارالغربي )
المثقف الغربي ينتمي الى فضاءه الفكري والسياسي
لكن انتم (العرب الجدد) ما هو فضاءكم الان والى من أصبحتم تنتمون بالهوية ؟
ما تعرضه في خلاصتك اعلاه يبين ان مشكلتكم الحقيقية مع الهوية الثقافية والسياسية وليس مع منتجات ثقافية راقية واخرى غير راقية
لا اعرف لماذا بدا لي انكم تحاولون توريط الثقافة بعد تورطكم السياسي؟
نعم أنا أيضا أراها أزمة هوية - و أزمة أهداف إستيراتيجية - لكني أختلف مع الزميل في موضوع ترتيب الثقافة بعد السياسة - فالعكس هو الصحيح - فالسياسة تابع للثقافة - و المواقف السياسية تابعة للخلفية الثقافية التي ينتمي لها المرء.
و ما نراه من تناقضات في المواقف السياسية - هو قمة جبال الجليد لخلافات ضاربة في العمق.
فالمثقف (كما نقصده) و المنتمي كما تفضلتم بذكره للحضارة العالمية - الإنسانية - هو على النقيض تقريبا من المثقف المنتمي لحضارة مجتمعنا.
و كلا الناقد و المنقود مثقف - و كلاهما يؤمن بدور في المجتمع - لكن يبقى السؤال - و لأي إطار ينتمي؟
أشكرك على هذا الطرح الرائع و الأصيل و لك دائما كل إحترامي ,,