[CENTER][B]
بــيــان
عـاشت البلاد بين يومي 23 ديسمبر 2006 و3 جانفي 2007 على وقع مواجهات مسلحة كانت مناطق من تونس الجنوبية وأجزاء من ولاية نابل مسرحا لها. وقد واجهت خلالها قوات نظامية من الجيش والأمن مجموعة من المسلحين المنتمين للجماعات السلفية.
واكتفت السلطة وطوال تلك الفترة بإصدار بيانين مقتضبين لم يلبيا حاجة المواطنين لمعرفة ما يقع في بلادهم خاصة وهم يشاهدون ضخامة الإجراءات الأمنية الدالة على خطورة الأحداث وهو ما فتح الباب واسعا أمام التأويلات والإشاعات واضطر الناس إلى متابعة مصادر الأخبار الخارجية للوقوف على جلية الأمر.
إن الشح والحذر الذين توختهما السلطة قد تكون له مبررات أمنية واقتصادية ولكنه لم يكن مجديا سياسيا ذلك أن الإعلام الرسمي لم يقنع المواطنين بصحة الرواية المقدمة لهم بخصوص هوية المجموعة الارهابية أو عددها وعدتها وأهدافها وطريقة تسللها إلى بلادنا الخ...
إن المسلك الذي انتهجته السلطة في التعامل مع الحدث طوال مدة وقوعه عكس مرة أخرى وللأسف إصرارها على استبعاد المواطنين التونسيين من مواجهة واحد من أخطر الأحداث التي عرفتها تونس خلال العقود الأربعة الأخيرة ويتمثل في مواجهة عسكرية بين مجموعة سياسية متطرفة إرهابية ومغامرة تحمل مشروعا مجتمعيا رجعيا والسلطة القائمة.
ولم تقف هذه الأخيرة عند هذا الحد بل إنها أصرت على إقصاء المواطنين والأحزاب السياسية والنسيج الجمعياتي من حقهم جميعا في معرفة ما جرى. إذ تولى وزير الداخلية تقديم عرض حول ما شهدته البلاد من أحداث أمام إطارات الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي خلال اجتماع انعقد يوم 12/01/2007 متجاهلا بذلك كل الأصوات الشريفة التي نادت بحق كل التونسيين في حق الاطلاع على ما عاشه بلدهم من أحداث خطيرة.
إن هذا التصرف من جانب السلطة يؤكد عزمها المتواصل على تهميش كافة الأحزاب والعائلات السياسية والمنظمات المهنية والجمعيات الأهلية من الحياة العامة أولا وعلى تكريس نظام الحزب الواحد ثانيا وتداخل الحزب الحاكم وهياكل الدولة ثالثا. وهي ثوابت وخيارات أكدت الأحداث عقمها وفشلها وسلبيتها وآثارها المدمرة على المجتمع والبلاد.
إن حزب العمل الوطني الديمقراطي، من موقع مسؤوليته وحبه للوطن ومن تشبّثه بمكتسبات شعبنا نساء ورجالا على محدوديتها يعلن أن تونس والتونسيين ليسوا في حاجة لمجموعة سياسية سليلة ـ طالبان ـ وـ القاعدة ـ تكفرهم وتستبيح دماءهم وهي على استعداد لتفعل معهم ما فعلته هذه الفرق الظلامية في كل البلدان التي سيطرت عليها كليا أو جزئيا من اغتيال للأحرار والتقدميين (رجالا ونساء) من نقابيين وسياسيين وحقوقيين ومثقفين، وتحيل النساء إلى عهود ما قبل القروسطية، وتدفع بشبابها إلى الانتحار وقتل الآخرين من عناصر القوات النظامية والمواطنين الأبرياء.
إن حزب العمل الوطني الديمقراطي يؤكد رفضه القطعي للإرهاب السياسي لأنه كان دائما ولا يزال ذريعة لقيام النظم الاستبدادية وازدياد انغلاقها و تكلسها أولا ولأنه كان مبررا للعدوان العسكري الذي تمارسه القوى الهيمنية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني ضد الأمم والشعوب ولسياسة التدخل التي تنتهجها حكومة جورج بوش الابن النازية الجديدة في شؤون البلدان لدعم الأنظمة الفاقدة للشرعية الشعبية أو لتقديم حلول سياسية مغلوطة ورجعية لشعوبها ثانيا ولأنه يساهم في تمزيق الأوطان والشعوب والأمم وتأخرها ثالثا.
ويؤكد حزب العمل الوطني الديمقراطي مع ذلك أن بروز المجموعات السياسية الإرهابية الموغلة في الرجعية والموظفة للدين كمرجعية ومنطلقا وتبريرا وهدفا لنشاطها التخريبي وانتشارها بين الشباب تلك الشريحة الاجتماعية التي من المفروض أن تكون أمل الشعب وحاملة لمستقبله المشرق، هو نتاج للعوامل الأساسية والمتضافرة التالية:
1. عجز الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنتهجة من قبل السلطة على توفير الشغل للجميع وخاصة للشباب وحاملي الشهادات العليا منه بالخصوص.
2. انتشار مظاهر الحيف والإقصاء الاجتماعي وتفاقم الفوارق بين الطبقات والفئات الشعبية من جهة والأقلية الميسورة من جهة أخرى وتفقير الفئات الاجتماعية الوسطى نتيجة اختيارات اقتصادية واجتماعية مملاة من الدوائر الاستعمارية وتفشي مظاهر الفساد.
3. عدم قدرة السياسة التربوية على تكوين جيل من الشباب المتعلم والحامل للفكر العقلاني والنير وقيم الحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة ونبذ التعصب والانغلاق مهما كان نوعه وتعزيز مرتكزات الهوية الوطنية المنتفعة على معاني الحرية والتقدم.
4. التضييق على الحريات العامة والفردية وغياب الفضاءات التي تمكن المواطنين وخاصة الشباب من ممارسة حق التعبير وحرية الاعلام والتفكير والانتاج الفكري والإبداع الثقافي.
5. رفض الإعتراف بالتنظيمات اليسارية التقدمية ومنها حزب العمل الوطني الديمقراطي التي دافعت طوال عقود من الزمن على قيم العدالة والمساواة والحرية وتقدم الشعوب والأمم في تقرير مصيرها وانتهاج سياسة مستقلة ورفض تدخل القوى العظمى في شؤون الدول ورفض نزعتها الهيمنية والعدوانية.
6. السياسة العدوانية والتي تنتهجها قوى الاستعمار وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني تجاه العراق وفلسطين ولبنان وعدم إدانة هذه السياسة من قبل الأنظمة العربية إدانة واضحة وعدم مساندة هذه الأنظمة للقوى الوطنية المناضلة من أجل التحرر والانعتاق الاجتماعي في هذه البلدان بل صمتها المطبق أحيانا على الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني في الأراضي العربية المحتلة.
7. منع الاتحاد العام لطلبة تونس ومناضليه من القيام بدوره التأطيري للشباب الطالبي، وملاحقتهم إما بالطرد من المؤسسات الجامعية أو بالمحاكمات الاعتباطية، والتضييق على الأنشطة الاجتماعية التقدمية والديمقراطية الهادفة لتأطير النسوة والشرائح الاجتماعية المستهدفة بالإقصاء والتهميش، وتقليص مساحات الابداع الفكري والثقافي الناشرة لقيم الاستنارة والتقدم والعقلانية والحداثة والمدنية.
إن هذه العوامل هي المتسببة في الإحباط الذي بدأ يتفشى بين شباب تونس ذلك الإحباط الذي دفع بعدد منهم نحو الهجرة الشرعية أو السرية وإلى الانغلاق والتعصب والسقوط في شباك المجرمين من مروّجي المخدرات والانضمام للجماعات الإسلاموية والمتطرفة والإرهابية. وهي أشكال مختلفة " للانتحار المادي" والمعنوي وهدر لطاقات بلادنا في أوكد الحاجة لها، ونتج عن ذلك عزوف أغلبية الشباب عن العمل السياسي و الجمعياتي وعن الاهتمام بالشأن العام.
إن حزب العمل الوطني الديمقراطي إذ يعتبر أن شعبنا وشبابنا لجديرين بمستقبل أفضل وغد مشرق، يطالب بمراجعة عميقة للسياسات المتبعة من قبل السلطة في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية . وهذه المراجعة لن يكتب لها النجاح إذا كانت أحادية الجانب ومسقطة ولا تأخذ بعين الاعتبار آراء ومقترحات مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات والنقابات والجمعيات في إطار وطني جدي ومسؤول. وحزب العمل الوطني الديمقراطي يرى أنه من أوكد الإجراءات الواجب اتخاذها هو إطلاق الحريات العامة والفردية حالا والاعتراف به وبكل الأحزاب ذات الأسس المدنية وتحرير الاعلام من كافة القيود والتضييقات وتمكين الصحف الحرة ومن ضمنها صحيفة الإرادة من الصدور وسن قانون العفو العام ووضع حد للتضييقات على الأحزاب والجمعيات والمنظمات لتقوم بدورها ومهامها.
حزب العمل الوطني الديمقراطي
تونس في 15/01/2007