مرحباً بالأخ العزيز وليد


في أي منظومة إعلامية يوجد العديد من الأهداف التي تخدمها تلك المنظومة و توجه مادتها لخدمة تلك الأهداف.
و من تلك الأهداف سوف نركز على أكبرها تأثيرا (حقيقة أو فرضا معلنا) و هي:

أولا: نقل و نشر المعلومات. - (التي تهم الناشر غالباً )-

ثانيا: الحفاظ على تماسك بنيات المجتمع الفكرية و الأخلاقية و غيرها.
و هو الهدف الضمني الأول للإعلام (سواء محليا أو عالميا) و هذا بدرجات من محاولة نشرها خارجيا و الترويج لها إلى مجرد الدفاع المستميت عنها من بنيات غازية.

فالنموذج ( المثالي ) لهذه المنظومة يكون في أن تضمن آليات عملها ليس فقط نقل المعلومات بل شفافة النقل - ثم و الأهم ضمان إمكانية نقد و نقض و تصحيح المعلومات للمتلقي أيا كانت طبيعة تلك المعلومات أي و بصيغة أخرى التصحيح الذاتي و الدائم لمحتوى تلك المنظومة - و أخيرا سهولة الوصول لتلك المعلومات.

و لا يوجد ضمان لكفاءة تلك المنظومة و عمل آلياتها كما سبق وصفه سوى في سيادة قيمة الحق- ( إن مفهوم الحق غير واضح . يمكن اعتماد الأفضل للمجتمع والفرد)- كهدف ثم كقيمة أخلاقية و تباعا سيادة قيمة الحرية و ضمانها في المجتمع المضيف.
و نزولا لمستوى أعمق - فلن تسود تلك القيم في البنية الأخلاقية لمجتمع ما - إلا حال تبنيه خلفية معرفية علمية ذات بنية ديناميكية الجوهر.
أما في المجتمعات التي تعتمد كلا خلفياتها المعرفية و الأخلاقية على أسس دينية مقدسة - فمن العبث تخيل كفاءة عمل تلك المنظومة حتى لو إستخدمت تلك المجتمعات ذات المصطلحات (الحق - الحرية) فالحق سيكون في كتابها المقدس فقط و الحرية ستكون في أن تتأكد من أن الحق في ذات هذا الكتاب. و آلية النقد منعدمة فعلا.

هذا دقيق

و سوف تتحول منظومة نشر و نقل المعلومات لمجرد تابع و خادم وفي للهدف الوحيد لتلك المجتمعات و المنوط بالدور الأكبر فيه للإعلام و هو الحفاظ على تماسك بنيات المجتمع الفكرية و الأخلاقية.
سوف تتحور إذا آليات تلك المنظومة لأقصى النقيض بدلا من خدمة الحق كهدف في حد ذاته و التصحيح الذاتي الدائم الحركة لمحتوى المنظومة إلى خدمة الحق كما يعتقد ذلك المجتمع أنه الأفضل و بالتالي أقصى محاولات ثبات محتوى تلك المنظومة.
سوف تتكون آليات - نخبرها جميعا جيدا - من منع المعلومات - لنشرها مبتورة - لكظم ما لا يلائم و نشر الملائم - إلى الكذب و التضليل الصريح.

هذا دقيق

ثانيا: الحفاظ على تماسك بنيات المجتمع

هذا الهدف الإعلامي مشترك بين جميع المجتمعات بمختلف توجهاتها حيث أنه طبيعة جوهرية في بنية أي مجتمع بل و في أي بنية كانت.
لكن قد يختلف من مجتمع لآخر و من إعلام لآخر كون هذا الهدف ضمني أم صريح و بأي درجة.
و يزداد التركيز على هذا الهدف حالات مثل التهديد الخارجي (ثقافي كان أم مادي) و حتى بأقصى المجتمعات تقدما و قد ظهر ذلك جليا بالإعلام الغربي عامة و الأمريكي خاصة وقت الحرب الباردة و التهديد الثقافي و المادي الشيوعي.
كما يتناسب تعاظم دور ذلك الهدف طرديا مع درجة هشاشة بنيات المجتمع الثقافية و الأخلاقية و السياسية.

هذا دقيق

و بالرغم من تشابك مصالح كلا من الحكومات ممثلة في الإعلام الرسمي و المجتمع بعامة ممثلا لحد ما في الإعلام الخاص في تعظيم و تضخيم هذا العامل إلا أنه يجب التفريق بين هدف ثبات و حماية إستمرار البنيات السياسية لمجتمعاتنا و الذي يدعمه حكوماتنا و إعلامها الرسمي - و بين هدف ثبات قيم المجتمع الثقافية و الدينية عامة و الذي يدعمه كافة أطياف الإعلام ضمنا أو جهرا.
فالإعلام الرسمي يوجه كافة طاقاته لهدف إستمرار و ثبات البنية السياسية الحاكمة (و التي فقدت شرعيتها فعلا) كهدف سامي و يستخدم كل ما في جعبته من تزييف و تزوير لضمان هذا الهدف و منها التوجه الديني كهدف ثانوي يخدم هدفه الأوحد بمغازلة المجتمع بواسطة إيهامه بأن المحافظة على ثوابته هي هدفة الأسمى.
أما الإعلام الحر (و إن كان لا يخلو من التأثير الحكومي) فهو ضمنا و جهرا - و بإختلاف الوسائل و الآليات يحاول الحفاظ على بنيات المجتمع الثقافية و الأخلاقية من الذوبان في المد الوافد.

هذا دقيق

أخيرا تأتي درجة توافق و إتساق الهدفين الأساسيين (هدف نشر المعلومات - و هدف الحفاظ على بنيات المجتمع) مؤشرا على مدى فعالية جهاز الإعلام من عدمه.

ففي مجتمع ليبرالي - تزداد درجة التوافق كون آليات منظومة المعلومات عامة و التي تضمن كفاءة محتواها - ليس فقط لا تتعارض مع الحفاظ على بنيات المجتمع الثقافية و الأخلاقية - بل هي بالفعل تمثل جوهر تلك البنيات الثقافية و المعرفية أولا ثم الأخلاقية تباعا.

تقريباً

أما في المجتمعات ذات الخلفيات الدينية و ذات البنية السياسية الديكتاتورية - و مجتمعاتنا مثال لها - سوف يتعارض الهدفان بالضرورة - و سوف يصبح هدف حماية بنيات المجتمع هو الغالب - و سوف يتحول هدف نشر المعلومات لخدمة الهدف الأول فقط متخذا التدليس و التزوير و المنع و المصادرة آلياته المفضلة.

هذا دقيق

لقد أبديت بعض الملاحظات السريعة

تحياتي

[quote] نبيل حاجي نائف كتب/كتبت
و لا يوجد ضمان لكفاءة تلك المنظومة و عمل آلياتها كما سبق وصفه سوى في سيادة قيمة الحق- ( إن مفهوم الحق غير واضح . يمكن اعتماد الأفضل للمجتمع والفرد)-
الصديق العزيز المحترم / نبيل
أشكرك على هذه الملحوظة - فاللفظ فعلا ملتبس. و سأحاول شرح ما أقصد من مفهوم سيادة قيمة الحق.

و لعل مقارنتك هذا المفهوم (الحق) بالآخر (الأفضل) قد تزيل قدرا من هذا الإلتباس.
إذ أنه ليس من الضروري أن يكون (الحق) في قضية ما هو (الأفضل) للمجتمع. و هذا بدرجات متفاوتة و حسب طبيعة كل مجتمع.
و للمثل: فإكتشاف علمي حديث مثلا (هو هنا ما أقصده بالحق) قد يعارض و ينقض نصوص الخلفية الدينية لمجتمع ما (و التمسك بها هاهنا هو الأفضل من وجهة نظر ذلك المجتمع).
لكن قد يتلاشى الفارق - أو يكاد - بين المفهومين (الحق / الأفضل) في مجتمع يتبنى خلفية معرفية علمية حيث يصبح الحق هو الأفضل من وجهة نظر هذا المجتمع آليا. و إن لم يكن و حدث التعارض - فقيمة إظهار ذلك الحق تسبق أخلاقيا قيمة (الأفضل).
و قد قصدت تحديدا بمفهوم (سيادة قيمة الحق كهدف ثم كقيمة أخلاقية) هو إعتماد المفهوم الأول (الحق) كمعيار أخلاقي سابقا أو بغض النظر عن المفهوم الثاني (الأفضل).

لك مني كل إحترام و تقدير ,,,

[CENTER]أين يتجه بنا كل هذا التزييف المقنن ؟

قضايا زائفة, تلاعب بألفاظ و مدلولات, معارك وهمية, مؤامرات مزعومة, عدوانية مع الذات و الآخر و المخالف, إعلام مضلل ... إلخ.

كل ما سبق و عداه - آليات كل وظيفتها حفظ التوازن العقلي لمجتمعاتنا. و حماية بنياتنا و خلفياتنا المعرفية و الأخلاقية الدينية و التي تعرضت بالفعل و تتعرض لإختراق حاد أدى إلى تلك الحالة من التناقض و البارانويا الجماعية.

كل تلك الآليات تشبه طنين وهمي مصطنع بداخل عقل إنسان يسعى ألا يسمع صوت صفارة القطار القادم و هو مربوط على قضبانه بسلاسل حديدية.

فلا غيره يسمع ذلك الطنين - و لا هو يريد أن يسمع صفارة القطار - لأنه عاجز إما عن فك السلاسل الحديدية أو قطع يده بالكامل لإنقاذ حياته. ناهيك عن عجزه التام عن مواجهة القطار.
لماذا إذا لا يتخيل أخطارا أخرى و يحاربها في مخيلته؟ و لما لا يبتعد عن هذا العجز و الخطر الواقعي لكي يبتدع عالم من خياله لا يراه إلا هو؟ لما لا يترك اللحظة الآنية لكي يعود إلى مجاهل الأزمان أو حتى كجنين في بطن أمه؟

و بالرغم من النجاح اللحظي النسبي لتلك الآليات و هذا الطنين المزيف في حفظ التوازن النفسي لهذا الإنسان على مستوى ذاته الداخلية - في الهروب من حالة الخوف و الرعب و الإنهيار الداخلي - إلا أن مكمن الخطر واقعيا و على المستوى الخارجي كون القطار مازال يصفر في طريقه لتمزيق جسده و محوه من خارطة الوجود. كما لا يزال جزء ما بداخل هذا الإنسان و لو صغير مرتبط بالعالم الخارجي و بالحياة و على شبه علم بما يجري برغم كل هذا الطنين الزائف.

و في مجتمعاتنا بالمثل - بالرغم من نجاح الآليات السابقة في تقليل حدة التناقض الذاتي و الألم الناتج عنه - و تباعا ضرورة الصدام الداخلي - إلا أن ذلك جرى على حساب توسيع حدة و ضرورة الصدام مع الآخر الخارجي (القطار) و التغاضي التام عن خطورة هذا الصدام غير المبرر على الأقل من الناحية العملية قياسا على موازين القوى كما يمليها الواقع.

إن عجز مجتمعاتنا عن كلا الصدام الداخلي العقلاني مع خلفياتنا المعرفية الدينية من ناحية - ناهيك عن عجز تلك الخلفيات التام في مواجهة المعرفة الوافدة التي إخترقتنا حتى النخاع من ناحية أخرى - قد نشط آليات و إبتدع أخرى بشكل واعي أحيانا و لا واعي أحيانا أخرى لا هدف لها سوى الإلتفاف على هذه الحالة من العجز التام.
لكن الثمن كان فادحا - و قويا بقوة الواقع و هو الصدام مع الآخر.

لقد إستبدلنا حتمية الصدام الثقافي بداخلنا إلى حتمية صدام الحضارات مع من هم خارج عالمنا الموهوم.

و لعل هذا المدخل يقودنا قسرا لموضوع صدام الحضارات - ذلك المصطلح الجديد علينا و الملتبس أيضا - و الذي سيكون موضوعنا القادم.

سوف يتم إستكمال الموضوع على الشريط الجديد:

صدام الحضارات