وأمرهم شورى بينهم
نجلاء عثامنة
السبت 3/2/2007
عبّر
الشيخ كمال خطيب عن قلقه على مصالح مجتمعنا واحتياجاته خلال مقالته في صحيفة "صوت الحق والحرية"، المنشورة يوم الجمعة الماضي بتاريخ 25.01.2007. وبما أن الجمعيات النسوية تؤمن بالحرية الفردية وبعلو صوت الحق، وتسعى لبناء مجتمع معافى خال من العنف وخاصة العنف ضد النساء، مجتمع يحترم حرية الفرد وتعدد الآراء، فإني أفضل أن أرى في مقالته دعوة منه لإجراء تحاور لان "أمرهم شورى بينهم". رغم أن "المبادرة" مليئة بكلمات عنيفة تحريضية واتهامات باطلة خالية من الرصيد لأنها اتهامات غير مدروسة، كما نستشف من مقالته والتي يهاجم فيها مقالا كتبته الزميلة سمر خميس بعنوان: "التمييز المزدوج- مكانة المرأة العربية كفرد في مجتمع وكجزء من المجموعة القومية التي تناضل من أجل حقوقها". ويهاجم أيضا عمل الجمعيات النسوية والحقوقية. علما أن كل مبادرة لإجراء حوار فيما يتعلق بقضايا النساء من قبل مجموعات متدينة أو مجموعات علمانية مرحب بها.
إن السؤال حول مكانة المرأة في المجتمعات الإسلامية ومن ضمنها مجتمعنا، يشكل احد الأسئلة المركزية التي تشغل اهتمام الحركات الدينية السياسية. وبما إننا كحركة نسوية نهتم بالمنتج الخطابي الفكري الذي تنتجه هذه الحركات، فنحن نقبل الدعوة للحوار التي بادر إليها الشيخ كمال خطيب. وفيما يلي بعض التساؤلات حول مقالته وما تضمنت من آراء وأفكار. ويعتمد نقاشي هنا على مبدأ العدل والكرامة الإنسانية،
وتنطلق المناقشة من كون الحركات الدينية السياسية تعمل من اجل المساواة والعدالة وتسعى (على الأقل في مستوى الخطابات) من اجل العيش الحر الكريم، وتقع عليها مسؤولية إحداث تغيير على جميع المستويات ولا سيما فيما يتعلق بقضايا النساء.
في بداية مقالته يسهب في الكلام عن "العذراء، البتول، العفيفة..." ويسعى من وراء ذلك إلى "تقديس العذرية". وهنا أتساءل عن المنزلة التي يضع بها النساء غير العذراوات، وذلك لأسباب عدة ومن ضمنها حصول اعتداء جنسي، وطبعا النساء المتزوجات، أين هن من خانة العفة؟
ومن ثم يستند خطيب على أحد تعار يف الكلمة، الحالة "العذراء" فيقول: "والعذراء في اللغة هي الدرة التي لم تُثقب، والدرة هي تلك اللؤلؤة الثمينة المحفوظة داخل الصدف في أعماق البحر لم تلمسها يد الإنسان بعد، كما الفتاة البكر العذراء....". أن إسناد كلامه إلى هذا التعريف ما هو إلا مقولة منه يسعى من خلالها إلى "تشييء" المرأة وتحويلها إلى "درة". فمع انه يثمنها كثمن "اللؤلؤة" يعني أن سعرها عال، إلا أنها ما زالت حسب تعريفه شيء يقدر بالنقود فهي ليست إنسانة أصلا، هي "اللؤلؤة الثمينة"، أما "الإنسان" (الرجل) فهو المنتظر للمس هذه اللؤلؤة أو لنقل "ليثقب" هذه اللؤلؤة حسب التعريف الذي يقتبسه.
ويضيف: "حين اعتبر هؤلاء ان استمرار النظر إلى أن عذرية الفتاة الذي هو رأسمالها وهو اعز ما تملكه....". فهو يقول أن رأسمال الفتاة عذريتها. يعني أن الفتاة للبيع والشراء ولها رأسمال والذي يتعلق بعذريتها. فحسب هذه المعادلة كل امرأة هي سلعة للمساومة. وهي "شيء" يقتنى بهدف التزيّن به. وإذا كانت غير عذراء فهي لا تساوي من المال شيئا، وغير صالحة للبيع والشراء ولا للزينة. ومع انه يضيف انه لا يقصد هنا النساء المغتصبات ويقول بأنه ساعد نساء تمّ الاعتداء عليهن إما بالمساعدة في تفهم الأهل لهن أو في تسهيل الزواج أو توفير العلاج لهن. ولكنه ينهي بالقول "... ان العذرية في كلتا الحالتين تم تدنيسها" وهو لا يصرّح بموقف واضح من هذه الظاهرة الجريمة (الاعتداءات الجنسية) في مجتمعنا. ففي كل الأحوال المرأة غير العذراء إن كانت مغتصبة أو غير مغتصبة هي بضاعة كاسدة يجب معالجتها، تسهيل تزويجها أو إن شئنا "بيعها" والمساومة على سعرها.
ويضيف: "... وهل أغلى من الأرض إلا العرض كما يقول مثلنا الشعبي؟.."، مقولته هذه إضافة إلى أنها تستمر في تكريس تشييء المرأة وسلبها إنسانيتها، فإنها تربط مفهوم العرض أو الشرف بعذرية الفتاة. وعلى الرغم انه تمت مناقشة هذا الموضوع في كثير من المقالات التي كتبت على يد نساء فلسطينيات أو نساء من العالم العربي والإسلامي، إلا إننا نعود لنذكر أن ربط مفهوم الشرف بممارسات النساء وعذريتهن هو خطأ فاحش. ان هذا التوجه يجعل شرف المجتمع عامة، وشرف رجاله خاصة يكون أو لا يكون وفق وجود غشاء البكارة أو غيابه. إن التقوقع داخل هذا التعريف لا يزيدنا إلا تخلفا، ويزيد من جرائم القتل بحجة ما يسمى "بشرف العائلة".
نحن نؤمن أن حقوق النساء على أجسادهن غير قابلة للمساومة، وان لا شرف في ارتكاب جرائم العنف على اختلافها ضد النساء، ولا شرف في تصريحات تكرس قمع النساء.
ويستجدي الشيخ: "أيتها العذراء الطاهرة البتول مريم، ألا تسمعين هؤلاء المتطاولين على من أنت سيدتهم الأولى من العذراوات، أنهم يطعنون في أنك رمز الطهر والفضيلة ويريدون إزالة القدسية عنك وعمّن أنت قدوتهن ومثالهن الأعلى".
شخصيا لم افهم ربطه بين الموضوعين، حيث لم يرد أي ذكر للسيدة مريم في المقالة التي يهاجمها الشيخ. إن ذكر قصة مريم العذراء (مع تداعياتها الدينية) في سياق مقالته ما هو حسب رأيي إلا للتحريض وإثارة المشاعر. مشاعر الحقد والتعصب ضد الأشخاص المدافعين/ات عن قضية المرأة.
يقول الشيخ: "فباسم الوطنية اهتفوا وبراية القومية لوِّحوا، وعن التقدمية نَظّروا وتبجحوا ومن أموال الصناديق المشبوهة أنفقوا وتفسحوا..."، ونحن إذ نستهجن هذا التحريض ولكن لا يسعنا إلا القول أن رصيد الجمعيات النسوية والحقوقية من الأعمال، هو الجواب على هذا الهجوم التشهيري. ونعرف بأن الشيخ كمال خطيب يدرك أهمية العمل الذي قامت وتقوم به هذه الجمعيات. وما عليك يا أخي إلا الاستمرار في الاطلاع على نشرات الجمعيات النسوية ومراقبة أخبارها على مواقعها الالكترونية، أما بالنسبة لموضوع التمويل من صناديق غربية، ونحن بالمقابل نتساءل بالنسبة لتمويل المشاريع التي يعنى بها الشيخ كمال خطيب وعن الأجور التي يتلقاها الموظفون في مجتمعنا، خاصة إننا لا نملك الكثير من المؤسسات المستقلة وان اغلب أفراد مجتمعنا هم موظفون يتلقون أجورهم من دولة إسرائيل. فما رأيكم في هذه الأجور؟ هل نوايا دولة إسرائيل بريئة في توفير عمل ودفع أجور للكثير من الفلسطينيين في البلاد؟ ونتساءل لماذا هذا الهجوم حين يتعلق الأمر بقضايا النساء ورفع مكانة المرأة؟ وفي القضايا الأخرى لا نسمع إلا الصمت، وكأن على رؤوسكم الطير؟ ونذكر ان النضال من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية ورفع مكانة المرأة ليس أمرا حصريا على الغرب، فأن تاريخنا الثقافي الحضاري مليء في أسماء نساء عربيات ومسلمات، ناضلن من اجل المساواة والعدالة والعيش الكريم. ومن جهة ثانية ندعو الإخوة المعارضين للتمويل الغربي، أن يدعموا مشاريعنا التي تعنى في حقوق النساء أو توجيهنا لصناديق تمويل عربية تدعم هذه المشاريع وكما ندعوهم لعدم الاستهتار بذكائنا كنساء (على الرغم من اعتبارنا لآلئ) إذ إننا نعي أن هناك صناديق غربية تريد فرض اجنتدها علينا ولكننا نملك من الذكاء المقدار الكافي الذي يخولنا أن نكون مستقلات ندير مشاريعنا بما يلائم احتياجات مجتمعنا، من غير الخضوع لاملاءات أي كان. فنحن إذ نرفض بشكل قاطع استعمال الغرب لنا، النساء، عربيات و/أو مسلمات لمهاجمة المجتمعات الإسلامية والدين الإسلامي ونعي محاولتهم استعمالنا كسلاح لإثبات وتكريس نظرتهم العنصرية المتعالية على مجتمعنا، نرفض بنفس الوقت استعمال بعض القياديين في مجتمعنا لنا، النساء، كسلاح مقاومة لمواجهة الغرب وعنصريته.
وينهي الشيخ كمال خطيب مقالته بـ: "رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي بالمغفرة". وبعد أن ندعو بالمغفرة للشيخ، نتمنى عليه أن يكون نقاشه في المرات القادمة بعيدا عن الابتزاز العاطفي، وغير منساق إلى المستوى الشخصي الذي يهدف إثارة مشاعر الغضب، والحقد، والتعصب، والفتنة، لان نقاشنا هو فكري نسعى من خلاله الى تطوير فكر نسوي يتلاءم مع خصوصيتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية.
*رئيسة الإدارة في جمعية السوار- الحركة النسوية العربية لدعم ضحايا الاعتداءات الجنسية والمعالجة بالموسيقى.
** رأيي أنا العربية السعيدة.
http://www.aljabha.org/q/index.asp?f=3379659784