عزيزي مجرد تفكير، تحياتي
كنت قد توقعت أن تعطيني جواباً ضعيفاً إذ أنني لاحظت بأنك كنت قد كتبت ما أراد الآخرون أن يعتبروه كاذباً، أي الرسول بولس. لكن على كل حال لا مانع لديّ من تزويدك بالإيضاحات راجياً أن تؤدّي إلى النظر إلى كتابات الآخرين بطريقة مختلفة. وهنا أعني بـ "الآخرين" الذين كتبوا لك هذه الإتهامات الباطلة عن الرسول بولس. فمن الواضح جداً (وأكثر من جداً) بأنك لا تعرف أي شيء عنه.
يا حبيبي الرسول بولس هو الشخص الذي استخدمه الله والمسيح أكثر من أي شخص آخر من أجل نشر "الحق" بين الأمم. فالرسالة التي حملها كانت تماماً على نفس الخط الذي سلكه قبله موسى وداود ويسوع المسيح وغيرهم ممن علـّموا بوحدانية الله الآب. خذ هذه الأدلة مثلاً:
"3: 30 لان
الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالايمان و الغرلة بالايمان" – رومية 3 : 30.
http://st-takla.org/pub_newtest/45_rom.html
"8: 4 فمن جهة اكل ما ذبح للاوثان نعلم ان ليس وثن في العالم و ان
ليس اله اخر الا واحدا" – 1كورنثوس 8 : 4.
"12: 6 و انواع اعمال موجودة و لكن
الله واحد الذي يعمل الكل في الكل" – 1كورنثوس 12 : 6.
http://st-takla.org/pub_newtest/46_kor1.html
"3: 20 و اما الوسيط فلا يكون لواحد و لكن
الله واحد" – غلاطية 3 : 20.
http://st-takla.org/pub_newtest/48_galat.html
وإلى ما هنالك ...
بالمناسبة، كل هذه الإقتباسات هي من كتابات الرسول بولس الذي علـّم بوحدانية الله مثل كل أنبياء الله الحقيقيين الذين سبقوه. فهو لم يعلـِّم بأن الله ثالوث. والواقع فإن فكرة الثالوث كانت بعيدة عن فكره وحتى مستحيلة.
لكن يظهر بأنك تقترح مشكلة بولس بتسمية المسيح "رب" أو "ابن الله". حسناً، هذه مشكلة بسيطة جداً، وسنعمل سريعاً على إزالتها.
يا سيدي أنت تقيس الأمور على أساس منطق وعقيدة دينك وقرآنك. لكن لا تنسَ بأن الكتاب المقدس يعتبر القرآن مثله مثل كتاب البوذية والهندوسية والشنتوية و .. و .. الخ. فالكتاب المقدس لا يعتبر شغله الشاغل انسجام كتاباته مع بقية الكتب الدينية. هذه الفكرة يجب أن تأخذها من البداية بعين الإعتبار.
أولاً، لم يكن بولس هو الأول الذي أطلق على يسوع كلمة "رب" أو "ابن الله". فالمسيح ذاته كان يعتبر نفسه "ربّـاً" و "ابناً لله". لا بل حتى نبوات العهد القديم تعتبره كذلك قبل أن يولد بمئات السنين.
"10: 33 اجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لاجل عمل حسن بل لاجل تجديف
فانك وانت انسان تجعل نفسك الها
10: 34 اجابهم يسوع اليس مكتوبا في ناموسكم
انا قلت انكم آلهة
10: 35 ان قال آلهة لاولئك الذين صارت اليهم كلمة الله ولا يمكن ان ينقض المكتوب
10: 36 فالذي قدسه الاب و ارسله الى العالم اتقولون له انك تجدف
لاني قلت اني ابن الله" – يوحنا 10 : 33 – 36.
"20: 28 اجاب توما و قال له
ربي والهي" – يوحنا 20 : 28.
http://st-takla.org/pub_newtest/43_john.html
من ناحية أخرى، أجد من الضروري أن تفهم ما هو المقصود بهذه الألقاب وما معناها.
الكلمة "رب" تعني "سيد". وهي لا توحي بالضرورة دائماً بشخص يُعبَد. فيمكننا أن نقول في لغتنا العامة مثلاً: "رب بيت" أو "رب عمل" أو غير ذلك. وطبعاً يستحق يسوع أن يُسمى ربّاً بهذا المفهوم.
الكلمة "إله" تعني "قدير" أو فائق" أو "متسامي" أو "سيد". وهي أيضاً لا تعني بالضرورة دائماً شخصاً يُعبَد. وقد وافق الله (بحسب التوراة) أن يعطي هذا المركز كـ "إله" لبعض خدامه في الماضي، مثل موسى:
"4: 16 و هو يكلم الشعب عنك و هو يكون لك فما و
انت تكون له الها" – خروج 4 : 16.
"7: 1 فقال الرب لموسى انظر انا
جعلتك الها لفرعون وهرون اخوك يكون نبيك" – خروج 7 : 1.
http://st-takla.org/pub_oldtest/02_exod.html
أما بالنسبة للتعبير "ابن الله" فلا يعني بأي شكل بأن الله اتصل جنسياً بمريم من أجل الحمل بالمسيح. التعبير هنا هو فقط من أجل الإدراك البشري. فمثلا نجد الكتاب المقدس وأيضاً القرآن يستعملان أوصافاً لله تصوره وكأن له جسد إنسان مثل: يد الله، عين الله، عرش الله (للجلوس)، الله يسمع (السميع)، الله يشمّ، الله يمشي، وإلى ما هنالك. هذه في الواقع تعابير مجازية كي تقرّب شخصية الله إلى أذهاننا كبشر. فالله لا يسمع ولا يرى ولا يشم وليس له يد أو رجل أو عين. الله يدرِك الأمور بحسب طبيعته هو. أما لنا نحن فأعطانا أعضاءً جسدية تمكننا من إدراك الأشياء. واستعمل هذه التعابير فقط من أجل تقريب المعاني إلى فهمنا كبشر.
إذاً التعبير "ابن الله" ليس إلاّ تعبيراً يدلّنا كبشر عن مدى العلاقة الحميمة بين الله الخالق وهذا المخلوق العزيز جداً على قلبه، كمعزة الأب لابنه.
ولا ننسَ بأن الإسلام أيضاً استعمل تعابير مشابهة مثل: "كل الخلق
عيـال الله"! (أظن بأن الكلمة "عيال" هي جمع "عائلة"، أو ربما تعني "ابناء أو أولاد". صححني إن كنت مخطئاً!)
(يكفي استعمال أحد محركات البحث تحت الكلمات "الخلق عيال الله"، وستجد الكثير من الإشارات التي تثبت صحتها وقبولها!)
أودّ أيضاً أن أضيف بأن ابرهيم ذاته جرى اعتباره "
خليل الله". والكلمة "خليل" تعني صديق. فهل الله بحاجة إلى صديق؟ إذاً نلاحظ هنا أيضاً إعطاء صورة لله وشخصية تشبه الإنسان، ولكن بمعنى مجازي طبعاً!
إذاً كنتيجة، لا نجد بولس الرسول ابتدع شيئاً من رأسه مخالفاً للذين قبله. على العكس! لقد عمل كل جهوده وبكل غيرة أن يحفظ مهمته والرسالة نقية وينقلها بأمانة إلى الجماعات المسيحية المؤسسة حديثاً آنذاك.
(بالمناسبة، من الضروري أن أخبرك بأن الكتب اللاهوتية والكنسية التي تقتبس منها حضرتك؛ أنا لا أعترف بها إطلاقاً، لا هي ولا تعاليم الكنائس من خلفها. أنا أعترف فقط بالكتاب المقدس!)