{myadvertisements[zone_3]}
عمّار اليازجي
عضو مشارك
المشاركات: 16
الانضمام: Dec 2003
|
الاسلام المسيحي والمحمدي
5. المسيح علَم للساعة:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(الزخرف 57-66) قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " تَقَدَّمَ تَفْسِير اِبْن إِسْحَاق أَنَّ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ مَا بُعِثَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَسْقَام وَفِي هَذَا نَظَر وَأَبْعَد مِنْهُ مَا حَكَاهُ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ الضَّمِير فِي وَإِنَّهُ عَائِد عَلَى الْقُرْآن بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ عَائِد عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّ السِّيَاق فِي ذِكْره ثُمَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ نُزُوله قَبْل يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته " أَيْ قَبْل مَوْت عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا " وَيُؤَيِّد هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " أَيْ أَمَارَة وَدَلِيل عَلَى وُقُوع السَّاعَة قَالَ مُجَاهِد " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " أَيْ آيَة لِلسَّاعَةِ خُرُوج عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل يَوْم الْقِيَامَة وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَأَبِي مَالِك وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل يَوْم الْقِيَامَة إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا . وَقَوْله تَعَالَى " فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا " أَيْ لَا تَشُكُّوا فِيهَا إِنَّهَا وَاقِعَة وَكَائِنَة لَا مَحَالَة " وَاتَّبِعُونِ " أَيْ فِيمَا أُخْبِركُمْ بِهِ .(تفسير الجلالين). ويزيد البيضاوي علىذلك بقوله وقد أشرك الله تعالي المسيح في غيبه وعلمه من دون المخلوقين والمسيح عَلمُ للساعة لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يُعلم به دنوها. يقول ابن العربي : ختم وختام النبوة ختم وختام الملك , ختم وختام الولاية والمسيح من الخواتم في اليوم الآخر. وهكذا نرى تفضيل الله المسيح على جميع المرسلين العلم و الختم.
هذا غيض من فيض ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا فنرى القرآن يصف المسيح في مواضيع عدة أنه كلمة الله وروح منه. فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران39). وتفسير الرازى للآية يذهب الى أن المراد بكلمة من الله هو عيسي وسمي عيسي كلمة الله من وجوه عدة:
1. أنه خلق بكلمة من الله وهو قوله : كن من غير واسطة الأب كما يسمي المخلوق خلقاً وهو باب مشهور في اللغة .
2. أنه تكلم في الطفولة وآتاه الله الكتاب في زمن الطفولية ، وفي كونه متكلما كان بالغا مبلغا عظيما، فسمي كلمة كونه كاملا في الكلام.
3. والكلمة تفيد المعاني والحقائق،وعيسي كان يرشد غلي الحقائق والأسرار الإلهية.
4. يسمي الإنسان فضل الله ولطف الله، و هكذا عيسي عليه السلام، كان أسمه العلم كلمة الله وروح الله ... واعلم أن كلمة الله هي كلامه وكـــــلامه علي قول أهل السنة : صفة قديمة قائمة بذاته تعالي .
إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (آل عمران 45).
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (النساء171).
يقول البيضاوى ألقاها إلي مريم: أوصلها إليها وحصلها فيها، وروح منه أي ذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له , وقيل سمى روحا لأنه كان يحيى الأموات والقلوب , والمسيح كلمة الله هو روح صدر منه تعالي ألقاه الله إلي مريم وبهذا الروح كان كلمة الله يحيى الأموات والقلوب : وعمله دليل ذاته وذات كلمة الله هو روح صادر من الله كنطق الله في ذاته وهو المعنى الذى ألجئ إليه الرازى بقوله : سمى كلمة الله كأنه صار عين كلمة الله وأعلم أن كلمة الله هى كلامه وكلامه علي قول أهل السنة صفة قديمة قائمة بذاته تعالى وهذا هو التفسير الصحيح وليس تفسير سواه . من ذات الله نزل كلمة الله إلي مريم وحل في عيسي ابن مريم روحـــــا منه تعــــالي، واللقبان : كلمة الله وروح الله يفسر بعضهما بعضا وهو روح منه تعالي لا روح الله علي النسبة فقط مثل الملائكة وهذا الروح منه تعالي هو أيضا كلمته أي نطقه الذاتي , صفة قديمة قائمة بذاته عيسي ابن مريم هو أيضا روح الله .
وللروح في القرآن معان عديدة:
1. فهي روح الانسان فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر 29)
2. هي رحمة الله يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف87).فروح الله هنا تعني رحمته (تفسير الجلالين)
3. بمعنى النور أو الملاك: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة 22). بروح منه أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن أو النصر علي العدو(تفسير الجلالين)
4. هو جبرائيل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (الشعراء 193) تفسير الجلالين
5. هناك مجموعة من الآيات التي تدل على أن الروح هي واسطة بين الله والملائكة وهي أهم من الملائكة لكن لا يوجد ذكر لهويتها يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (النبأ38) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (القدر4). يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ(النحل2) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج4). يتبين من الآيات أن الروح المذكور مميز عن الملائكة وله سلطان عليهم.
فالقرآن والانجيل يجتمعان في كون المسيح كلمة الله وروح منه ولا يتناقضان في تلك المسألة. فلا داعي لتهمة تحريف الانجيل التي تلقى على عناتها دون أي سبب، فالنصوص متطابقة غير متناقضة.
التثليث
ذكرت في الفصل السابق وجهات الخلاف بين الرسالتين من وجهة نظر المحمدية، وهي التحريف،إلوهية المسيح، التثليث، والصلب، وناقشت موضوع التحريف وإلوهية المسيح، وأناقش الآن موضوعي التثليث والصلب.
ان مسألة التثليث هي من أعقد المسائل في الرسالة المسيحية وكانت سببا للكثير من الخلافات بين علماء اللاهوت من مختلف الطوائف منذ بداياتها.
لذلك ولفهم الموضوع جيدا علينا العودة الى بدايات المسيحية الأولى لنجد الجواب على أسئلتنا.
نشأت المسيحية كتجمعات متفرقة في أرجاء الامبراطورية الرومانية وفي الأرجاء الغربية من الإمبراطورية الفارسية، وكونت هذه التجمعات كنائس كانت أقرب الى الحجرات الصغيرة منها الى الكنائس المعروفة اليوم بسبب الاضطهاد الذي عانى منه المسيحيون الأوائل.
أما سبب اضطهادهم فهو التقليد الذي جرت عليه روما بأن تقدم الشعوب الخاضعة لسيطرة الرومان الأضاحي لقيصر باعتباره الها وهذا ما رفضه المسيحيون بشدة بينما كان اليهود يقومون به.
وعندما استلم قنسطنطين الحكم وأصدر قرارا سنة 313 م يتضمن حرية العبادة لكافة الأديان بعد أن كانت الإمبراطورية قد شبعت من دماء المسيحيين التي أريقت في شوارع و ساحات و سجون الإمبراطورية،فبدأت المسيحية عهدا جديدا، فبعد أن عانت الاضطهاد والرفض ، تبدل الموقف لتصبح هي ديانة الإمبراطورية ،بعد اعتناق قنسطنطين لها. لكن قبوله المسيحية جاء بعد تخطيط ودراسة ،فهو أدرك أن بطش القياصرة الذين سبقوه لم يؤدي الى القضاء على المسيحيين ، فقرراتخاذ موقفا معتدلا جاعلا المسيحيين الى صفه كقوة توقف الانحلال الأخلاقي في الإمبراطورية ، وأيضا كقوى فكرية تتبنى الحضارة الرومانية وتحفظها من الخطر الخارجي القادم من غزوات القبائل المجاورة لحدود الإمبراطورية. ولهذا كله صارت الإمبراطورية بحاجة الى كنيسة مركزية كمرجعية لباقي الكنائس، فيما يتعلق بمسائل لاعتقاد واللاهوت.
وكانت هناك أسئلة مركزية تشغل الكنائس في الشرق والغرب قاطبة...
1. من هو يسوع المسيح الناصري؟ هل هو ابن الله؟ فاذا كان الجواب نعم، كيف كان بالامكان لهذا أن يحدث؟كيف بالامكان أن يتحد اللاهوت بالناسوت؟
2. كيف بالامكان التأكيد على الله الواحد دون الانقاص من قدر المسيح؟
3. هل كان المسيح ممثلا للقدرة الالهية كما اعتقد البعض؟ أم أنه لم يكن منذ الأزل الها وانما قام الله بتبنيه كما اعتقد البعض الآخر؟ هل كان الله بذاته واتخذ له جسدا بحيث يستطاع القول أن الله(الأب) وليس الابن هو من صلب على الخشبة كما اعتقد آخرون؟
4. هل أن آريوس الذي قال أن للمسيح طبيعة الهية لكنه مخلوق على حق؟ أم أن الحق الى جانب نسطور المنادي بأن لاهوت المسيح وناسوته منفصلان فأعمال المسيح الانسانية لا علاقة لها باللاهوت، الله يسكنه ويقوم بالمعجزات لكن ليس بالامكان قول مريم أم الله؟
ويمكن تلخيص الخلافات بثلاث: فرق ترفض لاهوت المسيح، فرق ترفض لاهوت المسيح، وفرق تؤمن بلاهوته وناسوته من غير امتزاج.
كل هذه الأسئلة كانت بحاجة الى اجابة فبدأ انعقاد المجامع المسكونية وهي عبارة جلسات كان الإمبراطور نفسه يطلب من الأساقفة أن تقام وذلك لحسم الخلافات الداخلية في الكنيسة والتي كان يتم حسمها لصالح أكثرية الأساقفة المجتمعين. وتمركز البحث في هذه المجامع عن طبيعة الله والعلاقة بين الأقانيم ، والبحث في طبيعة المسيح ما بين اللاهوت والناسوت ، وبهذا تكون المجامع الأساس الأولي لصياغة العقيدة المسيحية وتحليلها.
جرى في هذه المجامع طرد الفرق المسيحية التي خالفت فكرة الثالوث المقدس ووحدة الأقانيم، والتي خالفت الاعتقاد باللاهوت والناسوت ووحدتهما.
ان عقيدة الثالوث المقدس التي تعتنقها معظم الكنائس المسيحية اليوم هي الاعتقاد بوجود ثلاث أقانيم (الأب،الابن،الروح القدس) تشكل في جوهرها الله، فلا أحد من المسيحيين اليوم يؤمن بوجود آلهة ثلاث بل باله واحد خالق السماوات و الأرض، وهذا ما قررهمجمع نيقية عام 325 للميلاد. لكنه لم يعتمد رسميا الا سنة 451 للميلاد بعد أن اعتمد بابا روما. وكان بالامكان مثلا أن تعتمد وجهة نظر لكن لنفترض مثلا أن مجمع نيقية قرر اعتماد وجهة نظر اريوس القائلة بطبيعة الهية للمسيح وبكونه مخلوقا لما كان التثليث سائدا اليوم. ما أود قوله بسيط ومعقد للغاية، ان الفخ الذي يقع به أي دين هو الجمع بين الدين والدولة، لأن النصوص المقدسة وهي ذاتها التي تعتمدها جميع مذاهب ذاك الدين تصبح عرضة لتفسيرات الغرض منها دعم الحاكم وخدمة مصالحه، أي استخدام الدين لأغراض السياسة. ولا يختص الاسلام المسيحي بهذا بل ان الاسلام المحمدي وقع في نفس المطب، فكم من أحاديث تم التلاعب بها كي يبرر معاوية لنفسه حربه على خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب ابن عن النبي وزوج ابنته وأحب الناس الى قلبه؟ ثم تم اختزال الرسالة المحمدية بالحدود الخمس وجرى الهاء الناس بالصلاة والصوم والحج ، وإلغاء الشورى وهو حق كفله الاسلام المحمدي لأتباعه فأصبحت الخلافة بالوراثة، وتم كذلك تهميش دور الجوامع اذ أصبحت دور عبادة فقط بعد أن كانت مراكز يجتمع الناس فيها لمناقشة قضايا الساعة أي أن الجوامع كانت نوع من البرلمانات المصغرة.
هذا ما عنيته باستخدام المقدس لغرض السياسة، وهذا ما حصل لفكرة الثالوث اذ أيد قنسطنطين الرأي القائل بالثالوث ورفض بدأ أريوس.
لكن هذا لا يعني على الاطلاق أن المسيحيين يؤمنون بآلهة ثلاث بل باله واحد ذو ثلاث أقانيم متحة في الجوهر، وأعترف أن شرح ذلك مسألة معقدة جدا، فهو من المسائل الكهنوتية المعقدة والمثية للنقاش و الخلاف حتى اليوم، لذلك سأحاول شرح الأمر باختصار:
• الأب: وهي ذات الله
• الابن: هو كلمته
• الروح القدس: هو روحه.
و محاولة لإيصال الفكرة أكثر، والتي لا يفهمها معظم المسيحيين أنفسهم، لصعوبة تخيل ثلاث أقانيم تتحد في جوهرها أي في الله. أعطيكم مثالا أعطيته لابنتي عندما سألتني عن الموضوع طالبة مني أن أشرحه لها. فقلت لها تخيلي مثلا المثلث، انه يتألف من أضلاع ثلاثة لكنه مثلث واحد فاذا انتفى أحد الأضلاع لم يعد مثلثا، وهكذا هو الله في المسيحية، ذات وكلمة وروح.
موقف الرسالة المحمدية من عقيدة التثليث:
كما ذكرت سابقا، علينا لفهم أي دين العودة لظروف النشأة وللبيئة التي ظهر فيها هذا الدين، وأوضحت أيضا وجود فرق مسيحية انتشرت في أرجاء شبه الجزيرة العربية، وعددت أيضا أهم هذه الفرق.
كان للأيبيونيين (اليهود المتنصرين) مكانة رفيعة في قريش وكان القس ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة زوجة النبي الأولى رئيسهم الديني و أحد حنفاء قريش.
وينتمي كل من السيدة خديجة بنت خويلد وورقة بن نوفل الى رهط أسد بن عبد العزى ( قريش) الذي انتشرت فيه النصرانية الأبيونية ووصل بعض بنيه إلى رتب رفيعة فيها فورقة بن نوفل كان قسا وعثمان بن الحويرث بطركا و فاطمة أخت ورقة بن نوفل كاهنة، وهي واحدة من المرأتين اللتين عرضتا على أبي محمد عبد الله بن عبد المطلب وهو في طريقه مع أبيه كي ينكح السيدة آمنة بنت وهب الزهرية بأن يفاخذ كلا منهما بعد أن رأتا نور النبوة بين عينيه وله مائة من الإبل ليس عن عهر بل عن عفة كي تفوز إحداهما بنور النبوة وتغدو أم القادم المنتظر.
والأبيونيون كما ذكرت في فصل سابق هم اليهود المتنصرين وكان لديهم الانجيل بحسب العبرانيين المكتوب بالحرف السرياني، و اعتقدوا أن المسيح ليس مولودا من الله الأب بل مخلوقا منه وأنه رئيس الملائكة وسيدهم والقائم على كل أعمال الله القدير، وأنه نزل على يسوع يوم تعمد من يوحنا المعمدان في نهر الأردن وفارقه قبل استشهاده على الصليب، وعقيدتهم في ذلك هي أن يسوع هو الذي صلب بعد أن ارتفع المسيح عنه قبل استشهاده على الصليب. ولم يكن ليسوع المسيح بنظرهم صفة الفادي والمخلص.لذلك ليس على الإنسان أن يطلب شفاعته للخلاص، وكانوا يحفظون السبت وسائر الشعائر اليهودية من ختان وعدم أكل لحم الخنزير، ويشددون على إقامة أحكام التوراة بحكم أن المسيح لم يقم شريعة جديدة ويعتبرون أن الخلاص يقوم لا على الإيمان بالمسيح وحده بل على إقامة شريعة موسى أيضا. وكانوا يشددون العناية بالمساكين و الأيتام والفقراء. ولكونهم رفضوا مبدأ الأقانيم الثلاثة المتحدة في الجوهر، تم طردهم من الكنيسة الرسمية.
فالمسيحية لم تكن واحدة في شبه الجزيرة العربية كما أوردت، فطائفة المريميين كانت منتشرة في الحجاز، وكانوا قبل اعتناقهم المسيحية يعبدون الزهرة ويقولون أنه نتيجة تزاوج الشمس و القمر وقدسوا هذا الثلاثي، وبعد اعتناقهم للمسيحية قاموا ببدعة تقول بألوهية المسيح وأمه مريم، وأن المسيح هو نتيجة الزواج بين الله ومريم العذراء. فحلّ بذلك هذا الثالوث الله المسيح مريم مكان الشمس القمر الزهرة. ولم ينتشر هذا المذهب الافي شبه الجزيرة العربية نتيجة عدم فهم العقل البدوي البسيط امكانية حمل العذراء مريم ليسوع المسيح دون حصول نكاح.
والآن علينا البحث في القرآن عن الآيات التي تطرقت لموضوع التثليث لدى الفرق المسيحية النصرانية
1. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا{النساء 170-172}.
2. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المائدة 72-75}.
3. وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 116-117}.
فغرض الآية الأولى، هو حث أهل الكتاب على عدم الغلو بالدين، ويتم ذكر الثالوث دون شرح أي ثالوث هو المعني. أما الآية الثانية فلا ذكر للثالوث فيها صراحة وانما نفي لكون المسيح هو الله، لكن الآية الثالثة توضح كل شئ فالثالوث المعني هو ثالوث المريميين القائل بألوهية المسيح وأمه مريم العذراء، ولا تعني الأقانيم الثلاثة المتحدة بالجوهر.
يقول الزمخشري بهذا الصدد : إن صحت الحكاية عن النصاري أنهم يقولون عن الله جوهر واحد بثلاثة أقانيم أقنوم الآب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون بأقنوم الآب الذات وبأقنوم الابن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة ، فتقديره (الله ثلاثة)، وإلا فتقديره (الآلهة ثلاثة) والذي يدل عليه القرآن هو التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة وأن المسيح ولد الله من مريم وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ وحكاية الله أوثق من حكاية غيره. ولا أحد ينكر أن طائفة المريميين نادت بهذا الثالوث، والله عناهم بكلامه هذا.
ويقول البيضاوي :أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم، ويشهد عليه قوله أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ أو الله ثلاثة، إن صح أنهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم الآب والابن وروح القدس ويريدون بالآب الذات، وبالابن العلم وبروح القدس الحياة. فإن صح أن النصاري يعنون بالآب الذات وبالابن العلم وبروح القدس الحياة فذلك لا يدل علي تعدد الذات الإلهية، لأن العلم والحياة في الله هما ذات الله بعينها. وهكذا تختلف جوهرياً مقالة القرآن عن مقالة الإنجيل في التثليث. ولكن هذا لا يعني أن المسيحيين يقولون بوجود ثلاث آلهة بل هم يؤمنون باله واحد بثلاثة أقانيم كما شرحنا سابقا.
ويقول الامام الرازي بهذا الصدد:في تفسير قول النصاري ثالث ثلاثة طريقان: الأول هو قول بعض المفسرين وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسي آلهة ثلاثة والذي يؤكد ذلك قوله أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ، والدليل أنه المراد، قوله في الرد عليهم وما من إله إلا واحد.
والثاني إن المتكلمين حكوا عن النصاري أنهم يقولون جوهر واحد، ثلاثة أقانيم آب وابن وروح القدس، وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالآب الذات وبالابن الكلمة وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا أن الآب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد. إن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحداً والواحد لا يكون ثلاثة.
فطريق المتكلمين هو الأقرب أو فلنقل يمثل اعتقاد المسيحيين، وهو لا يعني الشرك ولا يتنافى مع التوحيد.
وفي المرة القادمة سأتطرق لموضوع الصلب. فللحديث بقية.
الصلب
ان قضية صلب المسيح من المواضيع الخلافية بين الرسالتين المسيحية والمحمدية، ويستند الخلاف بوجه عام على وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء157،158}.
ويتمسك أغلب علماء ومفسري الرسالة المحمدية بهذه الآية لاثبات عدم وقوع حادثة الصلب التي أثبتها الانجيل، والمشكلة بين القرآن والانجيل تتلخص بهذه النقاط:
1. لم ينكر القرآن قضية الصلب ولم ينفها، بل أقر بوجود صليب ومصلوب له صورة المسيح، لكن وجه الخلاف هو شخصية المصلوب.
2. ثبوت موت المسيح في القرآن في آيات أخرى دون ذكر كيفية الموت
• إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران55}
• وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم 33}
• مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 117}
3. اعتقاد عامة علماء المسلمين أن في صلب المسيح من قبل اليهود تحقير له وهو كلمة الله وروح منه.
ولكي نناقش النقاط الثلاث علينا العودة الى المراجع الفقهية اللاهوتية والمراجع والوثائق التاريخية التي تتطرق الى موضوع الصلب.
فالتاريخ نقل الينا حادثة الصلب وشهد بذلك التلاميذ والمسيحيون الأوائل واليهود ووثائق الامبراطورية الرومانية والمؤرخون كيوسيفوس، فصلب المسيح هو حدث منقول الينا بالتواتر وبشهادة الأناجيل والمؤرخين بل وبشهادة أعداء المسيحية من يهود ورومان. هذا من جهة شهادة التاريخ ولنعد الآن الى على وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء157،158}.وسأستعرض هنا تفاسير الآية:
• تفسير الجلالين: وَقَوْلهمْ" مُفْتَخِرِينَ "إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم رَسُول اللَّه" فِي زَعْمهمْ أَيْ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ عَذَّبْنَاهُمْ قَالَ . تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي قَتْله "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ" الْمَقْتُول وَالْمَصْلُوب وَهُوَ صَاحِبهمْ بِعِيسَى أَيْ أَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَهه فَظَنُّوهُ إيَّاهُ "وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" أَيْ فِي عِيسَى "لَفِي شَكّ مِنْهُ" مِنْ قَتْله حَيْثُ قَالَ بَعْضهمْ لَمَّا رَأَوْا الْمَقْتُول الْوَجْه وَجْه عِيسَى وَالْجَسَد لَيْسَ بِجَسَدِهِ فَلَيْسَ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ هُوَ "مَا لَهُمْ بِهِ" بِقَتْلِهِ "مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ" اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ يَتَّبِعُونَ فِيهِ الظَّنّ الَّذِي تَخَيَّلُوهُ "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا" حَال مُؤَكِّدَة لِنَفْيِ الْقَتْل. ولنسلم أن هذا التفسير صحيح لكن هذا يؤدي الى طرح أسئلة من الصعب الاجابة عليها، فاذا كان الله قد ألقى شبه المسيح على شخص آخر فماذا كان غرضه من ذلك؟ وهل يستحق هذا الشخص الموت؟ وعلى فرض أنه يهوذا الاسخريوطي أولم يكن في وسع المصلوب البديل أن يحتج ولو احتجاج الضعيف نافياً أنه المسيح أثناء المحاكمة؟ وهل يحتاج المسيح المؤيد من الروح القدس والذي أحيى الموتى الى من يحل محله على الصليب، ألم يكن باستطاعته الدفاع عن نفسه؟ ولنقل مثلا بأن يرفعه الله الى السماء ويحرره من بين أيديهم وعلى الملأ لاظهار عظمته؟
• أما ابن كثير فهو يفصّل كيفية وقوع الصلب دون ذكر مصدر مقنع لقصته تلك يقول: وَقَوْلهمْ " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه " أَيْ هَذَا الَّذِي يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَنْصِب قَتَلْنَاهُ وَهَذَا مِنْهُمْ مِنْ بَاب التَّهَكُّم وَالِاسْتِهْزَاء كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ " يَا أَيّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْر إِنَّك لَمَجْنُون " وَكَانَ مِنْ خَبَر الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه وَسَخَطه وَغَضَبه وَعِقَابه أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى حَسَدُوهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ النُّبُوَّة وَالْمُعْجِزَات الْبَاهِرَات الَّتِي كَانَ يُبْرِئ بِهَا الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه وَيُصَوِّر مِنْ الطِّين طَائِرًا ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا يُشَاهِد طَيَرَانه بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّه بِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى يَدَيْهِ وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَسَعَوْا فِي أَذَاهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيّ اللَّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يُسَاكِنهُمْ فِي بَلْدَة بَلْ يُكْثِر السِّيَاحَة هُوَ وَأُمّه عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ لَمْ يُقْنِعهُمْ ذَلِكَ حَتَّى سَعَوْا إِلَى مَلِك دِمَشْق فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَكَانَ رَجُلًا مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَة الْكَوَاكِب وَكَانَ يُقَال لِأَهْلِ مِلَّته الْيُونَان وَأَنْهَوْا إِلَيْهِ أَنَّ فِي بَيْت الْمَقْدِس رَجُلًا يَفْتِن النَّاس وَيُضِلّهُمْ وَيُفْسِد عَلَى الْمَلِك رَعَايَاهُ فَغَضِبَ الْمَلِك مِنْ هَذَا وَكَتَبَ إِلَى نَائِبه بِالْقُدْسِ أَنْ يَحْتَاط عَلَى هَذَا الْمَذْكُور وَأَنْ يَصْلُبهُ وَيَضَع الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَاب اِمْتَثَلَ وَالِي بَيْت الْمَقْدِس ذَلِكَ وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَة مِنْ الْيَهُود إِلَى الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه اِثْنَيْ عَشَر أَوْ ثَلَاثَة عَشَر وَقَالَ سَبْعَة عَشَر نَفَرًا وَكَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة بَعْد الْعَصْر لَيْلَة السَّبْت فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ . فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَة مِنْ دُخُولهمْ عَلَيْهِ أَوْ خُرُوجه إِلَيْهِمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ شَابّ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ اِسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَعَادَهَا ثَانِيَة وَثَالِثَة وَكُلّ ذَلِكَ لَا يُنْتَدَب إِلَّا ذَلِكَ الشَّابّ فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَه عِيسَى حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ وَفُتِحَتْ رَوْزَنَة مِنْ سَقْف الْبَيْت وَأَخَذَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام سِنَة مِنْ النَّوْم فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاء وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ " الْآيَة فَلَمَّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر فَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ ذَلِكَ الشَّابّ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى فَأَخَذُوهُ فِي اللَّيْل وَصَلَبُوهُ وَوَضَعُوا الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَأَظْهَرَ الْيَهُود أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي صَلْبه وَتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ وَسَلَّمَ لَهُمْ طَوَائِف مِنْ النَّصَارَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عَقْلهمْ مَا عَدَا مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّهُمْ شَاهَدُوا رَفْعه . وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الْيَهُود أَنَّ الْمَصْلُوب هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مَرْيَم جَلَسَتْ تَحْت ذَلِكَ الْمَصْلُوب وَبَكَتْ وَيُقَال إِنَّهُ خَاطَبَهَا وَاَللَّه أَعْلَم وَهَذَا كُلّه مِنْ اِمْتِحَان اللَّه عِبَاده لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَقَدْ أَوْضَحَ اللَّه الْأَمْر وَجَلَّاهُ وَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله الْكَرِيم الْمُؤَيَّد بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَات وَالدَّلَائِل الْوَاضِحَات فَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَق الْقَائِلِينَ وَرَبّ الْعَالَمِينَ الْمُطَّلِع عَلَى السَّرَائِر وَالضَّمَائِر الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْف يَكُون وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أَيْ رَأَوْا شَبَهه فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ وَلِهَذَا قَالَ " وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مِنْ الْيَهُود وَمَنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ جُهَّال النَّصَارَى كُلّهمْ فِي شَكّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَة وَضَلَال وَسُعُر وَلِهَذَا قَالَ : وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا أَيْ وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ . ولا نعلم من أين جاء ابن كثير بهذه القصة بعد أكثر من 600 عام بعد حدوثها، ألم يكن حريا به ذكر المصادر التي استند اليها في تلك الرواية؟ وعلى فرض صحة هذه الرواية فهل يعني هذا أن تلاميذ المسيح قد استشهدوا من أجل كذبة وهم يعلمون بذلك؟ فالثابت أن أحد عشر تلميذا من التلاميذ الاثني عشر تعرض للجلد والتعذيب والموتبوسائل ذاك الزمان من صلب وقطع رأس، منهم من صلب وهم بطرس، أندراوس، يعقوب بن حلفى، فيلبس، سمعان برثولماوس. أما متى فقتل بالسيف، و يعقوب أخو يسوع مات رجما، أما توما فقد مات بطعنة حربة ، ويعقوب بن زبدي قتل بالسيف،و تدّاوس قتل رمياً بالسهام . أما يوجنا فهو الوحيد الذي مات ميتة طبيعية. أويعقل أن يخدع الله والمسيح الحواريين؟ فاذا كان الجواب بالأيجاب فما الغرض من ذلك وهذا يعني انتهاء المسيحية وخروجها عن خطها قبل أن تبدأ . قد نسلم أن يكون اليهود قد خدعوا وشبه لهم لكن هل من المعقول أن بنخدع الحواريين؟ وبالأحرى أن تنخدع أم المسيح مريم التي اصطفاها الله وطهرها على العالمين؟ لقد كلمها المسيح وهو على الخشبة ألم تميز صوت ابنها؟ لقد شك توما مثلا بقيامة المسيح بعد ظهوره للتلاميذ فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب .فقال لهم ان لم أبصر في يديه اثر المسامير واضع اصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا أؤمن وبعد ثمانية ايام كان تلاميذه ايضا داخلا وتوما معهم .فجاء يسوع والابواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم . ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا .اجاب توما وقال له ربي والهي قال له يسوع لانك رأيتني يا توما آمنت .طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يوحنا20-24،29). وقتل توما بعد هذا بسنوات لأنه كان يكرز بملكوت الله، لقد كان يكرز ليقينه بقيامة المسيح ومات دفاعا عن ايمانه هذا وليس دفاعا عن كذبة، هكذا يقول المنطق والعقل.
• يقول الطبري في تفسير { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . أَوْ يَكُون الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى نَحْو مَا رَوَى عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , أَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْت تَفَرَّقُوا عَنْهُ قَبْل أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ الْيَهُود , وَبَقِيَ عِيسَى , وَأُلْقِيَ شَبَهه عَلَى بَعْض أَصْحَابه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبَيْت بَعْد مَا تَفَرَّقَ الْقَوْم غَيْر عِيسَى وَغَيْر الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , وَرُفِعَ عِيسَى , فَقُتِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ فِي صُورَة عِيسَى مِنْ أَصْحَابه , وَظَنَّ أَصْحَابه وَالْيَهُود أَنَّ الَّذِي قُتِلَ وَصُلِبَ هُوَ عِيسَى لِمَا رَأَوْا مِنْ شَبَهه بِهِ وَخَفَاء أَمْر عِيسَى عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ رَفْعه وَتَحَوُّل الْمَقْتُول فِي صُورَته كَانَ بَعْد تَفَرُّق أَصْحَابه عَنْهُ , وَقَدْ كَانُوا سَمِعُوا عِيسَى مِنْ اللَّيْل يَنْعَى نَفْسه وَيَحْزَن لِمَا قَدْ ظَنَّ أَنَّهُ نَازِل بِهِ مِنْ الْمَوْت , فَحَكَوْا مَا كَانَ عِنْدهمْ حَقًّا , وَالْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ مَا حَكَوْا , فَلَمْ يَسْتَحِقّ الَّذِينَ حَكَوْا ذَلِكَ مِنْ حَوَارِيِّيهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَبَة , أَوْ حَكَوْا مَا كَانَ حَقًّا عِنْدهمْ فِي الظَّاهِر وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ الَّذِي حَكَوْا . وهنا تختلف حكاية الطبري عن حكاية ابن كثير فالثاني قال أن من بالنزل كانوا يعلمون أن المصلوب هو شبيه للمسيح أما القرطبي فهو يذهب الى حد القول بأن الحواريين ظنوا فعلا بأن المسيح هو من صلب رغم أن الأمر ليس كذلك حسب تفسيره للآية وذلك لنفي تهمة الكذب على الحواريين، لكن هذا يعني بالضرورة أن الله خدع حواريي المسيح المسلمين لله تعالى، ويعني بالضرورة أن الله جلّ جلاله قد تركهم يموتون من أجل كذبة ، فهل يعقل هذا؟ هل يعقل أن يخدع الله الحوّاريين ومريم البتول؟ فاذا أجبنا بالايجاب نسأل ما الغرض من هذا؟
لقد تحول التلاميذ أو الحواريين من أشخاص خائفين مذعورين بعد صلب المسيح الى أشخاص مملوئين نشاطا وحماسا وشجاعة لنشر كلمة الله بعد تيقنهم من قيامة المسيح في اليوم الثالث وبقائه معهم40 يوما قبل أن يرفعه الله اليه أمام أنظارهم، فتحملواالتشكيك والإستهزاء و الطرد والملاحقة والتعذيب والموت في سبيل نشر كلمة الله التي علمهم اياها المسيح. واجتمع جمهور المدن المحيطة الى اورشليم حاملين مرضى ومعذبين من ارواح نجسة وكانوا يبرأون جميعهم فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين وامتلأوا غيرة فالقوا ايديهم على الرسل ووضعوهم في حبس العامة. ولكن ملاك الرب في الليل فتح ابواب السجن واخرجهم وقال اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة. فلما سمعوا دخلوا الهيكل نحو الصبح وجعلوا يعلمون. ثم جاء رئيس الكهنة والذين معه ودعوا المجمع وكل مشيخة بني اسرائيل فارسلوا الى الحبس ليؤتى بهم. ولكن الخدام لما جاءوا لم يجدوهم في السجن فرجعوا واخبروا قائلين اننا وجدنا الحبس مغلقا بكل حرص والحراس واقفين خارجا امام الابواب ولكن لما فتحنا لم نجد في الداخل احدا فلما سمع الكاهن وقائد جند الهيكل ورؤساء الكهنة هذه الاقوال ارتابوا من جهتهم ما عسى ان يصير هذا. ثم جاء واحد واخبرهم قائلا هوذا الرجال الذين وضعتموهم في السجن هم في الهيكل واقفين يعلّمون الشعب. حينئذ مضى قائد الجند مع الخدام فاحضرهم لا بعنف لانهم كانوا يخافون الشعب لئلا يرجموا. فلما احضروهم اوقفوهم في المجمع. فسألهم رئيس الكهنة قائلا أما اوصيناكم وصية ان لا تعلّموا بهذا الاسم. وها انتم قد ملأتم اورشليم بتعليمكم وتريدون ان تجلبوا علينا دم هذا الانسان. فاجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس. اله آبائنا اقام يسوع الذي انتم قتلتموه معلقين اياه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيسا ومخلّصا ليعطي اسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الامور والروح القدس ايضا الذي اعطاه الله للذين يطيعونه فلما سمعوا حنقوا وجعلوا يتشاورون ان يقتلوهم. فقام في المجمع رجل فريسي اسمه غمالائيل معلّم للناموس مكرم عند جميع الشعب وامر ان يخرج الرسل قليلا. ثم قال لهم. ايها الرجال الاسرائيليون احترزوا لانفسكم من جهة هؤلاء الناس في ما انتم مزمعون ان تفعلوا. لانه قبل هذه الايام قام ثوداس قائلا عن نفسه انه شيء. الذي التصق به عدد من الرجال نحو اربع مئة. الذي قتل وجميع الذين انقادوا اليه تبددوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في ايام الاكتتاب وازاغ وراءه شعبا غفيرا. فذاك ايضا هلك وجميع الذين انقادوا اليه تشتتوا. والآن اقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم. لانه ان كان هذا الرأي او هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وان كان من الله فلا تقدرون ان تنقضوه. لئلا توجدوا محاربين لله ايضا. فانقادوا اليه. ودعوا الرسل وجلدوهم واوصوهم ان لا يتكلموا باسم يسوع ثم اطلقوهم واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلّمين ومبشرين بيسوع المسيح. { أعمال الرسل 5، 16-42 }.
لا يمكن أن يكون القرآن متعارضا مع بعضه أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء82} ، والمسيح قد مات في مواضع أخرى من القرآن كما ذكرنا في بداية البحث إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران55} فالمسيح توفي قبل أن يرفعه الله الى السماء،وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم 33} فالمسيح سيموت وسيبعث حيا وبما أنه مات قبل أن يرفع الى السماء فلقد بعث قبل أن يرفع كذلك،مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 117} وتؤكد هذه الآية أن المسيح توفي بأمر الله، ويؤكد هذا حادثة الصلب والقيامة ولا يعني هذا أن هذه الآيات تناقض وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وانما التعارض هو في تفاسير المفسرين الذين اختلفوا في تفاسيرهم فالتعارض هو بين التفاسير وليس الآيات وسأطرح هنا رأي الامامين الرازي والزمخشري في آية الصلب
الإمام الزمخشري: قال في تفسير الآية الكريمة ما معنى قول القرآن "شبِّه لهم؟ شبه مسند إلى ماذا؟
1. إن جعلته مسند إلى المسيح؟ فالمسيح مشبه به وليس مشبه،
2. وإن أسندته إلى المقتول: لقد زعموا أن اليهود قتلوا رجلا آخر شبيها بعيسى. فالمقتول لم يجر له ذكر.
3. عبارة شبه مسند إلى الجار والمجرور أي مسند إلى لهم كقولك خيل لهم.
الإمام الرازي: فقد علق على رأي المفسرين أصحاب الرأي أن شبه المسيح ألقي على شخص آخر فقال:
في إلقاء شبه على الغير إشكالات:
1. : أنه إن جاز أن يقال أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة، وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.
2. أن الله أيده بروح القدس، جبريل، فهل عجز هنا عن تأييده؟ وهو الذي كان قادرا على إحياء الموتى، فهل عجز عن حماية نفسه؟الإشكال
3. أنه تعالى كان قادرا على تخليصه برفعه إلى السماء، فما الفائدة بإلقاء شبهه على غيره؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟
4. بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا أن هذا الغير هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة الله.
5. أن النصارى واليهود على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم في أمره شاهدوه مقتولا ومصلوبا، فلو أنكرنا ذلك، كان طعنا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء.والإشكال السادس: ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسى؟ ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلف هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكر أولئك المفسرون.
نستنتج من هذا أنه بمقارنة آية الصلب بآيات القرآن الأخرى أن الصلب قد وقع فعلا لكن خيل لليهود أن صلب المسيح أدى الى القضاء عليه وعلى رسالته لكن الله مكر بهم ورفعه الى السماء ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين يا عيسى ابن مريم إني متوفيك ورافعك إلي وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة (آل عمران 54
|
|
12-27-2003, 02:33 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
ابن العرب
عضو رائد
المشاركات: 1,526
الانضمام: May 2002
|
الاسلام المسيحي والمحمدي
أخي العزيز "عمّار اليازجي"،
فعلا، صدق الأخ Awarfie في وصفه للموضوع، فهو شيق وجميل ويجمع بين ثناياه الكثير من المعلومات الثمينة.
ولمناقشته، يحتاج المرء إلى أكثر من مجرد قراءة سريعة.
فأنت لا تعلم كم طال بحثي عن المرجع الذي وردت فيه الجملة التالية:
اقتباس:وتؤكد دلائل عديدة على مدى تأثير النصرانية بقريش فيقول الأزرقي :جعلوا في دعائمها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة . فكان فيها صورة إبراهيم الخليل شيخ يستقسم بالأ زلام وصورة عيسى ابن مريم أمه وصور الملائكة . ولما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله البيت وأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب فبل بالماء و أمر بطمس تلك الصور . فطمست وقال ووضع كفيه على صورة عيس ابن مريم و أمه عليهما السلام وقال : أمحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن صورة بن مريم وأمه ( أخبار مكة وما جاء فيها من آثار للأزرقي 1- 165 )
حتى إنني سألت بعض زملائي في الحوار من المسلمين وجميعهم بدون تمييز أبدى جهله الواضح بالحادثة. وأهميتها تكمن في حقيقة وواقع أن الكعبة لربما كانت بيت عبادة مسيحي و/أو يهودي قبل بدء الحركة المحمديّة.
هنالك بالطبع عدة نقاط استوقفتني منها قولك:
اقتباس:ان رفض المسيحيين للاسلام المحمدي لا ينبع من الانجيل، فالانجيل لم يذكر ولم ينفي قدوم نبي بعد المسيح، وأريد أن أنوه هنا أنني أتكلم عن المسيحيين الشرقيين لا عن مسيحية الغرب، وعلى هذا سأعالج نقاط الخلاف والرفض من وجهة نظر مسيحيي الشرق عموما والهلال الخصيب خصوصا.
صديقي، هنالك تنبيه وتحذير على لسان المسيح بالحذر من الأنبياء الكذبة الذين سيضللون كثيرين. طبعا الإشارة غير واضحة الدلالة والإشارة إلى محمد بن عبدالله، ولكنها تبقى إشارة تحذير.
لكن الأمر الواضح الدلالة في الرسالة المسيحية من خلال الأناجيل، هي طبيعة رسالة السيد المسيح. فرسالته قدمت حقائق إيمانية وتعليميّة جاءت ذروة لمسيرة طويلة من النبوءات ، بحيث أن القارئ لرسالة المسيح والمؤمن بها يعلم علم اليقين أن هذه هي قمّة الوحي الإلهي وملؤه وأن لم يبق ثمة مكان لرسالة أخرى.
فأنت، رغم رفضك في معرض مداخلتك للرسالة اليهودية، لكن لا يمكنك أن تنكر بأن المسيحية ما هي إلا تمام اليهودية وملء تحقيقها وكمالها. فليس لدينا ثلاث رسائل سماوية، بل رسالة واحدة.
الرسالة الإلهية واحدة، بدأت بالخلق ثم بالآباء (إبراهيم واسحق ويعقوب) ثم بالأنبياء (موسى وصموئيل إلخ) ثم بالملوك (داؤود وسليمان إلخ) ثم أخيرا تحققت جميع النبوءات والكتب في هذه الرسالة بشخص يسوع المسيح الذي هو النبي الملك الرسول الذي حقق في ولادته وموته وقيامته ملء الوحي الوحي وتمام الرسالة وكمالها.
لذلك، لم يتبق ثمة مجال لإضافة شيء أو قول شيء. انتهت الرسالة الإلهية وما بقي للبشر إلا أن يحيوا بموجبها.
|
|
12-29-2003, 12:38 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
{myadvertisements[zone_3]}
إبراهيم
بين شجوٍ وحنين
المشاركات: 14,214
الانضمام: Jun 2002
|
الاسلام المسيحي والمحمدي
موضوع جميل فعلا.
أعجبني تعليقك يا أورافي على فكرة "تطور" الدين و كيف تراها في الإسلام من الناحية الفلسفية. أحب فعلا أن أقرأ لك تعليقات في الساحة الدينية. إذا بدأت تكتب أكثر هنا فسوف أتحمس لقراءة الساحة أكثر حيث أني بصراحة كنت قد فقدت الإهتمام بأغلب الموضوعات هنا. ليتنا نرى حوارات و تفاعلات بينك و بين إبن العرب وأصحاب الفكر المتكامل المعروفين بنضج رؤيتهم و لسوف يؤدي هذا إلى ثراء الساحة بشكل صادق.
أعجبتني نقطة ذكرتها:
اقتباس:فالاله الاسلامي هو اله جوهر ، مجرد ، لا يوصف . و سبق للامام الغزالي أن قال ردا على سؤال حول ماهية الله :
الله هو ما ليس كمثله شيء !
إن كان هناك تجريد حقا، فلماذا اللجوء للأوصاف البشرية مثل اليد والإستواء والجلوس إلخ؟ والأمر نفسه طبعا وارد في الكتاب المقدس و يسمونه بالـ anthropomorphism.
إذا، إلى أي حد هو مجرد؟ و هل التجريد فعلا ممكن؟ حتى من وجهة نظر فلسفية....
وأخيرا أنا مع ابن العرب قلبا و قالبا فيما قاله:
(f) شكرا لحساسيتك وشعورك المرهف في توضيح المقاصد الكامنة خلف مداخلتك أخي العزيز وتأكد أنه بإمكانك أن تصب أفكارك بكل راحة وصراحة فنحن هنا للتعلّم والتواصل واكتساب الخبرات.
ألف شكر.
|
|
12-30-2003, 12:10 AM |
|
{myadvertisements[zone_3]}