40 محامي للدفاع عن صحافي سوري ...الأهبل عماد فوزي الشعيبي يرفع دعوى على الصحافي حكم البابا..
حكم البابا والشعيبي: سلاماً أيها الحاقد على أبناء الوطن! صحافة وإعلام
لم أفاجأ بالصفات والنعوت التي أطلقها نص الدعوة المرفوعة ضد الزميل حكم البابا من قبل عماد فوزي الشعيبي بتهمة الذم والقدح، والتي تصف الزميل حكم بأنه: «موظف في جريدة تشرين المحلية، وهو حاقد على أبناء هذا الوطن رغم كونه احدهم، لا يرتاح له بال إلا ببث سمومه في جسد هذا الوطن والمواطنين الشرفاء المحاربين بالقلم لما تتعرض له سورية بشكل يومي»
فهذه اللغة التي كتبها المحاميان تشبه تماما عقلية موكلهما، وتشبه تماما حال بعض الأصوات التي تكتب مواربة وتلميحا هنا وهناك، مدعية أن حكم البابا يبحث عن موقع له في المرحلة المقبلة، وأنه يحاول أن يصنع نجما على حساب وطن تحاصره الضغوطات الخارجية التي تستهدف موقف سورية القومي، وأنه عميل لأميركا، وفاقد لشعور الانتماء للوطن!
ومن الطبيعي أن تثير كتابات حكم البابا مثل هذه الاتهامات، لأننا نعيش في زمن عاث فيه النفاق فسادا في ضمائرنا وأخلاقنا,,, ومن الطبيعي أن نتهم حكم أو سواه بكل هذه التهم، لأن الجبن وفقدان المروءة قد صنعا من جيل كامل أزلام سلطة، وعملاء أجهزة أمن، ووكلاء ثقافة خوف، ومرتزقة على أبواب مؤسسات إعلامية تمنح فيها المساحات والامتيازات وفرص العمل تبعا للرضى الأمني، وتحجب بوازع من الغضب الأمني,,, وكثيرا ما كنا، تحت وطأة ضرورات الحياة، والرغبة في إثبات الذات,,, نقبل بذلك!
لقد انتشر القبح والجبن في نفوسنا، وصرنا نكذب حتى على أنفسنا، وصرنا نزوّر ونحن نعرف حق المعرفة ما هو الصواب، وما هو الخطأ، وصارت عندنا صحافيات لا تخجلن من الظهور في ندوة على شاشة قناة الحرة ليقلن إن استدعاء الصحافيين,,, إلى أجهزة الأمن قد يتم بدافع تصحيح أو استفسار عن معلومة، فأي زمن وصلنا إليه وأي عار نعيشه؟!
إني لأذكر جيدا حين استدعي زميلي حكم البابا، إلى الأمن إبان نشر مقاله الأول عن الإعلام «ثلاثون عاما من الإلغاء: لا صحف ولا صحافيين، ولا من يحزنون» في جريدة «النهار» مطلع العام 2001، كيف انفض من حوله الكثير من الأصدقاء، وكيف تحاشى بعضهم حتى الاتصال به,,, فقد كان زمن الخوف أشد وأقسى، وكانت قوة البطش أكثر شراسة وفظاظة، وكانت الأصوات التي تجاهر بكلمة الحق، أخفض صوتا، وأضعف عزيمة، وإني لأذكر خوف عمته الطيبة ، وأذكر كيف كان على حكم أن يذهب صباحا ثم مساء إلى فرع الأمن في حرب نفسية استمرت لأسبوعين، وكيف كان عليه أن يقاوم الضغوط التي مورست ضده، فرفض أن يكتب ليغير رأيه فيمدح ما ذمه، ويداري عورة الإعلام الذي فضح جرائمه طيلة ثلاثين عاما في مقالة كانت أشبه برصاصة أولى في الحرب على فساد الإعلام، وأشهد أن حكم قاوم الضغوط شبه وحيد، إلا من بعض الصداقات التي حاول أن يستفيد منها ليقوي موقفه في قول كلمة حق لم يكن أحد يجرؤ على قولها، مع أن تلك الصداقات لم تؤمن لحكم حماية كافية من ألا يمنع من السفر وألا يستدعى إلى فروع الأمن مرارا طيلة السنوات التي مضت, وقد استمر حكم البابا، يقول ما لا يقال، ويكتب مالا يكتب،, فخاض معارك عديدة في الإعلام السوري وما حوله، أشهد له فيها أن كان جريئا وصادقا، وأنه كان متهورا في توسيع الهامش,,, وأنه كان محكوما بقدرة عجيبة على أن يجاهر بما يفكر به، وأن يصفع الآخرين بالقناعات التي لا يقوون على المجاهرة بها.
فكان في كثير من مقالاته صوت الضمير السوري الحي والمشاكس، وكان نبض الروح السورية التي لم تعرف الذل والمهانة إلا في زمن حكم البعث الجائر، الذي جعل من الكثيرين منا جبناء، يقبعون في ثغور الخوف بانتظار أن يأتي من يفتح لهم أبواب الحياة والحرية من جديد,
إني لأسمع يا صديقي حكم من سيسخر من كلماتي هذه، ومن سيتحدث عن سفاهتك وفجورك في بعض المعارك الشخصية التي كنت تخوضها، وأسمع من يصر على أنك صنيعة أجهزة المخابرات (مع أن هؤلاء لم يجرؤوا أن يكتبوا كلمة ضد خوفهم من المخابرات) فأي صورة قدسية طاهرة أحاول أن أسبغها عليك,
لكنني لن أعبأ بهؤلاء,,, ولن أكترث حتى بفجورك الشخصي وتقلّب تصرفاتك ومزاجيتك العدوانية أحيانا,,, فأنا أود أن أشكرك من أعماق قلبي على مقالاتك الرائعة التي كانت تخرج ما في حنجرتي، وتفجر ما في صدري، والصدر قد ضاق بما لا يقال!
لقد كنت نبيلا وشجاعا وحرا في كثير من مقالاتك الأخيرة، وخصوصا حين كتبت عن لبنان الذي يكبر بإرادة شعبه الحرة وسورية التي تصغر بمنظري الاستبداد البعثي والنفاق السياسي، أو حين رفعت صوتك لترفض أي وصاية علينا بعد المصافحة التاريخية التي سرعان ما كذبها السيد الشعيبي على طريقة (واثق الخطوة يمشي ملكا)، أو حين رفضت أن يختلط دم الشهداء بدم ضحايا تعذيب أجهزة المخابرات في لبنان، بعد لقاء السيد حسن نصر الله برستم غزالة، فكتبت كلمة حق لله والشهداء والتاريخ!
إنني على هذه المقالات سأرفع لك القبعة حتى لو كنت الشيطان الرجيم، وإنني سأرفع القبعة لقلمك الذي لم يتلوث يوما بالتزلف للسلطة أو الكتابة في المناسبات، في حين يبدو أرشيف الآخرين حافلا بمقالات التزلف وكلمات العار التي لن يستطيعوا فكاكا من آثامها، حتى لو حاولوا أن يحولوا شجاعتك النبيلة إلى فسحة مخابراتية هدفها التنفيس كما يقولون وهم يعرفون زور وبهتان ما يقال!
فكم كان زماننا سيبدو مخزيا- وخصوصا بالنسبة للذين ينتمون لهذا الجيل الشاب الذي ُخيّل لحزب البعث القائد أنه قد دجّنه إلى الأبد- كما كان زماننا سيبدو مظلما لولا بعض الأصوات الحرة النبيلة التي كتبت كلمة الحق، ورفعت صوتها في وجه فساد الذمم وموت الضمائر، وأشعلت شموعا من الأمل في ظلام دولة الاستبداد الأمني والنفاق السياسي، ويشرفني يا حكم أن يرفع الشعيبي قضية ضدك وأن تكون في نظره، ونظر محاميه، حاقدا على الوطن وأبنائه!
كان يمكن أن أكتب هذه الكلمات يا صديقي حكم في تأبينك أو رثائك، إذا قيض لي الله أن أعيش أكثر منك، وكان يمكن أن يكون وقعها أكثر إقناعا حتى بالنسبة للذين يكرهون شجاعتك التي فضحت جبنهم في هذا الزمن الأسود، لكنني أردت أن أخاطبك وأنت حي لأقول لك من أعماق قلبي شكرا,
شكرا على كل حرف كتبته في فضح الاستبداد,,, شكرا على كل خطوة قطعتها باتجاه أحد فروع الأمن لكي تدفع عنا ضريبة السكوت,,, شكرا لسخريتك الجميلة والفجة في آن معا,,, فكم تفك هذه السخرية قهرنا التاريخي من زمن سرق أحلامنا وأعمارنا، وأفسد الهواء في المبنى كله!
لا تكترث بالشتائم والاتهامات والتخوينات الجاهزة، لا تكترث بالمحاكمات العابرة التي يتوكل بها ضدك مخبرون بعثيون أو غير بعثيين، فكل هذه ستكون أوسمة على صدر كلمة حق ستبقى للتاريخ، حين يلبس كل امرئ حقيقته، دون أي سلطة خوف، أو أقنعة نفاق وتزوير!
الرأي العام
|