سأعرض عليكم ما وجدته على الشبكة ما يتحدث عن نظرية الأوتار الفائقة (تكلمة لموضوع الفاضل بهجت بعنوان فهم جديد لعالم قديم) .
أمضى ألبرت أينشتين عقداه الأخيران من الزمن محاولاً حل لغز كبير كان يؤرقه، وهو نظرية واحدة قوية تقوم بوصف كل مل يجري في الكون، وحتى أيامه الأخيرة كان اينشتين يمسك بمفكرة صغيرة يحاول فيها حل ذلك اللغز الكبير الذي شغله حوالي عشرين عام من حياته لأنه كان مقتنعا أنه على وشك حل أكبر الألغاز في تاريخ العلم. لكن الوقت لم يسعفه ومات قبل أن يحقق ذلك، والآن وبعد مضي أكثر من نصف قرن على ذلك، فإن العلماء يعتقدون أنهم يمسكون بحل ذلك اللغز الكبير، معادلة واحدة، نظرية واحدة تصف كل ما يجري في هذا الكون، نظرية تدعى نظرية الأوتار (string theory) أو نظرية الأوتار الفائقة (superstring theory) وإن اتضح أن هذه النظرية صحيحة فإن مفاهيمنا الاعتيادية عن الكون ووجودنا ستلقى صدمة كبيرة جداً.
تقول نظرية الخيوط الفائقة أننا نعيش في كون يلتقي فيه الخيال العلمي مع الحقيقة، كون يتألف من أحد عشر بعداً (لا أربعة أبعاد فقط)، وأكوان موازية لكوننا أقرب إلينا مما نتخيل، كون منظم يتألف تماما من (موسيقى) الأوتار، وبكل ما تقدمه تلك النظرية من آفاق، فإن الفكرة الأساسية للنظرية بسيطة بشكل مذهل، النظرية تقول أن ما هو موجود في هذا الكون من أصغر جزيء وحتى أكبر مجرة يتكون من عنصر واحد تماماً، خيوط مهتزة متحركة صغيرة جدا من الطاقة ندعوها أوتاراً. وكما أن وتر الكمان يستطيع أن يعطي تشكيلة كبيرة من العلامات الموسيقية بحسب درجة اهتزازه فإن الأوتار الفائقة التي نتحدث عنها تهتز بأشكال مختلفة معطية كل أشكال مكونات الطبيعة التي نعرفها.
بعبارة أخرى فإن الكون عبارة عن سيمفونية كونية عظيمة متمثلة بكل تلك النغمات التي تستطيع أوتار الطاقة إصدارها. لا تزال هذه النظرية في مرحلتها (الجنينية) إن صح التعبير، لكنها تكشف لنا صورة جديدة بشكل جذري عن الكون، صورة غريبة جدا وجميلة أيضاً.
ما هو مفهوم التوحيد الكوني . . . وما سبب الاعتقاد به؟ (Unification)
التوحيد هو صياغة قانون وحيد يصف كل ما في هذا الكون بواسطة فكرة واحدة، أو معادلة واحدة رئيسة، يعتقد العلماء أن هذه التوحيد موجود لأن فهمنا للكون أعطانا مجموعة من التفسيرات العديدة والتي تشير إلى الاتجاه نفسه، تقود إلى طريق واحد، إلى فكرة وحيدة لازلنا نبحث عنها يقول ستيفن وينبيرغ (التوحيد هو ما نسعى لتحقيقه، لأن هدف الفيزياء الأساسي هو أن نصف المزيد والمزيد من ظواهر الكون بطرق ومبادئ أبسط وأبسط)، أما مايكل غرين فيقول (إن قدرتنا على وصف الظواهر الهائلة العدد بشكل واحد بسيط هو خطوة خطيرة جدا في مفاهيمنا عن الكون ووجوده)
البداية... نيوتن
قبل أن يسعى أينشتين لهذا الهدف، فإن الرحلة نحوه بدأت مع أشهر الحوادث الفيزيائية في تاريخ العلم في يوم ما عام 1665 عندما كان هناك شاب يجلس تحت شجرة ورأى تفاحة تسقط من الشجرة. ومع سقوط التفاحة فإن اسحق نيوتن غير نظرتنا إلى الكون بشكل جذري عن السابق، وبكلمات العلم في ذلك الوقت فقد قال نيوتن أن القوتان الأولى التي جذبت التفاحة إلى الأرض والثانية التي تبقي القمر يدور حول الأرض هما في الواقع قوة واحدة، لقد وحّد نيوتن تلك القوتين في نظرية واحدة دعاها (الجاذبية) (كان توحيد القوى التي تعمل على الأرض والقوى التي تعمل في السماء "الكون والكواكب" توحيداً رائعا لنظرتنا إلى الكون) ورغم أن قانون نيوتن في الجاذبية عمره ثلاثمائة سنة فإن معادلاته دقيقة لدرجة نستخدمها للحصول على توقعات دقيقة جدا حتى في أيامنا هذه، في الواقع فإن العلماء لم يحتاجوا لأكثر من ذلك القانون لإطلاق الصواريخ الفضائية مثلاً وإنزال الإنسان على القمر.
لكن كانت هناك مشكلة.. فرغم أن قوانين نيوتن قامت بوصف ممتاز لقوى الجاذبية فإن نيوتن كان يعاني من مشكلة محرجة، فهو لم يملك أي فكرة عن كيفية عمل الجاذبية حقيقة وطوال المائتان وخمسون عاما فإن العلماء أشاحوا بوجههم عن ذلك السر كلما واجهوه.
النظرية النسبية
إلى أن أتى ألبرت أينشتين ليغير كل تلك المفاهيم، فإلى جانب عمله كان دائما يبحث في سلوك الضوء ولم يعرف حينها أن أسئلته عن الضوء ستقوده لحل مشكلة نيوتن عن كيفية عمل الجاذبية، ففي عامه الـ 26 قام اينشتين باكتشاف مذهل، وهو أن سرعة الضوء هي حد السرعة الأقصى، سرعة لا يمكن لأي شيء في هذا الكون أن يتجاوزها، وبعد نشره لتلك الفكرة وجد أينشتين نفسه في مواجهة مع مشكلة نيوتن تماما في عدم فهم ماهية الجاذبية.
لشرح تلك المشكلة سنتخيل أن الشمس فجأة اختفت من مكانها . . . إن نتائج هذه الاختفاء من وجهة نظر نيوتن تعني أن الكواكب ستخرج عن مساراتها فور اختفاء الشمس لتسير في الكون متحررة من جاذبية الشمس، أو بعبارة أخرى فإن نيوتن اعتقد أن الجاذبية هي قوة تأثيرها فوري مهما اختلفت المسافة، لذا فسنشعر بشكل فوري باختفاء الشمس وجاذبيتها وستتأثر الكواكب بذلك بشكل فوري.
لكن أينشتين وجد مشكلة كبيرة في تلك النظرة ظهرت من فهمه للضوء، فهو يعرف أن الضوء لا ينتقل بشكل فوري بل يملك سرعة وهو بذلك يحتاج زمنا ليقطع مسافة معينة، في الواقع فإن الضوء يحتاج لثمان دقائق ليقطع الـ 93 مليون ميل من الشمس ويصل إلينا، وطالما أنه وجد أن لا شيء يمكن أن يكون أسرع من الضوء، فكيف لاختفاء الشمس أن يحرر الأرض قبل أن تصل الظلمة إلى الأرض بسبب اختفاء الشمس مثلا؟ بالنسبة لأينشتين فإن أي شيء في هذا الكون لا يمكن أن يسافر أسرع من الضوء، وهذا يعني أن فكرة نيوتن عن قوة الجاذبية كانت خطأ.
فإن كان نيوتن مخطئاً فكيف تبقى الكواكب في مساراتها؟ كيف كانت حساباته صحيحة ودقيقة عن مسارات الكواكب؟ كان على أينشتين أن يحل تلك المشكلة، وبعد عشر سنوات تقريبا من جهده وجد الجواب في نوع جديد من التوحيد (unification) في نظرية النسبية العامة.
قال أينشتاين أن الأبعاد الثلاثة المكانية للكون والبعد الرابع (الزمن) مرتبطة ببعضها بنسيج كوني زماني-مكاني (أو يطلق عليه زمكان) وبفهمه للهندسة المكانية الزمانية للنسيج الكوني فقد استطاع أن يتحدث عن حركة الأشياء في ذلك النسيج. ومثل سطح الترامبولين المطاطي (الذي يقفز عليه البهلوان) فإن هذا النسيج الكوني يمكن لفه وتمدده وتقعره إذا وضعنا فيه أجساما ثقيلة كالكواكب والنجوم.. وهذا التغيير في النسيج الكوني وانحناءه يخلق ما نشعر بأنه جاذبية.
لشرح هذه الفكرة بشكل أكبر سنتخيل سطحا من المطاط كالذي يقفز عليه البهلواني. إن وضعنا كرة ثقيلة في وسطه فسوف يتقعر مشكلا إنحناءاً... وأي جسم سيسير قريبا من الكرة سيحني مساره وفقا لانحناء ذلك السطح.
مثال آخر.. في حلبات سباق السيارات وعند المنعطفات يكون الطريق مائلاً منحنياً لكن السائق يرى نفسه عمودي على ذلك الطريق. ونحن نقع في نفس الإحساس فالنسيج الكوني المنحني بسبب وجود الشمس يفرض على الأرض أن تسير وفق ذلك الميلان فتبدو أنها مشدودة للشمس بقوة الجاذبية. فكوكب الأرض لا يدور حول الشمس لأنها تطلق قوة لتمسك به. بل ببساطة لأنه يسير في منحنيات النسيج الكوني الذي تسببه الشمس.
ومع هذا الفهم الجديد فإن إعادة تجربة اختفاء الشمس ستعطي نتائج مختلفة.. لأن الأرض لن تفلت من مسار الشمس فور اختفاء الشمس، بل سيصل تأثير اختفاء الشمس إلينا بشكل موجة بعد ثمان دقائق على الأقل من اختفائها (قام أينشتين بحساب سرعة موجة النسيج الكوني ووجد أنها بسرعة الضوء تماماً، أطلق أينشتين على هذه الصورة الجديدة للجاذبية اسم النسبية العامة (relativity General)
ورغم ذلك الإنجاز الضخم فإن أينشتين لم يكن راضيا عن عمله بعد. فقد حاول جاهدا توحيد الشكل الجديد الذي أتى به عن الجاذبية مع القوة الأخرى الوحيدة المعروفة في ذلك الوقت وهي القوة الكهرمغنطيسية ( electromagnetism) هذه القوة الكهرومغناطيسية التي هي أصلا توحيد لما كان يعتقده العلماء قوتان مختلفتان (الكهرباء والمغناطيسية).
القوة الكهرمغنطيسية
من عدة عقود قبل أينشتين، لاحظ العالم الاسكتلندي جيمس ماكسويل أن التدفق الكهربائي يؤدي إلى نشوء قوة مغنطيسية تؤثر في المعادن، ومن خلال معادلات رياضية أربع وصل ماكسويل إلى صيغة واحدة تصف تلك القوتان كقوة واحدة هي القوة الكهرومغناطيسية (electromagnetism) فكان كإسحاق نيوتن قد نقل العلم خطوة أقرب على طريق توحيد المعادلات التي تصف الكون، أينشتين أعجب كثيرا بالاثنين واعتبر أن ما قدمه هؤلاء العلماء خطوات مهمة جدا على طريق توحيد نظريات القوى التي تحكم الكون، وبعد خمسين عاما من نظرية ماكسويل فإن أينشتين اعتقد أنه إن استطاع أن يوحد فكرته عن الجاذبية مع فكرة ماكسويل عن الطاقة الكهرومغناطيسية فإنه سيصل إلى المعادلة الأم التي تصف كل شيء بذاتها وحدها.
مشكلة أينشتين
وعندما بدأ أينشتين بمحاولاته لتوحيد الفكرتين واجه مشكلة الفرق العظيم في شدتهما . . . فالقوة الكهرومغناطيسية أكبر بكثير من قوة الجاذبية الضعيفة . . . فنحن نستطيع تحطيم قوة الجاذبية كل يوم في حياتنا اليومية وبواسطة عضلات جسمنا مثلا (إن رفعنا أي شيء عن الأرض) لكن القوة الكهرومغناطيسية الكبيرة لا نستطيع تحديها بتلك السهولة . . . فهي التي تمنعنا مثلا من اختراق الأرض إن سقطنا من ارتفاع ما . . . فهي التي تعطي مقاومة المادة الكبيرة . . . مثال آخر... مهما حاولت أن تمشي داخل حائط فلن تستطيع أن تدخل فيه لأن القوة التي تمنعك بكل بساطة هي القوة الكهرومغناطيسية الموجودة في الشحنة السالبة على محيط الذرات التي تجمع جزيئات وذرات المادة وتربطها ببعضها بشكل متماسك.
نحن نعتقد أن الجاذبية قوة كبيرة رغم أنها أضعف قوى الطبيعة، لكن الكرة الأرضية بكل جاذبيتها عندما تجذب كرة فإن الكرة ترتد بكل بساطة بسبب القوى الكهرومغناطيسية التي تؤثر في بنية المادة بدلا من أن تغوص في الأرض، في الواقع فإن القوة الكهرومغناطيسية أقوى بمليارات المرات من قوة الجاذبية، لكننا لا نشعر بذلك لأنها تعمل على مستوى الذرات والجزيئات، وكانت تلك أصعب مهام أينشتين بسبب الاختلاف العظيم في شدة تلك القوتين.
ساءت الأمور أكثر بالنسبة لأينشتين عندما ظهرت تغييرات واكتشافات كبيرة في الفيزياء، تلك الاكتشافات على المستوى الذري تركت أينشتين عاجزا عن المضي في هدفه لأنه كان متمسكا بنظريته النسبية - والتي قدمت الكثير فعلا - وأهمل الاكتشافات والكشوف التي ظهرت في أيامه على المستوى الدقيق الذري. وفقدت أدوات أينشتين قدرتها على مجاراة تلك الاكتشافات ولم تستطع أن تساعده في توحيد القوتين (الجاذبية و الكهرومغناطيسية).
نظرية الكم (Quantum Theory)
في العشرينات من القرن الماضي قام مجموعة من العلماء بقيادة العالم (نيلز بور) بتقديم نظرة جديدة وغريبة للفيزياء، نظرة قلبت رؤية أينشتين لنظرية التوحيد رأسا على عقب، وجد هؤلاء العلماء أن الذرات ليست هي أصغر جزء في المادة . . . بل إنها تتكون من جزيئات صغيرة كالبروتونات والنيترونات ومحاطة بالإلكترونات وفي ذلك العالم الصغير من الذرة، فإن نظريتا أينشتين وماكسويل كانتا عديمتا الفائدة في شرح الطرق الغريبة التي تتصرف فيها تلك الجزيئات الصغيرة جداً.
فالجاذبية لا قيمة لها في تلك المستويات الدقيقة من الذرة والكهرومغناطيسية لم تنفع إطلاقا لشرح تلك القوى وتأثيرها في تلك الجزيئات. وبلا أي نظرية تصف ما يجري في داخل الذرة فقد ضاع العلماء وهم يبحثون هن شيء يستطيع وصف ما يجري داخل الذرة حتى آخر العشرينيات حين توصل العلماء إلى نظرية ميكانيكا الكم أو نظرية الكم (Quantum Theory) والتي تقول بأن عملية ابتعاث (إصدار) أو امتصاص الطاقة من قبل الذرات أو الجزيئات لا تتم على نحو متواصل ولكن على مراحل، كل منها عبارة عن ابتعاث أو امتصاص مقدار من الطاقة يدعى الكم . . . كانت تلك النظرية مختلفة عن سابقاتها لدرجة غيرت نظرة العالم للكون تماماً.
كانت نظرية أينشتين النسبية توضح أن الكون منظم ويمكن توقع أحداثه لكن نيلز بور اختلف معه في ذلك، باختصار في ميكانيكا الكم فإن كل شيء محتمل ولا شيء أكيد، مثلا . . . حسابات ميكانيكا الكم تظهر فعلا أن لدي فرصة في أن أسير عبر جدار إذا دفعته، لكن احتمال ذلك صغير لدرجة أنه علي أن أحاول لمدة زمنية تعادل اللانهاية لتحقيق ذلك، وفي العالم الصغير الذري فإن تلك الاحتمالات تحدث بشكل مستمر.
أينشتين قاوم فكرة أن أفضل ما نستطيع القيام به في هذا العالم هو حساب الاحتمالات، وقال قوله الشهير (الله لا يرمي النرد)، لكن التجارب اللاحقة كلها أظهرت أن أينشتين كان مخطئا وأن نظرية الكم استطاعت بدقة مذهلة وصف العالم على المستوى الذري، وإننا لكي نفهم أي حدث وكل ما يحدث على المستوى الذري أو الجزيئي فإننا نحتاج حتما لميكانيكا الكم، ولم تظهر أي ملاحظة أو مراقبة علمية على ذلك المستوى تعارض أي توقع تقدمه حسابات ميكانيكا الكم.
قوى أخرى جديدة
في الثلاثينات وبينما كان أينشتين في مهمته الصعبة للوصول لنظرية توحيدية فإن ميكانيكا الكم كانت تكشف المزيد من أسرار الذرات وجزيئاتها، اكتشف العلماء أن الجاذبية والكهرومغناطيسية ليستا القوتان الوحيدتان اللتان تحكمان عالمنا الفيزيائي. وبمراقبتهم لبنية الذرة اكتشف العلماء قوتان إضافيتان هما:
· القوة النووية الكبيرة: التي تعمل كالغراء القوي الذي يجمع أجزاء النواة (البروتونات والنيترونات) بشكل محكم.
· القوة النووية الضعيفة: التي تسمح بتحول النيوترونات إلى بروتونات مسببة الإشعاعات الذرية.
وكما أن أينشتين لم يستطع تفسير الأحداث على مستوى الذرات فإن نظرية الكم أيضا لا تقترب من قوة الجاذبية على مستوى الذرات، أو بكلمات أخرى فإن الجاذبية التي قدمها أينشتين تعمل بشكل ممتاز على مستوى الأجسام الكبيرة والكواكب بينما تفشل في المستوى الذري . . . بنفس الوقت فإن نظرية الكم هي نظرية على المستوى الذري لكن لا قيمة لها في الأحداث التي تجري على الأجرام والأجسام الكبيرة.
كان لا بد من نظرية تجمع الطرفين لأن الأجسام الكبيرة مكونة من المادة ذاتها المكونة منها الذرات، والكون بأكمله مبني من الجزيئات نفسها. فلا بد من قانون واحد يجمعهما، ببساطة لم يستطع أحد أن يجمع النسبية العامة وميكانيكا الكم في نظرية واحدة وفشلت كل المحاولات لوصف الجاذبية بلغة ميكانيكا الكم لعقود وعقود وأصيب معظم العلماء بالإحباط الشديد بسبب ذلك، فالقاعدة الذهبية للعلماء أن قوانين الطبيعة الصحيحة يجب أن تطبق في كل مكان وعلى كل ما هو موجود في الطبيعة. وهذا ما كان مستحيلاً بين النسبية ونظرية الكم.
بقي الطرفان (النسبية و نظرية الكم) يعملان بشكل منفصل بعد موت أينشتين . . . وحققا نتائج مذهلة في فهم الكون . . . لكن المشكلة أن هناك ظواهر كونية لا يمكن دراستها بإحدى النظريتان بل هي بحاجة لنظرية تجمعهما كأعماق الثقوب السوداء.
الثقوب السوداء
في عام 1916 قدم فكرة الثقوب السوداء عالم فلك ألماني يدعى كارل شوارتزشيلد، وبينما كان على الجبهة في الحرب العالمية الأولى قام بحل معادلات أينشتين بطريقة جديدة وغامضة، اقترح شوارتزشيلد أن كتلة كبيرة ككتلة النجوم إذا اجتمعت وتكثفت في مكان صغير جدا فإنها ستشوه النسيج الكوني وتحنيه لدرجة لا تسمح لشيء بالهروب من جذبه ولا حتى الضوء، وبقي العلماء يعتقدون أنها مجرد نظرية إلى أن رصدت الأقمار والتلسكوبات الثقوب السوداء فعلاً وتحقق توقع شوارتزشيلد فعلاً.
وهنا تكمن المشكلة، فإذا أردنا دراسة الثقب الأسود، هل نستخدم النسبية العامة لأن الثقب الأسود ذو كتلة هائلة (وزن كبير) أم نستخدم نظرية الكم (لأن الثقب الأسود صغير جدا بالحجم)؟
كان على العلماء أن يستعينوا بكلتا النظريتين بنفس الوقت، لكن عندما نحاول وضع النظريتين في تطبيق واحد فإنهما تنهاران وتعطيان نتائج منافية للواقع وهذا مستحيل لأن الكون يجب أن يتبع قوانين فيزيائية واضحة ومحددة. هنا أيضا تبرز أهمية وجود نظرية توحد قوانين الكون الفيزيائية.
مشكلة الانفجار العظيم (Big bang)
أحد المشاكل الكبيرة التي أوقفت العلماء عن فهم لحظة بداية الانفجار الكبير (وبالتالي ما سبق تلك اللحظة تحديدا) هو تضارب النظريات التي يعملون بها.
ففي جهة واحدة لديهم النظرية النسبية الدقيقة جدا عند استخدامها في الحسابات المتعلقة بالأجرام السماوية الكبيرة كالكواكب والنجوم، وفي الجهة الأخرى لديهم نظرية الكم التي تقدم أفضل وأدق الحسابات على المستوى الذري والجزيئي. لكن المعضلة تكمن في محاولة دمج هاتين النظريتين.
في لحظة الانفجار الكبير فإن كتلة صغيرة جدا اهتزت وانفجرت بشكل عنيف وخلال الأربعة عشر مليار عام بعد ذلك الحدث فإن الكون توسع من تلك الكتلة وتمدد وبرد . . . وتشكلت المجرات والكواكب والنجوم التي نراها اليوم، لكن إذا عدنا بالزمن إلى الوراء تدريجيا فإن الكون سيتقلص ليعود إلى ما كان عليه من حرارة وكثافة شديدتين، وليعود إلى الحجم الصغير جدا إلى أن نصل إلى نقطة بداية الزمن في الكون.
المشكلة أن قانونا الفيزياء اللذان يستخدمها العلماء سيضطرون لدمجهما (النسبية و الكم) وهما قانونان لا يتفقان ولا يعطيان نتائج صحيحة حتى هذه اللحظة، ويقف العلماء عاجزون عن فهم ما جرى في لحظة بداية الكون.
قد يتساءل أحد، ما أهمية أن يكون لدينا قانونان متعارضان في هذا الكون الكبير... ولم عليهما أن يتفقا؟ لم علينا أن نحصل على قانون واحد فقط؟ الكون بكل مكوناته يجب أن يكون وحدة متكاملة لأن العلم وبشكل مستمر يشير إلى ذلك ولو أنه لا يقوله صراحة. ونظرية الانفجار الكبير الآن قطعت مرحلتها الافتراضية وصارت مؤكدة وهي تقول أن الكون بدأ من كتلة حارة صغيرة كثيفة جداً، نقطة واحدة.. هذه النقطة لا بد أن تخضع لقانون واحد فقط وليس لقانونين اثنين.
لماذا لا يتفق قانون الكم مع النظرية النسبية؟
الجاذبية على مستوى الأجسام الكبيرة تقوم بلف وحني الكون وتغيير شكل الفضاء تبعا لكتلة الجرم (الأرض أو الشمس أو غيرهم). لكن الشكل المنحني الواضح والحتمي والمحدد للكون على مقياس الأجرام الكبيرة ليس هو الشكل الوحيد للكون، فالكون يختلف تماما في المقاييس الصغيرة على مستوى الذرات والجزيئات ولفهم هذا الكون علينا أن نستخدم ميكانيك الكم. المشكلة أن ميكانيكا الكم عندما تقوم بوصف الكون على تلك المقاييس الدقيقة جدا فإنها تعطي صورة مختلفة تماما للكون. وكأننا نتحدث عن كونين مختلفين تماما.
عند تلك المقاييس الصغيرة في الكون فإن نظرية الكم تقول أن الكون يصبح فوضوي بشكل كبير (على عكس النظام الهادئ الواضح للمجرات والأجرام). هو عالم مضطرب بشكل كبير لدرجة أن لا معنى للمفاهيم التي نعرفها عن الزمان والمكان. فالمكان والزمان مشوهان بشكل كبير، لا يمكن معرفة إن كان هناك حدث قد حصل قبل آخر أو بعده.. فلا معنى للزمن فيه . . . لا يمكن معرفة الاتجاهات لأن لا معنى للمكان أيضاً، والزمان والمكان لأي حدث غير محدد بل محتمل فقط.
لمئات السنين اعتقد كل الفيزيائيون أن المادة في النهاية تتكون من أجزاء كروية صغيرة الحجم جدا.. ورغم الاكتشافات الحديثة نسبيا في علم الفيزياء (الذرات) و (الجزيئات) فإن الاعتقاد بقي أن تلك الجزيئات هي كرات صغيرة جدا من المادة تكون البروتونات والنيترونات (الكواركات) والضوء (الفوتونات) . . . الخ.
أتت نظرية الأوتار الفائقة واستبدلت كرات المادة الدقيقة تلك بأوتار فكل جزئ صغير من المادة هو وتر من الطاقة يهتز بشكل معين يعطي صفات هذا الجزيء، وباختلاف الاهتزاز يختلف الجزيء، وهذه الأوتار الفائقة لم يتم حتى الآن رصد علمي اختباري لها بعد . . . وهذه مشكلة لأن أي نظرية غير مدعومة بالرصد تتحول إلى فلسفة لا علم.