ديمقراطية الأكثرية؛ دكتاتورية الأكثرية
حسن البطل
امتدحتُ مرة (بين موعدي الانتخابات العامة في تموز 2005 ثم كانون الثاني 2006) ما رأيته "ذكاء سياسياً" لحركة "حماس"، عندما كانت في المعارضة وطالبة سلطة. وها أنا أذم "التهور البرلماني" والانتهازية ونفاق هذه الحركة، بعدما أضحت صاحبة الغالبية في السلطة التشريعية.
يبدو لي، سواء في "جلسة التنصيب" للبرلمان الثاني 19 شباط، كما في "جلسة التدشين"، أن رئيس البرلمان، د. عزيز الدويك، فشل، مرتين متعاقبتين، في التصرف باعتباره رئيس "الكل البرلماني"، كما ينجح السيد أبو مازن في التصرف رئيساً لـ "الكل الشعبي".
هذا لا يعني أنني لا أتحفظ من غلو أمين عام الرئاسة، السيد الطيب عبد الرحيم، الذي اتهم نواب الغالبية البرلمانية الحمساوية بمحاولة إطاحة "انقلابية" برئيس السلطة المنتخب. ربما يحاولون ترويضه!
مفهوم أن تنزع كتلة حركة "حماس" البرلمانية إلى "كسر خاطر" حركة "فتح" البرلمانية. لكن، كيف لنا أن نفهم تهور نواب "حماس" (قضهم وقضيضهم) ومعهم ما يفترض أن يتصرف كرئيس الكل البرلماني، بحيث أصمّوا آذانهم، وأصروا، أيضاً، على "كسر خاطر" نواب الكتل البرلمانية الأقلوية (وجميعهم حفنة يدين)، بل وغض النظر عن حكمة أستاذ السياسة، والمحنك برلمانياً، والمستقل - المقرب من "حماس"، النائب زياد أبو عمرو، الذي نصح نواب الغالبية ورئيس الغالبية على السواء بتبريد حمأة رؤوسهم، وإحالة الخلاف القانوني البرلماني إلى مستشارين قانونيين، أو حتى اللجنة القانونية في المجلس. "كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى".
حاول نواب الكتل الأقلوية (الصالحي، مجدلاوي، فياض، وآخرون) ايجاد مخرج برلماني تسووي لخلاف برلماني بين كتلتي الغالبية الحمساوية والأقلية الفتحاوية.. ولكن عبثاً ما حاولوا، وارتفعت أيدي نواب الغالبية، جماعياً، كأنهم في حزب قومي شوفيني، أو حزب ماركسي شيوعي، أو حزب يساري شعبوي. يا إخوان: التصويت على غرار "يد الله مع الجماعة" شيء؛ والتصويت على غرار "وأمرهم شورى بينهم" شيء آخر.
مفهوم، أن يتحول "الذكاء السياسي" إلى تهور سياسي.. وأن تطغى ديمقراطية الأكثرية (البرلمانية لا الشعبية) إلى دكتاتورية الأكثرية.. لكن، أليس ضرباً من الغباء السياسي "تنفير" نواب الكتل الصغيرة، وصدهم عن احتمال المشاركة في حكومة ذات غالبية حمساوية.
مفهوم، أيضاً، إحراج نواب "فتح" لدفع مركزية "فتح" إلى الخروج بقرار حركي بالاستنكاف عن دخول حكومة شراكة. لكن ما هي الحكمة من احتقار نواب الكتل الصغيرة، والاستخفاف باقتراحاتهم للخروج من الاستقطاب الحمساوي - الفتحاوي؟
من جهة أخرى، هل نواب "حماس" جميعهم هم "أمعّة"، وأنهم جاؤوا إلى المجلس التشريعي بقرار جماعي من "مجلس الشورى" الحمساوي لإلغاء عقولهم البرلمانية لصالح عقولهم الحركية؟ "لسّه ما بلّشنا".
قيل، تعسفاً نوعاً ما، إن البرلمان الأول كان "فتحاوياً"، غير أن نواب "فتح"، على اختلاف ميولهم، ما كانوا يصوتون "أمعّة"، بل كانوا يعارضون رئاسة البرلمان ورئاسة السلطة. وبفضل هذه "الديمقراطية الفتحاوية" أمكن لـ "حماس" أن تنتصر في صناديق الاقتراع، لأنها كانت ديمقراطية انفلاشية وفوضوية. فهل سنندم عليها وعلى ديمقراطية "البرلمان الفتحاوي"، بعدما رأينا من ديمقراطية "البرلمان الحمساوي"؟!.
استبشرنا خيراً عندما تحدث برلمانيو "حماس" بآراء مختلفة بعد فوز الحركة.. غير أن "التصويت الجماعي" لا يبشر بالخير، ولا، بالذات، الحديث بطلاوة لسان عن رئيس السلطة، ثم إلغاء صلاحيات شرّعها المجلس السابق له في "جلسة الوداع".. بصرف النظر عن الجدل القانوني حول شرعيتها.
أما كان يمكن لنواب الغالبية الحمساوية الاكتفاء بإلغاء قرارات معينة، وترك "شعرة معاوية"، الخلاف حول صلاحية الرئيس في تعيين المحكمة الدستورية لقضاة "المحكمة العليا"، كما فعل نواب "فتح" في الاحتكام إليها؟
كان نقاد الزعامة الفلسطينية يقولون إن الشعب الفلسطيني "يستحق قيادة أفضل". ويبدو أن الديمقراطية الفلسطينية تستحق برلماناً أفضل. نعرف أن الديمقراطية ليست مجرد وردة، أو أنها وردة كثيرة الأشواك.. لكن، "ما هكذا تورد الإبل".
الديمقراطية العربية الأفضل يزينها برلمانية فلسطينية أفضل.. وعسى أن يشرف قضاة المحكمة العليا الفلسطينية العدالة الفلسطينية.
صحيفة الأيام الفلسطينية