{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #11
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
الأخوة "فارس" واسماعيل أحمد. هذه المجموعة ليست نقدا لمعاوية بن سفيان ولكن تشخيصا للحظة تاريخية ما نزال نعيشها كأمة حتى يومنا الحاضر.

للتاريخ أربعة مهتمين:

- عالم يدرسه ويدرّسه
- سائح يقرأه للنزهة
- تاجر يبيعه ويشتريه
- وأحمق يعيش فيه

عسى أن لا نكون في فئة من يعيشون فيه

تحياتي
08-31-2006, 08:54 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
آمون غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 700
الانضمام: Jan 2004
مشاركة: #12
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
اقتباس:  
كتب الدكتور العمري :

في تاريخنا لحظات لم تنته ، عبر السنوات والقرون واختلاف العصور ظلت مستمرة. لحظات حاسمة شكلت منعطفاً تاريخياً اجتماعياً ونفسياً على مستوى المجتمعات والأفراد. هذه اللحظات جاءت بمتغيرات نفسية واجتماعية وسياسية شكلت، عبر استمراريتها، البنية التحتية الأساسية للفرد والمجتمع المسلم وهي البنية التي ظلت ثابتة ومكرسة عبر قرون طويلة بالرغم من تغير ظروف كثيرة ومجيء متغيرات متعددة .

لا يا شيخ :rolleyes:

أنا بصراحة لا أرى في واقع وثقافات البلدان العربية الكثير مما يمكن إحالته لحقبة معاوية و "لحظته" المزعومة .
في مصر مثلا ، يمكن تفسير الاستبداد في ضوء نوع الاجتماع النهري المصري والدور التاريخي للسلطة المركزية وموقعها من هذا الاجتماع ودورها فيه وعوامل ثقافية وحتى نفسية أخرى لا علاقة لها لا بمعاوية ولا بيزيد .
وفي الجزيرة العربية استطاع أحدهم أن يُخضع القبائل والجماعات لسلطته بالقوة المسلحة وأسس دولة تحمل اسمه ، وهذا تقليد يمكن إرجاعه إلى النبي (ص) أكثر من تفسيره بمعاوية .
الاستبداد في سوريا (والعراق الصدامي) استبداد حديث يقوده حزب مؤدلج يحمل "رسالة" وينتمي ـ منهاجاً وأدوات قمعٍ ـ للستالينينة والفاشية أكثر من انتمائه لأي شيء آخر .
وهل كانت البلدان العربية (وهي لم تكن عربية ولا إسلامية وقتها) ترفل في نعيم الديموقراطية ثم جاء معاوية ولحظته فكان ما كان ؟
والحق أن بلداناً مثل مصر وسوريا والعراق قد عرفت شيئا من الممارسة الديموقراطية في حقب من تاريخها الحديث ويبقى تطورها الديموقراطي رهنا بإنضاج شروط أساسية مثل وجود طبقة وسطى قوية وقادرة على الضغط واحتضان فكر الإصلاح مثلا ، ولن تكون "لحظة معاوية" عائقا لا لإنضاج شروط الديموقراطية ولا للسير المتدرج في تطبيقها .








08-31-2006, 09:45 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #13
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
يلا معليش يا كندي
بس الحق عليك
طيب ما تشرح للحبايب شو يعني ((اللحظة التاريخية))

بتصدق بالله مع اني لم اطلع على كتاب الدكتور العمري كاملا الا بشكل فصول مقتطعة ونتاتيف مبعثرة هنا وهناك مع العلم بان هناك اراء فيه تخالف معتقدي كشيعي مثل فصل (نحن احق بالشك من ابراهيم )
الا ان الحق يقال بان تجربة الدكتور العمري تستحق الاحترام العلمي
لانها دراسة علمية مجردة عن المرتكزات المذهبية
اصاب الرجل ام لم يصب

المهم خليني شوية احمل عنك شوية (إثم )

لانه يبدو ان بعض الاخوة الكرام فاقسة معهم ومعتبرينك انك دقيت ب (امير المؤمنين) بشكل شخصي

يا اخوان ويا زملاء كراما وهمجا :D

اللحظة التاريخية تعني مرحلة او تجربة طبعت الواقع واستمرت وهيمنت على مراحل تاريخية لاحقة
والكاتب يبحث عن اسباب هيمنة لحظة بذاتها واستمرارها
على رغم وجود لحظات أخرى لا تقل اهمية في تاريخنا إلا أن الامة العربية والاسلامية لم تتجمد عليها كتجمدها عند لحظة معاوية
اي تجربة معاوية سياسة معاوية حكم معاوية ادآب معاوية تعاطي وتعامل معاوية مع الاخصام والموالين
هذه كلها تسمى لحظة معاوية التاريخية
فالكاتب يسأل لماذا لم تتجمد الامة على لحظة نبيها او لحظة عمر او ابي بكر او هارون الرشيد فهو فاتح ايضا بما لا يقاس به معاوية
ثم يشرح كيف استمرت هذه اللحظة كل هذه القرون
و كيف صارت مقدسة
و كيف استقرت بعمق في الوعي واللاوعي الفردي والاجتماعي عبر اختلاف العصور
وكيف تتحكم إلى الآن في الكثير من مفردات وآليات التفكير والسلوك والتصرف التي تشكل طباعا حضارية مميزة للمسلمين على اختلاف بلدانهم
وحتى اكون منصفا
ايضا يمكن ان تجد شيعيا متجمدا عند لحظة معاوية دون ان يدري لان لحظة معاوية اصبحت منهجا متعدد العناوين والصبغات

فحلوا عن ظهر الزلمة حاجتكم بقى فلسفة على سماه

كفي يا كندي كلنا قشع

08-31-2006, 02:34 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
فارس آخر العصور غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 307
الانضمام: Dec 2003
مشاركة: #14
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
اللحظة التاريخية وعظمتها لا يعنيان بالضرورة عظمة صاحبها...

ومن قال أنني يجب أن أكون متشيعا حتى "اسرد الواقع التاريخي" عن معاوية..
سرد الحقائق شيء.. والتهجم شيء آخر

ثم أن

لحظة صعود صدام حسين لكرسي الحكم في العراق لحظة تاريخية
سقوط حائط برلين لحظة تاريخية عظيمة
تفجير مبنى التجارة العالمية لحظة تاريخية عظيمة
ولادتي لحظة تاريخية :lol:

لكن أين الرابط العجيب بين كل ذلك...؟؟؟

إنه العظمة والأهمية من ناحية التأثير قصير وطويل المدى

وليس لاندراج هذه الاحداث بين نافع ومضر وخيّر وشرير...


افهمونا يا عرب
08-31-2006, 02:41 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #15
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
شكرا لجميع الزملاء تعليقاتهم. سأستعجل النقل كي تتضح الفكرة فيبدو أن الموضوع يوحي بأشياء ليس يقصدها ولا هي فيه.

---
لحظة معاوية : الحلقة الثالثة

البخاري ايضاً.

(حدثنا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة قال كتب معاوية الى المغيرة اكتب الي ما سمعت من رسول الله فكتب اليه ان نبي الله كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (ج1/ص279 – 808) وفي البخاري ايضا (وكان معاوية يامر الناس بذلك القول) (البخاري 6241 –)

للوهلة الاولى يبدو الخبر اعتياديا . معاوية الذي استتب له امر الخلافة يبعث لواحد من عماله عبر الامصار من الشام إلى الكوفة يسأله عمَّ كان يقول الرسول ( عليه افضل الصلاة والسلام ) بعد كل صلاة وعامله يجيبه وانتهى الامر .

لكن عندما ندقق اكثر نجد ان الامر اعمق واكثر تعقيدا :

اولا - لعل هذا الطلب كان يمكن ان يجاب اكثر من قبل صحابة صحبوا النبي ورافقوه وتابعوا كل تفاصيل صلاته وسننه وكان بعضهم ، بل كبارهم وافاضلهم ، لا يزالون على قيد الحياة طيلة حكم معاوية بل وكان واحداً من اكثر رواة الحديث - بل واكثرهم على الاطلاق - يساكنه في الشام وهو ابو هريرة . أما كان من الممكن ان يسأله هو او غيره ممن سكنوا الشام وهم صحابة اكثر حفظاً من المغيرة ؟ او ان يسال واحدا من اثنين من كبار المحدثين والفقهاء الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة ويسكنان المدينة : ابن عمر وابن عباس ؟ أما ان يسأل المغيرة واليه على الكوفة فالامر يحتاج إلى تركيز وبحث اكثر . صحيح ان المغيرة اسلم قبل معاوية بفترة ( قبل الحديبية على الارجح ) وصحيح انه شهد عمرة الحديبية وبيعة الرضوان الا انه لم يتميز بفضل معين على بقية الصحابة ولم يعرف عنه كبير اهتمام برواية حديث اوحفظ سنة على الاقل مقارنة بغيره من الصحابة . لكنه عرف عموما بالمكر ( كما يشير الى ذلك صاحب الاصابة في تمييز الصحابة ) . السؤال موجه اذن من الشام بلد الخلافة إلى الكوفة معقل المعارضة الدائمة ضد السلطة الاموية . الا يستحق الاستغراب ان يتراسل الخليفة واميره في منطقة ملتهبة بالمعارضة ليسأله عن دعاء ما بعد الصلاة وهو يستطيع ان يسال صحابة اكثر خبرة بهذه المسائل في نفس مدينته ؟

ثانيا- لنفترض اننا صدقنا أن معاوية فجاة اظهر اهتماما بهذه المسالة- مع استبعاد ذلك لان اكثر المغالين في الدفاع عن معاوية لا يذكرون عنه اهتماما بالغا بهذه الامور- . المهم حتى لو كان الامر كذلك فهل من المعقول ان يقوم خليفة ما( معاوية او غيره ) بتعميم صيغة الدعاء المحددة هذه التي ارسلها له عامله ويقوم بامر الناس بقولها بعد الصلاة ؟ كما جاء في البخاري ايضا (وكان معاوية يامر الناس بذلك القول) (6241 )هل يعقل هذا ؟ هل حدث قبلها او بعدها ؟ ان تعمم صيغة معينة لدعاء مابعد الصلاة لم تتواتر عن الرسول ولم تؤثر عنه بل ولم يروها بهذه الصيغة بالذات سوى المغيرة نفسه . هل ممكن ان تتحول هذه الصيغة في الدعاء إلى امر رسمي يوجهه الخليفة إلى رعيته الا اذا كانت تحتوي على مغزى معين يريد الخليفة تكريسه وتثبيته فيبعث إلى عامله وبالذات في الكوفة المعارضة دوما ثم يامر الناس بها وهي ليست بعد كل شئ وفي احسن الاحوال و أصحها إلا دعاء و سنّة لا فريضة ولا تشكل اصلا من اصول الدين .

ثالثا- لا يقف الامر عند هذا الحد قط ، ولو تابعنا كتباً اخرى للحديث لوجدنا ان هذه الصيغة تمسك بها معاوية وخطب بها على المنبر بل ونسبها إلى النبي لا بعد الصلاة كما جاء في رسالة المغيرة اليه بل على المنبر ايضا قائلا انه سمعها من النبي على هذه الاعواد- أي على هذا المنبر- الذي يخطب عليه أي بالمدينة ( الادب المفرد للبخاري 666 )

بل ان احدى الروايات تروي ان معاوية كان يلقي بالدعاء كما لو كانت بيانا رسميا من السلطة وباكثر صيغ التوكيد (لتعلمن ايها الناس انه لا مانع اما اعطى الله…) وفي كل الاحوال فان كثرة ورود هذه الحادثة على المنبر تؤكد ان معاوية كان يكثر منها وربما كان يكررها كلما سنحت له الفرصة. <المعجم الكبيرج19 ص338، 782 ، 783، 784، 787، / موطأ مالك 1599 / المنتخب من مسند عبد بن حميد 416 / الامام احمد 16885، 16906، 16896، 16940>

لكل ما سبق وابتداء من عدم اهلية المغيرة بالذات للدلو في مسالة دعاء النبي ما بعد الصلاة في وجود صحابة افاضل اقرب للنبي، بل ولمعاوية وانتهاء من أمر معاوية للناس بالدعاء بهذه الصياغة بالذات واستخدامها كبيان رسمي على المنبر في صيغة توكيد تقرب من التهديد (ايها الناس لتعلمن انه لا مانع) …

لكل ما سبق ليس من المعقول ابداً اخذ المسألة على ظاهرها الاول الذي يفسر المسالة بشكل سطحي وبتلقى الدعاء <الذي تعود معظمنا على سماعه> كأمر بديهي ومسلم به .

وهذا لا يعني قطعا اتهام المغيرة او سواه بالكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليست هذه هي المسالة فهناك صيغ اخرى للدعاء وان كانت مختلفة ولم ترد بعد الانتهاء من الصلاة (عن ابن سعيد ، المجتبى من السنن 1068 ابن مسعود ، 10551 ابن عباس المعجم الكبير ج 12 ص173) (12796) ، حتى لو صح الحديث ، وهو صحيح فعلا حسب القواعد الحديثية فان المسالة هي توظيفه من قبل السلطة الاموية بشكل واضح من اجل مسالة معينة ولا بد ، المسالة هي اجتزائه من سياق محدد وتضخيمه وتكبير مساحته ليصير بمثابة فرمان وامر رسمي على الناس اطاعته ويتحول إلى مثابة بيان صادر من اعلى سلطة في الدولة تعيده وتؤكده بل وتكاد تهدد به . كل هذا مجرد توظيف لدعاء صحيح الثبوت عن النبي لكنه بالتاكيد لم يستخدم بهذه الكثرة وهذا الشكل لا في حياة النبي ولا في عصر الخلافة الراشدة .

لا نقول ذلك تهربا من اتهام فلان او علان ممن عاصروا الرسول بالكذب، المسالة حقيقة اعمق من ذلك واصدار الاحكام على اشخاص صاروا في ذمة الله يجب ان يكون اخر اهتماماتنا .

الحديث رغم كونه حديث آحاد ولم يرد بهذه الصيغة الا عن المغيرة الا انه صحيح وصياغته اللغوية البليغة تبعد عنه احتماليات الوضع . انه في اسوأ الاحتمالات (توليفة) من مجموعة ادعية وايات وهو امر مقبول ولا يمكن ان يعد كذبا . لكن الاكيد والثابت من السياقات المختلفة وجود آلية توظيف وتضخيم (سياسية) على الاغلب لحديث آحاد تحول عبر هذا التوظيف إلى فرمان وبيان رسمي .

انك قد تتلو الدعاء بعد صلاتك باعتباره من المأثورات صحيحة الثبوت عن الرسول عليه افضل الصلاة والسلام وتتاثر في داخلك بالصيغة البليغة العميقة للدعاء خاصة وانك عبر دقائق صلاتك سواء كانت منفردة او جماعة قد تأهلت نفسيا للتاثر باي صيغة دعاء فاذا بالكلمات البليغة تدخل في اعماقك وتؤثر فيها وتقويك وتجعلك تشعر بان لا شئ يقف عمليا دونك ودون ما تريده -الا الله . لا البشر ولا الطبيعة ولا الظروف المختلفة . يدخل الدعاء بهذه الظروف إلى اعماقك فيعطيها قوة دفع إلى الاعلى إلى الافضل.

بهذه الصيغة الفردية يكون سياق الدعاء معقولا ومقبولا بل وموافقا لثوابت الخطاب القراني التي سبق وتعرفنا عليها ، لكن فكر فقط ان هذا الدعاء الذي تقوله بشكل اختياري صار امرا من قبل السلطات وصار بمثابة بيان رسمي يشدد راس الدولة شخصيا على استخدامه ويستخدمه هو شخصيا في خطبه وبصيغة توكيد وتهديد .

ان الامر بهذا الشكل سيخرج عن صيغة الدعاء الفردي إلى صيغة اخرى ، صيغة ستجعلك كفرد تبحث عن سبب وراء هذا التأويل ستجعلك تشك بهذا التوكيد والتشديد والتهديد وتبحث عن سبب في الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بك .

ولو اننا بحثنا عن لفظ معين في صيغة الدعاء نفسها كان معاوية حريصا على توكيده دون غيره ، لما تعبنا. لان معاوية نفسه اختزله حين صعد إلى المنبر وحذف المقدمة الاولى: لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد… ليصل مباشرة إلى لا مانع لما اعطى الله… ولا معطي لما منع الله… وقد كان البخاري فطناً مدركاً ان مربط الفرس في هذا الدعاء هو في هذا اللفظ بالذات فجعل الدعاء في باب ( لامانع لما اعطى الله ) .

لا مانع لما اعطى الله؟ هذه الجملة اذن هي المقصد والسبب وراء تحويل دعاء ما بعد الصلاة إلى فرض وبيان رسمي لماذا يا ترى ؟ ما السبب السياسي الاجتماعي في ظروف تلك الفترة التي حدت بمعاوية راس السلطة انذاك إلى هذا التوظيف والتكريس ؟

فلننظر في الفترة : استغرق حكم معاوية حوالي 20 سنة من 40 هجرية إلى 60 هجرية .

ولما كان المغيرة قد توفي في نهاية العشر سنوات الاولى <بين 49 – 51 هـ> من حكم معاوية في اغلب الاقوال <كما في الاصابة> فان المسالة كلها قد بدءت ولا بد في النصف الاول من حكم معاوية وهو النصف الذي كان لا يزال فيه الحسن على قيد الحياة ( مات سنة 50 هـ هو الآخر) .

ان مجرد التركيز في هذا القول ومحاولة بثه بهذا الشكل الرسمي بين الناس يوحي بان السلطة تحاول التذكير بان هناك (عطية الهية) لها – او لرأسها لا فرق – وان هذه العطية لا مانع لها . أي لا جدوى من محاولة منعها او سلبها ، وفي ذات الوقت فان هناك (منع الهي) لفئة اخرى مناوئة للسلطة على الاغلب ولا جدوى من محاولة اسناد هذه الفئة ومؤازرتها ما دام المنع الالهي لن يعطيها شيئا .

هناك عطية الهية اذن للسلطة وهناك منع الهي للفئة المناوئة .

ما هي هذه العطية الالهية التي حاولت السلطة الاموية بث فكرتها وتأكيد حقيقتها واستخدامها كمقدمة للبيان الرسمي الذي تتحدث باسمه ؟

هل تكون هذه العطية التي لا مانع لها هي نفسها ( الحق ) الذي تحدث عنه معاوية في حديث ابن عمر السابق والذي جعل منه ( بزعمه ) احق من الاخرين من الصحابة ومن ابائهم ايضا وهم كبار الصحابة ؟
انه حق الهي هذا الذي يزعمه معاوية اذن ، وهو حق يجعله فعلا فوق كل سبق وكل فضل وكل قرابة ما دام حقا الهيا .

لكنه لا يزال حقا غامضا تريد السلطة تثبيته وتكريسه بهدوء . تريد جعله حقيقة واضحة .

الحق مرة . والعطية الالهية التي لا مانع لها مرة اخرى .

فلننظر في المزيد من الوثائق .
منقول من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور أحمد خيري العمري

يتبع الحلقة الرابعة ..
08-31-2006, 05:26 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #16
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
البخاري أيضا وأيضا.

عن عمير عن معاوية بن ابي سفيان انه قال سمعت رسول الله قال لا يزال من امتي امة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك . قال عمير فقال مالك بن يخامر جالسا بالقرب من معاوية قال معاذ وهم بالشام فقال معاوية هذا مالك يزعم انه سمع معاذا يقول وهم بالشام ( البخاري 3442 )

وفي صيغة اخرى عن البخاري ايضا عن معاوية لا تزال هذه الامة ظاهرين على من خالفهم حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ( البخاري 2948 )

وفي صحيح مسلم عن معاوية ايضا ( لا يزال قوم من امتي ظاهرين على الناس حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ) مسلم 1921 وفي الترمذي عنه ايضا ( لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرة لا يضرهم من خذلهم حتى ياتي امر الله ) ترمذي 2229

وفي ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن ابيه قال قام معاوية خطيبا فقال اين علماؤكم اين علماؤكم سمعت رسول الله يقول لا تقوم الساعة الا وطائفة من امتي ظاهرون على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم ) ابن ماجة 9

هذه النصوص المتشابهة لدرجة التطابق احيانا رواها عن معاوية وحده اكثر من تسعة من الرواة هم عبد الله بن عامر ، عمير بن هانئ ، حميد بن عبد الرحمن ، يونس بن ميسرة ، عبيد بن سعد وابن ابي مريم، نمير بن اوس ، مسلم بن هرمز وشعيب .

الامر الذي يعني كما هو واضح ان معاوية كان يكثر من رواية هذا الحديث او استخدامه على الاصح خصوصا على المنبر في خطبه واحاديثه .

ومرة ا خرى لا يعني هذا قطعا تكذيب الحديث او تكذيب معاوية نفسه . الحديث صحيح وقد رواه غير واحد من الصحابة وبصيغ مختلفة ومتشابهة . المسألة هي توظيف الحديث في ظروف معينة بحيث يبدو وكانه ينطبق عليها ويؤيد بعض احداثها والحقيقة التاريخية قبل كل شئ تكذب هذا التوظيف وتخطئ هذا التأويل ، وتكرار استخدام السلطة الاموية لهذا الحديث هو جزء من سياستها الاعلامية لتكريس سلطتها وتثبيت دعائمها.

فلنتامل في نص البخاري . بالذات في خاتمته التي توضح للسامعين - في اوان الحدث – فحوى الحديث ومغزاه: قال مالك: قال معاذ وهم بالشام فقال معاوية: هذا مالك يزعم انه سمع معاذا يقول : وهم بالشام.

معاذ هو معاذ بن جبل الصحابي الجليل والذي كان قد توفى قبل هذه الاحداث بفترة طويلة ( سنة 17 هجرية في خلافة عمر ) ان مجرد نسبة هذا القول لمعاذ وهو ميت مسألة غريبة اذ لا احد هناك ليتحقق من صحة قول معاذ بل ان معاوية نفسه يبرئ نفسه فيستخدم صيغة التضعيف مالك يزعم انه سمع معاذاً.

ثم ان مالكاً نفسه لم يزعم على حد تعبير معاوية ان معاذاً نسب العبارة للرسول فقط قال وهم بالشام.
لكن معاوية حسب ما جاء عند الامام احمد 16974 رفع صوته وقال هذا مالك يقول قال معاذ وهم بالشام.

يرفع صوته لماذا ؟ ليسمع الموجودين طبعا ان هذه الطائفة التي لن يضرها من خالفها ولا من خذلها ، الطائفة الظاهرة على الناس ، المنصورة ،هي بالشام . أي انها طائفته هو تحديدا.

والنص الذي يستخدمه معاوية ويوظفه لصالحه في هذا التاويل لا يمنحه فقط الظهور والنصرة على الناس لمرحلة آنية عابرة ولكنه يوحي عبر كلمات الحديث ان هذا الظهور سيظل مستمرا إلى يوم القيامة ( لا يزال من امتي امة قائمة… حتى يأتيهم امر الله وهم على ذلك ) ( لا تزال هذه الامة ظاهرين على من خالفهم حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ) فالحديث بصيغته هذه المرة يوحي باستمرارية الظهور والانتصار لفئة معينة . لقد انتصرت مرة . لكن الحديث الموظف بعناية يوحي باستمرارية انتصارها إلى يوم القيامة اولا ، ويحدد موقع هذه الطائفة بما ينسجم مع موقع السلطة الاموية ثانيا ، و هو بعد كل شئ يذكر الناس ان هذه الفئة المنصورة الظاهرة لن يضرها من خالفها او خذلها لانها منصورة الهيا ظاهرة بامره سبحانه وتعالى فالحديث بذلك - ولننتبه هنا - يجرد المتلقي من احساسه بجدوى المقاومة بجدوى التصدي لهذه الطائفة ، فهي ظاهرة وظهورها هذا واضح ولا يحتاج إلى ادلة ولكن الحديث المنقول اليه عن الرسول يخبره فوق هذا بانه ظهور مستمر لا يبالي من نأى او خالف او خذل او حتى نصر والاضافة الاخرى التي روج لها معاوية والتي ترسخ في ذهن المتلقي هذا الفهم الآني للحديث في كون هذه الطائفة بالشام تحديداً .

ان معاوية يعلم جيدا ان التوظيف السياسي لهذا الحديث في غير محله وان استمرارية انتصاره وطائفته إلى يوم القيامة مسالة مستحيلة. انه يعي تماما ركاكة اسس الدولة التي اقامها خاصة وانه هو من ولى يزيدا بعده وهو اعلم بيزيد من غيره . انه يعي اذن ان استمرارية الظهور مسألة مستحيلة ، لكنه مع ذلك يحاول ان يستخدم الحديث كسلاح ضد خصومه بالذات من اجل تجريدهم من دافع المقاومة . من اجل ان يرسخ فيهم روحية الاستسلام والهزيمة امامه بل امام قضاء الله في انتصاره الذي سيدوم إلى يوم القيامة كما روج باصرار.

ولقد كذبت الحوادث التاريخية هذا التاويل المزيف لحديث الرسول ففي خلال اقل من قرن من هذا التاويل انهارت الدولة الاموية برمتها ونكل بالأمويين العباسيون مثلما نكلوا بخصومهم وحدث ذلك كله قبل ان تقوم القيامة ولا يظن اليوم ان الدولة الاموية ستعود وتزدهر وتظهر إلى ان تقوم القيامة.

هل يعني هذا إن الحديث غير صحيح ؟ مرة اخرى لا يشترط ذلك ابدا . فالتوظيف السياسي وحده هو الذي جر الحديث إلى مطب النبوءة الآنية الكاذبة . اما الحديث نفسه ، لو تناسينا ان معاوية يشدد عليه ويروج له ، ولو حذفنا الاضافة الغريبة المنسوبة إلى معاذ والتي تحدد موقع الطائفة المنصورة بالشام ، ولو استخلصنا المغزى العام للحديث من مجموع الالفاظ والنصوص الواردة لا من لفظ واحد فقط لوجدنا ان المعنى المحدد للحديث لا يمكن ان يتضخم الا وسط ملابسات سياسية اعلامية ، اما الحديث نفسه فهو يقول ببساطة بديهية ان هناك فئة من المسلمين ستظل متمسكة بالدين وستظل هكذا فئة موجودة إلى يوم القيامة ولهذا نرى ان علي بن المديني المحدث المشهور اوّل هذه الطائفة باهل الحديث وفق مفهومه الخاص ووفق ملابسات الصراع في وقته ضد الاحاديث الموضوعة اما النووي في شرح صحيح مسلم فقد تجاوز ملابسات الصراع السياسي تماما ليؤكد ان هذه الطائفة لا يشترط اجتماعها في زمان واحد ولا مكان واحد وانما منهم فقيه مجتهد او امام عابد او مجاهد في سبيل الله وهو فهم قريب لروحية الحديث وبعيد اشد البعد عن المعنى المحدد الكاذب الذي حصره فيه التأويل السياسي العابر.

ورغم ان التأويل اثبت خطئه على مر الايام وبانهيار دولة الطائفة التي زعمت ان الحديث يخصها الا ان هذا التوظيف قد اتى أكله آنيا وكما اراد له مروجوه بالذات ، فيدلنا انتشار الحديث بل واشتهار وروده في مختلف كتب الصحاح وباسانيد كثيرة جدا( تسعة تابعين رووه عن معاوية وحده )، يدلنا كل ذلك على شدة الرواج التي لاقاها هذا الحديث في الوقت نفسه علينا ان ننتبه ان هذا الحديث الموظف من السلطة الاموية الاولى يرتبط مباشرة مع حديث اخر وواقعة اخرى وظفها معاوية نفسه- البخاري (3210) (انه بلغ معاوية ان عبد الله بن عمر وبن العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فاثنى الله بما هو اهله ثم قال اما بعد فانه بلغني ان رجالاً منكم يتحدثون احاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله فاولئك جهالكم فأياكم والاماني التي تضل اهلها فاني سمعت رسول الله يقول ان هذا الامر في قريش لا يعاديهم احد الا كبه الله على وجهه – ما أقاموا الدين).

فلنلاحظ ان هاجس الآخر هنا لم يكن موجهاً نحو العدو التقليدي لبني امية الممثل في بني هاشم بل كان متوجهاً نحو العرب القحطانية كما يوضح الحديث بصراحة.

ولنلاحظ ايضاً ان صحابياً اخر عرف عنه رواية الحديث اكثر من معاوية واسلامه قبل معاوية وفضله اكبر كان يحدث انه سيكون هناك ملك من قحطان (وحديثه في البخاري!).

.. ولنلاحظ انه في مواجهة الاخر القحطاني استنفرت استراتيجية معاوية قريش كلها : ان هذا الامر في قريش .

بعبارة اخرى : لم يكن معاوية يذكر مسألة القرابة والقريشية عندما يكون حديثه موجهاً ضد منافسيه التقليديين الذين هم اقرب للرسول منه عدا عن فضلهم واسبقيتهم لكن عندما يكون التحدي من خارج قريش فانه على اتم الاستعداد ليتذرع بالقرشية كحجة لبقاء الامر بين يديه هو القريشي الاصيل حسباً ونسباً.

.. بعبارة اوضح : كانت العطية الالهية لقريش اصلاً : نزل الوحي فيها في رجل منها ، من بني هاشم تحديداً.

لكن بني هاشم لم يبق الامر فيهم ، اما بسبب المانع الالهي الذي يمنع من يشاء ويعطي من يشاء كما مر قبل ذلك.

او بسبب انهم لم يقيموا الدين : الحد على قتلة عثمان ، القميص الذي تذرع به معاوية يوم كان ما كان .
لذلك فقد شاء الله ان يعطي الامر ، وهو الذي لامانع لعطيته ، هذه المرة لفرع اخر من قريش لا يعاديه احد ا الا كبه الله على وجهه وهو فرع بني امية الذين لن يزالون ظاهرين ، الذين هم بالشام. كما اشار الحديث السابق .

انها الخطة أ – استراتيجية المواجهة ضد غير القريشيين .

تتبعها الخطة ب- استراتيجية المواجهة ضد العدو الاصلي التقليدي : بني هاشم.

وكل خطة كانت تستعمل حسب الظروف والملابسات.

اننا لو وضعنا انفسنا في معطيات الصراع السياسي القائم انذاك لرأينا كل الدلائل تتلائم وتتجه نحو جعل المتلقي المغلوب على امره بقوة السيف يقتنع بحجج معاوية ويستسلم لها ..

.. لقد كان مجرد ظهور معاوية اقرب للمعجزة منه لاي شيء اخر، فهو لم يكن طرفاً مباشراً بشكل بارز عند بداية الفتنة -الحرب الاهلية على عهد عثمان وكانت كل دعواه في البداية المطالبة بدم عثمان ، لم يكن يمتلك لا القدرة ولا الامكانية على ان يظهر بدعوى اخرى لكن الامور تعقدت اكثر فأكثر بالتدريج وفرضت على علي حروباً جانبية اضعفت جبهته واضعفت محاربيه كذلك ، الذين كانوا رغم كل شيء مرشحين للخلافة اكثر معقولية من معاوية ، وبقى معاوية خارج الصراع إلى ان بقي وحده في المعركة النهائية حيث انقسم جيش علي لمجرد قبوله بالتحكيم ثم اغتيل علي غدراً عقب الهدنة فكان ان ظهر معاوية.

هذه الاحداث بتسلسلها الذي يكاد لا يصدق من غرابته: ان تتعقد الامور فيصل واحد من الطلقاء وابناء الطلقاء بل من ابناء الد الاعداء ليصل إلى المنبر وسدة الخلافة ، اقول هذه الاحداث عاشها المجتمع الاسلامي قطرة دم بقطرة دم وجثة تلو جثة كانت الحرب تنهش المجتمع نهشاً . واذا بمعاوية في النهاية يصعد ليصير خليفة رسول الله.

ثم جاء معاوية بتبريرات بدت شيئاً فشيئاً تصير مقبولة انه الظهور بأمر الله . انه النصر الالهي الذي لا غالب له . انه الله الذي اختار معاوية ولم يختاره فقط في هذه المرحلة بل يبدو انه اختيار مؤبد إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث.

ولم يكن المجتمع المسلم ساذجاً بحيث بحيث تنطلي عليه هذه التبريرات لكن ثلاث عوامل دفعت إلى الانتشار التدريجي لها : اولاً – ان المجتمع تعب كثيراً من حرب اهلية دمرته داخلياً وجعلته يفقد حلاوة الانتصارات التي حصدها في سنوات الفتوحات الاولى وفقد المجتمع عشرات الالاف من ابنائه في حرب اهلية مدمرة بل فقد اربعة من اكبر الصحابة ومن الطبقة العليا منهم ، من العشرة المبشرين في الجنة في غضون اربع سنوات فقط : وهم عثمان وطلحة وزبير وعلي ، عدا عن العشرات الاخرين وكانت تلك صدمة كبيرة للمجتمع المسلم الذي صار يريد انهاء الحرب بأي طريقة وتبدو هذه هي المبررات الوحيدة لصلح الحسن مع معاوية.

ثانياً – ان هذه التبريرات لم تكن تنتشر بالجدل والموعظة الحسنة وبالتي هي احسن ، لقد كان هناك السيف والارهاب والدم لفرضها وقد مر علينا كيف ان عبد الله بن عمر كان يريد ان يرد على معاوية لكنه احجم في اللحظة الاخيره خوفاً من سفك الدماء. وعندما يفرض رأي معين بالسيف والارهاب فأنك قد تكون غير مقتنعاً به لكنك تسكت وبعد عشر سنوات من السكوت سيبدأ هذا الرأي بالتسلل إلى داخلك ربما لتقنع نفسك بسبب لسكوتك.

ثالثاً – وربما الاهم ،هو هذا التوظيف المستمر لاحاديث نبوية شريفة خدمة لاغراض السلطات ، نعود ونكرر ان هذه الاحاديث لا يشترط قط ان تكون موضوعة لكن تأويلها وتمثيلها بالواقع كان مزيفاً حتماً وكانت عموم الناس لا يستطيعون تبيان ذلك خصوصاً مع التناقص المستمر للصحابة ومع خوف الصحابة انفسهم من بطش السلطة وكانت الاحاديث بأعتبارها صادرة عن الرسول تمتلك مصداقية هائلة لا يمكن مناقشتها او مراجعتها. فأذا جمعنا العوامل الثلاثة : التعب من الحرب الاهلية ، الخوف من البطش وسلطة النصوص النبوية لوجدنا ان المحصلة النهائية هي هنا الموقف السلبي الذي وقفه عموم الناس بل وبعض خواصهم تجاه ما كان يروج له.

لقد اعتمدت السلطة الاموية في سياستها الاعلامية على حدث واحد معين وجدت انه سيكون الحجر الاساسي لكل مبرراتها خاصة واني اعتقد ان الاحاديث الموضوعة في فضائل معاوية قد وضعت في فترة اخرى متأخرة على حكم معاوية نفسه. حدث واحد فقط: حدث انتصار معاوية في حربه على علي او ظهوره كما روجت بأصرار .

كانت السلطة تعي جيداً ان معاوية كان خالياً من الفضل السبق والعلم وكل الصفات الاخرى التي تحلى بها سابقوه من الخلفاء لم يكن هناك جدوى من المقارنة (وان كان بعض التلطيف سيفيد حتماً ) ورغم ان علياً اغتيل وبعده مات الحسن الا ان المعارضة كانت موجودة وكانت تطعن في مشروعية خلافة معاوية اصلاً.

وكان لابد من سلاح قوي لمقارعة هذه المعارضة ، وكان هذا السلاح هو الحدث نفسه حدث الانتصار والظهور لقد برر هذا الحدث بأنه ظهور بامر الله ،انه انتصار بأرادته أي بمعنى رضاه ومحبته ومشيئته ، لقد انتصر معاوية رغم عدم امتلاكه لمقومات الانتصار الاسلامية الا يعني ذلك ان الله اراده هو بالذات لينتصر ؟ لقد وسعت حكمته كل شيء فما ادرانا ما اراد الله به من خير ، ثم عسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وقد اراد الله معاوية فكيف يسعنا الاعتراض على قضائه وارادته وحكمته؟.

وعلى بعد هذا التفكير عن المنطق الاسلامي في المواجهة والتغيير فعلينا ان نتذكر ان المجتمع المسلم لم يجر إلى هذه النقطة بسهولة الحرب الاهلية المدمرة اولاً . والاستبداد والبطش ثانياً.

وكانت السلطة تعي ان هذا السلاح الايدلوجي لن يفيد في قمع معارضيها الكبار من اصحاب الفقه والعلم والصحبة والذين كانوا يعلمون تماماً انه لو كانت الحوادث التاريخية مبرراً للقعود والسكوت لما خرج الرسول من مكة بل ولما دعا احداً إلى الاسلام ، كانت السلطة توجه هذا السلاح للعامة، كانت لا تهتم بنصرتهم لها بقدر ما كانت تهتم بتحييدهم واخراجهم من ساحة الصراع، كانت تهتم بأن لا ينصروا اعداءها فتنفرد بهم هي وتكون كفيلة بأنهائهم لذلك كان تروج ان الطائفة المنصورة لا تبالي بمن خذلها ولا من نصرها فهي منصورة و الامر منته، كانت عبر الترويج لهذا السلاح ونشره تعمد إلى نشر الاستسلام للحوادث والوقائع التاريخية السياسية خصوصاً باعتبارها امراً الهياً لا مرد له بل ان التصدي لهذه الامر ليس فقط بلا جدوى بل هو تحد لا رادته تعالى .

انه الاستسلام. انه التحييد . انه الخروج من دائرة الفعالية إلى سطح السلب الذي لايفعل شيئاً.

ان هذا الظهور بالامر الالهي والنصرة الالية هو ذاته العطية الالهية في الحديث السابق حديث الدعاء وهو نفسه الحق الذي ادعاه معاوية في حديث ابن عمر . انه مفهوم واحد تعددت الوسائل في التعبير عنه لكنه واضح جداً . انه ذات المفهوم الذي قال المعتزلي القاض عبد الجبار ان معاوية اول من اظهر القول به: الجبر. لكنه هذه المرة جبر من اجل السياسة متنكر خلف التوظيفات السياسية للنصوص الدينية ومتسلح بقوة الاستبداد والسيف وفارض نفسه بعد كل شيء كأمر واقع لا مجال لتغيره.

انه الجبر امام قضاء الله وقدره ، الحق الالهي الذي تسلمه معاوية وجعله هو لاغيره احق من كل الصحابة وابائهم بأمر الخلافة ، العطية الالهية التي احتازها معاوية والتي لا مانع لها، الطائفة الظاهرة المنصورة التي ستظل كذلك إلى يوم القيامة والتي لن يضرها من خالفها لانها منصورة الهياً _ جفت الاقلام ورفعت الصحف _ ولن يضرها من خذلها ولا حتى من نصرها .

انه الجبر بعينه . الحوادث التاريخية صارت مبرراً لكل شيء ، لو كان الله لايريد ذلك لما حدث اصلاً ،انها مفاهيم الجاهلية تعود ، الم يقولوا لولا شاء الله ما اشركنا به ولو شاء الله لا طعمهم .. لم يمض عقود على اندثار هذه المفاهيم بل لعلها موجودة في اعماق اللاوعي خصوصاً عند حديثي الاسلام منهم وعادت لتظهر على سطح بقوة السيف والاستبداد وسلطة التأويل للنصوص الدينية .

انه الجبر الجاهلي بعينه هذه المرة ليس امام الكيان القبلي والطبيعة الخانقة التي جعلت من العربي اسيراً لكيانه ولكن امام حوادث سياسية تاريخية فرضت عليه حكماً لم يكن يرتضيه ثم قيل له انها ارادة الله عز وجل .

نعم انه الجبر كما قال القاضي عبد الجبار لكن معاوية لم يظهر القول به بشكل واضح وانما مارسه كأمر واقع قدم له مبرراته واستخدمه لتوطيد حكمه وحكم ابنه من بعده استعمل المتوفر من النصوص خصوصاً النبوية ليتأولها ويتمثلها ويجعلها صالحة لخدمته.

نعم، انه الجبر يتسلل إلى المفاهيم الاسلامية وبقوة. لم يسمه معاوية بالجبر قطعاً- فللنتبه إلى ذلك! ولم تكن التسميات مهمة فمعاوية كان حاكماً يهمه توطيد حكمه وتثبيت دعائمه ولم يكن مفكراً اصولياً يهتم بالتنظير والتفسير وتبويب المصادر والبحث عن المصطلحات. ما هم معاوية قط ان يكون الجبر اسماً لسلعته او ان يكون اسمها القضاء والقدر ، المهم ان تنتشر وتكون جزءً من ايمان الناس وعقائدهم ولا يهم بعد ذلك بكثير او قليل ان هذه النسخة من القضاء والقدر مختلفة عن النسخة الاصلية الاسلامية ، نسخة المقاومة والتغيير والمقارعة وفي وثيقة اخرى نجد هذا المفهوم الواضح اشد صراحة عندما يستلزم الامر (حدثنا محمد بن محمد الجذوعي ثنا ابو الخطاب زياد بن يحيى ثنا الهيثم بن الربيع ثنا سرار بن مجشر ابو عبيدة العنزي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال لما بايع معاوية ليزيد حج فمر بالمدينة فخطب الناس فقال: انا قد بايعنا يزيد فبايعوا ، فقال الحسين بن علي انا والله احق بها منه، فأن جدي خير من جده وان امي خير من امه و ابي خير من ابيه وانا خير منه فقال معاوية اما ماذكرت ان جدك خير من جده فصدقت رسول الله خير من ابي سفيان بن حرب واما ما ذكرت ان امك خير من امه فصدقت فاطمة بنت رسول الله خير من بنت مجدل واما ما ذكرت ان اباك خير من ابيه فقد قارع ابوه اباك فقضى الله لابيه على ابيك واما ماذكرت انك خير منه فلهو ارب منك واعقل ما يسرني به مثلك الف) . المعجم الكبير 19/356-833

فلنتامل : لقد قارع ابوه- يعني نفسه- اباك، يعني علياً. فقضي الله لابيه على ابيك.. هذه المرة: صريحة عالية مدوية ! في مواجهة الحسين، لا العامة. ولننتبه انه تجنب كل ما يؤلبهم ضده: فالرسول افضل من ابي سفيان والحمد لله وفاطمة بنت الرسول افضل من ام يزيد والمزيد من الحمد لمستحق الحمد . اما معاوية وعلي فهو يتجنب ذكر من الافضل ، لقد قضى الله بينهما وقال بينهما كلمته وهو شخصياً يبدو مجبوراً على ما حصل ! لا مانع لما اعطى الله !.

ولننتبه اكثر : هل تزامنت هذه الواقعة بالذات مع حادثتنا الاولى التي رواها ابن عمر ؟ ام انها كانت منفصلة عنها في الحقيقة؟ لا اهمية لهذا الربط الان ، والاهم ان نبحث في المزيد من الوثائق.

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور احمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة الخامسة ..
08-31-2006, 05:38 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #17
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
البخاري!

(كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد ابيه فقال عبد الرحمن بن ابي بكر شيئاً فقال (مروان): خذوه. فدخل بيت عائشة فلم يقدروا فقال مروان ان هذا الذي انزل الله فيه (والذين قال لوالديه افٌ لكما) فقالت عائشة من وراء حجاب ما انزل فينا من شيء الا ان الله انزل عذري ) البخاري 4550 . في هذه الوثيقة (البخارية) الاصيلة نرى جانباً اخر من جوانب لحظة معاوية وحكمه: ها هو مروان يقف على المنبر في المدينة ليروج لبيعة يزيد في عهد والده معاوية، واضح تماماً ان الترويج كان يتم في اجواء تمتليء بروح الشورى والحرية فلما قال عبد الرحمن بن ابي بكر (شيئاً) قال مروان خذوه!

هل سيصل بنا حسن الظن والتزييف إلى النصور مثلاً بأن عبد الرحمن قال شيئاً طيباً بحق يزيد ؟ وان مروان قال خذوه قاصداً خذوه واكرموه واعطوه 100 الف درهم ؟.

ام لعلنا سنتصور ان المشكلة هنا ان عبد الرحمن بن ابي بكر اخطا بمخاطبة الامام اثناء خطبته التي قد تكون يوم الجمعة وان مروان قال خذوه وعلموه السنة!!

لا بد ان عبد الرحمن قال شيئا ضد هذه البيعة ان مروان قال عن البيعة ليزيد سنة ابي بكر و عمر فقال عبد الرحمن بن ابي بكر بل سنة هرقل وقيصر وضد هذا الترويج لها ( كما جاء في المستدرك 8483، السنن الكبرى 11491).

وعندما دخل عبد الرحمن إلى بيت عائشة فانه دخل قطعا هاربا إليه- ولن يقودنا التزييف إلى التصديق بانه دخل ليطمئن عليها في ذلك الوقت بالذات- ولقد طارده جند مروان فلما دخل بيت عائشة لم يقدروا الدخول بسبب من الحصانة التي تمتلكها لكونها زوجة الرسول وعندما جاء مروان وتحدث من على الباب فقد كان بالتاكيد لا يتدارس أسباب النزول مع عائشة بل كان يشهر بعبد الرحمن ، بالضبط يستخدم نصوصا قرانية معينة ويوظفها متأولا من اجل التشهير بشخصية معارضة . لقد حدث هذا مع عبد الرحمن ابن ابي بكر شقيق عائشة وابن واحد من كبار الصحابة لمجرد انه قال شيئا.

فلننتبه هنا إلى عدة ملاحظات: اولا ان الحادثة باكملها عندما رواها البخاري وردت في كتاب التفسير باب والذي قال لوالديه اف لكما… أي ان المهم في الحادثة كلها هو الجملة الاخيرة فيها، سبب نزول الآية، أما التفاصيل التي سبقتها والتي تبين طبيعة الاستبداد وطبيعة الترويج لبيعة يزيد فهي غير مهمة بالنسبة لرواة الحديث أو على الاقل هكذا يبدو ظاهر الأمر، مجرد مصادفة، الا انها مصادفة خير وشكرا لهم على أي حال .

ثانيا ان عبد الرحمن ابن ابي بكر لم يشفع له كبر سنه ] في العقد السابع من عمره انذاك حيث كان اكبر اولاد ابي بكر [ ولا مكانته ولا قرابته عندما اعترض وقال (شيئا) على حد رواية البخاري فطارده الزبانية لولا تحصنه بمسكن اخته عائشة زوج النبي اي ان أي احد اخر من الجالسين لو كان قد تكلم لكانوا قد اخذوه كما امر مروان ولعل احدا تكلم ولعلهم اخذوه فعلا ولكن على ما يبدو لم يحدث تداول في أسباب نزول القران اثناء ذلك فلم يحفل رواة الحديث بشئ .

ثالثا ان الغالبية الساكتة هنا وفي حديث ابن عمر المتقدم لم تكن ساكتة بمعنى الرضا ببيعة يزيد بل كانت ساكتة لانها مكممة ، ممنوعة من الكلام ، مرهوبة بقوة السيف والبطش وسفك الدماء ، كانت ساكتة على طريقة ( اضعف الأيمان ) تغير المنكر وتنكره في قلوبها لخوفها من تغييره بلسانها فضلا عن التغيير بالايدي .

فلنلاحظ ان ظاهرة اضعف الأيمان هذه كانت خلال عقود قليلة من بدء الإسلام وفي وجود الصحابة انفسهم ولنلاحظ أيضا الفرق الكبير بين ( قوموني بحد السيف ) و( وليتكم ولست بخيركم) و(اخطا عمر واصابت امرأة) وبين الترويج لبيعة يزيد ورجال الشرطة واقفون على الرؤوس ومروان يامرهم: خذوه .

* * *
البخاري أيضا!!

( عن عبد العزيز بن ابي حازم ان رجلا جاء إلى سهل بن سعد فقال هذا فلان لامير المدينة يدعو عليا عند المنبر ( يدعوه أي يسميه أو يكنيه ) فقال سهل وما يدعوه قال ابا تراب فضحك – هل… الخ) البخاري 3500

لعلنا نحتاج إلى المزيد من التوضيح:

( استعمل على المدينة رجل من ال مروان قال فدعا سهل بن سعد فامره ان يشتم عليا قال فابى سهل قال أما إذا ابيت فقل لعن الله ابا التراب فقال ما كان لعلي اسم احب من ابا التراب… ) مسلم 2409 ابن حبان 6925

( فاتى رجل إليه – سهل بن سعد – وقال هذا فلان – لامير من امراء المدينة – يدعوك غدا فتسب عليا عند المنبر ) سنن البيهقي الكبرى 4137

( عن عامر بن سعد بن ابي وقاص عن ابيه قال امر معاوية بن ابي سفيان سعدا فقال ما يمنعك ان تسب ابي تراب قال: أما ما ذكرت ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم سمعت رسول الله يقول لعلي وخلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله تخلفني والنساء والصبيان فقال رسول الله أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبوة بعدي… الحديث) الترمذي 3734، مسلم 2404، المستدرك 4575

( عن ابي بكر بن خالد بن عرفطة قال رايت سعد بن مالك بالمدينة فقال انكم تسبون عليا قلت قد فعلنا قال فلعلك قد سببته قلت معاذ الله قال لا تسبه فان وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته بعدما سمعت من رسول الله ما سمعت) ابي يعلى 777، سنن النسائي الكبرى 19977

( عن زياد بن علاقة عن عمه ان المغيرة بن شعبة سب علي ابن ابي طالب فقام إليه زيد بن ارقم قال يا مغيرة ألم تعلم ان رسول الله نهى عن سب الاموات فلمَ تسب عليا وقد مات) احمد 19307، 19334، المعجم الكبير 4972، 4974، المستدرك 1419

سنبتلع ريقنا وربما نحتاج إلى الماء لنزدرد هذه الوثائق وقسم منها في البخاري ومسلم وسنلاحظ ما يلي:

1- ان السب لم يكن بالتطوع- أي السابين لم يكونوا بالضرورة كارهين لعلي بل كان بالامر بالقهر. كان معاوية يامر الناس بذلك ] الترمذي 3724[

2- إذا كان معاوية قد امر شخصية من كبار الصحابة والقادة مثل سعد بن ابي وقاص ] والذي لعله كان في الثمانين من عمره انذاك [ بسب علي فامتنع سعدا ولم يستطع معاوية ان يفعل شيئا لمكانة سعد ] أو لعدم أهمية امتناعه [ فما بالنا بالاشخاص الذين هم اقل مكانة ومنزلة وسنا من سعد؟. ماذا يريد معاوية من سعد ؟ لا شئ لأنه كان محايدا فعلا اثناء الصراع بين علي ومعاوية لذلك لم يلح عليه ويجبره لكن مع اناس اخرين اكثر شبابا وحيوية واقل منزلة ومكانة هل نتصور كيف كان الأمر وفي ضوء وثائق ] خذوه [ ؟

3- ان السب كان على ما يبدو جماعيا ( ابي يعلى 777 النسائي الكبرى 19977 ) بمثابة اعلان لبيعة متجددة لمعاوية عبر السب لعلي .

4- ان السب كان على المنبر أي بمثابة بيان رسمي من اعلى سلطات الخلافة بسب علي وربما كجزء من خطبة الجمعة أي جزء من شعيرة إسلامية اثناء تطبيقها.

5- ان الولاة وهم عمال معاوية طبعا كانوا يدعون الشخصيات المهمة التي تجئ لولاياتهم لسب علي على المنبر في موعد محدد عندما يجتمع الناس طبعا ( سنن البيهقي 4137) وذلك طبعا لترويج المزيد من السب وتكريسه وتعويد الناس عليه).

6- اسوء ما في الأمر ان ظاهرة الهوس بسب علي كانت مستمرة وربما في ازدياد حتى بعد وفاة علي ، أي بعد ان قضى الله لمعاوية عليه كما كانت السلطة تروج للمسالة، وبعدما احتاز معاوية على العطية الإلهية التي لا مانع لها ، فإذا كان الأمر كذلك فعلا فلماذا الاصرار على سب علي والامر به والترويج له؟ لو كانت المسالة مقتصرة على فترة الصراع العسكري السياسي بينهما لحاولنا ان نفهم دون ان نعذر أو نبرر ان يستعمل معاوية سلاحا كهذا ، لكن الأمر ازداد بل كاد ان يكون تكرس بعد وفاته رضي الله عنه، لكن السلطة انغمست بعمق في هذا الهوس كما لو كانت تخشى من علي ميتا اكثر مما كانت تخشاه حيا. ولا ريب ان سب علي كان ينطوي في الوقت نفسه على التعريض بولديه المرشحين الدائميين للخلافة: الحسن والحسين. والذين كانت مكانتهما مقلقة للسلطة.

7- وفي نفس الوقت ربما كانت الظاهرة في وجه من اوجهها تحقيقا للعداوة الاموية الهاشمية المزمنة والتي كانت ولا بد تجعل وضع الامويين محرجا جدا مادام الرسول هاشميا . لقد كان التركيز في السب واللعن والتحضير على علي بالذات الذي لم يكن العدو الوحيد للامويين هو بطريقة أو بأخرى استبطان ورد فعل لهزيمة اوقعها بهم الهاشميون عندما نزلت الرسالة عندهم ] أو هكذا فسرت جاهليا [ ولما لم يكن من الممكن بداهة التعرض للشخصية الهاشمية الاهم من علي نفسه وهو الرسول - فقد كان من الممكن التعويض عن ذلك بسب علي صاحب القرابة والنسب والمصاهرة وقبل كل شئ السبق.
وسواء قبلت هذه التفسيرات ام لم تقبل فانه من المؤكد ان مسبة علي كانت في نظر السلطة الاموية من قبل سائر العرب ] افرادا صحابة أو قبائل وعشائر [ تعبيرا عن الولاء لبني امية ضد منافسيها القدماء بني هاشم.

ومن المؤكد أيضا ان هذا الهوس في السب الذي انزلق إليه الامويون كان خطا فاحشا يعبر عن تردي مخيف في الوضع الاخلاقي للمجتمع الإسلامي خاصة وانه فرض فرضا كجزء من اوامر وشعائر السلطة وقتها. لقد ادى هذا الخطا بالتدريج إلى سلسلة من ردود افعال نفسية جماهيرية تضخمت مع الوقت واختلطت مع التنظير الايدلوجي لتصير شعارات لفرق مضادة كما سنرى فيما بعد.

ومن المؤكد اكثر، ان معظم الصحابة، حتى الذين لم يكونوا عمليا بجانب علي في حربه ضد معاوية، كانوا ضد هذا السب. ان موقف سعد بن ابي وقاص المحايد تماما وزيد بن ارقم في الاحاديث السابقة تعبير عن رفض لهذه المهزلة بل اننا نرى حتى السيدة عائشة التي كان بينها وبين علي ما صنع الحداد، ترفض هذا الوضع فتسر لابن اختها: يا ابن اختي لقد امروا ان يستغفروا لصحابة رسول الله فسبوهم ( مسلم 3022) في الوقت نفسه وحتى في المعسكر المحسوب لمعاوية نرى عبد الله بن عمرو بن العاص يسال في حضور معاوية عن الرسول كيف كان فيقول اول ما يقول: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، في تعريض واضح وان كان غير مباشر بمعاوية ( مسلم 2321) لعلنا نذكر ان عبد الله بن عمرو هو ذاته راوي حديث ( تقتله الفئة الباغية – عن عمار ) هذا بينما كان من السابين لعلي من المعاصرين والملاقين للرسول المغيرة (أحمد 1-188 ) ومعاوية بن جديح ومروان بن الحكم وبداهة راس السلطة الاموية.

بقي ان نلاحظ على هامش هذه الوثائق إنها عندما وصلت الينا لم تكن تقصد نقل ظاهرة السب بل فقط كانت تحمل معها حديثا للرسول في عدم سب الاموات أو في فضائل علي أو في تعداد الاسماء العشرة المبشرة بالجنة الخ لقد كانت هذه الظاهرة قد صارت مكرسة وروتينية ] إلى حد عهد عمر بن عبد العزيز، على المنابر! [ بحيث إنها لم تعد تستوجب التعليق أو الاستنكار حتى مع التسليم بان معظم الرواة كانوا من العدالة بحيث يتنزهون عن سب علي لكنهم في الوقت نفسه كانوا مستسلمين للواقعة غير مكترثين بها وهم منشغلون بنقل المتن المقصود. نعم ان عنصري النزاهة والحياد العلميين قد يكونان واردين في المسالة لكن هناك أيضا ماهو اكثر من ذلك ،هناك استسلام فظيع لامر مثل هذا، هناك حياد تام هو اشبه بالموت الزؤام.

استسلام؟ حياد؟ لكن ألم يكن هذا هو الهدف الرئيسي للسلطة الاموية منذ البداية؟ ألم تكن تريد ان تحيد الناس حتى يخلوا بينها وبين مناوئيها؟

ولقد كان!

من كتاب البوصلة القرآنية الدكتور أحمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة السادسة ..
08-31-2006, 05:45 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #18
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
( عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال سمعت عبد الله بن عمرو يحدث في ظل الكعبة قال كنا مع رسول الله في سفر فمنا من ينتضل ومنا من هو في مجشرة ومنا من يصلح قباءه. إذ نودي بالصلاة جامعة فاجتمعنا فإذا رسول الله يخطب يقول لم يكن قبلي نبي إلا كان حقا على الله ان يدل امته على ما هو خير وينذرهم ما يعلم انه شر لهم وان هذه الامة جعلت عافيتها في اولها وسيصيب آخرها بلاء فتجئ فتنة المؤمن فيقول هذه مهلكتي ثم تنكشف فمن احب منكم ان يزحزح من النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر وليات إلى الناس الذي يحب ان يؤتى إليه ومن بايع أماماً فاعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع قال قلت هذا ابن عمك معاوية يأمرنا ان ناكل اموالنا بيننا بالباطل ونهرق دماءنا وقال الله يا ايها الذين امنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل وقال لا تقتلوا انفسكم قال ثم سكت ساعة ثم قال اطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله) صحيح ابن حبان 5961 (قال شعيب الارناؤوط صحيح على شرط مسلم) الامام احمد 6793 .

ربما لم نعد نستغرب من أي شئ نقراه بسبب ما قراناه مقدما.

وفي هذا النص نلاحظ اصطدام توظيفات السلطة للنصوص النبوية مع الايات القرانية التي تشكل الخطوط الأساسية للمقاصد العامة للشريعة .الاصطدام واضح وجلي، نص نبوي مجتزء حتما من سياق اوسع يتحدث عن ضرورة طاعة الامام فيواجه فورا، يدا بيد ووجها لوجه، بنصوص قرانية بالنهي والمنع العام لأمور يامر بها الامام الناس المامورين _حسب التوظيف_ بطاعته. المعضلة واضحة وجلية. والتوفيق بين نص قراني وحديث نبوي مجتزأ حتما من سياق مختلف ، يتطلب عمليات جراحية معقدة لم يخضع لها الفقه الإسلامي إلا في مراحل لاحقة أما في تلك المرحلة المبكرة فقد كان التعارض الواضح محرجا جدا لا للسلطة ودعاتها فحسب ولكن أيضا للشعب، لعموم الناس الذين كانوا يؤمنون بكتاب سماوي يجدون فيه موانع ونواهي منتهكة وفرائض واوامر معطلة بقوة السلطة وجبروتها، كان ذلك التعارض يعبر عن نفسه حتى في حالة اضعف الأيمان في وخزة ضمير تظل تلح على الفرد المؤمن صادق الأيمان الذي سلبوه ارادته وحريته واجبروه على طاعتهم ثم حاولوا اقناعه بعد كل ذلك بانهم انما ينفذون امر الله.

كانت وخزة الضمير المسلم موجعة حقا فكان لا بد ان تحصل أحيانا تلك الاسئلة التي تتسلح بالقران لتواجه توظيف السنة في خدمة السلطة. انه الشمول يواجه التجزئ والمقصد العام يواجه التفاصيل العابرة. كان تعارضا محرجا للطرفين: السلطة والناس وكان السؤال الذي وجهه عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة لعبد الله بن عمرو بن العاص سؤالا صعبا على بداهته، لم يكن عبد الله بن عمرو بن العاص رغم كونه قريبا من معاوية محسوبا عليه بالضبط، لقد كان يكثر من رواية احاديث كان ظاهرها العام يحرج السلطة لكن معاوية كان يتمكن من تأويلها بشكل مضاد فعندما دخل عبد الله بن عمرو بن العاص على ابيه وعلى معاوية باكيا عمار عقب صفين قائلا تقتله الفئة الباغية نهره معاوية بشدة واوّل ان قتله من اخرجه إلى الحرب لا من طعنه بالسيف أو بالرمح أي انه جعل الفئة الباغية هي فئة علي واعوانه ( الامام أحمد 17813 ) وهنا يواجه عبد الله بن عمرو سؤالاً صعباً وبسيطاً في ان واحد ،سؤال لعله تكرر عليه كثيرا همسا خوفا من السلطة أو ربما تكرر في ذهنه بوخزات ضميره، لعله كان يحس بالخنجر في احشائه كلما مر على تلك الايات في القران :الايات المحكمة التي تبين حجم التناقض بين ما هو على الورق وفي الصحف والصدور وبين ما هو متحقق في الواقع..

سكت ساعة عبد الله (و في سنن البيهقي الكبرى 16469 انه وضع جمعه على جبهته ثم نكس ثم رفع راسه ) وقال اطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله.

كلام جميل، وتوفيق مستحيل كان عبد الله بن عمرو بالذات يحاوله وكان يعرف ربما اكثر من غيره صعوبته بل استحالته. كان يعي تماما ان معصية الامام قد تعني الموت وكان يعي تماما ان هناك من سياتي ليتاول هذا الموت بـ( ولا تقتلوا انفسكم ) لتعود الدورة من جديد التناقض بين المقاصد العامة للخطاب القراني والتأويل الموظف لاحاديث نبوية ربما لم تكن قد ارتقت وقتها لدرجة الماثور عن النبي . كان التوفيق صعبا ووخزة الضمير حادة لكن الأمر الواقع فرض نفسه في نهاية الأمر.

******

( عن ابي قبيل قال خطب معاوية في يوم جمعة فقال: انما المال مالنا والفئ فيئنا من شئنا اعطينا ومن شئنا منعنا فلم يرد عليه احد.

فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته فلم يرد عليه احد.

فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا بل المال مالنا والفئ فيئنا من حال بيننا وبينه حاكمناه باسيافنا فلما صلى امر ( معاوية ) بالرجل فادخل عليه فاجلسه معه على السرير ثم إذن للناس فدخلوا عليه ثم قال يا ايها الناس اني تكلمت في اول جمعة فلم يرد علي احد وفي الثانية فلم يرد علي احد فلما كانت الثالثة احياني هذا احياه الله. سمعت رسول الله يقول سياتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة فخشيت ان يجعلني الله منهم فلما رد هذا علي احياني احياه الله ورجوته ان لا يجعلني منهم ) مسند الامام ابو يعلى قال الشيخ حسين اسناده صحيح 7282.. وفي صيغة أخرى ( فارسل معاوية إلى الرجل فقال الناس هلك الرجل ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير فقال معاوية للناس ان هذا الرجل احياني احياه الله فقد سمعت الرسول يقول ياتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة واني تكلمت اول جمعة فلم يرد علي احد فخشيت ان اكون منهم ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يرد علي احد فقلت في نفسي اني من القوم ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فرد علي فاحياني احياه الله ) المعجم الكبير ج19/ص393/-925.

فلنلاحظ هنا ان النص بنهايته السعيدة ليس ضد معاوية على الاطلاق أي ان مناسبة النص و وروده من قبل الرواة لم يكن يشترط بها معارضة معاوية، لكن فلنترك جانبا حسن ظن الرواة وآليتهم في التفكير ولنتامل في النص نفسه.

( المال مالنا والفئ فيئنا من شئنا اعطينا ومن شئنا منعنا ) إلا تذكر هذه الصيغة بالحق الإلهي الذي منح لمعاوية: لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت.؟ إلا يذكر هذا التصريح بالحق الذي يجعل معاوية احق من كل الصحابة وآبائهم بالمطلق؟ لقد قضى الله له على علي افلا يكون اعطي أيضا المال والفئ كله له؟
الخليفة على المنبر يصيح :المال مالنا والفئ فيئنا، جمعة تلو الجمعة يكرر التصريح ويؤكده ولا يرد عليه احد. ماذا عسى أي احد ان يقول امام معاوية؟ الن تتكرر صيحة (خذوه) التي قيلت في حق غيره؟ في ضوء الاستبداد والبطش الحاصل ماذا كان بوسع أي احد ان يقول؟.

المهم في الجمعة الثالثة قام رجل نكرة، لم يسمع به احد لا قبل ولا بعد، ليرد على معاوية بوجهه (بل المال مالنا والفئ فيئنا من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا.)

فلما ارسل معاوية للرجل قال الناس (هلك الرجل) تقرير لامر واقع لا محالة باستسلام شديد لكل ما يحدث: معاوية تكلم والرجل رد عليه ،إذن هلك الرجل وقدر الله ما شاء فعل.

لكن الرجل لم يهلك. فورا ،على الاقل. وكان على الناس ان يدركوا ان طبيعة معاوية في مواقف كهذه تصير باتجاه ما عرف عنه فعلا من حلم ولين وموادعة.

ما الأمر؟ هل كانت المشكلة حقا في مال وفئ وكان الرجل طامعا في مزيد من مال وفئ ويريد ان يحتكم إلى سيفه فيه؟.

إذا كان كذلك فلا مشكلة على الاطلاق، بالذات مع معاوية. لقد عرف عنه استرضاء خصومه بالمال كلما لمس فيهم حب ذلك. لقد كان ينفق المال انفاقا مذهلا خاصة على كبار الشخصيات العامة التي كان حسن العلاقة معها يكسبه نوع من الشرعية في اعين الرعية، لقد عرف عنه ذلك مع عائشة وابن عمر وغيرهما وله مع عبد الرحمن بن ابي بكر الذي رافقنا قصة مطاردته في صحيح البخاري قصة اخرى فقد بعث اليه ليسترضيه في بيعة يزيد بـ 100 الف درهم فقال قولته المشهورة:ان ديني اذن لرخيص ( المستدرك 6015 ).

لقد كان الناس الذين اعتقدوا ان معاوية سيهلك الرجل مخطئين، فمعاوية كان اذكى من ان ينزلق علنا إلى موقف كهذا وحوادث القتل العلني التي انزلق اليها في عهده ومنها مشهورة (عدي بن حجر ومحمد بن ابي بكر) كانت لها خصوصية مختلفة كان ابطالها شخصيات معارضة لها مكانتها بين الناس وكانت معارضتهم لاسلوب حكم معاوية وسياسته صريحة وواضحة مع تأييد يكاد يكون تاما لعلي <ولم يكونوا من الشيعة، بالمناسبة> وكان استرضاء مثل هذه الشخصيات بالمال صعبا ان لم يكن مستحيلا وكان وجودهم في كل الاحوال يمثل تهديدا لمعاوية فكان القتل العلني، أما ان يقوم رجل، نشدد على كونه نكرة أي لا مكانة اجتماعية له تحوله إلى شخصية عامة معارضة لها اتباعها ومؤيدوها، مجرد شخص اخر ربما من الاعراب، استفزه تصريح معاوية فقام يطالب بالمزيد من المال ويهدد بسيفه، لم يكن يستخدم آيات قرآنية في تهديده أي انه لم ينطلق من مرجعية دينية اساسا للمعارضة ولم يقل مثلا ان المال مال الله والفئ فيئه وانك يا معاوية مستخلف فيه الخ ولم يعارض اسلوب حكم أو يطعن في بيعة معاوية أو يزيد كان المطلب واضحا: المال والفئ.

وكان معاوية واضحا كذلك .لا مشكلة ابدا مع المال. هذا الشخص نكرة ولا خوف من معارضته ويريد المال فلنمنحه ما شئنا فالمال مالنا والفئ فيئنا اولا واخيرا وليقال عن معاوية فيما بعد كم هو حليم ولين، لقد تكلم الرجل باسلوب فظ وغليظ وهدد بسيفه ومع ذلك لم يفعل له شيئا بل اكرمه <يقال ذلك حتى الآن بالنهاية السعيدة للحادثة>

لكن معاوية اكثر من هذا استطاع ان يكمل توظيف الحادثة لتكون في صالحه تماما لا من اجل الحلم واللين والعدل والسخاء والكرم فحسب وكلها صفات لمعاوية يمكن ان تشتق من الحادثة بل من اجل دخول الجنة نفسها أو على الاقل عدم دخول النار.

فقد استطاع معاوية بدهائه توظيف الحادثة ليغير مسار القصة باكملها فإذا بتصريحاته على المنبر يوم الجمعة <ولثلاث اسابيع متتالية> مجرد اختبار للناس، كان يريد ان يمتحنهم ليعرف وضعه هو، هل سيرد عليه احد فلما لم يرد عليه احد في الجمعة الاولى خشي ان يكون من الناس الذين قال عنهم الرسول ما قال فاعطى لنفسه فرصة ثانية وتكلم في الجمعة الثانية فلم يرد عليه احد كذلك فقال في نفسه اني منهم ثم اعطى لنفسه فرصة ثالثة فجاء هذا الرجل احياه الله ورد عليه وكان ذلك بشارة له وللناس كلهم بعدم دخوله النار ما دام قد تجرأ احد أخيرا ورد عليه، الحمد لله: لن يدخل معاوية النار، إذن لا بد انه سيدخل الجنة وتلك بشارة أخرى ولا ندري كيف لم يروج لها اكثر واكثر وتصبح ضمن مناقب وفضائل معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما!.

أما المال والفئ وعائديتهما واسلوب التصرف بهما وتوزيعهما فتلك كلها امور ثانوية لا يلتفت النص اليها ولا يلق لها بال،المهم هو في النهاية لن يدخل معاوية النار.

أما الرجل فقد ظل نكرة. ورغم ان ذلك ليس مهما على الاطلاق فنحن لا نعرف بعد كم من الزمن هلك، ولا كيف هلك.

هل شرب، مثلا، شربة من عسل ومات بعدها مثل الحسن بن علي؟.

قضاء وقدرا، بطبيعة الحال!

من كتاب البوصلة القرآنية أحمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة السابعة ..
08-31-2006, 05:51 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #19
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
( عن نافع ان ابن عمر كتب مرة إلى معاوية فاراد ان يبدء بنفسه فلم يزالوا به حتى كتب إلى معاوية من عبد الله بن عمر ) سنن البيهقي الكبرى20213

( عن نافع قال كانت لابن عمر حاجة إلى معاوية فاراد ان يكتب إليه فقالوا ابدا به فلم يزالوا به حتى كتب بسم الله الرحمن الرحيم إلى معاوية ) الادب المفرد للبخاري 1124

هل وصلت الأمور إلى هذا الحد حقا؟. هل وصلت الأمور في عهد خليفة عاصر الرسول ولاقاه وخلال ثلاث أو اربع عقود من وفاته إلى هذا الحد ،ان يخاف الناس من الكتابة إليه إلا بعد ان يبدؤوا باسمه هو لا باسمائهم، واي اسماء، أي ناس :عبد الله بن عمر بالذات! بكل مكانته وعلمه وفقهه وحياده السلمي تجاه كل ما كان، يلح عليه الناس حوله ان لا يبتدء باسمه خوفا عليه فلم يزالوا به حتى رضخ وبدء باسم معاوية مقدما على اسمه.

هل وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ هل هو الخوف من الاستبداد والبطش و الخوف من غضب الخليفة ام انه بداية التعظيم لصاحب الحق والعطية الإلهية التي لا مانع لها؟.

ام انه مزيج من هذا وذاك ،مزيج من رواسب الخوف ورواسب التعظيم تراكمت مع الوقت لتصير ما صارت فيما بعد .

لقد وصلت الأمور إلى هذا الحد ولعله لا مفر من التعليق بان النص مرة أخرى لم يرد في صيغة اعتراض بل ورد كمثال على طريقة المراسلات وادبها.

حياد تام هو في حقيقته موت زؤام.

· * * *

عن سعيد بن جبير قال ( كنا مع ابن عباس بعرفة فقال لي يا سعيد ما لي لا اسمع الناس يلبون فقلت يخافون من معاوية قال فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال لبيك اللهم لبيك فانهم تركوا السنة من بغض علي ) ابن خزيمة 2830 المجتبى من السنن 3006 المستدرك 170 السنن الكبرى للنسائي 3993
وعن سنن البيهقي ( ان رغم انف معاوية اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي ) سنن البيهقي 3993

لعلنا للوهلة الاولى لن نصدق ما قراته اعيننا وسنعيد القراءة عسى ان نكون قد اخطئنا في سطر معين لكنها الحقيقة _الوثيقة الجارحة مثل حد موس عند الابتلاع.

نعم حدث ذلك في عهد واحد من الذين لاقوا الرسول وعاصروه وليس في عهد الاضطهاد الستاليني للجمهوريات الإسلامية الواقعة تحت سيطرته ولا في عهد اتاتورك الذي فرض العلمانية فرضا على شعبه المسلم وليس في عهد سقوط الاندلس حيث كان مجرد ممارسة شعيرة إسلامية كفيل بالذهاب إلى محاكم التفتيش.

حدث ذلك في عهد معاوية بن ابي سفيان ( رضي الله عنهما، كما يقال): خاف الناس من ممارسة السنن والشعائر في موسم الحج بالذات التلبية بعرفة فلم يلبوا ولن تفهم لماذا تحديدا لان النص لا يذكر اكثر من الخوف سببا، وهل هناك اكثر منه كسبب؟ لكنك لن تفهم لماذا كانوا يخافون من معاوية بالذات عند التلبية بعرفة ولن يقنعك قول الشراح ان ذلك بسبب تشدد علي في السنن. هل تشدد علي في هذه السنة فقط، ألم يكونوا يمارسون سننًا اخرى تشدد فيها علي ايضا؟

فلننتبه ان النص لم يذكر ابدا ان معاوية منع احدا من الناس ،هم الذين كانوا يخافون منه طبعا لم يكن خوفهم ناتجاً من فراغ ولقد راينا عبر الوثائق التاريخية السابقة كيف زرع الخوف في داخلهم بالتدريج.
رغم ذلك فان معاوية والحق يقال لم يكن من النوع الذي ينزلق إلى منع سنن معينة خصوصا عندما تكون متعلقة بشعائر تعبدية، لم يكن هذا طبعه أو اسلوبه والنص لم يذكر قط انه فعل ذلك ،فقط علق ابن جبير انهم يخافون من معاوية ( ولذلك لا يلبون ) ولو تعمقنا اكثر في الموضوع وهو يحتاج إلى تعمق فعلا لراينا ان المسالة لم تكن مسالة منع لقد كانت اقدم من ذلك واعرق.

فالوقوف بعرفة ومن ثم التلبية بها بطبيعة الحال لم يكن من شعائر قريش ( ولا من دان بدينها ممن عرفوا بالحمس ) في الجاهلية ،كان وقوف قريش بقتصر على المزدلفة وكانت الافاضة منها تحديدا بينما كان سائر العرب يقفون بعرفة ويفيضون عندها ولذلك نزل قوله تعالى ( ثم افيضوا من حيث افاض الناس ) <البخاري 4248 وايضاعن عدم وقوف الحمس بعرفة البخاري 158 مسلم 1220 الدارمي 1878 احمد 16783>

لقد كان هذا الاختلاف الذي يبدو الآن مجرد اختلاف اماكن لا تغير شيئا وتمسكنا به تمسك بما فعل الرسول ، كان هذا الاختلاف وقتها يمثل وجها من التي نفذها اوجه القطيعة الإسلام مع المعتقدات والشعائر الجاهلية وكان ان تفيض قريش من حيث افاض الناس كما اصر الخطاب القراني أي ان تخرج قريش من الحرم الذي كانت ترفض الخروج منه كان ذلك معناه مساواتها مع سائر العرب والغاء تام للشعائر التي كانت تمثل امتيازها عنهم..

وكان ذلك كثيرا على ما يبدو بالنسبة لقريش التي استطاعت عبر سلسلة الملابسات والتعقيدات التاريخية ان تعود لتمسك بزمام الأمور رغم تخفي ذلك كله خلف نصوص دينية لكن هذه الشعيرة بالذات الوقوف على عرفة كانت تمثل تمريغا لكرامة الملأ القريشي السابق- الطلقاء لاحقا.

ان خوف الناس من معاوية في مسالة الوقوف بعرفة كان يمثل وعيا حادا امتلكته الجماهير رغم خوفها تجاه ما يدور حولها وبها وكان ربط ابن عباس في جوابه وهو يلبي المسالة ببغض علي جانب من جوانب الوعي الحاد هذا.

لقد كانت المواجهة بين رمزين اكثر مما كانت بين شخصين.

لقد كان علي كما اسلفنا يمثل الإسلام الحقيقي، ما كان يمكن ان يتجسد الإسلام في وقت المواجهة في رجل اكثر من علي.

وكان معاوية على الجانب الآخر يمثل كل ما ينتمي إليه، دون ان يعني ذلك ان اسلامه لم يكن حقيقيا أو صادقا ، لكن فهمه وتشربه بالاسلام ما كان يمكن ان يكون مثل فهم علي. كان فهمه فهم الطلقاء: إسلام بالقوة واستفادته استفادة المؤلفة قلوبهم وكان انتمائه العشائري الاموي يحكم نظرته للاسلام الذي نزل بعد كل شئ على رجل هاشمي من اعداء بني امية التقليديين .

كانت المواجهة إذن في صفين وما تلاها بين فهم حقيقي واصيل ونابع من نفس البيئة التي نزل فيها وعليها الخطاب القراني وبين فهم اخر وان نطق بالشهادة وقرأ القران لكنه تفاعل مع الأمور منطلقا من بيئة جاهلية عشائرية، بيئة الملأ بكل معانيها.

وعندما خاف الناس وهم يؤدون مناسك الحج من التلبية بعرفة فانهم كانوا يعبرون بشكل ما عن وعيهم بطبيعة الصراع الذي دار في مجتمعاتهم بين علي( قيم الإسلام- التشدد بالسنن كما عبر الشراح) وبين معاوية( قريش ،الملأ بكل قيم الجاهلية الراجعة) وكانت تلك الشعيرة بالذات الوقوف على عرفة تمثل ذلك كله في لقطة واحدة موجزة: ان تتساوى قريش مع سائر العرب وهو امر كان يرفضه معاوية قطعا ويرفض حتى التفكير فيه

لقد كان الناس واعين تماما للمسالة، ربما اكثر مما نتصور الآن.

لكن وياللأسف لم يفد وعيهم شيئا.

لقد كانوا يخافون.

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور احمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة الثامنة ..
08-31-2006, 05:55 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #20
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
عن لحظة معاوية

تلك كانت ابرز معطيات لحظة معاوية التي دامت عشرين سنة.

لقد اعطتنا الوثائق التاريخية السابقة صور متنوعة ومختلفة من داخل البيئة التي شهدت لحظة معاوية وتفاعلت معها، صور ولقطات موجزة ومغنية في الوقت نفسه.

اول ما يعطي المصداقية لهذه الوثائق هو ابتعادنا التام عن كتب التواريخ والاخبار والسير التي تمتلئ عادة بالغث كما بالسمين من الاخبار وغالبا دون اسانيد رغم إنها قد تكون أحيانا منتشرة بين الناس لتصل إلى درجة البداهة والقبول المطلقين.

اما الوثائق التي اعتمدنا عليها في الوصول إلى لحظة معاوية فهي من كتب الحديث باطلاقها والكثير منها صحيح قطعا بل ومتفق عليها وسواها ربما لا تصل لهذه الدرجة العالية من الصحة الاسنادية لكنها موجودة في كتب الصحاح وما دامت تحتوي على اسانيد فالحكم عليها قابل للاخذ والرد.

على اننا يجب ان نركز هنا ان كل هذه الوثائق التي وردت في كتب الحديث لم ترد لغرض البحث التاريخي وانما وردت لاحتواء متونها ضمنا ودون أي قصد على حديث للرسول الامر الذي جعل رواة الحديث يتناقلونها وهذا يعني ان حوادثاً اخرى حتماً قد وقعت لكنها لم تركب في مركب رواة الاحاديث لعدم وجود احاديث ضمنها.

على العموم ان ماوصلنا من حوادث عبر اختلاطها برواية الحديث كان كافياً تماماً وعلى درجة عالية من المصداقية.

فلنراجع المعطيات العامة لهفة الوثائق. ماذا افرزت لحظة معاوية ؟

اولاً- الجبر او استخدام سلاح القضاء والقدر لتثبيت سطوة الدولة والحكم: ترتكز شرعية بني امية على حق الهي خاص بها، لقد اعطي الامر اولاً لقريش وعندما تنازعت قريش فيما بينها قضى الله لمعاوية فهل لاحد ان يعترض على قضائه؟ انه المعطي الذي لا مانع له لما اعطى والمانع الذي لا معطي لما منع، واذا كان اعطى بني امية ومنع بني هاشم ضمن من منع فهل هناك اعتراض على حكمته التي وسعت كل شيء ؟

ارتكزت هذه الشرعية على حدث تاريخي واحد هو انتصار معاوية على علي وهو انتصار لم يكن حاسماً بل كان اشبه بحالة اللا غالب ولا مغلوب ولكن اغتيال علي غدراً اظهر معاوية. هذا الحدث التاريخي فسر من قبل السلطة الاموية على انه حصل بارادة الله بقضائه بمعنى محبته ومشيئته لقد رغب الله ان يظهر معاوية وانتهى الامر.

وعمدت السلطة على تكريس هذه الشرعية وترسيخها في النفوس والاذهان فظهور معاوية سيكون مؤبداً إلى يوم القيامة وبشهادة حديث منسوب للرسول والدعاء الذي يأمر به معاوية الناس بعد الصلاة يستخدم لتكريس هذه النظرة بل انه يقف على المنبر في المدينة ليقول: من اراد ان يتكلم في هذا الامر فليطلع لنا قرنه فنحن احق منه به ومن ابيه .انه الحق الالهي الذي يجعله فوق اكابر الصحابة وأفاضلهم كل ذلك من اجل حدث تاريخي واحد تم الغاء اسبابه الطبيعية كلها دفعة واحدة وارجاعه مباشرة إلى الله بمعنى محبته ورغبته. ان تكريس مثل هذا المفهوم ونشره متنكراً بزي ديني يتعارض مع مفاهيم وعناصر الخطاب القراني عبر طريقين:

1- انه ينشر روحية الاستسلام للحوادث التاريخية عموماً بأعتبارها من صنع الله بكل الاحوال وهذا وبشكل مباشر يشكل سلبية بالغة تناقض ايجابية الخطاب القراني التي اعتمدت على الحدث التاريخي كحافز من اجل استثارة التحدي- التغيير. ايجابية الخطاب القراني التي اعتمدت على التغيير الذي يصنعه الناس بأنفسهم ولا ينتظرون نزوله من السماء (وما يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ان تكريس مفهوم الاستسلام للحوادث باعتبارها من وضع الله يطيح بالايجابية القرانية جانباً ويعيد مفاهيم وقيم السلبية الجاهلية متنكرة خلف النصوص الدينية.

2– عندما نرجع الاسباب مرة واحدة إلى الله فان الحاسة المهمة التي غرسها الخطاب القراني في المسلم، حاسة البحث عن الاسباب تعطل فوراً .ان هذه الحاسة السببية الراسخة بعمق في الخطاب القراني تشكل بزعمنا جوهر العقل الاسلامي وبنيته الاساسية وتعطيلها عبر الغاء الاسباب يعد الغاءً للعقل المسلم واقالة له وتحويله إلى مجرد صفة اخلاقية مثل الحلم والمروءة والشهامة.

ثانياً – الاستبداد : شكل الاستبداد الاموي عنصراً مهماً من عناصر لحظة معاوية وكان ذلك جديداً تماماً على المسلمين الذين عرفوا الشدة والصرامة (في عهد عمر خصوصاً) لكنهم لم يعرفوا الاستبداد الا مع بداية العهد الاموي. يمثل الاستبداد الذي تجلى في مظاهر عديدة( سفك الدماء وقتل الخصوم إلى حد التمثيل بجثثهم كما مع محمد بن ابي بكر) يمثل الاستبداد في اعلى شكل من اشكاله قتلاً نهائياً لفكرة الشورى وروحيتها التي لم تكن مجرد نظام سياسي لم تسنح له فرصة ليتحول إلى مؤسسة على ارض الواقع ولكن كانت جزءً من عقيدة من نظام اجتماعي افراده يمارسون التشاور- الشورى فيما بينهم، نظام متكامل بدء ايمان نبيه الاول ابراهيم عبر التساؤل وقال الرسول الخاتم انه احق بالشك من ابراهيم وعلمهم كتابهم اهمية السؤال الذي لن ينفك عنهم ولن يتركهم حتى في الآخرة بل طرح عليهم الاسئلة بدلاً من الاجوبة التقليدية ، دربهم على آلية التساؤل بحيث تصير جزءً من طبيعة تفكيرهم ونظرتهم للوجود..

ان النظام الاموي الاستبدادي بطبيعته وهو الذي اقام سلطته على انقاض الشورى لا يمكن ان ينسجم او يتعايش مع عقيدة التساؤل فالاسئلة الكثيرة تزعجه وتشكك في شرعيته لذلك كان قمعه للشورى كنظام سياسي مجرد بداية تمهيدية لقتل السؤال بالمطلق لقتل حقهم بالسؤال المجرد الذي هو البذرة الاولى للايمان الابراهيمي الحنفي والبداية الاولى لفكرة الشورى التي لا يمكن للسلطة ان تتسامح معها.
لذلك نرى ان معاوية في حربه ضد التساؤل المجرد بأطلاقه حتى ليس المختص بالشورى كان يراسل عماله عبر الامصار، إلى المغيرة مرة اخرى واليه على الكوفة، ليكتب اليه بشيء سمعه من الرسول فيكتب اليه والي الكوفة معقل المعارضة الدائمة أي التساؤلات الدائمة ان الله كره لكم ثلاثاً (قيل وقال واضاعة المال وكثرة السؤال) البخاري( 6108،6862 ) - وهو سياق مجتزء وله مغزاه الخاص في بيئة معارضة مثل الكوفة وفترة زمنية مليئة بالتحديات مثل فترة الانقلاب الاموي..

لقد كان الاستبداد الاموي اذن قتلاً لا للشورى فقط بل للسؤال الذي شكل عنصراً مهماً من عناصر الغرس القراني .

ثالثاً – توظيف النصوص الدينية واجتزائها من سياقاتها الاصلية لقد عمدت السلطة الاموية ومنذ البداية إلى استخدام نصوص نبوية او قرانية وتوظيفها لصالحها عبر اخراجها من سياقها الاصلي العام وكان هذا يمثل سابقة خطيرة اذ ظلت النصوص الدينية بمعزل عن التوظيف قبل السلطة في كافة العهود السابقة حتى في حادثة السقيفة بعد وفاة الرسول كان القرار الذي اتخذ قراراً سياسياً واقعياً صرفاً دون ان يحمل احد مسؤولية ترويجه على عاتق نص نبوي ( رغم ان ذلك حصل لاحقاً ) ورغم ان عهد الخلافة الراشدة تميز بالخلفاء الفقهاء في الوقت نفسه الا ان أي احد منهم لم يستعمل نصاً قرانياً او حديثاً نبوياً لصالحه او لصالح السلطة التي يمثلها. لكن هذه الظاهرة بدءت وانتشرت واستفحلت مع بداية عهد السلطة الاموية بل وحتى قبل ان تبدأ فعلياً منذ ان رفع اتباع معاوية المصاحف على السيوف في موقف يكاد يكون رمزياً لكل ما سيأتي: بدء استغلال النصوص الدينية من اجل اغراض سياسية بحتة.
ورغم انه ليس من الواضح اذا كانت آلية الوضع( وضع احاديث مكذوبة ونسبتها للرسول ) قد بدءت في تلك الفترة الا انه على الارجح ان وضع الاحاديث قد بدء في مرحلة لاحقة اما في البداية المبكرة فقد كان تْاويلها وتفسيرها يخدمان الغرض الذي اخذت بتأديته الاحاديث الموضوعة فيما بعد وربما كانت بعض الاضافات البسيطة التي تضاف على المتن الاصلي تفي بالغرض من اجل تمتين مغزى التأويل والتفسير المطلوب الترويج له.

فهذا الاستغلال للنصوص الدينية وقسرها على واقع مختلف من اجل هدف لم تتنزل اساساً من اجله كان لا بد ان يؤدي بالتدريج إلى استحداث آلية انتقائية في التعامل مع النصوص القرانية و النبوية، اننا نجد مثلاً تخصيصاً لعام وتعميماً لخاص دون ظابط غير ظابط مصلحةالسلطة ، فعندما يصطدم ابو ذر مع معاوية وذلك قبل ان يتصدر سدة الخلافة اثناء ولايته للشام في عهد عثمان بخصوص اكتناز الذهب والفضة والايات القرانية التي تقضي بعدم ذلك يتعلل معاوية بأن الاية انما انزلت في اليهود أي انه هنا يخصص اية قرآنية رغم وضوح ارتباطها بالمقاصد العامة بينما نراه ومع نصوص اخرى مثل نص الطائفة المنصورة يتعامل معها بأطلاقها وبكل عمومياتها رغم انها لا تحتمل ذلك من مختلف الاوجه.

لقد ادت هذه الانتقائية في التعامل مع النصوص الدينية سواء كانت قرآنية او نبوية إلى اغفال الدور المقاصدي فيها واخراجها عن سياقها الاصلي العام والتعامل معها كما لو كانت نصوص مطلقة تنزلت على بيئة خارج الزمان والمكان والظروف الطبيعية وبينما كان الفقه المقاصدي في عهد عمر خصوصاً يثمر نتائج اجتماعية مذهلة على كافة الاصعدة فأن التعامل مع النصوص بهذه الطريقة ادى إلى إنكفاء الفقه جانباً عن وظائفه الاجتماعية بعيداً عن مقاصده الاصلية إلى ان بدءت آلية القياس في الظهور والتي لم تعوض ابداً عن المقاصد ولم ترجع الفقه إلى دوره الاجتماعي المطلوب .

لقد قتل توظيف النصوص عند السلطة الاموية الشمول الذي غرسه الخطاب القراني في التفكير المسلم.

* * *

تلك كانت ابرز معطيات لحظة معاوية.

الجبر قتل الايجابية و كرس السلبية .

والاستبداد قتل الشورى والتساؤل .

توظيف النصوص قتل الشمول والبعد المقاصدي .

ان معطيات تلك اللحظة بمعنى اخر قتلت ابرز العناصر التي حرص الخطاب القراني على غرسها والتي شكلت ضمن ما شكلت الثورة التي غيرت الانسان الجاهل وبدلته لتصيره انسانا اخر.

بعبارة اخرى ان معطيات تلك الفترة قد حذفت العناصر التي شكلت الدفعة الحضارية الهائلة والتي بررت تلك الانتقالة المعجزة التي حولت العرب من مجرد قبائل وثنية متفرقة وغارقة في جاهلية سخيفة إلى اصحاب حضارة حقيقية لا تزال اثارها باقية إلى اليوم..

بأختصار: ان معطيات تلك الفترة قتلت او بدءت بقتل مفاهيم العقلانية التي ارساها الاسلام .

وبأختصار اكثر: عند ذلك المنعطف العتيق ولجنا عصر الانحطاط.

* * *

ولان الامور عندنا مختلفة دوماً فاني اعلم جيداً ان معاوية سيجد من يدافع عنه وهو امر يكاد يكون مفروغاً منه بل اني اعرف مسبقاً النصوص والادلة التي ستؤول و تستخدم من اجل الدفاع عنه واستطيع ان اسردها لو شئت ابتدأ من (اجتهد واخطأ وله اجر) وهي الادلة المعتدلة إلى (خير القرون قرني) التي تقدس الفترة بأكملها و تحرم أي مناقشة بهذا الصدد.

والحقيقة ان المسألة هنا مختلفة فمعاوية ليس في موضع اتهام لكي يجد من يدافع عنه كما ان البحث السابق ليس حلقة اخرى من مسلسل السب واللعن المستمر من اكثر 14 قرناً وبنجاح ساحق ،علينا ان نترفع عن ذلك كله وننظر للموضوع نظرة جديدة : متى نعي ان احصاء اجر أي احد ليس مهمتنا وانه ليس من شأننا على الاطلاق من سيدخل الجنة ومن سيلج في النار وانه بعد كل شيء من الممكن جداً ان يتغمد الله بمغفرته الفترة بأكملها وان ذلك كله لا يفترض ان يضيرنا في شيء.

ان البحث السابق ليس هدفه البحث في اخطاء معاوية او نقائصه او اجتهاداته وهل سيحصل على اجر واحد في حالة خطئه او اجرين فيما لو اصاب. المسألة مختلفة تماما،ً تلك الفترة كانت حاسمة ومعطياتها اثرت على بنية الفكر المسلم والعقل المسلم والمجتمعات المسلمة بشكل عام إلىيومنا هذا والخطا فيها- بغض النظر عن الاجر فيه- تدحرج وكبر مثل كرة ثلج بدءت صغيرة وكبرت إلى ان صار الخطأ ضخماً هائلاً قاتلاً ومضاداً لكل القيم القرانية الاصلية لكنه في الوقت نفسه ومع الوقت صار جزءً من بنية الفكر المسلم و من طبيعة المجتمع المسلم، من اسلوبه في التفكير .


هذه الاخطاء التي كبرت هي التي تكبلنا اليوم وتشدنا إلى القاع .

وبأيجاز ووضوح لو اردنا الخروج من عصر الانحطاط علينا ان نبدء من هناك، من المنزلق الاول مهما كانت النتيجة .

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور أحمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة التاسعة ..
08-31-2006, 06:02 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  فقه الثورة وفقه العنف والجريمة ..لحظة داروينية في ربيع العرب بقلم: نارام سرجون فارس اللواء 0 682 09-06-2012, 12:41 PM
آخر رد: فارس اللواء
  فرصة تاريخية للمصريين والعرب ... الأهرام الرقمى نظام الملك 22 5,025 02-24-2012, 04:37 AM
آخر رد: The Holy Man
Video معاوية بن ابي سفيان، صحابي جليل ام زنديق تملك المسلمين؟ (خطبة مثيرة للاهتمام) المفكر شمعون 11 3,856 05-14-2011, 09:40 PM
آخر رد: على نور الله
  جمهورية اليهود ...حقيقة تاريخية والحل بيد الليدي ميشيل نسمه عطرة 1 1,969 01-10-2011, 10:43 PM
آخر رد: أسامة مطر
  نصارىالعرب وقبر أبو أيوب و بزيد ابن معاوية عزيز عزير 12 3,612 09-16-2010, 01:29 PM
آخر رد: المضطهد Le persécuté

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS