{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #21
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
إفرض..

اذا صعب عليك تصور علاقة ذلك المنزلق الاول بوضعية عصر الانحطاط التي نعيشها حاول ان تفترض نفسك تعيش في ذلك العصر، في لحظة معاوية التي دامت عشرين سنة.

انت من الموالي، حديث عهد بالاسلام أي حديث عهد بجاهلية، مثل معظم المسلمين في بلاد الفتوحات ورغم انك قد دخلت بالاسلام وتؤمن بعمومياته الا ان كونك من الموالي يجعل عربيتك ناقصة وهذا برأي السلطات يجعلك غير مسلم لذلك تجري عليك احكام الجزية رغم كونك مسلماً والسلطة لا تهتم بهذا، انها تريد المال و المزيد من المال- دوماً المزيد من المال انها تظلمك وتضطهدك وتعذبك وانت تكرهها، تنزف حقداً وكراهية مثلما سيفعل أي مظلوم تجاه أي ظالم في أي زمان ومكان.

هاهي السلطة تأمرك بسبب رجل ما. ما اسمه؟ اسمه علي. ويكنونه تصغيراً وتحقيراً له ابا تراب .انك لاتعرفه، لعلك لم يسبق لك ان رأيته، لكنك تسمع همساً يقول انه كان رجلاً صالحاً وابن عم للرسول بل وزوج ابنته ووالد احفاده.
والسلطة تأمرك بسبه. لعلك تسبه فعلاً لتتخلص من اذاها. لكنك تقرر انه لا بد وان يكون رجلاً صالحاً عادلاً لتكرهه سلطة ظالمة مثل هذه.

ثم انهم يستمرون بسبه رغم انك علمت انه قد مات. لماذا ياترى؟ هل يقدر مثلاً ان يؤذيها حتى وهو ميت؟ انك تحبه اكثر فأكثر لا لأنك تعرفه بل لانك تكره السلطة الظالمة القاسية التي تستمر في معاملتك كعبد لها و تكره عمالها الذين يسبونه على المنابر ، وانت تحبه لهذا السبب بالذات لانك تدرك انه قادر على ايذائهم جداً ما داموا يكرهونه لهذه الدرجة.

لكنه ميت. هل يمكن ذلك؟

وانت حديث عهد بأسلام أي حديث عهد بوثنية ومعتقداتك السابقة تظهرعلى السطح من افكارك تريد ان (تتجسم) ان (تتمثل) في شخص، في رمز يرتبط بالدين الجديد الذي اعتنقته (دون ان يكون هناك احد لكي يشرح لك تفاصيله لان السلطة مشغولة بجمع المال اولاً وسب علي ثانياً).

وماذا بعد الغلو، سوى غلو مضاد؟

* * *

كان هذا مثالاً بسيطاً لخطأ تدحرج وكبر وترك اثار جسيمة وهائلة على تاريخ الفرق الاسلامية والمجتمعات الاسلامية ولا زال إلى اليوم قائماً يشق صف الامة .

وهناك مثال اخر ابسط منه : مسألة سب ابي بكر وعمر عند بعض الفرق كانت هي الاخرى غلو مضاد يواجه غلواً فرضته السلطة. لقد فرضت السلطة سب علي على المنابر وبمثابة اعلان متجدد عن الولاء والبيعة لها وكان لا بد لهذا السبب ان يواجه سباً مضاد كما لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس في الاتجاه.

ولأسباب كثيرة لم يتجه السب المضاد نحو معاوية، اولها امنية ومتعلقة بالاضطهاد الاموي وثانيها ان مكانه معاوية الدينية لم تتضخم ابداً حتى في عهده وثالثها ان الخطاب الاعلامي في الاموي كان يتذرع بـسنة الشيخين ابي بكر وعمر. ولهذا وامعاناً في النكاية فقد وجه السب المضاد نحو ابي بكر وعمر رغم انهما لا علاقة لهما بموضوع سب علي اطلاقاً .

وبعد عقود سقط سب علي (العلني على الاقل) اما السب المضاد فقد ظل صار عقيدة وصعد احياناً في بعض العهود على المنابر.

انه الخطأ يتدحرج مع الزمن ويكبر.

* * *

لكن اسوء ما في لحظة معاوية كان ان ما تلاها كان اسوء بكثير .

فقد كان كل من تلا معاوية من ملوك اسوء من معاوية من كل الوجوه ما عدا فترات عابرة في عهد انقلاب عمر بن عبد العزيز والذي لم يستطع ان يعكس عقارب الزمن .

ولقد كان معاوية واعياً لذلك التدهور الذي سيصير بل لقد ساهم بتكريسه بتوليته ليزيد من بعده وقد قال (اني وليتكم وقد كان من قبلي افضل مني كما اني افضل ممن سيأتي بعدي) وكان صادقاً في هذا القول تماماً إلى اقصى حدود المصداقية. فقد كان يزيد سيئاً جدا.ً انه لم يكتف بأظهار العبث واللهو و المجون دون حتى ان يحاول اخفاء ذلك احتراماً لموقعه على سدة الخلافة لكنه اكثر من ذلك ارتكب فظائع شنيعة في حق معارضيه من اجل الحصول على البيعة .كانت تلك الفظائع تمثل بالتأكيد امتداداً فعلياً لاستبداد ابيه لكنه الخطأ المتضخم تدحرجاً عبر الوقت، إذ ما كان معاوية ليورط نفسه بسهولة في منزلق مثل هذا رغم مسئوليته عنه ابتداءً.

لقد كانت واقعة كربلاء التي قتل فيها شهيداً الحسين واولاده بل ومثل بجثمانه بعد ان حوصر واهله وكادوا يموتون عطشاً كانت تلك الواقعة الشنيعة واحدة من اكبر مزالق بني امية في عهد ملكهم الثاني يزيد. فقد صارت الواقعة ركناً ركيناً من عقيدة الفرقة المعارضة و عملت آلية الغلو المضاد هنا ايضاً كقانون طبيعي خصوصاً في اوقات الظلم والطغيان تحول الحسين من رمز للثورة ضد الطغيان كما كان يجب ان يكون إلى رمز اخر تختلط فيه المعتقدات الوثنية بآلية التعظيم المضادة. لقد عمل الغلو الظالم والغلو المضاد على كل اجزاء الواقعة، حتى تراب كربلاء الذي سالت عليه الدماء الطاهرة صار تربة مقدسة تتوارث قداستها عبر القرون وتنتقل حتى اليوم عبر الاقطار ليصلي عليها الملايين من الشيعة في مظهر يكاد يكون اليوم مفرغا تماما من الارتباط بالواقعة نفسها.

واذا كانت كربلاء قد احتلت مكانتها التاريخية بسبب ارتباط عقيدة الشيعة بها فان وقائع اخرى مرت دون ان يرتبط احد بها لكنها فقط رسخت ذاكرة الاستبداد والذل والخنوع والظلم لقد استبيحت المدينة نفسها على عهد يزيد لمدة ثلاثة ايام وقتل في تلك الواقعة – الحرة – اكثر من ثمانين هم بقية الصحابة في ذلك الوقت،و قتل ايضاًحوالي عشرة الاف من سائر الناس مهاجرين وانصار وموالي وكانت الاستباحة فعلية تشمل اغتصاب النساء والنهب والسلب ( البخاري 2463 ) وقيل ان بكارة 4000 فتاة قد افتضت.

وانتزع البيعة ليزيد من اهل المدينة انتزاعا لكنها كانت بيعة مختلفة لقد بايعوا على ان يكونوا خول(=خدماً) ليزيد، عبيداً له في طاعة الله ومعصيته كما اشار ابن حجر في فتح الباري 6694 وعندما وصل نبا ما حدث في المدينة إلى يزيد بن معاوية امير المؤمنين قال

ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لاهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا ليزيد لا فشل

أي انه كان يتمنى ان ينهض اجداده المشركين قتلى بدر- والد هند جدته وعمها واخيها- ليهنئوه على انتقامهم من اهل المدينة وكبرى قبيلتيها الخزرج.

ولم يكن ذلك كل شئ . فقد حوصرت مكة نفسها من اجل القبض على عبد الله بن الزبير وقصفت الكعبة بالمنجنيق واحرقت وبعدما قتل عبد الله بن الزبير(الذي لا يبكي اليوم عليه احد) علقت جثته لمدة سنة كاملة مقطوعة الرأس إلى ان ارسلت امه اسماء بنت ابي بكر (اسماء ذات النطاقين ما غيرها) تطلب إلى عبد الملك بن مروان ان يسمح لها بدفنه وقيل ان جثته القيت في مقابر اليهود.

وشهد عصر الاستبداد الاموي ظاهرة الرؤوس المقطوعة التي تنتقل عبر الامصار بشكل مريض ومروع ومن اشهر هذه الرؤوس واجلها رأس الحسين نفسه الذي كان الرسول يقبله في موضع جبهته وراس عبد الله بن الزبير وراس كل من عبد الله بن مطيع وعبد الله بن صفوان وزيد بن علي بن الحسين.

وعرف كذلك المجتمع المسلم المرعوب ظاهرة القتل بالتدريج فقد روي في قتلهم غيلان الدمشقي في عهد هشام بن عبد الملك انهم كانوا يقطعون اعضاءه بالتدريج ويسالونه كيف صنع الله بك ؟ لتكريس مفاهيم الجبر التي حاربها فاجابهم لعن الله من فعل بي هذا ناسبا اليهم هذا الفعل المنكر منزها الله جل وعلا عن مثله فاستمروا في القطع إلى ان وصلوا إلى لسانه فقطعوه.

بالمقارنة يمكن التحقق من مصداقية معاوية عندما قال انه افضل ممن سياتي بعده.

وبالمقارنة بين معاوية الذي اوصى ليزيد من بعده وبين بقية السلسلة نلاحظ انه كان افضلهم جميعا الا من رحم ربي.
ومن هنا يمكن تفهم قول الاعمش: لو رايتم معاوية لقلتم هذا المهدي. (المعجم الكبير 19/308 -691 ). لكن الطريف في الامر ان الاعمش لم ير معاوية، فقد ولد في عهد يزيد!

* * *

وكما ترسخ الاستبداد اكثر فاكثر في عهود خلفاء معاوية فان كل المعطيات الاخرى ازدادت بالتدريج فمفهوم الجبر انتقل من مرحلة التنكر خلف النصوص الدينية والتسلل التدريجي إلى الخطاب السياسي الاعلامي لراس السلطة الاموية تحول إلى مرحلة الاعلان الصريح بل التنظير الفكري الذي روج له البعض من الفقهاء المسايرين للسلطات كما لاحظنا في المناظرة التي جرت مع غيلان عند صلبه تحديدا.

وكذلك ازداد توظيف النصوص الدينية للاغراض السياسية بقتل مقاصدها العامة تحديدا وعبر اخراجها من سياقاتها الاصلية بل ان وضع الاحاديث حسب الطلب ونسبتها إلى الرسول بدء في مرحلة ما من مراحل العهد الاموي مثل الاحاديث الضعيفة في فضائل معاوية والحكم الاموي بشكل عام وكلها تتراوح بين الضعف الشديد والوضع وتعكس حاجة الدولة إلى المزيد من النصوص الدينية لتبرير شرعيتها*

وكذلك عمدت السلطة إلى ترويج تاويلات وتوظيفات لم يثبت ان معاوية نفسه استخدمها، مثل التاويل الذي روجت له وبشدة منسوبا إلى ابن عباس في قوله تعالى ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا ) الاسراء 33 فهذه الاية وظفت لصالح ( سلطة معاوية ) او سلطنته كما يعبر ابن كثير في تفسيره فقد قتل عثمان مظلوما واعتبر معاوية وليا له، لا ندري لماذا معاوية تحديدا، فصار له عبر هذه الولاية سلطانا ونصرا الهيين عبر تاويل الاية. ان هذا الترسيم يعبر عنه ابن عباس في القول المنسوب اليه: وايم الله ليتامرن عليكم معاوية قضى الله تعالى ( ومن قتل مظلوما …الخ ) المعجم الكبير 10613 والاية في الحقيقة لا يمكن ان تؤول بهذا الشكل المختلف وهي جزء من سياق اخلاقي يتحدث عن العقوبات. هذا الترسيم يعبر عن اختلاط الجبر في مختلف موضوعات التفسير فامرة معاوية وسلطانه ونصرته صارت هنا امرا مفروغا منه بل وتستحق القسم بايمان الله باعتباره امرا واقعا لا محالة كما لو ان على كل المسلمين ان يدفعوا ثمن دم الخليفة الذي قتل مظلوما دونما شك لكن كيف يمكن لهم جميعا ان يظلموا ويتحملوا ثمن ديته من حريتهم وحياتهم واموالهم. ولمن؟ لمعاوية بالذات لمجرد كونه قريبا له <رغم ان طلحة والزبير ايضا طلبوا دم عثمان كذلك >

وهكذا كبرت الاخطاء التي بدءت في لحظة معاوية عبر 3 محاور الجبر و الاستبداد و التوظيف واستمرت بالنمو والتضخم إلى ان صار الجبر عقيدة و الاستبداد طبيعة والتوظيف فقها ولم يحدث ذلك بسهولة فقد شهد العصر الاموي ثورات عديدة، الخوارج وحدهم ثاروا حوالي 50 مرة، كانت هذه الثورات تعبر وباشكال مختلفة عن ارادة الرفض الجماهيرية ضد السياسة الاموية لكن وبسبب قوة المحاور التي استند عليها بنو امية في ترسيخ حكمهم خصوصا النصوص الدينية بالاضافة إلى وسائل الترغيب والاغراء بالمال التي عمدوا اليها واشغال الجند بالفتوحات من اجل الهائهم عن امور الجبهة الداخلية كل ذلك ادى بالتدريج إلى ترسيخ معطيات لحظة معاوية بل ودخولها بقوة حتى ضمن الافق الفكري لبعض الفئات المعارضة التي استخدمت نفس الاسلحة الاستراتيجية الاموية في مقارعتها لهم وكان ذلك معناه رسوخ المعطيات الاموية وتحولها إلى جزء لا يتجزء من منظومة الفكر المسلم.

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور احمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة العاشرة ..
08-31-2006, 07:02 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
خالد غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 7,660
الانضمام: Apr 2004
مشاركة: #22
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
لم كان معاوية صحابيا يا إسماعيل أحمد، وكيف تعرف أن فلانا من الناس صحابي أم غيره؟

وكيف يكون من يأخذ المال على الإسلام بصحابي أصلا؟ اعني المؤلفة قلوبهم ومنهم معاوية وأبوه.

ثم إن تحرير حقيقة الصحبة، ومن هو الصحابي قد يخرج كثيرين من الذين يظن صحبتهم لرسول الله وهم إنما رأوه، وقد يكون الإيمان ما خالط لا بشاشة قلوبهم ولا حتى ظواهرها.

08-31-2006, 07:20 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #23
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
بصمات باقية الى يومنا هذا ..

تلك البيئة الاموية بمعطياتها الحاسمة افرزت مضادات ومعطيات اخرى لا تزال حية وقائمة إلى يومنا هذا وتشكل جزء لا يتجزء من الفكر والفقه بل ومن الطبيعة الاجتماعية الاسلامية فامام سلاح الجبر الذي استخدمه الامويون لاضفاء الشرعية على حكمهم كان لا بد وان ينشأ لدى معارضيهم مفهوم مضاد يقارعون به الجبر الاموي ورغم ان حقيقة مقالاتهم وارائهم لم تصلنا الا عن طريق معارضيهم مما يترك مجالا للتشويه والتشنيع الا انه من المحتمل وبسبب الية الغلو والغلو المضاد وحداثة الكثيرين بالاسلام بل وجهلهم باللغة العربية من المحتمل ان يكونوا انزلقوا فعلا عبر معارضتهم للجبر الاموي إلى نفيهم للارادة الالهية اصلا.

وكان ذلك محرجا جدا حتى ولو لم يكن حقيقيا فقد كانت السياسة الاعلامية الاموية تروج انهم وصلوا لتلك الدرجة من نفي القدرة الالهية لتجند الراي العام المسلم ضدهم، حتى الفقهاء المعارضين للسلطة ما كان يمكنهم سوى ان يعبئوا اقوالهم ضد فئة قيل عنها انها تنفي قدرة الله وارداته بالكلية، وبين جبر السلطة ونفي المعارضة وجد الفكر الاسلامي نفسه امام مازق التوفيق والتوسط الذي سيظل حبيسا فيه لقرون طويلة وهو توفيق وتوسط سيكون ملفقا ومزيفا في اغلب الاحيان وسيعتمد على ذات الاليات التي استخدمها الامويون: استعمال النصوص مجتزأة من السياقات للرد على نصوص اخرى بدلا من الانطلاق من كليات النصوص القرانية وعمومياتها.

واستخدام لمطاطية ومرونة وسعة اللغة العربية إلى اقصى حدود الاستخدام حسب الغرض بالاضافة إلى استغلال الية وضع الاحاديث من اجل التنديد بالفرق المعارضة وتوعدها جهنم وبئس المصير في الحياة الاخرى بالاضافة إلى جهنم وبئس المصير في الحياة الدنيا التي كان أي معارض يتلقاها.

وبسبب من ضيق الزاوية التوفيقية التوسطية التي حصر الفكر الاسلامي فيها فقد اضطر إلى استعمال مصطلحات لغوية غامضة للتعبير عما هو غامض ومبهم اصلا فكان مصطلح الكسب مثلا الذي يعني ان لله يخلق الافعال ولكن العباد يكسبونها او ان الله يخلق الافعال ولكننا نكون محلا لها الخ

وكان ذلك كله غامضا ومبهما ومنحازا- رغم اعلانه التوسط- إلى الجبر الاموي مغلفا بعبارات منمقة وفلسفية ،كان الرجل العادي الذي يخصه الموضوع بشكل مباشر بعيدا عنها تماما وكان التحصيل الحاصل من موقف التوسط الفكري هو ترسيخ الجبر اجتماعيا لغموض فكرة التوسط ورفض فكرة النفي المطلق للارادة الالهية ووجود مفهوم الجبر بقوة الاستبداد كامر واقع بل وعريق.

ولقد راينا في الفصل السابق عبر الاقتباسات المختلفة من كتب العقائد والملل غموض وتناقض وتشوش الافكار والعبارات في مسالة القدرة والارادة والافعال وهذا كله ناتج عن طبيعة الردود التي دفع اليها الفكر الاسلامي دفعا مع التاكيد على وجود حسن النية عند معظم الفقهاء اصحاب هذه الردود لكن هذه المسالة الحساسة بقيت عقيدة وفكرة في رؤوس الناس عبر القرون والى يومنا هذا.

وكما كانت مسالة الارادة البشرية والمشيئة الالهية مثارا لجدل عقائدي ذي جذور واصول سياسية فان مسالة مرتكب الكبيرة وموقعه من الايمان والاسلام اوالكفر كانت ذات اصول سياسية واضحة رغم ان عرضها اليوم ضمن مجموعة العقائد يتم تفريغه من مضمونه السياسي لكن بداية المسالة كانت سياسية بحتة فقد وجد المسلمون انفسهم ومع بداية العهد الاموي وصعودا يدينون بالطاعة والولاء لامراء وخلفاء ما كانوا يتورعون عن اظهار ارتكابهم للمنكرات والكبائر والمعاصي فضلا عن اقترافها اصلا بل ان معظمهم تجاوز الطابع الفردي في ارتكاب الكبائر التقليدية إلى حد بعيد في الاستهتار والمجون بل وحتى الزندقة فقد روى الرواة مثلا ان الوليد بن يزيد كان رائدا في الخلاعة والمجون وان في اشعاره من التهتك ما لا يسمح الذوق الحديث بكتابته اضافة إلى اظهاره الشراب والمعازف والملاهي بل يقال انه اعتزم ان يبني اعلى الكعبة قبة يشرب فيها الخمر ويشرف منها سكرانا منتشيا على الطائفين ببيت الله العتيق.

وروي ايضا انه رمى المصحف بالسهام اكثر من مرة عندما انزعج من ايات فيها وعيد لامثاله كما روي عن يزيد بن معاوية انه صلى بالناس الفجر مرة وهو سكران فزاد فيها ركعة!

كما روي عن غير واحد منهم اشعار تفوح منها رائحة كفر بواح مثل ذلك البيت المنسوب إلى يزيد:

لعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحي نزل

هذا كله بالاضافة إلى ما هو اكثر واثبت واظهر من استباحة دماء المسلمين واعراضهم مما جعل الفكر والمجتمع الاسلاميين يحتار في تحديد هوية هؤلاء الامراء وولاة الامور هل هم مسلمون؟ هل هم كفار؟ ما هو واجب الامة في حال كونهم كفار؟ هكذا بدء الاختلاف حول مرتكب الكبيرة منطلقا من جذور سياسية واضحة المعالم .

وتبين لنا اختلافات الفرق حول هذه المسالة طبيعة الاختلاف حول التعامل مع السلطة الحاكمة مرتكبة الكبائر فالخوارج كفرت مرتكب الكبيرة أي بتعبير اخر كفرت السلطة والمرجئة عدته مؤمنا أي انها عدت السلطة مؤمنة واهل السنة ممثلين بالحسن البصري انذاك عدته منافقا اما المعتزلة فقد اعطتهم منزلة جديدة بين منزلتي الكفر والايمان وقد اجتمعت كل هذه الفرق على فسوق وفجور مرتكب الكبيرة كما اجمعت على كفره في حال استحلاله لكبائره.

هذه التقييمات المختلفة التي نقراها اليوم فنتصور انها موجه نحو الفرد العادي الذي قد يزل فيرتكب معصية ثم يستغفر ربه فيتوب ثم قد لا تكون توبته نصوحا الى آخره لكنها كانت في حقيقة الامر تعبيرا فقهيا عقائديا عن صيغة للعلاقة بين السلطة والناس.

ولعله من الجلي الواضح ان ترسيم المرجئة لوصف مرتكب الكبيرة بالايمان الذي عده اقرارا باللسان واعتقادا بالقلب فحسب كان يفيد السلطة الاموية بشكل خاص باعتباره يصفها بالايمان رغم ارتكابها الكبائر وقد قرب الامويون بعض ائمة المرجئة واستخدموهم كولاة وعمال في الامصار لغرض نشر مفهوم الارجاء وتكريسه وانطلقت الية توظيف النصوص تعمل على هذا الهدف فاذا بالنصوص الصحيحة تجتزئ من سياقاتها وتروج بشكل مخطوء واذا بدخول الجنة عمل من اسهل الاعمال بل انه لا يستوجب أي عمل على الاطلاق فقط قول الشهادة وما اسهل ذلك ورغم ان توظيف هذه النصوص وترويجها كان لخدمة اصحاب الكبائر من اهل السلطة الا ان هذا الترويج كان ينشر معه مفهوم الارجاء اي فصل العمل عن الايمان عند العامة كذلك مما سبب تدهورا اخلاقيا سريعا في المجتمعات المسلمة ورغم ان المرجئة كفرقة لم تستمر طويلا وواجهت ردودا عامة خصوصا حول مسالة تعريف الايمان الذي اعيدت صياغته على يد اهل السنة والجماعة بانه خضوع بالجنان واقرار باللسان وعمل بالاركان الا ان العمل الذي اعيد دمجه بالايمان هو العمل بالشعائر فحسب وليس المفهوم الواسع الشامل للعمل الصالح الملتحم عضويا بالايمان عبر القران كله وبالاضافة إلى ذلك وبالرغم من اعادة تعريف الايمان فان منابع الارجاء من نصوص مجتزأة وموظفة ظلت موجودة بكثرة خصوصا وان بعضها صحيح النسبة إلى الرسول ولكن مجتزأ من سياق اعم واشمل وظلت هذه النصوص تعمل في الجماهير خصوصا بمفاهيم فصل الايمان عن العمل وان لم تسمى هذه المرة خلف عقيدة المرجئة.
وبالرغم من ان مفاهيم الارجاء قد خدمت السلطة الاموية بادئا ذي بدء الا ان ذلك لم يكن على طول الخط فقد استخدمت مفاهيم الارجاء نفسها وبشكل معارض للسلطة فقد كانت السلطة ومن اجل الاستمرار باخذ الجزية من شعوب كاملة فتحت بلدانها ودخل اهلها الاسلام عموما تعتبرهم غير مسلمين بسبب عدم اتقانهم الصلاة بالعربية مثلا او سائر الفرائض ولم يكن عدم اعتبارهم مسلمين حرصا على الفرائض او غيرة على الاسلام بل حبا في الجزية،و في مواجهة هذا الواقع الذي الغى الملايين من الناس وعدهم غير مسلمين تقدم مفهوم الارجاء ليرجئ امر هؤلاء إلى يوم القيامة ويعدهم مسلمين إلى حينها ولعل هذه المعارضة هي التي سرعت باندثار الفرقة وانقراضها على الرغم من استفادة الامويين من بعض مبادئها.

في هذه البيئة الفكرية ولدت اولى بذور الفكر والفقه الاسلاميين استبداد و جبر وتوظيف النصوص للاغراض السياسية ،غلو وغلو مضاد. هل كان يمكن لفكر ولد في بيئة حافلة بالمعوقات الا ان يكون معوقا هو الاخر؟ هل كان يمكن الا ان يحمل معه عبر العصور صعوبات بيئته الاولى ومشاكلها بل وخلافاتها؟ هل كان يمكن الا ان يحمل اللحظة التي ولد فيها ليمنحها مثل ما منحته الانتشار التاريخي والجغرافي ؟ لقد اكتسب هذا الفكر بانتسابه للاسلام اولا وبارتباطه بتفسير وتأويل النصوص المقدسة جانبا اكتسب درجة القدسية بالتدريج خصوصا وان بعض التكريس قد رسخته سلطات مستفيدة من هذا الفكر وبالاخص اكثر وان العوامل التاريخية والية توظيف النصوص قد عمدت إلى تقديس الفترة بكاملها فترة السلف الصالح التي تمتد على الاقل مدة 3 اجيال بعد وفاة الرسول.

كل هذا منح الفكر والفقه الذين ولدا في تلك الفترة عوامل الاستمرارية والبقاء. لقد كانت لحظة معاوية هي التي بدءت ذلك كله. فلنلاحظ اذن انها لم تستمر عشرين سنة فترة حكم معاوية ولكنها استمرت اكثر واكثر.

* * *

صدق او لا تصدق:العباسيون امويون جداً

برغم ان العهد الاموي لم يلبث ان انتهى بسقوط دولتهم على يد العباسيين الا ان لحظة معاوية لم تنته بسقوط الدولة الاموية بل استمرت اكثر واكثر فالمهم في المسالة هو المعطيات المكرسة وليس مهماً من هو الذي يتولى الخلافة و الى أي قبيلة ينتسب.

وفي الحقيقة لم يشهد عهد انتعاش لمعطيات لحظة معاوية مثل العصر العباسي .

لقد صارت هذه الاسلحة جزء لا يتجزء من طبيعة كل حكم ياتي لانها صارت جزء من طبيعة الناس، صار الناس بطبيعتهم وبتقادم العهود الاستبدادية مهيئين ليكونون مغلوبين على امرهم مستعدين للظلم متقبلين تماما لدور الضحية امام السلطة الجلادة التي كانت تتبدل وجوهها واسماءها وحتى شعاراتها ولكن سياستها مع الناس لم تتغير: السيف السوط والصلب على جذوع النخيل.

وامام رعية متقبلة لدور كهذا ما كان على الراعي الا ان يكون كما يتوقعونه ان يكون مستبدا باطشا قاسيا على اعدائه.

والمسالة تظل نسبية وقد شهد التاريخ الاسلامي عبر عصوره المتعاقبة حكاما اعدل ربما من غيرهم لكن عدالتهم محسوبة دوما ضمن نفس قيم الاستبداد. انهم افضل ممن سبقهم او لحقهم من الحكام، ربما عفوا عن هذا او ذاك من معارضيهم ربما قتلوهم ولكن لم يفتكوا بعوائلهم بل انهم ربما كانوا يفضلون شراء ذمم معارضيهم بدلا من تعليق جثثهم في الميادين العامة وكان ذلك بالتاكيد افضل من سمل العيون وسبي النساء وارسال الرؤوس المقطوعة عبر الامصار، لكنه يظل ايضا بعيدا عن الانتماء إلى عالم القيم القرانية قيم الشورى التي لم تتحقق على ارض الواقع الا في فترة النبوة وجزء من الخلافة الراشدة دون ان تتحول إلى مؤسسة لها جذورها الاجتماعية والسياسية التي تحميها من تبدلات امزجة مختلفة واخلاق الحكام.

ولعل خير مثال على ذلك الانقلاب الكبير الذي قام به عمر بن عبد العزيز الذي كان إلى حد بعيد يقترب من المفهوم الراشد للعدالة وكانت اخلاقه عالية تماما و نياته صادقة وقد قام برد الكثير من المظالم لكن السلطة تحتاج إلى مؤسسات ، إلى بطانة قوية تكون مقتنعة بما تفعل ولا تبدل القوانين بتبدل مزاج الخليفة لذلك بعد ان مات عمر، ولا يهم هنا حقا كيف مات ،عاد كل شئ كما كان وربما اسوء .

وفي كل الاحوال عملت على تقبل الشعب للاستبداد وتعوده عليه تلك الكمية الهائلة من النصوص والفتاوي التي ساعدته على ذلك فقد عملت الية التوظيف والاجتزاء على تاويل وتحويل عدد كبير من النصوص الصحيحة قطعا إلى معنى مخالف لمقصد السياق من اجل خدمة هدف تثبت دعائم السلطة وقد مر معنا في لحظة معاوية بتاثير ذلك ونماذج منه.

وعملت الية الوضع بشكل اسوء بكثير وقد كان العهد العباسي عموما عهد وضع الاحاديث وصناعتها وقد وجد بنو العباس خصوصا في عدم وجود فضل وسبق معين لجدهم العباس رغم كونه عما للرسول بسبب تاخر اسلامه عددا هائلا من الاحاديث <الضعيفة او الموضوعة حسب التصنيف اللاحق> التي خدمتهم باشكال مباشرة او غير مباشرة فهناك الاحاديث التي تبشر بحكمهم بل وتحدد اماكن انطلاق ثورتهم وهي احاديث موضوعة لهدف محدد في وقتها والمضحك انها لا تزال تجد تاويلات معاصرة إلى يومنا هذا وهناك احاديث اخرى مضادة لاعدائهم بنو امية اولا والعلويون ثانيا حسب تسلسلهم التاريخي.

[SIZE=4]وهناك احاديث من نوع اخر وضعت لا ضد احد بالذات ولكن لتكريس طبيعة استبدادية معينة ففي تلك الفترة المبكرة من العهد العباسي كانت مكانة الشيخين ابي بكر وعمر عالية جدا وكانت اعمالهما وافعالهما سنة جديرة بالاتباع بل ان الفترة كلها قد تطوبت فترة مقدسة لا يمكن المساس بها وصارت سنة الشيخين مرجعا مهما من مراجع الفقه- على الاقل بالنسبة لأهل السنة- ولذلك فقد وضعت احاديث وروايات تاريخية لا باس بكميتها تنسب افعالا استبدادية معينة لتلك الفترة ،خاصة إلى عمر، متنكرة خلف شدته وحزمه ومستغلة الخلاف الموجود فعلا مع علي وفاطمة لتنسج من ذلك كله نسيجا مختلقا من حكايات غريبة وعجيبة: هاهو عمر يهدد بحرق البيت بمن فيه <وفيه فاطمة وعلي وبقية اهل البيت> وهاهو يبدي استعداده لقتلهم بل هاهو يوحي باجراء مذبحة لمجلس الشورى الذي اوصى هو بتكوينه عقب اغتياله وقبيل وفاته فاذا لم يتفق فلان وفلان وفلان فاقتلوهم واذا لم يصلوا لاتفاق خلال 3 ايام اقتلوهم جميعا الخ وكلها نصوص غريبة عجيبة ولا اثر لها في الوقائع المروية بالاسانيد الصحيحة ولم يكن هدف واضعوها الحط من مكانة عمر <كما يهدف الان مروجو هذه الوقائع> بل كانوا يستندون على مكانة عمر من اجل تشريع الاستبداد واعطائه مرجعية قدسية خاصة فاذا كان عمر وهو من هو قد فعل ذلك مع معارضيه وهم من هم فكيف لا يباح فعل ذلك من قبل من هم دون عمر ومع من هم دون معارضيه وعندما تكرست تلك الوقائع الموضوعة وصارت جزء من الافق الفقهي السني الذي تآلف مع الاستبداد صارت في الوقت نفسه ودون قصد مسبق من الواضعين جزءً من الخيال والغلو الشيعي المضاد الذي وجد في تلك الوقائع حلقة اولى مفقودة من سلسلة الاضطهاد الذي تعرض له فعلا اهل البيت ولكن في وقت لاحق.

[SIZE=5]وتولت الية الوضع التي وجدت فرعا لها عند كل فرقة معارضة بما فيهم الشيعة الباقي فاذا بعمر يصير ما صار اليه في الغلو الشيعي المضاد واذا بذلك كله يختلط بالظلم الاموي والعباسي وبالسب والسب المضاد ولينتج من عمر شخصية اخرى مختلفة تماما عن الشخصية الحقيقية وليتحول عبر تضخم ذلك كله إلى رمز ليفرغ فيه الشيعة اضطهادهم كله واذا بالضلع المكسور الذي نبت فجأة ومن لا مكان حقيقي في التاريخ يتحول ليصير جزء اساسيا من عقلية ومشاعر وعواطف ملايين من الشيعة عبر العصور.

في الحقيقة ان هذا الموضوع بالذات قد يحتاج إلى دراسة اكثر تفصيلا لكنني شخصيا لا اجد تفسيرا اخرا لتلك الروايات التاريخية الملصوقة بعمر فهناك عوامل عديدة تؤكد هذا الاتجاه

اولها- ان هذه الروايات على ضعفها الاسنادي المتهافت لدرجة الوضع التام لم تكن من وضع الشيعة اصلا وانما وردت في كتب اهل السنة بالاساس.

ثانيها- ان السياق العام لهذه الروايات لم يكن ضد عمر بالذات بل كانت تمجده وتعلي من شأنه أي ان سبب الوضع لم يكن المساس بمكانة عمر بقدر تمرير حادثة معينة.

ثالثها- اختلافها في مواضع معينة عن الوقائع الصحيحة الثابتة في الصحاح وهذه المواضع المعينة المختلف عليها دوما هي لب الاستبداد وجوهره . الخلاف مع عمر كان موجودا فعلا لكن ان يختلف عمر مع علي او فاطمة شئ وان يهدد بحرق البيت باهله شئ اخر. ان يكون عمر حازما شئ وان يوصي بذبح الستة الباقين من عشرة قريش المبشرة بالجنة شئ اخر تماما وما كان الرواة في الصحاح ليتورعون عن نقل ذلك لو كان صحيحا لا لمصداقيتهم فحسب ولكن لحيادهم التام الذي سبق وان شبهناه بالموت الزؤام.

وعندما نجد حوادث معينة قد ظهرت فجأة وروج على انها حصلت بعد اكثر من مرور قرن من حصولها المفترض فاننا لا بد وان نفترض هدفا معينا وراء هذا الاختلاق ، وعندما يكون المختلقون من اهل السنة ولا يكرهون عمر بل يجلونه فاننا ولا بد نقرن ذلك الاختلاف بهدف التشريع لما ينسبون إلى عمر فعله انه نسب الاستبداد إلى سنة الشيخين ابي بكر وعمر.

وعندما يصدق الناس وهم يحبون ابي بكر وعمر ويؤمنون بسنتهما فان الاستبداد يتكرس اكثر فاكثر ويصير له مرجعية سلفية ممتازة وهذا هو هدف السلطة في الاختلاق وترويجه

اما عندما يصدق الناس وهم لا يحبون ابي بكر وعمر او على الاقل لا يؤمنون بمرجعية افعالهما كما الشيعة حتى المعتدلة التاريخية منهم فان الاستبداد قد لا يتكرس لكن الكراهية هي التي تتكرس الغلو المضاد هو الذي يترسخ .

ان تحول ابي بكر وعمر من الشيخين إلى وزيري علي إلى صنمي قريش في التفكير العقائدي الشيعي إلى يومنا هذا مر بمراحل تطورية هامة وكانت بعض محطاته المهمة والفاصلة هي هذه الالية التي اتبعتها السلطات في تبرير شرعيتها واعطاء غطاء شرعي سلفي لاستبدادها وبطشها وسفكها لدماء معارضيها. طبعا اليوم تبدو الافكار والعقائد منفصلة تماما عن منابعها الاساسية والمفاصل التي ادت إلى نشوء الافكار والعقائد بالشكل الذي ورثناه اليوم.


ان هذا مجرد مثال على ما احدثته الاحاديث الموضوعة <بسبب هدف سلطوي معين ومحدد> من اثار على العقائد والافكار التي لا تزال إلى يومنا هذا تؤدي دورا سلبيا على المجتمع الاسلامي وهناك قطعا امثلة اخرى لكن هذا المثال يبدو واضحا جدا وهناك نوع اخر من الاحاديث الموضوعة تمتلك من المباشرة والصراحة ما يجعلها مفضوحة الاهداف انها الاحاديث المنسوبة للرسول والتي تحض على طاعة الائمة حتى الفجار منهم وباسلوب فج وسخيف ما كان ابعده عن اسلوب الرسول فهناك مثلا حديث: صلوا خلف كل بر وفاجر وهو الحديث الذي اشتهر إلى درجة انه دخل ليصير متنا من متون العقيدة الطحاوية وهي من متون عقائد اهل السنة والجماعة المعتبرة والى جانب هذا الحديث كومة من احاديث مشابهة تؤدي نفس الغرض والمعنى المقصودين فإذا بمجرد اقامة الصلاة سببا كافيا لطاعة الامام حتى ولو كان سكرانا في صلاته!

وقد كانت الصلاة وحدها كشعيرة مفرغة من المعاني والمقاصد الكامنة وراءها تبدو غير مؤذية وغير فعالة خاصة إذا اقترنت بالدعاء الجهري للسلطان أما إذا كان الدعاء ضد السلطان فالسلطة لم يكن يضيرها ذلك ما دام الدعاء سريا بل إنها كانت تفضل ان ينشغل الناس بالصلاة وبقية الشعائر على انشغالهم بامور السياسة والدولة وإ قامة الصلاة ورغم انه لم يلق نجاحا في ذلك إلا ان مجرد محاولته ذلك وهو القائد العسكري المحنك يبين ان الجماهير في وقته كانت تستسلم لكل من يكون مسلما مهما كان ويقيم الصلاة ومهما فعل ومهما جار.

ان هذه القناعة العملية التي تجلت عبر دهور طويلة من الخنوع والخضوع للاستبداد نجد لها اليوم منابعا فقهية دينية عريضة وعميقة وعريقة في ان واحد. كتب الفقه بل والعقيدة ملآنة بها، نفس كتب الفقه التي نتداولها وكتب العقيدة التي يلقنونها ..

فلنتابع قليلا

( وفي الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وان طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن للدماء وتسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها ) فتح الباري 13/7 نيل الاوطار 7/361

فلننتبه هنا إلى طاعة السلطان المتغلب ! كما لو كانت المسالة لا تخص الناس انه متغلب على منافسيه أو على الناس لكنهم حياديون تماما في هذا الموضوع وكذلك فلننتبه إلى مصطلح الكفر الصريح أي ان الكفر غير الصريح لا غبار عليه ولا اشكال فيه وتظل طاعة السلطان فيه واجبة ولقد وجد السلاطين عبر العصور كافة الاساليب ليجعلوا كفرهم غير صريح (حسب الفتوى) من اجل حقن الدماء وتسكين الدهماء!

( ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لاحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة ) اصول السنة 1/46 اعتقاد اهل السنة 1/161

( واعلم ان جور السلطان لا ينقض فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه جوره على نفسه وتطوعك وبرك معه تام ان شاء الله تعالى يعني الجماعة والجمعة والجهاد معهم وكل شئ من الطاعات فشاركهم فيه فلك نيتك له واذا رايت الرجل يدعو على السلطان فاعلم انه صاحب هوى واذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم انه صاحب سنة ) شرح السنة 1/51

( قال سفيان يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد ماض إلى يوم القيامة والصبر تحت لواء السلطان جار ام عدل ) اعتقاد اهل السنة 1/154

( ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج ) شرح السنة 1/57

( فصل- إذا امره السلطان بقتل رجل ظلما فقتله المامور- ان ظن انه يقتله بحق فلا شئ على المامور لان الظاهر انه لا يامر إلا بحق ولان طاعة السلطان واجبة فيما لا يعلم انه معصية واستحب الشافعي رحمه الله ان يكّفر لمباشرته القتل ) روضة الطالبين 9 – 139

( ونعتقد المسح على الخفين ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ونعتقد الصبر على السلطان من قريش ما كان من جور أو عدل ما اقام الصلاة والجمع والاعياد ) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في العقيدة 5/371

( كان ابي بكر وعمر يعلمان الرجل إذا دخل في الإسلام يقولون تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتصلي الصلاة التي افترضها الله عز وجل عليك لميقاتها فان في تفريطها الهلكة وتؤدي الزكاة طيبة بها نفسك وتصوم رمضان وتسمع وتطيع لمن ولاه الله الأمر ) الأيمان 1 1/115

( ونرى الجهاد والجماعة ماضيا إلى يوم القيامة والسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين واجبا في طاعة الله تعالى دون معصية لا يجوز الخروج عليهم ولا المفارقة لهم ) اجتماع الجيوش الإسلامية 1/105

( مطلب تعظيم اولي الأمر واجب قوله وذلك ان تقديم الولاة واجب لان في التقديم عليهم ازدراء بهم وتعظيم اولي الأمر واجب كذا في الفتح وصرح في (..) والايضاح وغيرهما بوجوب تقديم السلطان وعلله في المنبع بانه نائب النبي الذي هو اولى من المؤمنين بانفسهم فيكون هو أيضا كذلك ) حاشية ابن عابدين 2/220

( والقول الثالث هو الفرق بين الامام الاعظم وبين غيره لان ذلك لا يمكن عزله إذا فسق إلا بقتال وفتنة ومتى كان السعي في عزله(= الحاكم) مفسدة اعظم من مفسدة بقائه لم يجز الاتيان باعظم الفسادين لدفع ادناهما وكذلك الامام الاعظم ولهذا كان المشهور من مذهب اهل السنة انهم لا يرون الخروج على الائمة وقتالهم بالسيف وان كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي لان الفساد في القتال والفتنة اعظم من الفساد الحاصل بظلمهم دون قتال ولا فتنة فلا يدفع اعظم الفسادين بالتزام ادناهما ولعله يكاد لا يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو اعظم من الفساد الذي ازالته والله تعالى لم يامر بقتال كل ظالم وكل باغ كيفما كان ولا امر بقتال الباغين ابتداء بل قال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله فان فائت فاصلحوا بينهما بالعدل سورة الحجرات 9 فلم يامر بقتال الباغية ابتداء فكيف يامر بقتال ولاة الأمر ابتداء ) منهاج السنة النبوية 3/390 391 لابن تيمية

( العلة الثانية ان طاعة السلطان واجبة على الجملة كيلا تؤدي مخالفته إلى إثارة الفتنة ولذلك نقول لا ينعزل بالفسق ولو كان الاستبدال به يثير الفتنة فلا يستبدل ) الوسيط الغزالي 6/264

.. .وهكذا نرى اتفاق خصمين لدودين نادرا ما اتفقا ( ابن تيمية والغزالي) على مسالة كهذه ولعله سيكون من الظلم التصور ان الفقهاء الذين انخرطوا في أقوال وفتاوى وتنظيرات كهذه كانوا ماجورين للسلطان ويمارسون ما تعودنا ان نسميه بوعظ السلاطين الحقيقة، أحيانا على الاقل، تكون عكس ذلك تماما فابن تيمية كمثال لا يمكن على الاطلاق اعتباره ماجورا لاي سلطة أو واعظا لاي سلطان بل انه كان في اغلب الاحيان متمردا على اوضاع مكرسة وساندة للسلطة لكننا نراه في فتواه يكرس الطاعة للسلطان مهما جار ومهما ظلم حاله حال الماجورين والوعاظ وان اختلفت منطلقاته في الفتيا فلو دققنا اكثر في منطوقه الذي صدر عنه فهو في دعواه لطاعة السلطان ينطلق من مبدا دفع المفسدة المتاتية من الخروج عنه <سفك الدماء وهدرها وهتك الاعراض… الخ> أي انه ينطلق من الأمر الواقع المفروض بالقوة وبالسيف اكثر مما ينطلق من نصوص دينية مقدسة يجري توظيفها خارج السياق لخدمة السلطان وهو امر يمكن فهمه وتفهمه ضمن ظروف عصر ابن تيمية وملابساته .

اكثر من هذا علينا ان ننتبه إلى ان القرون الخمسة أو الستة التي تفصل ابن تيمية عن النصوص وعن العصر الذي جرت فيه لحظة معاوية بكل ملابساتها كانت كفيلة بتحويل الكثير من النصوص والتوظيفات والمفاهيم إلى مكرسات لا يمكن تجاوزها من قبل أي فقيه مسلم حتى لو كان ابن تيمية لقد كانوا يفكرون جميعا ضمن نفس المنظومة العقائدية الفقهية التي جعلت ولاسباب مختلفة ومعقدة من طاعة الامام ولو كان ظالما جزء من العقيدة، من الأيمان إلا في حالة واحدة نادرة جدا ان لم تكن معدومة اصلا وهي اظهاره لكفر صريح فلنتامل هذا النص الوارد في التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع..

( قال ابو الحسين رحمه الله والذي ثبت عن محمد بن عكاشة ان اصول السنة مما اجتمع عليه الفقهاء منهم علي بن عاصم وسفيان بن عيبنة ومحمد بن يوسف الفريابي وشعيب ومحمد بن عمر الواقدي وشابة بن سوار والفضل بن مكين الكوفي وعبد العزيز بن ابان الكوفي وعبد الله بن داود ويعلى بن قبيصة وسعيد بن عثمان وازهر وابو عبد الرحمن المقري وزهير بن نعيم والنضر بن جميل واحمد بن خالد الدمشقي والوليد بن مسلم القرشي والرواد بن الجراح العسقلاني ويحيى بن يحيى واسحاق بن راهوية ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وابو معاوية الضرير كلهم يقولون راينا أصحاب رسول الله كانوا يقولون ( … ) الرضا بقضاء الله والتسليم لامر الله والصبر على حكم الله والصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم من عدل أو جور ولا يخرج على الامراء بالسيف وان جاروا… ) التنبيه والرد على اهل الاهواء والبدع 1/15

ويرد النص نفسه مرة أخرى في الكتاب نفسه 1/16 بصيغة مختلفة حيث يروى عن محمد بن عكاشة انه راى الرسول في المنام وعرض عليه هذه الاصول بالنص فوافقه عليها!

وبعد عدة قرون كان ذلك قد تكرس وصار امرا شائعا وطبيعيا وبعد كل شئ: ما هي الخيارات الموجودة امام السيف والسوط وجذوع النخيل؟ إنها محدودة جدا وكانت غالبا ما تنتهي بفتنة عظيمة مما يرجح الراي القائل بدرء المفسدة الاعظم والذي كانت ترجمته الحرفية تتمثل في تكريس الاستبداد بل وفي تقديس السكوت عنه.

فلنتذكر ان الأمر كله بدء بلحظة صارت قرونا ودهورا: إنها لحظة معاوية.

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور أحمد خيري العمري

يتبع الحلقة الحادية عشر ...
08-31-2006, 07:34 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
ريفي غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 341
الانضمام: Apr 2004
مشاركة: #24
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
موضوع جميل <====== يقول هذا لأنه شيعي :D

المهم كيف يا إسماعل تستضيف المالكي في منزلك
وفي الأخير يطلع طالب شهرة!

شو رأيك تكمل الردح وتقول أنه يقبض بالتومان الإيراني؟ :D

أنت تعرف أن المالكي فصل من وزارة المعارف بسبب آرائه ولو أراد الشهرة لكتب المطولات في مهاجمة الطوائف الأخرى وبيّن "الوثنية في الإسلام" ولـحاز على مهر الجنّة كما حاز عليها القصيمي :D


أصلا شو دخل المالكي .. يا زلمة هذا العمري :what:
08-31-2006, 07:37 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #25
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
قد يقال ان الموضوع مسيس اكثر مما ينبغي.

وهذا صحيح ، لكن عندما تعتمد السياسة على الدين من اجل توطيد حكمها واعطائه شرعية دينية ويكون الدين المستخدم في ذلك من النوع الشمولي الذي يدخل في كل تفصيلات الحياة فاننا نتوقع ان ينعكس ذلك كله كامر طبيعي على كل تفصيلات الحياة.

وعندما كرس الاستبداد وقدست طاعة السلاطين فان ذلك كان يصب لصالح السلطة بوجه عام لا السلطة المحددة التي كرست ذلك ابتداء فقد ثبت ان السلطة عندما تنهار لسبب معين وخاص بها على الاغلب وتحل محلها سلطة أخرى مرتبطة بعصبية قبلية على الاغلب فان نفس الطاعة ونفس الصبر يعملان لصالح السلطة من جديد وبشكل يكاد يكون آلياً تماما فلنتذكر هنا تعبير ( السلطان المتغلب ) الذي استخدمه ابن حجر: ان السلطان اللاحق يتغلب على السابق فتجب طاعة المتغلب منهما كما لو ان الجماهير تتفرج من بعيد على مباراة على الغلبة ولا يعنيها الأمر حقا وكل ما سيحدث هو تغيير اسم السلطان الذي سيكون الدعاء على المنبر موجها له.

بل ان هذه الطاعة توجهت بشكل أو باخر حتى لصالح الغزاة الذين لم يكن من الممكن استثنائهم من الكفر الصريح (الصليبيين مثلا ) فمن المعروف ان بعض كبار الائمة المسلمين ومشاهيرهم (حجة الإسلام الغزالي على سبيل المثال) عاصروا سقوط بيت المقدس في ايدي الصليبيين لكنهم احجموا حتى عن التعليق على ذلك الواقع وتغييره ، ربما يكون التنظير الفقهي لهذه المسالة معقداً بعض الشيء لكن ببساطة عندما يتم تفسير الاستسلام للسلطة وطاعتها على أساس الفعل الإلهي الذي اوصلها للسلطة فكيف يمكن الهروب من نفس الية التفسير التي تنسب لله سبحانه وتعالى كل ما يحدث بشكل مباشر وبمعنى رغبته المحددة امام احداث الغزو الصليبي وسقوط بيت المقدس أو سقوط بغداد ؟ لا مفر من استعمال نفس الالية. انه امر الله . إنها عقوبته للمسلمين لانهم تركوا فرائضهم وقصروا فيها، الحل في رفع هذه العقوبة ليس في رفعها كواقع اعتيادي بل في اداء الفرائض –مثلا

دوما ستكون هذه التفسيرات والتنظيرات والية التفسير المعتمدة على الفعل الإلهي موجودة في الوعي واللاوعي الديني :عقائدي وفقهي وحتى نفسي. دوما سترسم العلاقة بين الفرد المسلم والمجتمع المسلم وبين التحديات التي تواجهه ليس على مستوى قمة السلطة أو الغزو الخارجي فحسب ولكن حتى على مستوى ابسط التحديات الاجتماعية الاقتصادية والبيئية ودوما ستكون هذه التفسيرات قاتلة لدافع الاستجابة لهذه التحديات والتي لن تكون بهذه الحالة تحديات بل ستكون دوما افعالا الهية لا يصح فهمها أو مناقشتها إلا بقدر تعلقها بالفرائض.

و ليس من المصادفة ان يكون الغزالي نفسه هو الذي نفى الأسباب والعلاقة السببية بين الأشياء جملة وتفصيلا فإذا بالنار لا تحرق والسيف لا يقطع ولا شئ يحدث بسبب شئ في هذا العالم انما هي احداث تتابع بحكم العادة كما مر بنا سابقا.

وسيكون فكر الغزالي الذي ساد وانتشر لفترة طويلة ولا يزال الى يومنا هذا له اتباعه ومحبيه تعبيرا حقيقيا واضحا عن مدى الانحطاط الذي اصاب الفكر الإسلامي على مدى القرون وكان انتصار فكره وانتشار مدرسته بينما محاصرة ابن رشد وحرق كتبه مثلا تعبيرا اخرا عن مصاهرة مستديمة بين الاوضاع الاجتماعية السائدة وبين مدرسة الغزالي وعقائده وافكاره.

كانت السلطة آنذاك يهمها جدا تكريس افكار هذه المدرسة وتثبيتها في عقول الناس: الدعاء للسلطان وطاعته نفي الأسباب والتفرغ التام للعبادات والشعائر حتى لو كانت مبتدعة تماما ما دامت ستزيد من الوقت المخصص للتعبد أي من الهاء الناس..

وكان الناس من جهة أخرى يهمهم أيضا ان يؤمنوا بالوصفة التوليفية التي يقدمها لهم فكر الغزالي فعندما تكون طاعة السلطان قضاء وقدرا نهائيين لا يمكن مناقشتها فان مساوئ السلطان تخف في اعين الناس وعندما يكون الناس مامورين بالصبر على جور السلطان موعودين بالجنة فيما لو صبروا فان تحمل اذى السلطان يكون اسهل بكثير اسهل على الاقل اسهل من عدم الصبر والذي كان ينتهي غالبا بالذبح والصلب وتقطيع الاعضاء.

وكان التركيز على الشعائر والعبادات والزهد الذي تقدمه وصفة الغزالي مريحا جدا للمجتمع والفرد المسلمين فالعبادات وتفصيلاتها كانت دوما وستكون دوما تقدم راحة نفسية وذهنية للفرد وتصنع له عالما ذهنيا صافيا يهرب إليه من عالمه الذي قد يكون مليئا بالظلم والاستبداد والبؤس.

وبعيدا عن ذلك كله، كان هناك القران وقيمه الاولى الحقيقية ،لا علاقة له ابدا بهذه الوصفة ومفرداتها رغم إنها تقدم عادة متنكرة خلف نصوصه.

انه الجبر. السكون .لا امام السلطان أو الغزو أو البيئة الخارجية فحسب ولكن امام كل شئ انه الجمود على الموجود. التقليد. النهاية.

إنها لحظة معاوية تخرج من حيزها المكاني( بين الكوفة والشام والحجاز) والزماني (عشرين عاما فحسب) لتحتل ذلك المحور الإسلامي الهائل بين طنجة وجاكارتا وتمتد قرونا وقرونا تلو القرون

إنها تخرج من التاريخ لتستمر وتسكن العقول والافكار والوقائع. تتضخم؟

نعم! تتضخم مع تدحرجها عبر الزمن وتخرج من طابعها الاولي البسيط ابتداء لتصير افكارا منمقة ومنسقة في مجلدات ضخمة ومذهبة.

وتسكن ما هو اخطر من ذلك : اللاوعي في عقول الناس.

اللاوعي الذي يسيطر أحيانا على الوعي ويستلبه في بعض الاحيان يستلب منه فاعليته وحدته فيصير مجرد الية أخرى للتقليد للتكريس للاستمرار دونما وعي.

من لحظة واحدة بعيدة في منعطف تاريخي بدء ذلك الاستلاب.

* * *

إعادة نظر في الاجوبة التقليدية

مع معطيات كهذه تصير الاسئلة التقليدية عن لماذا تاخر المسلمون بينما تقدم غيرهم اسئلة غير منطقية بل وغريبة.
وتصير الاجوبة التقليدية عن تلك الاسئلة عن ترك المسلمين لدينهم واضاعتهم لفرائضهم اجوبة ساذجة وان كانت حسنة النية.

هل من الممكن حقا ان نفكر لماذا مثلا لم تنشأ الثورة الصناعية عند المسلمين ؟

ولماذا لم تتطور معارفهم التقنية بشكل يغير بنية الحياة والعلم كما حصل عند الغرب ؟ هل كان من الممكن اصلا حدوث ذلك في ظل المعطيات التي درسناها؟

سيقولون اوربا أيضا عانت من الاستبداد ،بل و يندر جداً ان تكون هناك امة لم تعان من الاستبداد ، ومن ضمنها امم انطلقت هي الاخرى في رحاب العلم والتكنلوجيا مثل اليابان ودول أخرى في جنوب شرق اسيا.

نعم ذلك صحيح، لكن الأمر مختلف عندنا فكل أسباب التخلف في اوربا سواء كان الاستبداد أو سيطرة الكنيسة تخلص الغربيون منها في لحظة قطيعة مميزة وهي اللحظة التي انتجت العلمانية والتي ساعدت كثيرا على بلورة مفاهيم العلم الحديث وانتشاره سواء اختلفنا أو اتفقنا حول تقييم العلمانية نفسها كتجربة ناتجة بشكل مباشر عن ظلم الكنيسة واستبدادها.

أما نحن فمسالتنا مختلفة لان أسباب التخلف عندنا شديدة التنكر شديدة الاختباء خلف مفاهيم دينية ونصوص مقدسة مما يجعلها شديدة الحصانة ومما يجعل مناقشتها امرا عسيرا وحساسا
رغم إنها كمفاهيم ليست فقط غريبة عن مفاهيم الخطاب القراني ولكن أيضا مضادة لاهم ما فيه من مفاهيم بالذات تلك المفاهيم التي حققت الدفعة الهائلة التي حولت العرب الجاهليين من مجرد افراد يسكنون مستوطنات مشتتة إلى أصحاب حضارة وقيم ورسالة رائدة بل حولتهم من امة امية بمعنى الكلمة وبحذافيرها كما بمجازها وتاويلها إلى امة صاحبة كتاب بل صاحبة كتب ومؤلفات ستظل تنتقل من لغة إلى أخرى عبر العصور.

سيقولون إذا كان المنعطف قد بدء في لحظة معاوية فماذا تسمي إذن تلك الحركة العلمية الزاهرة في عصور الامويين والعباسيين وحركة الترجمة والتدوين والمكتبات الضخمة وكشوفات الطب والكيمياء والفلك والرياضيات الخ ألم يكن ذلك كله في عصور الاستبداد؟ فلماذا نجح مخترعون وعلماء مسلمون في ذلك ولم يتعد الأمر تلك الكشوفات إلى ثورة صناعية مثلا؟

في الحقيقة ان الدفعة الاولى الهائلة التي كانت دفعة قيم اولا واخيرا واستمرت بعد وفاة الرسول حوالي 30 عاما كانت دفعة قوية بحيث ان الانحدار الأول- المنعطف الذي بدء مع لحظة معاوية لم يؤثر كثيرا في الخط البياني الصاعد وان عطل صعوده ثم اوقفه بالتدريج إلى ان توضحت رحلة الهبوط التي كرست ورسخت قيم مضادة تماما لقيم الاندفاعة الاولى.

وعلى كل فان الحركة العلمية الضخمة والمكتبات الهائلة انتجت في واقع الأمر ثقافة أعلنت موت العقل المسلم وكرست انتحاره ومقتله بشتى الوسائل وتمثلت في ذلك الفكر العقائدي الذي نفى التساؤل وتجلياته الاجتماعية كالشورى ونفى أيضا الأسباب والعلاقة بينها وبين المسببات ونفى الايجابية وكرس محلها سلبية مقيتة تجلت في جبر امام السلطة والسلطان وكافة مفردات البيئة واحل هذا الفكر توظيف النصوص واجتزائها من سياقها بدلا من النظرة الشمولية المقاصدية وقد اصاب ذلك كله مقتلا من العقل المسلم رغم اصطباغه بالطابع الثقافي وحتى الفلسفي العلمي أحيانا.

وكانت النتيجة النهائية لهذا كله هو الدخول التام في عصور الانحطاط التي شملت كافة نواحي الحياة من اجتماعية وعلمية وثقافية واقتصادية وسياسية ورغم ان القرن السادس الهجري وما تلاه يعتبر دوما من اوائل قرون الانحطاط ربما بسبب سقوط عاصمة الخلافة العباسية إلا ان الحقيقة ان الذي سقط على ايدي المغول لم يكن الخلافة بقدر ما كان رمزها الاسمي فحسب فالخلافة العباسية كانت مجرد تسمية والخليفة العباسي لم يكن سوى شبح يسيطر عليه السلاجقة والمماليك أما الخلافة الإسلامية الحقيقية بمعنى الاستخلاف في الأرض فهي لا علاقة لها بها لا من قريب ولا من بعيد وكان ذلك منذ فترة طويلة جدا قرون وقرون عندما حصل الفصام الأول ما بين الدين القيم الدينية والسلطة السياسية على يد معاوية.


واذا كان الانحطاط عند المؤرخين يتجسم في احتلال اجنبي مباشر وسقوط لسلطة سياسية فان مفاهيم هذا الانحطاط وقيمه تحتل اهتماما اقل عند المؤرخين. إنها لا تظهر في الاحداث وان كانت تكون أحيانا محركة لها، مسببة لها بشكل مباشر، إنها البنية التحتية لكل الاحداث والخيوط الخفية التي تحرك كل الشخوص.

لقد كان عصر الانحطاط ممثلا في سقوط دولة الخلافة وتحول الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة متناحرة فيما بينها هو مجرد الفصل النهائي في مسرحية السقوط والانحطاط التي بدءت مع بدء لحظة معاوية.

ورغم ان الكثيرين سيزعجهم ذلك إلا ان الحقيقة هي ان الدولة العثمانية حتى في لحظات قوتها ومجدها كانت حلقة أخرى من ذلك المسلسل الذي استمر بتكريس وترسيخ لحظة معاوية أي قيمها ومبادئها. ان وجود جيش قوي وقيامه بفتوحات معينة ووجود سلطة مركزية تحمل شعار الإسلام لا يعني ابدا اقتراب هذه الدولة من مواصفات الدولة الإسلامية ولو بادنى المقاييس. لقد استمرت الدولة العثمانية في نشر نفس القيم المضادة التي بذرت في لحظة الانحدار الاولى: الاستبداد مقابل التساؤل والشورى، الجبر مقابل الايجابية والارادة ،التفسيرات الخرافية الغيبية مقابل الأسباب واجتزاء النصوص وتوظيفها بدلا عن الشمول والمقاصد ، ولعل ما يخفف من كاهل مسؤوليتها هي إنها وجدت هذه القيم مكرسة ومحصنة فعلا لكن ذلك لم يغير من حقيقة ابتعادها عن القيم القرانية الحقيقية وهي حقيقة لن يغيرها كذلك تباكي بعضنا إلى اليوم على الدولة العثمانية باعتبارها النموذج الاقرب الذي ذهب ضحية التامر الصهيوني اليهودي الماسوني الغربي …الخ

ورغم ان الكثيرين سيزعجهم ذلك أيضا إلا ان واقعنا المعاصر هو في جوهر الأمر حلقة أخرى من مسلسل الانحطاط والسقوط ،وهي حقيقة لن يغيرها وجود اجهزة الكومبيوتر والصحن اللاقط والانترنت والهاتف النقال عند البعض منا.

ان الأمر في نهايته ليس مجرد اجهزة قد نحسن أو لا نحسن استعمالها. إنها القيم التي نؤمن بها والتي تحركنا وتتمثل احيانا في ارقام احصائية وخطوط بيانية هي التي تحسب عند قياس النهضة والسقوط. والحقيقة هي ان ارقامنا وقيمنا المعاصرة لا يمكن ان تكون مؤشرا لنهوض بل تاكيدا لسقوط وهو امر سنتاكد منه في الفصل القادم.

امر اخر لا بد انه سيغضب الكثيرين ان الحركات الإسلامية المعاصرة لم تتمكن ويا للأسف من احداث قطيعة مع مسلسل الانحطاط فكانت ولو دون ان تشعر حلقة أخرى منه.

فالحركات السلفية التي ركزت على جانب محاربة مظاهر الشرك والبدع الراجعة إلى المجتمع المسلم قد تكون نجحت في هذه الجزئية نسبيا( خاصة في بعض البلدان دون أخرى) إلا إنها في الوقت ذاته لم تستطع ان تتجاوز ذلك لتكون حركة تجديد اجتماعي حقيقة تستمد قيمها ومبادئها من منابع الخطاب القراني والسنة النبوية لانها ببساطة اعتمدت في فهمها على آلية القرون الثلاثة الاولى التي قدست وطوبت وتحولت من قبل الحركة السلفية إلى مرجع منفصل له قدسيته التامة. ان أي نقاش بخصوص لحظة معاوية مع السلفيين مرفوض بشكل حاسم ونهائي لان معاوية ولحظته وكل توابعها يدخل ضمن فترة القداسة النهائية وصنف العدالة المطلقة التي منحت وبكرم بالغ لكل من عاصر الرسول ولو لفترة عابرة.

لا ينظر السلفيون إلى ذلك كله بل يشيحون النظر ويفضلون التوقف عما شجر بين الصحابة وهم يتصورون انهم سيعيدون العصور الإسلامية الزاهرة بمجرد تخيلهم إنها عادت لكن ارتداء الساعة في المعصم الايمن لا يرجع عقاربها 14 قرنا إلى الوراء.

والحركات الإسلامية السياسية ليست افضل حالا إنها بتركيزها على الجانب السياسي ومواجهة السلطة جعلت من نفسها رهينة عند الجماهير التي يفترض ان تقدم السند لهذه الحركات لكن هذا الارتهان جعل من الحركات ومن خطابها السياسي يتجنب المساس بكل ما من شانه ان يزعج الجماهير مثل انتقاد مفاهيم عريقة ومتوارثة وتشكل جزء من مفاهيم متضخمة وموروثة من لحظة معاوية لكن الحركات لا تجرؤ على انتقادها، هذا إذا افترضنا إنها تملك البنية الفكرية اللازمة لذلك .

والوضع ليس افضل بالنسبة للحركات التجديدية الإصلاحية التي حاولت تقديم لغة متطورة مسايرة لروح العصر والمدنية الحديثة لكنها سقطت خلال ذلك بمازق التوليف المزيف بين مفاهيم العصر ومبادئ الإسلام و لم تتجاوز ذلك لتعيد النظر في المفاهيم التي افرزت عبر التجربة التاريخية والصقت بالإسلام . انه من السهل جدا مثلا القول بان الديمقراطية كنظام سياسي لا تتعارض مع الإسلام وان نظام الشورى هو في حقيقته سابق على الديمقراطية الغربية …الخ

لكن مثل هذا القول سيكون مجرد دعاية سياحية لتقديم صورة افضل للاسلام ما دام سيظل مصطدما بركام هائل من الاحكام السلطانية: فتاوي واقوال ماثورة ونصوص مؤولة وتجارب تاريخية كربلائية تشكل قيما مضادة لقيم الديمقراطية التي يفترض ان الإسلام يتلائم معها فالقول بان الديمقراطية تتلاءم مع الإسلام دون اعادة النظر في البنية والفكر التقليديين ومنابعهما الاصلية سيظل مجرد كلام في الهواء لن يغير من واقع الأمر شيئا خاصة وان تاصيل قيم كهذه يتطلب واقعا عمليا اكثر مما يتطلب جهدا نظريا فالشعوب عندما تحصل على حرياتها تنتزعها انتزاعا صعبا مريرا بحيث تصير للحرية قيمة حقيقية لا كلام جرائد لا يصدقه احد.

نفس الشيء ينطبق على معظم قيم المدنية الحديثة الاخرى التي يحاول الاصلاحيون التوفيق بينها وبين الإسلام: العقلانية العلم وضع المرأة …الخ انهم يكتبون ومنذ عقود كلاما انشائيا خطابيا وجميلا حول ذلك لكنهم في الوقت ذاته لا يجرؤون على انتقاد الفكر التقليدي الذي يقدم قيما أخرى مضادة تماما ومختلفة لذلك يظل كلامهم مجرد كلام قد يؤمن به البعض فعلا لكن ستظل ارضيته هشة ومليئة بالالغام.

عدا كل هذه الحركات هناك واقع التغريب الذي يسير بركبه دعاته من المخدوعين أو الخادعين وهو واقع يثبت المرة تلو الاخرى انه مزيف ولا يحوي سوى القشور بل قشور القشور وانه مزيف حتى حسب قياسات الغرب فالقشور غربية ومستوردة لكن اللب جاهلي جدا وموروث أيضا من لحظة معاوية فخلف التبرج الصارخ والملابس الانيقة لا تزال توجد جارية أخرى معروضة للبيع في سوق المتعة أو سوق الزواج وخلف قصة الشعر الرجالية الحديثة وربطة العنق الانيقة والعطر المميز لا يزال يوجد داخل راسه عقلية الجبر والسلبية المقيتة الموروثة عبر العصور لم يتغير شئ سوى القشور وهي لا تهم احدا سوى أصحاب القشور.

ما الحل إذن؟

انه ببساطة ان نبدء باعادة النظر. ان نعرف الخلل ونحدده.

انه ان نشخص المرض، بدايته على الاقل ومصدره الأول والاساسي حتى نتمكن من البدء بالعلاج .

كل العلاجات تبدء بالتشخيص.

ومعطياتنا تؤشر نحو تلك اللحظة البعيدة المستمرة كبداية اولى لامراضنا الحالية ويبدو انه لا مفر من المواجهة مع تلك اللحظة.

لن يكون الأمر رغم صعوبته بمثابة اختراع الة جماعية للزمن لنسافر بها إلى عام 40 هجرية لننتصر لعلي ضد معاوية ونصحح المسار التاريخي.

ولن يكون بسهولة ان نسطر الأوراق ونثرثر حول الموضوع ونتشدق حول ماذا كان على فلان ان يفعل أو ان لا يفعل.

لكنه ان نرصد قيمنا الحالية تلك الموروثة من لحظة معاوية بكل ملابساتها ونبدء بانتزاعها من زمننا ، من وجداننا، من عقولنا التي اوقفتها تلك اللحظة عن العمل.

وسيكون ذلك كله مؤلما جدا. ان هذه القيم الملتصقة التصاق الجلود بنا وانتزاعها سيكون مؤلما، حارقا،مفجعاً.

لن تطيب جروح الانتزاع بسهولة لكن في الحقول المحروقة ستنمو براعم للقيم الاخرى القيم التي غرسها الخطاب القراني في الجيل الأول وحصدها منجل لحظة معاوية قبل ان يكتمل نموها.

ولن يكون ذلك كله سهل، لكنه في الوقت نفسه لن يكون مستحيلا.

من كتاب البوصلة القرانية -أحمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة الثانية عشر والأخيرة
08-31-2006, 07:52 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #26
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
عن معاوية ..بسبب العولمة!!

سيقولون في عصر العولمة تتحدث عن لحظة معاوية ! أما ان الاوان لنطو صفحة الماضي وخلافاته ونواجه التحديات المصيرية التي تواجهنا ،انه وقت الوحدة والتكاتف والصف الواحد في مواجهة المؤامرة اليهودية الصليبية الماسونية التي تهددنا على كافة المستويات والكلام عن معاوية في وقت المواجهة سيزيد من الفرقة، فلنتفق على ما اجتمعنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه …الخ كلام من هذا النوع.

نعم !في عصر العولمة نتحدث عن لحظة معاوية. لا بالرغم منها، بل بسببها. بسبب اننا نعيش عصر العولمة صار علينا ان نتحدث عن لحظة معاوية فالعولمة هي على الاقل في شكل من اشكالها احتلال وقتل للهوية المحلية وانتهاك لكل مقومات الثقافة القومية والدينية عبر احلال لعناصر ثقافية غريبة محلها، العولمة إذن هي اللحظة التي يجب ان نحرص ونحافظ وندافع فيها عن هويتنا.

لكن عن أي هوية نحافظ؟ وعن أي هوية نحرص وندافع؟ هل كل ركام قديم يستحق ان يكون هوية حتى لو كان حاويا في اعماقه على أسباب موته وتهدمه؟

إذا كنا نتصور اننا بمواجهة العولمة سنستطيع ان ندافع عن تلك القيم التي ورثناها من لحظة معاوية فلنعترف إذن: المعركة خاسرة والغزاة قادمون بل ومنتصرون فقيم تلك اللحظة قد تستطيع ان تنتج مشاعر حماسية واناشيد وخطابات وروح معنوية عالية وعمليات استشهادية ناجحة لكن ذلك كله لا يكفي لمواجهة غزاة العولمة القادمين من كل مكان.

ان مواجهة العولمة تتطلب اولا اعادة تاصيل تلك القيم الصامدة .القيم الأساسية في الخطاب القراني: قيم المواجهة والارادة والايجابية والتغيير، واعادة تاصيل هذه القيم يعني ضمن ما يعني اعادة ترتيب البيت المسلم من جديد وهو ترتيب سيحتم ان ترمي في سلة المهملات ما ترمى من قيم الصقت بالاسلام عبر ملابسات السياسة وتعرجات التاريخ
عدا ذلك لن يكون هناك سوى غرق يائس مع اشارات انقاذ خافتة في محيط العولمة الهائل، غرق يائس وذوبان تام.
نعم في عصر العولمة نتحدث عن لحظة معاوية.

ليس بالرغم منها بل بسببها.

* * *

رغم ان ذلك لا يزال محرجا ومعيبا عندنا إلا ان مجتمعاتنا الشرقية عموما بحاجة ماسة إلى طبيب نفساني تفرغ عنده عقدها وتحاول ان تجد عنده العلاج لامراضها المستعصية مع فارق ان هذا الطبيب الذي تحتاجه يجب ان يخرج فرويد من راسه ويفكر بوعي تاريخي شمولي وهو امر صعب إلى حد ما.

ان كل فرد منا مهما صغر أو كبر مهما كان متعلما أو اميا غنيا أو فقيرا وبغض النظر عن انتماءاته الطائفية والعنصرية لا يزال يحمل على كتفيه عبء التاريخ كله وسواء كان واعيا لهذه المسالة ام لم يكن فان التاريخ يسبح في كريات دمه، ويسكن تلافيف دماغه، انه يجري منه مجرى الدم في العروق، يسكن الجينات والخلايا العصبية ومخ العظم. صلب العظم .عمق العظم.

هذا التاريخ يسكن في عقله، في وعيه وفي لاوعيه: في هذا الركن قتل الخليفة وفي ذاك علقوا قميصه للوصول إلى السلطة ،هنا رفعوا المصاحف ليمرروا انقلابهم وهنا سال دم الحسين وفي هذا الركن قطعوا راسه، هناك علقوا ابن الزبير بعدما ذبحوه وهاهي امه تتوسل ان ينزلوه. هنا حرقوا الكعبة وهناك عرضن حفيدات الرسول كما لو كن سبايا، هنا صلبوا جثة حفيده الآخر في زبالة الكوفة وهناك قطعوا اعضاء غيلان وهو مصلوب عضوا بعد اخر .وهنا دسوا السم للخليفة وفي كل الاماكن كان يدور ما يدور ويرفع شعار قضاء الله وقدر الله وامر الله

سواء تذكر الوعي الحاضر هذه التفاصيل أو ظلت دفينة مبهمة في لاوعيه فان تضاريس التكوين النفسي للفرد المسلم ومن ثم المجتمع المسلم تظل مسكونة بهاجس الاستبداد التاريخي والجبر التاريخي بكل فروعه وتفصيلاته.

ان غريب كربلاء الذي قتل وحيدا مخذولا هو واهله هو في الحقيقية كل فرد مسلم عبر التاريخ .

نعم ، كل مسلم يحمل عبء التاريخ الثقيل على كتفيه.

في داخل كل منا غربة كربلائية حادة ومزمنة سواء كنا سنة أو شيعة ،غربة هي في حقيقتها ذاكرة الاستبداد الاموي والجبر الذي تحول إلى ركن من اركان الأيمان والعقيدة عبر اليات توظيف واجتزاء النصوص والتي صارت مع الوقت جزء من الفقه بكافة مذاهبه هذه الغربة الكربلائية الحادة هي التي تكبلنا وتشدنا دوما إلى الوراء. إنها الجبر مقابل الايجابية والارادة والقمع والنظرة الاحادية مقابل التساؤل والشورى والنصوص المجتزءة مقابل الشمول والمقاصد ونحن نحتاج حتما إلى ان نخرج هذه العقدة: لحظة معاوية ونتائجها من جوفنا.

وبقدر أهمية الموضوع فان النقطة التالية للتشخيص هي ان يعي المريض بمرضه، باسبابه باعراض المرض وبنتائجه .

أما إذا رفضنا التمدد على كرسي الطبيب النفسي فاننا سنتمدد على طاولة المشرحة على الاغلب ولن ياتي احد لاستلامنا، ستكون رؤوسنا قد قطعت وانتقلت عبر البلدان وسالت دماؤنا إلى ان نفذت واصابعنا المحروقة لن تدل على هويتنا.

سنكون قد ضعنا، ذبنا، انتهينا. ولن يهم حقا كيف سقطنا قتلى، حرب اهلية تشتعل فيها الطائفية المزمنة بالاحقاد الموروثة بالفقر بالجوع وبالاستغلال ام حرب غير اهلية خارجية يجهز فيها الاعداء التاريخيون على البقية الباقية منا. ما الفرق؟

لعل التمدد على كرسي التحليل النفسي اسهل؟

فقط لو آمنا انه لا زال بامكاننا شئ أو اشياء، فقط لو امنا اننا كما دخلنا لهذا المنزلق عبر التاريخ فان خروجنا منه لا يمكن إلا ان يكون عبر نفس المدخل: التاريخ.

فقط لو امنا اننا يمكن ان نفعل.

وان ذلك كله مهما كان صعبا ،لا يجب ان يكون مستحيلاً.
08-31-2006, 07:55 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
حسان المعري غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,291
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #27
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
اقتباس:  الكندي   كتب/كتبت  
صاحب الكتاب سني نص شيعي .. والتوقيت هو كل ما يهم دوت كوم .. وترللي لاللي تريلاللي محبوب مدلّع يا دللي :D  

أما معاوية فهو رمز عظيم من رموز الإسلام ومؤسس دولته الأولى وباني حضارته وحاشى أن يقوم سني نص شيعي من أبناء ابن العلقمي من جاريته السنية بالحديث عنه ولو أننا لا ندري بعد ما هي مادة هذا الكلام :).

طبعا سأتابع نقل الموضوع، وأهلا بكل التعليقات ذات محتوى كانت أم فارغة من أي محتوى .. ويا جبل ما يهزّك ريح :23:

هي وصلت لترللا ترللا ؟
وترللا ترللا يا كندي .. أعرف أنه كذلك وأعرف الدكتور أحمد وسبق لي الحديث معه ..وسبق أن قرأت الدراسة واعجبتني منهجيتها واتفق مع بعض ما فيها واختلف مع بعض كأي عمل ( رزين ) ..
ليس هذا اعتراضي يا كندي ، اعتراضي - إن جاز لي - على التوقيت .. أو لنقل : مش اعتراض .. ملاحظة ، وبهذا الوقت بالذات والذي لا يخفى على صديقي الي ما بتهزه ريح :)

إي خيي الكندي ، وشو كمان ؟
يا ترى يا هل ترى هل تنطبق لحظة معاوية التاريخية على ملالي ايران وحسب علمي لا يعرفونه ولا يطيقونه ؟ وهل تنطبق على بقية الديكتاتوريات في العالم ؟؟

يا جبل ما يهزك ريح ..
عندما (( نطبل )) ونزمر لحكم قبر التاريخ ، وعندما نسمح لبقايا جثث مات أصحابها قبل 14 قرن أن تحكمنا .. بصير الجبل الي ما بتهزه ريح شوية رمل تذروه الرياح ..

روق خيي الجبل .. وأكمل على بركة الله وقبر التاريخ معا
وسأعود (( للكتاب )) وليس للتوقيت بعد ردح من الزمن ..
وليس ردحا من الردح

تحيه

(f)
09-01-2006, 03:35 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #28
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
لا شايف كيف حتى صباح ما عادت تعجبك!
أو يمكن ما بتعرف الأغنية. مش ترالالا ترالالا حسون. الأغنية تقول

تيريلاللي لاللي تيريلاللي
محبوبي مدلّع يا دللي
شو ما قلتلّه ما بيرضى
بيزعل وبيرضى عالهلّي :23:

يا عمّي إقرأ الموضوع أولا ومن ثم اعترض على ملالي إيران والتوقيت الذي لم يعد مناسبا منذ الغزو التتري الجديد.

رحمة العاملي كتب مقدمة مفيدة جدا لمعنى "اللحظة التاريخية". والرجل (المؤلف) لا يطبل ولا يزمر لنكش القبور ولكنه يشخّص "لحظة تارخية" وأسباب تجمّد المسلمين (بما فيهم ملالي إيران يا ناصبي أفندي :D) عليها وليس على لحظات تاريخية أسمى وأكثر منها أهمية في تاريخنا الطويل. الرجل يشخّص "الكرة الثلجية" التي غمرت وجرفت قدرات حتى أكبر علماء هذه الأمة، كالغزالي وابن تيمية، على التحرّك خارج تأثيرها. ويتحدّث كيف تحوّلت كربلاء من حدث يجسّد الصورة الى ملطمة مسيّسة، وكيف تحوّل الشيخان، وبالتحديد عمر، في العصر العباسي، الى شمّاعة يعلّق عليه الخلفاء استبدادهم، ويصبّ عليه الشيعة المعارضون لعناتهم.

وينهى الكاتب طرحه بالتفكّر كيف يمكن الخروج من هذه الدوامة التي ابتلعت المسلمين ومنعتهم من دخول العصر الصناعي ومن ثم الحداثي كجيرانهم الأوروبيين.

إقرأ يا معرّي .. فهو أجدى لك من التشكيك المرتكز على حدس "لناصبي".

وبالمناسبة، الإقتباس انتهى.

تحياتي (f)
09-01-2006, 03:56 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الحر غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 2,763
الانضمام: Mar 2006
مشاركة: #29
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
موضوع اكثر من راءع وكاتبه يستحق ان ارفع قبعتي (او عقالي )له.

وان وصف بعض شعاءر الشيعة بالوثنية.

فالباحث في هكذا مواضيع تاريخية لا يكاد يجد كاتبا او كتابا واحدا ينتقد سلبيات ونتاءج الاحداث التاريخية بحيادية وتجرد بل كل الكتب متاثرة بمذاهب وميول كتابها وترى الحق المطلق مع التيار الذي تنتسب إليه والشر والخطا المطلق فيما سواها من تيارات.

جهد مشكور اخي العزيز (f)
09-01-2006, 04:48 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #30
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
اقتباس:  ايراني قح   كتب/كتبت  
فالباحث في هكذا مواضيع تاريخية لا يكاد يجد كاتبا او كتابا واحدا ينتقد سلبيات ونتاءج الاحداث التاريخية بحيادية وتجرد بل كل الكتب متاثرة بمذاهب وميول كتابها وترى الحق المطلق مع التيار الذي تنتسب إليه والشر والخطا المطلق فيما سواها من تيارات.(f)

كان للكتاب على ما افهم ناقديه وما يزال. وأنتظر مداخلة الأخ اسماعيل أحمد الذي استبق الطرح فتحدّث عن نسف الأسس التي ترتكز عليها المذاهب الأربعة وهو محقّ في بعض ما يقول، ليس لأن الكاتب يريد نسف المذاهب الإسلامية كلها (الخمسة يعني وليس فقط الأربعة)، ولكنه يريد أن يخرج من الدوامة التي سجنت حتى أمثال ابن تيمية والغزالي داخلها حيطانها المحكمة البناء.

تحياتي أخي الفاضل (f)

09-01-2006, 05:30 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  فقه الثورة وفقه العنف والجريمة ..لحظة داروينية في ربيع العرب بقلم: نارام سرجون فارس اللواء 0 682 09-06-2012, 12:41 PM
آخر رد: فارس اللواء
  فرصة تاريخية للمصريين والعرب ... الأهرام الرقمى نظام الملك 22 5,025 02-24-2012, 04:37 AM
آخر رد: The Holy Man
Video معاوية بن ابي سفيان، صحابي جليل ام زنديق تملك المسلمين؟ (خطبة مثيرة للاهتمام) المفكر شمعون 11 3,856 05-14-2011, 09:40 PM
آخر رد: على نور الله
  جمهورية اليهود ...حقيقة تاريخية والحل بيد الليدي ميشيل نسمه عطرة 1 1,969 01-10-2011, 10:43 PM
آخر رد: أسامة مطر
  نصارىالعرب وقبر أبو أيوب و بزيد ابن معاوية عزيز عزير 12 3,612 09-16-2010, 01:29 PM
آخر رد: المضطهد Le persécuté

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 3 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS