نيجي للموضوع بمقاربة مختلفة،

المقاربة الأولى هي الافتراض، فلو كان كذا لصار كذا، وهو نفسه الذي زعم رحمة في موضع آخر أنه غريب عن المسائل الفقهية الشيعية،

فنجده مع ذلك يفرض أنه لو كان رسول الله لم يجد أنصارا لصار كذا وكذا، ولنزل نجم فلان وفلان، وصعد نجم فلان وفلان.
لكن هذه فرضية في الخيال لا واقع لها، فالرسول هاجر ووجد أنصارا، وصنع شيئا لنقتدي به بعده، لكن التدين الطائفي لا يدرك البعد الإنساني للإسلام، لأنه يرى الإسلام شيئا محصورا لجماعته وعشيرته وقريته، فلن يعرف أن الإسلام قد نزل للشهادة على الناس بالبلاغ، ولم ينزل للحزازير ولطلب الأمور المستحيلة من الناس. والبلاغ هو أن يقوم الناس بالقسط فتنتظم علاقة الإنسان من حيث هو إنسان بربه وبنفسه وبغيره من بني البشر، لا من حيث هو مسلم، ولا من حيث هو شيعي، ولا من حيث هو من النبطية.

ثاني فرضية في الخيال هي في ذكر جماعة من الصحابة، منهم خال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عم أمه، وهو سعد، ومنهم غيره من رؤوس القوم ومن قبائل ضعيفة.
معظم من ذكرهم رحمة ممن يبغضهم تقربا إلى الله بزعمه وتقليدا لآل محمد كما يخيل له، إنما أسلموا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم، أي والإسلام في مرحلة السر والكتمان، فليت شعري كيف يكونون من المغمورين.

قد يكون مقبولا، بل أراه هو الأصل، أن لا تصح المقارنة أبدا بين آل محمد وأصحابه، فآل محمد كنفسه، وأصحابه من أوسط الناس، وشتان ما بين أوسط الناس ونفس محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكن من غير المقبول أن يغمط المرء الحق ويظلم الناس لأنه يبغضهم، في الله بزعمه، ويختصر الإسلام في قصة تحاسد بين قريش بعامتها وعبدشمس بخاصتها، وبني هاشم، ثم يختصره بتحاسد بين آل علي وآل العباس في فروع هاشم. وكأن الإسلام شأن عشائري نزل حتى يحسد فلان فلانا وغير هذا من قصص العجائز، ثم إن سألناه ما الذي يريده الإسلام إذن في شأن الأحكام السلطانية التي اختصرتها بالتحاسد، حار جوابا وقال قولا ثم غمغم وزعم العدل.

نيجي لعلماء أهل السنة، وقد ذكر منهم فريقا رحمة، ونسي غيره.

أحد أهم علماء أهل السنة هو أبو حنيفة النعمان، فما موقفه العملي من الأحكام السلطانية حين أيد ثورة الشهيد زيد وابنه يحيى على بني أمية، ثم أيد ثورة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم الإمام على أبي جعفر المنصور؟ ثم لقي مصيرا قاتما على يد المتسلط على العرش وقتئذ بعد انتهاء الثورات؟

نيجي للموضوع الثالث، وهو لا يقل أهمية عن غيره، وجيد أن رحمة قد اعترف به فكفانا مؤونة الإثبات.

بالنسبة إلي، من الناحية الفكرية والفقهية، لا يقل أي من المذهبين سوءا عن الآخر، المذهبين السني التقليدي والشيعي الجعفري الاثني عشري التقليدي، ولم يورثانا إلا النأي عن كتاب الله والبعد عن نهج المصطفى، والتدابر والتقاتل.
لكن الحق يقال أن المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري لا يمكنه أن يقوم ويوجد دون المذهب السني، لأنه مبني على نقطة واحدة فقط، وهي نفي المذهب الآخر. لكن العكس ليس صحيحا، من الممكن أن يوجد المذهب السني التقليدي دون ذكر للتشيع لا من قرب ولا من بعد ولا حتى عرضا.
لا يمكن للمذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري، ومثله الاسماعيلي الإمامي، أن يطرح أي قضية قبل أن يستفتح بـ"ـظلم" أئمة السنة لآل محمد، مستدلا بنصوص السنة على ذلك، فلولا مذهب السنة ما وجد المذهب الشيعي الإمامي بشعبتيه، لكن لا يضطر المذهب السني التقليدي أن يطرح أي إشكالية من إشكالات الإمامية لإثبات نفسه، ولا حتى عرضا. قد يوجد من فروع المذاهب السنية ما يقوم على النفي، مثل السلفية الوهابية، لكن هذا الكلام لا ينسحب على الجميع.