المجلس التشريعي .. بين القانون والأخلاق!!
هاني حبيب
الجدل القانوني الساخن حول مدى قانونية القرارات التي صدرت في الجلسة "الاخيرة" للمجلس التشريعي السابق، يفتح الباب أمام حراك سياسي واسع النطاق، يظل في جوهره بين الاستقطابين الاساسيين، حركة "فتح" من جهة وحركة "حماس" من جهة اخرى، والنقاش الذي دار حول شرعية القرارات تلك، امتد ليشمل النظام الداخلي للمجلس، فقد كان من ضمن القرارات التي اتخذها المجلس التشريعي السابق في جلسته "الخلافية" قراراً بتعديل النظام الداخلي للمجلس، فاستند نواب "فتح" إلى هذا النظام أثناء النقاش، بينما استند نواب "حماس" إلى النظام الداخلي السابق، احد العناصر التي استند اليها نواب "فتح"، ان ولاية المجلس السابق انتهت وبناء عليه، لا يمكن مناقشة محضر جلسة المجلس السابق المشار اليها، لان النواب السابقين غير موجودين، واذ لا يعارض نواب "فتح" ان يتقدم المجلس الجديد بأي قرار او قانون يلغي ما جاء في الجلسة السابقة من قرارات وقوانين، إلا انهم يعارضون إقرار المجلس الجديد محضر جلسة المجلس التشريعي السابق.
انسحاب نواب "فتح" واحالة الامر من جهتهم للقضاء، على خلفية الجدل القانوني في المجلس، يعيدنا إلى الوضع غير القانوني، الذي تركت فيه حركة "فتح" الساحة الفلسطينية على مختلف الاصعدة عندما أُزيحت عن قيادة المجلس التشريعي، واذا كانت القرارات التي تم اتخاذها في الجلسة محل الخلاف، تستند إلى القانون من وجهة نظر نواب "فتح"، فانها، هذه القرارات لا تستند إلى أي جانب اخلاقي، واذا كان صحيحاً ان القانون بمجمله لا يستند الى القواعد الاخلاقية الا ان الخلافات الحادة حول القانون وتفسيراته، والتعديلات على النظام الداخلي في اللحظة الاخيرة، تكشف مدى ضرورة ان ترتبط المواد القانونية بالجوانب الاخلاقية، اذ ان الاجراءات الاستباقية التي اعتمدتها حركة "فتح" في اللحظة الاخيرة، لا يمكن فهمها، حتى في حال كونها تستند الى القانون، الا في اطار "الكسب غير المشروع" والتزاماً بمقولة فلسطينية شهيرة: يا رايح كثر "فضايح".
على الوجه الآخر من المسألة، فإن تكتل حركة "حماس"، وبشكل متسارع ومتقصد، لجعل هذه المسألة، جوهر العملية البرلمانية الفلسطينية في وقت تزايدت فيه الاعمال الدموية الاحتلالية، واستمرار حالة الحصار المالي والاقتصادي للسلطة، ليعكس ارادة اقصائية "تغولية" تريد أن تحول المجلس إلى اغلبية تتحكم بمصائر المجلس، وبالتالي مصائر السلطة ومواطنيها، وباعتقادنا ان الطريقة الطاووسية التي قادت بها حركة "حماس" أعمال المجلس، تكفي من حيث الشكل، لتأكيد رغبة الحركة ذات الطبيعة الانتقامية، وتكشف إلى درجة ليست بالقليلة، مدى التعارض بين الخطاب السياسي الداخلي للحركة، الهادف إلى ايجاد شراكة سياسية في حكومة ائتلاف وطني، مع حقيقة ان هذا الخطاب، يتم نفسه من الناحية العملية، من خلال الطريقة التي تعاملت بها قيادة المجلس مع البرلمان، رئيس المجلس نسي انه رئيس لكل المجلس وتعامل باعتباره قائداً لتكتل اكثر من قائد لمجموع أعضاء البرلمان، وباعتقادنا ان هذا السلوك، بحاجة إلى اعادة نظر، دون ان نأخذ بالاعتبار أن الأمر يعود إلى قلة التجربة، لأننا نعتقد ان هذا السلوك، لا يعود إلى ذلك، بل إلى رؤية لطريقة قيادة البرلمان في المرحلة المقبلة، تعتمد منذ الجلسة الاولى على سياسة الهجوم، والحد من تأثيرات المعارضة.
ان الاستناد إلى مقولة "المجلس سيد نفسه" التي ترددت كثيراً في الجلسة الأولى مقولة حق يراد بها باطل، وهي مقولة اعتمدها بعض نواب "فتح" في البرلمان السابق، عندما لم يلتزم هؤلاء برغبة قيادة حركة "فتح" في زيادة حصة التمثيل النسبي في القانون الانتخابي، نواب "فتح" او معظمهم على الاصح، اعتقدوا ان مثل هذه الحصة قد تكون مفيدة لحركة "فتح" لكنها غير مفيدة بالنسبة لهم، فتذرعوا حينها بأن المجلس سيد نفسه، وبالتالي، لم يتم تمرير ارادة قيادة "فتح" الا بعد فوات الأوان، وبنسبة النصف بالنصف، نسبي ودوائر، هذه المقولة تتكرر الان، من خلال نواب "حماس" ولكن في اطار اخر، نعتقد انه اكثر خطورة لانعكاساته الخطيرة على الوضع البرلماني والتشريعي، اذ لا يقصد من هذه المقولة، عدم التقيد بالقوانين والالتزام الصارم بها، ولا يقصد بها، ان تتحكم الاغلبية بالاقلية، اذ لو صح ذلك، لما كنا بحاجة الى برلمان في الاساس، اذ يكفي ان تقررالاغلبية ما تريد، ويصبح الامر قانوناً نافذاً - الا في حال الاجراءات التي تستلزم موافقة ثلثي النواب- وبالتالي فان مدى صحة هذه المقولة يعتمد على عدم تدخل السلطات الأخرى باعمال المجلس، ولا يقصد بالتأكيد منها، ازدراء القوانين بحجة ان "المجلس سيد نفسه"!!
وباعتقادنا ان المواطن الفلسطيني تابع بامتعاض ما جرى في المجلس، فرغم حيوية الحراك، وهو ما لم يكن متوفراً في مجلس "فتح" السابق، الا ان استفراد كل تكتل بالآخر، بالاستناد الى قانون داخلي، لكل منهما، واثارة المسائل ذات الطبيعة الانتقامية والكيدية، لا يمكن ان يبشر بالخير، وعلى العكس من ذلك، فلو فرضنا ان حركة "حماس" بدأت جلسات المجلس، بمناقشة قوانين جديدة لتفعيل قوانين قديمة لمحاربة الفساد، واحالة - على سبيل المثال- الوزراء والقيادات التي ساهمت في بناء الجدار الحدودي، لوضعت بذلك، كل المعترضين، او المترددين في ذلك، موضع ازدراء من جانب الجمهور الفلسطيني "ولانتقمت" حركة حماس، من المسيرة السابقة، من خلال هذه البوابة، دون الحاجة الى افتعال معركة برلمانية، مختلف عليها في النصوص القانونية، رغم عدم الاختلاف عليها، من زاويتنا على الاقل، من الناحية الاخلاقية، كما أسلفنا.
مثل هذه المعركة التي بدأتها حركة "حماس"، ربما ينظر اليها كهدف بحد ذاته، لتمرير جملة من "التراجعات" السياسية على صعيد السياسة الخارجية، والتجاوب مع جملة الضغوط الدولية والاقليمية بهذا الصدد، بحيث ينفس الوضع الداخلي بصراعات ذات صفة استقطابية شديدة، تحظى باهتمام المتابعين من دون ان يهتم المتابع، لما يجري من تجديد للخطاب السياسي والاعلامي للحركة، ولو ان الحركة قدمت من خلال رئيس الحكومة المكلف، تقريراً عن جملة الجهود التي بذلتها من اجل حل المسائل المالية والاقتصادية العالقة، لكان ذلك أجدى وأهم من التمترس وراء مسائل خلافية حادة، تأخذ طابعاً اقصائياً واستئثارياً، وربما انقلابياً على صلاحيات الرئاسة، وهو الامر الذي نعتقد انه جانب الصواب خاصة وان حركة "فتح" لا تزال تدرس امكانية مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية التي تقول حركة "حماس" انها خيارها المبدئي.
لكننا لا نلقي اللوم في كل هذا على حركة "حماس"، مع انها تتحمل المسؤولية االكبرى فيما حدث، اذ اننا لا بد من ان نلاحظ ان الطبيعة الاستفرادية والمزاجية والاحتكارية، التي سادت العلاقات الفلسطينية الداخلية، خلال الحقبة السابقة، هي التي مهدت الطريق لما يحدث اليوم، والسلوك الاستباقي لحركة "فتح" في محاولة لاستمرار الاستئثار بالنصيب الاكبر من الصلاحيات رغم المعطيات الجديدة، كان عاملاً مؤثراً في سلوك قيادة المجلس التشريعي الجديدة.. التي افتقدت الى حكمة التروي وتملكتها عقيدة الثأر والاقصاء!!
صحيفة الأيام الفلسطينية