بسم الله الرحمن الرحيم

العزيز ابن العرب - إليك رأيي الشخصي فيما حدث - ومن يجب عليه أن يقدم الاعتذار ويقاضيه الضحايا هو وسائل الاعلام الانتهازية والمضللة - مع اعتراضي على البابا في أنه طرح هذا الموضوع في غياب كامل لمحاورين أكاديميين مسلمين - وكنت قد طرحت هذه المشاركة في مكان آخر فدفنت تحت أكوام من المواضيع الجديدة ولم يعلق عليها أحد بل ربما لم يقرأها أحد غيري:

================
لن أخوض في التنديد بما قاله البابا رغم اعتراضي عليه كقول مجرد - ولكنني أود ذكر بعض الملاحظات المرافقة والمحيطة بالخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام:

البابا يتحدث في جامعة متخصصة إلى حشد من الأكاديميين ذوي التخصص العالي - وبالتالي فهو لا يقول هذا الكلام في سياق عظة كنسية للعامة في يوم الأحد ولا يقوله ضمن برنامج حواري على التلفزيون - ربما الخطأ الوحيد - إذا صح أن أسميه خطأ هو السماح لوسائل الإعلام المرتزقة بالتحشر في هذا الخطاب ومحاسبة البابا على كلماته ومتابعة تحركاته وكلماته أينما حل

البابا لا يقول كلمة عامة ولا يوجه خطابه للمسلمين ولا حتى للكاثوليك - ولغة الخطاب المعقدة والبعيدة عن أفهام العامة خير دليل على ذلك - ولكنه يتحدث إلى متخصصي اللاهوت وفلاسفته ويضع نفسه في مصافهم متذكراً أيام كان أستاذا في الجامعة ويندمج بينهم متحدثاً عن مقولات ومحاورات فلسفية تاريخية ومتباهياً بما يعتقد أنه يرجح المحاورة التاريخية لصالح فكرته وفلسفته

من حق البابا وغيره من المسيحيين الدعوة إلى حوار نبيل ومبارزة عقلية للتعرف إلى الآخر وكشف مكامن اللاختلاف بجرأة وطرح المنظور المسيحي للإسلام وللفلسفة التي يرتبط بها بصراحة وصدق - وليرد المسلمون بنفس اللغة وليحملوا نفس الشجاعة الأدبية في تناول هذا التحدي الفائق في أدبه ورصانته - أم أن بعض علماء المسلمين رأو التحدي طعناً لهم ولدينهم ورفضوا حتى التفكير والرد على نفس المستوى - أليس لهم القدوة في حوار نبينا صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران والمقوقس في مصر؟

بعض خفافيش الإعلام تصيدوا هذا الكلام وفسروه وأولوه - وبدل توجيه هذا النقاش إلى هيئة أو جامعة إسلامية دفعوا به إلى عامة الناس يستنفرونهم ويستفزون مشاعرهم - وما رأيته في قناة الجزيرة هو شريط أحمر قان ينشر تفاصيل الخبر بصيغة تستفز الصخر الأصم ليثور ضده - ويعيده ويكرره بمساحة إعلانية مجانية تأكل بصر المشاهد وتستفز أعصابه

الشعوب المسلمة المستثارة أصلاً بسبب المظالم الغربية والحروب المستعرة - وبسبب الحصار المفروض عليها ممن يسيطرون عليها - سوف تندفع محتجة وتخرج لتعبر عن غضبها سواء كان غضباً عاقلاً أو لم يكن كذلك - وقيادات المجتمع في هذه الشعوب ستجد نفسها مجبرة على بيان مواقفها مما قيل في وسائل الإعلام ولن تعذرها شعوبها إذا التمست العذر والتبرير لما قيل - وكان لزاماً على القادة أن يتصدروا الاحتجاج وأن يبقوا المحتجين خلف صفوفهم - ويقودوا غضباً عاقلاً تحت السيطرة

ولأن بعض التجمعات بطبيعتها العاطفية لا تستطيع أن تسير في تظاهرة منضبطة - وأن المقلدين لأسلوب التظاهر كما عرفته الدول الغربية لا يستطيعون كبح جماح عواطفهم والاقتصار على توجيه الرسالة فقط من خلال التظاهر - بل يربطونه بالعنف - ويظنون في لحظة من اللحظات أن هذه الأعداد ما هي إلا جيش يحمي قضيتهم ويذود عن حياضها - فمن الممكن أن ينفلت عقال السيطرة لديهم ويخرجون من التظاهر السلمي إلى العنف - من ذلك المنطلق وجب على قادة المجتمع أن يقننوا الغضب ويكبحوا جماحه

ومن أجل المستقبل - يجب على التجمعات البشرية العاقلة أن تضع محدودية معينة لوسائل الإعلام سواء بوصولها إلى المحاضرات والمجالس الخاصة والشخصيات العامة - أو إلى الجمهور - لتمنع الإعلام التحريضي المؤدي إلى سفك الدماء - وإنني أحمل مسئولية سفك دماء العامة في أي مكان ومسئولية التحريض الديني عى عاتق أجهزة الإعلام التي جعلت من دماء البشر تجارة رابحة وسبقاً إخبارياً

لتهنأوا يا من تشعلون أوار الصراع - دماء كل ضحية من ضحايا الغوغائية في رقابكم ودخان كل نار تشعلها الغوغاء في صدوركم - وكل أذى يلحق بنا من هذه الحال التي يراد لها أن تتحول صراعاً - سيكون في ذمتكم على طول التاريخ

ولتعلموا أن هذه الضجة المفتعلة - والغضب العاقل كما تسمونه - يرسم صورة مخيفة عنكم لدى الغرب فيما لو انتقلت أدوات القوة إليكم كالديمقراطية والحرية والنمو الاقتصادي والقدرة على استخدام الطاقة النووية ولو لأغراض سلمية

الحل بأن تتحاوروا بنبل وشجاعة مع الغرب المسيحي المتدين وأن تهتدوا بهدي القرآن في ذلك لتؤسسوا سلماً وإسلاماً وهداية ونوراً في تلك المجتمعات - وتواصلاً معهم على أرضية سلام الحضارات ودعوتها لتفهمكم كما أنتم


====================