لا أدري لماذا تفترض أن أي تسلسل في المادة هو احتمالات صفرية .

دعني أسألك ، عندما يلتقي حيوان منوي ببويضة ، يتكون ما يسمى بالزيجوت ، و هذا الزيجوت يمر في سلسلة محكمة من التسلسلات تؤدي إلى ولادة كائن حي غاية في التعقيد كالإنسان مثلاً .

نحن نقول أن كل مرحلة و كل لحظة في هذا الزيجوت تحمل في داخلها قوانين تؤدي إلى الخطوة اللاحقة دون أن يوجد أي فجوات في التسلسل .

فأين هو دور الله في هذه السلسلة ؟؟؟

هل يتدخل الله في كل لحظة ليوجه العمليات الحيوية كي تعطي النتيجة هذه بدل تلك ؟؟؟

علاقة الهرمونات ببعضها البعض ، إفراز هرمون معين يؤدي إلى قدح زناد غدة أخرى تفرز هرمون آخر يؤدي إلى تثبيط إفراز هرمون آخر و زيادة إفراز هرمون ثالث ، هذا التسلسل في التفاعلات محكم بقوانين المادة الكامنة في الهرمونات و ليس في تدخل الله في كل لحظة .

الله يتدخل إن وجدنا فجوة لا يمكن أن نفسر من خلالها كيف ظهرت نتيجة ليس لها سبب سابق . و هذا لا يمكن .

تماماً مثلما نقوم بعمل شبكة ضخمة من حجار الدومينو ، فعندما نسقِط أول حجر ، يحدث تفاعلات متسلسلة تؤدي إلى سقوط متتالٍ للأحجار ، ثم تبدأ التشعبات هنا و هناك ، فهذا الحجر يؤدي إلى إطلاق بالون و آخر يؤدي إلى إطلاق صوت و آخر يرسم منظراً طبيعياً إلخ ، و كل ما ينتج بعد إسقاط الحجر الأول هو نتيجة مرهونة بالقوانين الكامنة في شبكة الدومينو هذه ، و ليس أن نقوم بإسقاط كل حجر كما نشاء و نريد بيدنا في كل لحظة .

الآن بالنسبة لتكون الخلايا و البروتينات و غير ذلك .

أنا أقول لك أن سلسلة التفاعلات منذ اللحظة الأولى للانفجار الكبير أدت إلى ظهور الكون بالشكل الذي نعرفه ، و أن هذا التسلسل أدى إلى ظهور أسلاف للإنسان ، و لا يمكن بأي حال أن يظهر الله فجأة وسط هذا التسلسل الطبيعي ليجبل قطعة طين و ينفث فيها من روحه و تبدأ مسرحية السجود الإبليسي و غير ذلك حسب الخرافات الدينية .

ستقول لي من الذي صمم شبكة الدومينو و من الذي وضع القوانين في المادة .

سأقول لك أن المادة منذ الانفجار الكبير و هي تولد قوانينها ، فحين تكونت الأجرام الكبيرة تكونت حقول الجاذبية ، و حين انصهر الحديد على الأرض في مرحلة ما ثم اتجه إلى مركزها لثقله بالنسبة للكوكب المنصهر أدى ذلك إلى تكوين لب حديدي أدى إلى تكوين مجال مغناطيسي أدى إلى تكوين درع لحماية الأرض من أشعة الشمس القاتلة ، مما مهد الطريق لبداية ظهور الحياة .

هناك سلسلة كبيرة من الأحداث لا يمكن أن يتدخل فيها الله و يكسرها في أي لحظة ، فنحن لا نجد في تاريخ الكون جبلاً ظهر فجأة هكذا دون أي سبب (قانون) سابق عليه (كانزياح تكتوني أو انفجار بركاني أو رسوب ما) ، لا يوجد في الوجود جبل تكون نتيجة لقول الله "كن فيكون" .

كذلك لا يوجد كائن حي يظهر هكذا فجأة دون أسلاف و أخلاف إذا ما انقرض ، فتاريخ الأحافير يظهر لنا دائماً كائنات منقرضة هي جزء من شبكة اسلاف لشتى أنواع المخلوقات .

لا يوجد قمر يظهر نتيجة لكن فيكون ، أو القدرة الخالقة ، القمر تكوّن نتيجة لسيناريوهات محتملة أحدثها اصطدام كوكب في الأرض في لحظة ما .

لذلك لو كان هناك إله ، فكما قلت ذات يوم ، يكون قد أطلق السبب الأول الذي ولّد كل الأسباب و النتائج اللاحقة ، و لا يمكن أن يكون إله يخلق على الدوام لأننا لا يمكن أن نرى شيئاً لا على مستوى الذرة و لا الخلية و لا الجسم بأكمله و لا الكواكب و النجوم يتكون دون تسلسل منطقي من السببيات و التفاعلات الكيميائية و التي قد تكون غامضة في مرحلة ما ، لكن لا يمكن أن يوجد فجوات فيها .

لذلك إلهكم الذي تحاول أن تبني وجوده على ظهر العلوم هو ساقط لا محالة ، لأن العلوم تخبرك دائماً بالأسباب و هي أساساً وظيفتها البحث عن الأسباب التي تعطي النتائج ، لذلك فإله من نوع "كن فيكون" و من نوع "خلق المعجزات" و "جبل الطين و نفخ الروح" و "التجلي للمخلوقات" و غيره من الصفات العجيبة الغريبة ، هو إله خرافي من صنع العقل البشري الغارق في الغيبيات و الخرافة .

الكون بكل موجوداته ينادي بقانون واحد هو قانون السببية ، و أن كل ما هو موجود في هذه اللحظة من مادة هو نتاج لما أعطته الأسباب في اللحظة الوجودية السابقة ، و هكذا إلى أن تصل إلى السبب الأول الذي هو ليس نتيجة لسبب لاحق ، و كما قلت في السابق أن هذا السبب ضمن هذا التعريف (ليس نتيجة لسبب سابق) هو شيء لا عقلاني و خارج عن سنّة و المادة ، لذلك يحق لنا أن نتوقف عنده و نعلن أن لا أحداً يملك القدرة على تفسيره ضمن المستوى العقلي ، و نكتفي .

أما إن شئتَ أن تذهب أبعد من ذلك و تبحث في ماهية هذا السبب الأول الذي لا يوجد سبب سابق عليه ، و تنتقل إلى مستوى اللاعقلانية ، فعندها تنفتح عليك احتمالات كثيرة من الميتافيزيقا ، منها الإله التوراتي (طين و نفخ و آدم إلخ) و أصله السومري طبعاً ، أو الميثولوجيا المصرية أو الهندية أو الصينية أو الفارسية أو غيرها ، أو ما سميته أنا ذات يوم بالإله الغائب .

جميع هذه الآلهة التي في السطور الأخيرة متساوية من حيث لا معقوليتها ، بحيث تصبح مسألة المفاضلة بينها مجرد مسألة تخدير للعقل الملحّ بالأسئلة التي لا تتوقف عند لحظة أولى أو سبب أول .

تحياتي لك