عزيزي katz،

كيف مات يهوذا؟!

هذا السؤال حيّر الكثيرين، ولا يزال. وقد تعددت الإجابات وتنوعّت، بعضها يحمل بعض المنطق الذي يمكن قبوله والتسليم به وبعضها الآخر يحملك على الضحك كما لم تضحك من قبل.

قرأت في النادي كلا النوعين من الإجابات، فاحترمت قائلي النوع الأول وقهقت حتى كادت "أحشائي تندلق" على الصنف الثاني.

قبل تقديم إجابتي لهذا السؤال الشائك، أودّ أن أذكّر بعض إخوتي المسيحيين، وتذكيرك أنت لا يضر بالطبع، أننا نؤمن أن الكتاب المقدس ليس كتابا منزلاً بل مكتوباً بوحي من الورح القدس، وأنه ليس كتاب تاريخ، بل كتاب إيمان وحياة.

متى يروي أن يهوذا خنق نفسه (شنق نفسه)
لوقا يقول أن يهوذا سقط واندلعت أحشاؤه

النتيجة لدى كليهما: يهوذا مات! هذه حقيقة.

أنا لا أعتقد أنَّ أيّا من الكاتبين ذكر "واقعاً تاريخيا" لكيفيّة موت يهوذا. أعني أنّه لربما مات مشنوقاً ولربما مات مندلع الأحشاء، فكيفية الموت لا تهم متى ولا تهم بالتأكيد لوقا. لأن متى ولوقا يكتبان هنا "عبرة إيمانية" لا "تاريخاً واقعيّاً".

لا أرى ما يمنع من الأخذ بقول متى أن يهوذا مات مخنوقاً أو شنقاً.

الآن، لماذا قال لوقا أنَّ يهوذا قضى بعد أن "انشقَّ" بطنه وتراق أحشاؤه؟!

لو فحصنا أسفار العهد الجديد عن اللفظة المستخدمة للتعبير عن الفعل انشق ينشق، لوجدناها في أربعة مواضع فقط لا غير، ثلاثة منها متطابقة، أي تروي حادثة واحدة والرابعة تتعلق بيهوذا، إليكم الآيات:

متى 9، 17: «ولا تُجعَل الخمرةُ الجديدة في زقاق عتيقة، لئلا تنشقُّ الزِّقاق فتُراق الخمر وتتلف الزِّقاق، بل تجعل الخمرة الجديدة في زقاقٍ جديدة، فتَسْلَم جميعاً»

مرقس 2، 22: «وما مِنْ أحدٍ يَجعَل الخمرةَ الجديدة في زقاق عتيقة، لئلا تَشُقُّ الخَمرُ الزِّقاقَ فتتلف الخمر والزِّقاق معاً، ولكن للخمرة الجديدة زقاقٌ جديدة»

لوقا 5، 37: «وما مِنْ أحدٍ يَجعَل الخمرةَ الجديدة في زقاق عتيقة، لئلا تَشُقُّ الخَمرةُ الجديدة الزِّقاقَ فتراقَ هي وتتلف الزِّقاق. بل يجب أن تُجعَلَ الخمرةالجديدة في زقاقٍ جديدة».

وأخيرا أعمال الرسل 1، 18: «وقد تملَّكَ حقلاً جديداً بالأجرة الحرام فوقَعَ على رأسه منكَّساً وانشقَّ من وسطه، واندلقتْ أمعاؤه كلُّها».


لوقا يعلّم قارئيه، أنَّ يهوذا كان قد تمسَّكَ بالشريعة القديمة والتفكير القديم، ولم يتمكن من استيعاب أو قبول تعاليم يسوع. تشير بعض الدراسات -منها ما طُرِح هنا في النادي- إلى أنَّ يهوذا كان من جماعة "الحماسيين Zealots"، أولئك الذين كانوا ينتظرون المسيح القائد العسكري الذي سيقود ثورة اليهود على الاحتلال الروماني ويحقق الحرية المرجوة للشعب اليهودي.

لذلك، عندما سلّم يهوذا يسوع، لم يكن يفعل ذلك خيانةً له، بل تعجيلاً به ليقوم برسالته التي طال انتظارها. هذا هو منبع حزنه العميق وندمه الشديد عندما رأى أن يسوع لم يلقِ عن كتفيه ثوب الضعة والتواضع ولم يستلَّ سيفه ليبدأ الثورة، بل سار كحملٍ وديع تساق إلى الذبح دون مقاومة. فمضى وخنق نفسه.

إذن، يهوذا هذا الذي تمسك بالشريعة القديمة والأفكار القديمة، لم يقوَ على قبول الشريعة الجديدة (المحبّة) والأفكار الجديدة. وكما تنشق الزقاق القديمة لأنها لا تحتمل الغازات التي تفرزها الخمر الجديدة، انشق بطن يهوذا لأنه لم يحتمل الطاقة التي تنتجها الشريعة الجديدة.

إذن، فلوقا -من وجهة نظري- لا يقدم "سبقاً صحفيّاً" بل يقدم رواية لاهوتية تأنى كثيراً وتأمّل مليّاً قبل طرحها وذلك لتكون فيها عبرة لا بحدث ماضي لا ينفع أحداً في المسيتقبل، بل لتكون فيها عبرة لكل مسيحي يقرأ الحادثة في المستقبل.

أعتذر إن كنتُ أطلت عليك وتقبل تحياتي القلبية