العزيز فيلالثيست،

تعقيبا على ما قاله أخونا الحبيب أتماكا، يسرني ان أضع بين يديك بعض القواعد التي نتبعها علميا عند طلب العلم الشرعي.

ابتداء لا يؤخذ ديننا إلا عن الوحي أو ما أرشد إليه الوحي على سبيل القطع لا الظن ولا غلبة الظن، أما الوحي فهو الكتاب والسنة الصحيحة حصرا، وسأؤجل موضوع ما يرشد إليه الوحي بعض الشيء الآن.

الكتاب الذي هو القرآن جزء من العقيدة، لذا لا يقبل ابدا أن يرد على وجه يفيد الظن أو غلبة الظن، ولا يقبل نقله إلا عن معصوم أو بالتواتر. والمعصوم هو محمد والتواتر هو نقل الجمع الغفير المأمون تواطؤهم على الكذب أو الخطأ أو النسيان عن مثلهم إلى منتهى السند والذي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هو منتهاه إلى الحس.
في هذه الحال نقول عن هذا السند انه قطعي في ثبوته، ملزم لجميع المسلمين، يرد كل ما عارضه من روايات اضعف منه إن استحال الجمع بين الرويات، ولو وردت الرواية في الصحيحين.
وهو قطعا يرد جميع الروايات المتهالكة التي أتت عن غير طريق التواتر بورود جمل وسور غير مكتوبة في المصحف. كزعمهم أن عمر أو عائشة أو ابن مسعود قد قالوا أن كذا من القرآن ولم يكتب.

أما السنة، فهي إذ لم تكن من العقيدة، فتقبل أن تكون على غلبة الظن، إذ أن الأحاديث تتطلب العمل، وقد قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العمل من أصحابه على غلبة الظن.
والسنة هي ما ورد عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير بما يصلح أن يكون دليلا شرعيا.

والحديث حتى يعمل به ينبغي أن يكون صحيحا، والحديث الصحيح ليس ما رواه البخاري أو مسلم، بل هو ما رواه العدل الضابط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير شذوذ ولا علة قادحة.
فيشترط في الحديث أمران، من حيث سنده ومن حيث متنه. فيشترط في سنده أن يرويه عدل أي تقي غير فاسق، وضابط أي لا ينسى وينقل كما يسمع، عن مثله بأن يلتقي الرواي بمن يروي عنه مشافهة دون وسيط. ومن حيث متنه يشترط أن لا يكون شاذا بأن يخالف الراوي من هو أوثق منه، وأوثق منه القرآن والحديث المتواتر الذي نقل بطريقة القرآن، والحديث الذي رواه جماعة، وأن لا يكون فيه علة قادحة وهذه فيها تفصيل.
فمن العلة القادحة أن يذكر الحديث أمرا لا يتفق مع المروءة عن محمد، ومن العلة القادحة أن يكون الصحابي راوي الحديث ممن لا يطلع على مثل هذا الحديث، ومن العلة القادحة أن يكون في الرواية ما يجعل العصمة من الناس أثرا بعد عين، ومن العلة القادحة أن يجعل الرسول طبيبا، أو أن يجعل الرسول متحيزا إلى فئة من الناس دون أخرى،... وقد جمع ابن الجوزية في كتاب له سأجد لك اسمه قريبا بإذن الله تعالى، كل هذه العلل القادحة.

البخاري ومسلم قاما منفردين بعمل يستلزم دولا للقيام به، إلا أنهما غير معصومين وليسا نبيين، وقد يتسرب شيء من الخطأ إلى عملهما. ونحن إذ نترحم عليهما ونسأل الله أن يثيبهما عنا كل خير، إلا أننا لا نقول بقول العوام أن الصحيحين هما أصح كتابين بعد كتاب الله. هذا كلام عوام لم يدخلوا حلقة علم. أما الرجلان فقد يقع في صحيحيهما بعض الخطأ أو الغفلة ككل البشر.

أما أن المسلمين لا يحذفون الأحاديث الضعيفة من كتب غيرهم، فليس عند المسلمين سلطة دينية، ولا نبي بعد محمد. ولا ينزل الروح القدس على أحد، لا صحابي ولا غيره.
ومن غير الأمانة أن نحذف من كتاب غيرنا جهده، أو حتى أن يحذف هذا العمل من كتابه بعد نشره. يكون ذلك كمن أمسك ورقة علمية منشورة ومحكمة لغيره أو لنفسه، ثم عدلها زاعما أنها نفس الورقة العلمية.

نحن نشير إلى الأحاديث الضعيفة في أي كتاب، ثم نذكر في إشارتنا ما هي الأسباب التي دعتنا إلى تضعيفها، ونحترم عقل القارئ الذي ليس عليه وصاية أبوية، والذي سيقرأ ما كتبناه كناقد له، قد يصوبنا ويعيد إلى الحديث اعتبار الصحة لما قد غفلنا عنه، وقد يوافقنا في قولنا.

هذا ما قدرنا عليه في أمر الكتاب والسنة، فمن أتانا بأحسن منه صرنا إلى قوله وتركنا قولنا، والله من وراء القصد!