(02-17-2010, 04:05 PM)anass كتب: أخ الوراق :
تحية أخوية
أنت قلت
أنت تتصور أن الله لو شاء لأدخل كل الناس الجنة ، بينما هو قضى أن يدخل بعض الناس الجنة والبعض الآخر النار..
والآية التي ذكرتها لا تنفي مشيئة البشر .. هو ملأ جهنّم من المختارين للباطل ،. والآية التي ذكرتها أنا تشير إلى ترك الحرية والاختيار للناس ،
كيف تستذل على أنه ملأ جهنم من المختارين للباطل؟ هو لم يذكرالمقاييس عندما قرر ان يملأها؟فمن اين أتيت بها؟
ولماذا خلق جهنم أصلا؟ ولم يكتفي بخلق الجنة. هو قال ما معناه انه اقسم ان يملأ الجنة والنار وهو قرار لا رجعة فيه.
ياعزيزي الوراق
انا أعطيتك ثماني آيات من القرآن وقلت لك :أريني أين جعل الله الإختيار بأيدي الناس
ولا أخفي عليك انني لم أقتنع ليس عنادا ولا تعنتا ولا لي نظرة مسبقة وكل ما أطلبه منك هو ا الجواب بالتركيز على
هذه الآيات بالذات مع الشكر مسبقا:
.-"يضل من يشاء ويهدي من يشاء".فأين هو الإختيار؟
فريقا هدى وفريقا حقت عليه الضلالة,لم يقل ضالين بل هو كتب عليهم الضلالة.فاين هو الإختيار؟
"-وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا."هو أقسم ان يورد الناس كلهم جهنم.فأين هو الإختيار؟
-" وكثيرا حق عليه العذاب ,ومن يهن الله فما له من مكرم.إن الله يفعل ما يشاء".أين هو الإختيار؟
أطلب منك أن تجيبني على هذه الأسئلة لأنها ترهقني وأشكرك جزيلا على مشاعرك الطيبة و نبلك وسعة صدرك .
وبما انك قلت لي أن الأسئلة لا تحرجك فكيف تستدل على أن المرجع الذي تعتمد عليه وهو القرآن ’هو من عند
الله؟ فلطالما طرحت هذا السؤال ولم ألق الجواب المقنع. فالحقيقة هي هدفي ولا شيئ غير الحقيقة كيفما كانت
وأينما وجدت
مع تحياتي الأخوية .
أتيت بالمقاييس من القرآن ، فهو مليء بمقاييس المؤمنين : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .. ) ، ومقاييس الكفار التي لم تذكر بالقرآن إلا وهي مقرونة بالنظرة المادية العقلية وبسوء الأخلاق ، (ولا تطع كل حلاّف مهين) (همّاز مشّاء بنميم) (منّاع للخير معتد أثيم) (يراءون ويمنعون الماعون) (لا يتناهون عن منكر فعلوه) ( زُيّن للذين كفروا الحياة الدنيا – أي المادية – ويسخرون من الذين آمنوا) (الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) ، والكفر ظلمات وعذاب ووحشة . (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا) (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) – ماديّة متشددة – ، وقساوة القلب .. كل هذا ياتي من النظرة المادية ، وإيثار المادة على المعنى ، والشكل على المضمون ، والقشور على اللب ، والعرض على الجوهر .
وكلمة كفرهي ضد الشكر ، فالشخص الذي يقول عن نفسه : أنا كافر ، فهو كأنه الآن يسب نفسه ، مسبّة أخلاقية . فالذي يكفر هو كافر بالشكر ، وبالتالي فهو قابل لأن يكفر بشكر الآخرين .
ومن صفات المؤمن أنه شكور ، ويميل للشكر .. فهو دائماً يبحث عمّن فعل به المعروف ويحاول أن يجزيه عمّا فعل ، فمثلاً إنسان يقول عن نفسه أنه كافر ، بينما هو شكور ويشكر الناس ! فهو الآن كأنه يسبّ نفسه . فكلمة جاحد مثل كلمة كافر ، فهي مسبّة للإنسان فكيف يقول عن نفسه ذلك ؟ فلمّا يصير الإنسان شكور وطيّب ، ويشكر الناس الذين أحسنوا له ، لكنه لا يؤمن ولا يريد أن يؤمن بوجود إله ، فهاهنا هو شكور ولكن شكره ناقص الآن ، فالناس أحسنوا لك وشكرتهم ، وهذا طيّب ، ولكن هناك حسنات ليست من الناس من أجل أن تشكرهم ، فإذاً تشكر بها من ؟ فإذا كان إنساناً طيباً فسوف يبحث عمن يشكره على هذه النعم ، أما المادي فلا يهمه سوى ان يستفيد ، سواء من الناس أو من رب الناس ، فيستفيد ويجحد ، ويقول أوتيته على علم عندي ، كما قال قارون الكافرالمادي ، فهو قد كفر بالنعمة ، كما أنه ليس في الحقيقة على علم عنده .
والذي يشكر فهذا يعني أنه على خلق وتعنيه كل الفضائل أما عن عبارات المجاملات فلا نتحدث عنها ، هذا الأمر يدلّك على أن الوصول إلى الله هو عن طريق الفضيلة ، هذا هو الوصول الحقيقي ، أما الإلزام والضغط أو العقل ، فعن طريق العقل لن تصل إلى شيء اصلاً ، لا إلى الله ولا إلى غيره ، بل تصل إلى الحيرة والتشتت فقط . وأنتم أناس يعنيكم العقل ولكني لم أر أنها تعنيكم الفضائل ، ولا يعني هذا أنكم لا تحبونها ، فكلما نعطي فضيلة نجد فضيلة من عندكم وهذا واضح ، ولكن الفكر المادي الذي دخلتم فيه يهمّش أموراً مثل الفضائل والشعور ومركّزاً على المادة والعلم التجريبي والعقل فقط ، فالفضائل لا قيمة لها ، بينما انتم تبحثون عنها ، وأنتم لا تبحثون عن العقل ، فالعقل متعب أصلاً ولا يصلح لكل شيء كموضوع ، فالتعلّم عن طريقه متعب ، فنحن نرتاح للمعلم الذي نحبّه لكي يعلّمنا ، ولا نستطيع أن نتعلّم من إنسان لا نحبه ، مع أنه من المفترض أن التعلّم عن طريق العقل ، وليس لك شأن بالشخص أحببته أم لم تحبّه .
وهكذا المقاييس كثيرة ، فالقرآن مليء بها ، مقاييس صفات المؤمنين والكافرين ، وصفات المؤمنين بالقرآن معروفة ، أنهم يوفون بالعهد ، ويطعمون الناس لا يريدون منهم جزاءً ولا شكورا ، ويساعدون الناس لوجه الله ولا يمنّون على من أعطوه ، ويكرهون الظلم والاعتداء ، ويعدلون حتى مع من يكرهونهم ، ويفعلون الخير لمن أساء لهم .. إلخ ، حباً للفضيلة وحباً لصاحب الفضيلة (الله) (نجزي الشاكرين) (نعم العبد إنه أواب) ، أي أنه يرجع كلما أخطأ ويعتذر، وهل تتصور أن هذه الصفات خاصة فقط بالرجوع إلى الدين أو الشريعة ؟ لا ، هي لأنها صفات فاضلة في الإنسان ..
القرآن يبين لنا أن الناس الفاضلين هم القريبون من الله, فهو لم يمدحهم بكثرة صلاة أو صيام بقدر مامدحهم بالفضائل, والقرآن مليء بالأمثلة على هذا، ولو كان المقياس بالعبادة لمدح من يقيمون النوافل وفضّلهم حتى على أصحاب الأخلاق ، ولكن هذا لم يحدث, وستطول الصفحات إذا بدأنا نعدد صفات المؤمنين وصفات الكافرين, وهذه هي المقاييس.
مايضعه بعض المسلمين من تقديم للمقاييس المادية مثل الفروض و الشرائع بأنها هي الدين, فهذا من أناس لم يفهموا القرآن, فيجب على أصحاب العقول الكبيرة أن تتجاوز مثل هؤلاء وتتشعب في داخل القرآن حتى تفهمه ، وبالتالي يكون حكمك عليه سليم, لا تحكم عليه من الخارج أو من تصرفات بعض الأتباع, فهذا حكم جائر. الله قال : هم كفروا بنعم الله ولم يقل كفروا بالله مباشرة, فالنعم التي عندهم لم يبحثوا ولم يتعبوا أنفسهم بإيجاد من يشكروه عليها , وهذا دلالة على قلة الاهتمام بالجانب الاخلاقي. نحن لا نستطيع أن نشكر المادة, لأنها لم تنوي أن تساعدنا, بدليل أنك لو وقفت في طريق الحديدة لقصمت رقبتك, وهي التي من الممكن أن تنفعك في عمل ما. إذا ً نحن نبحث عن أحد له روح وله عقل عظيم وكبير, يفهم ويحس فينا, فنحن في دواخلنا أرواح وشعور وإحساس , وهذا ليس مادي, فهذا يبحث عن أحد ينوي له الخير ويحس فيه وينتمي إليه , وليس يبحث عن مادة لا تحس فيه, فالفلسفة المادية تحدث إنشطاراً في داخل الإنسان, بتحويل الجزء العاقل فيك إلى مرجع غير عاقل وهو المادة. وما راج هذا الفكر إلا لوجود أناس منتفعين منه أصلا ، وهم من يروّجنه في العالم لموضوعات يطول شرحها والكلام فيها, فلا ترى إلا المصالح, فلا يُعقل أن يكون هذا التطبيل والتزمير لأجل العلم والمعرفة. هناك ماديون حقيقيون يسوِّقون لهذا الفكر فَهُمْ يهمّهم أن يسيطروا على المادة ، ويريدون أن يسيطروا على الناس ليتحولوا إلى المادية, ويقضوا على الجوانب الإنسانية في الإنسان, يقضون على خُلقه وكرامته وشهامته وإنسانيته ، ويتحول عبداً للمادة وبالتالي عبداًًُ لهم. كذلك الدين هناك من يستغله أيضا ويحوّل الناس إلى عبيد له ويستغلهم ويستفيد منهم ويجمع أموالاً منهم, كل هذا يحدث. في خضم هذه الحيرة ، إلى أين يذهب الإنسان لغير شعوره؟ في داخل كل منا جهاز صادق, بدليل أنه يعارضك ولا يحابيك, فأحيانا العقل يقتنع ولكن شعورك يرفض, وأحيانا لاتجد إثباتاً في العقل وتجد شعورك يؤكد الأمر , وهذا شيء واقع فينا لو تحسّسنا هذا الجانب المهم فينا وهو الشعور, الذي هو البوصلة الدقيقة للمسار السليم في الحياة, ولكن مع ضجيج الآلة والمادة لايُسمع إلا قليلا, ويثورعلينا في بعض لحظات الهدوء أو في بعض اللحظات الحرجة أيضا. وعندما يسقط العقل يتحرك الشعور وهذا قانون في الطبيعة البشرية , فمادام العقل ناجحاً فلن يستمع الشخص لصوت شعوره.
صفة الكافر لا تنطبق حتى على الناس الذين أتعامل معهم في هذا المنتدى, أنا لا أرى فاجراً بمعنى الفجور, فالكافر فاجر في القرآن. الكافر يعني أنه يزيد في الشر والعداوة , (وإذا خاصم فجر). صفات الكافر في القرآن هي صفات سيئة يكرهها الإنسان من أي دين ومن أي مذهب, فالكاذبين والمغرورين والمتكبرين والجاحدين والماديين والبصريين, كلها صفات أنت لاتريدها في صديقك.
أنت تريد جنة فقط ولا تريد ناراً, بينما أنت تلعن وأنا ألعن هذا المجرم الذي فعل جريمة بأسرة كاملة, وتلعن المُرابي الذي رمى الناس في الشوارع بعد ان أغراهم, وتلعن الظلمة والدكتاتوريين والكذابين ومن يتهمون الناس بتهم هم فعلوها ، ويضحكون على المساكين, وتتمنى لهم أن يأخذوا عذابهم. ذاك المغرور المتغطرس الذي يقول : أنا أفعل ما أريد ولا يمكن أن يأتيني ضرر، لأن عقلي أكبر من عقولهم ، وما أملكه من المادة يمنعهم من ان ينالوا مني ، فالعقل والمادة والعلم هي قوة المتكبرين والظلمة دائماً ، فتأمّل هذا جيداً.. والقرآن يشهد بذلك ..
ألا تحس بتحرُّق أن هذا الشخص لابد أن يذوق مثل ألم ضحيته حتى يعرف أنه إنسان وليس بإله؟ كم نظلم نعمة الألم حتى في حياتنا اليومية , نظلمها كثيرا, فالألم في الاساس منبّه ، جسمياً كان أم نفسياً ، فالجسمي يدل على خطر على الجسم ، والنفسي يدل على خطر وانحراف عن الطريق القويم الذي وُجدت من أجله هذه النفس وتسعى للوصول إليه ، متمثّلاً بالكآبة والأحلام المزعجة .. إلخ .. فالألم نفع أناساً كُثر ودفعهم للبحث عن الحق ليعدلوا مسارهم ، فكم تعدّل إنسان بسبب ألم ضميره مثلاً ، وتحوّل إلى إنسان صالح . ولولا وجود الألم لما عرفتَ بوجود الدبوس على المقعد الذي وضعت يدك عليه ، وأنه من الممكن أن يدخل إلى جسمك حاملا الجراثيم, فالألم هو ما ينبهنا لوجود الخطأ.
فوجود نار ينبِّه أصحاب القلوب الرقيقة , لأنهم يعرفون أنهم عندما يعاكسون قوانين الطبيعة على الأرض فإنه سيأتيهم الألم ، وهم يعرفون النار وآلامها على الجسم , فإذاً هناك ألم كبير في الآخر لمن استطاع أن يلعب على الخطوط وتخدمه الظروف وينجو من عقاب الدنيا ، بل ربما أخذ الثناء من الناس خادعاً إياهم , فهناك وضع حر مجرّد , فكل إنسان مجرد ممن يحميه ومن ماله ومن كل شيء , فيصبح هو والخطأ معاً , وهو والصواب الذي فعله معاُ , فلا بد من هذه المحاكمة , ( أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ) , فالإنسان يُفسد ويسيء ويترك الواجبات ويظلم ويقسو ويتجبر ويغترّ ويفسق , ثم يريد أن يدخل الجنة , ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) , فالذين ينفر إحساسك منهم , هل تريد أن يكونوا في الجنة مثلهم مثل الناس الصابرين الذين احببتهم والذين صبروا على الأذى وتحملوا ومشوا في الحياة بمحبة , ويقدّمون الورد لمن يحذفهم بالحجارة , أنجعل هؤلاء مثل هؤلاء ؟ مع أن رحمة الله واسعة والله يتوب على من تاب ويغفر له كل ما سبق ولا كأن شيئاً حصل إذا هو راجع نفسه قبل الموت ..
لو افترضت أنت ومحكمة لاهاي الدولية والشعوب العالمية محاكمةً بالخيال فلن تجدوا محاكمة أعدل من هذه المحاكمة , الناس يأتون إليها متجردين من كل ما كان بأيديهم ، بعد أن دخلوا من بوابة الموت العادلة .. فلا مجال للتلاعب القضائي ( يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم بما كانوا يكسبون) ، ولاحظ كلمة (يكسبون) ، فدائماً يقترن الكافر بالكسب , فالكافر دائماً مادي , نحن نتكلم عن الكافر الحقيقي الأصلي ولا نتكلم عنكم , الكافر الحقيقي هو شخصية لا يمكن أن تحبها أنت ولا غيرك , مع أنك تقول عن نفسك بأنك كافر , فكل ما في الأمر هو أن هذا الكافر كفر شعوره وإحساسه واكتفى بالمادة وصارت المادة في يده فطغى ..
نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهاً وعربد ..
وكسى الخز جسمه فتباهى وحوى المال كيسه فتمرد ..
يا أخي لا تشح بوجهك عني ما أنا فحمة وما أنت فرقد
أعرفت لماذا المسلم الحق يكره الكافر؟ لأن غير المسلم يكره الكافر أيضاً, والمسلم الحق لا يكره غيرالمسلم إلا إذا ثبت كفره بناء على الصفات السابقة وسيشترك معه الكل في كفره ، حتى غير المسلمين ، إذاً ليس للمسلم موقف شاذ عن بقية البشر في هذه الناحية ، وأنتم أُسَميكم (غير مسلمين) ولا أسميكم كفاراً .. ولو حكَّمناك أنت على التاريخ كله أو شخصياته , فماذا ستفعل بالناس الصابرين الصادقين وبالناس المتجبِّرين المتعنتين ؟ ماذا ستفعل ؟ ستحتار طبعاً , هل ستجعلهم بالجنة كلهم ؟ هل يرضيك ذلك ؟ وأنت نفسك تحكم على شخصيات بأنها شخصيات لعينة ونتنة وقذرة , ومن تحكم عليه بهذه الصفات هل تستطيع أن تضعه في فندق خمس نجوم ؟ وهل قاتل أبناءك مثلاً لا سمح الله - أو لا سمحت المادة - هل تستطيع دعوته إلى حفلة عشاء ؟ طبعاً لا تستطيع , وهل ستقول بأني رفضتها لقصور بشريّ فيني ؟
والآيات التي ذكرتَها فأنت تطالب بأن تحمل معنيين , تحمل النتيجة وتحمل السبب معاً , ولكن القرآن بعضه يفسِّر بعضه ، فالقرآن قطعة واحدة , وكل آية في القرآن ليس فيها كل شيء , لأني قلت لك من قبل ولكن للأسف لم تحاول أن تفهم ما قلته لك ، بأن تلك هي آيات النتائج , وهناك آيات كثيرة جداً عن الأسباب التي توصل لهذه النتيجة كأن يحكم عليه أنه في السعير ، (ولا يظلم ربك أحداً) , ولا تنسى هذه الآية : ( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ، فكأنك تقدّم الله بصورة الجبار المتجبّر المتعنِّت الدكتاتور الذي يريد أن يحرق الناس , ويضع من يشاء في النار ويترك من يشاء , ولم تسأل على أي أساس هناك أناس يدخلون الجنة وأناس يدخلون النار مع أن القرآن ملئ بهذا الشيء ..
والقرآن يذكر آيات النتائج هذه حتى يخوّف الناس و ينتبهوا، وآيات أخرى تذكر الأسباب ، وذكرت لك الكثير من الآيات التي تتكلم لك عن ماذا يفعل المؤمنون وماذا يفعل الكافرون ، وهذا سؤال لك : أنت نفسك – مادام أن الله دكتاتور وسوف يحرق الناس كلهم وو...الخ ، لماذا يذكر صفات المؤمنين ويعدهم بحياة طيبة ويعدهم بجنة ؟ ويذكر صفات للكافرين ؟ ما دام أن الكل مُحرق مُحرق ؟ وإذا كان كلهم سيردون النار؟ و الأنبياء سيدخلون النار ، وكل الناس سيدخلون النار مع أنه وعدهم وعودا سخيّة بالأمن وبأنهم لا يحزنون ويدخلون الجنة بسلام؟
اجمع فيما بينها، فكلهم سيرون النار :{كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين * ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} ، فكونهم يرون النار أو يمرون على الصراط الذي على متن جهنم ، فهذا لا يعني أنهم سيعذّبون ، فكأنك تطالب القرآن بأن يوضح كل شئ وبدون أن تجتهد بالربط بين آياته ، وكأنه كتاب في ميكانيكا الآلات ، فلو كان أسلوب القرآن كما تريد لفقد تأثيراته في مواضع واختلطت مع مواضع أخرى ،لأنه سيكون مليئاً بالاستدراكات بهذا الشكل وبالجُمل الزائدة عن الموضوع ، فتبرد القوة والعاطفة التي فيه.
كأن تقول مثلاً ، أو تكتب شعراً مثلاً:-
سقى الله ديار الأحباب بالشِّعاب .. ولكن يجب أن لا تكون قاسية فتدمر منزل محبوبتي .. لأن جدارهم من طين وأخاف عليها .. وإن كان ولا بد فلتاتي من بابهم الخلفي لانه مرصوف بالحجارة .. وأنتي ياحبيبتي قلبي وأنتي روحي ..
فيبرد الأسلوب بهذا الشكل ، فهو يخاطب أولي الألباب وأولي البصائر ، فليس هو كتاب تعليمي تفصيلي للأطفال – ككتب الأطفال التفصيلية – فالقرآن موجه لذات الإنسان ولشعور الإنسان .
وخذ عندك هذه الآيات :
الآية رقم 1 : {وهديناه النجدين}
والآية رقم 2 : {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا}
والآية رقم 3 : {بل الإنسان على نفسه بصيرة*ولو القى معاذيره}
والآية رقم 4 : {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرداقها}
والآية رقم 5 : {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاؤلئك كان سعيهم مشكورا }
والآية رقم 6 : {وأما من تولى وكفر*فيعذبه الله العذاب الأكبر}
والآية رقم 7 : {إنه فكر وقدّر*فقتل كيف قدّر*ثم قتل كيف قدّر}
والآية رقم 8 : {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
والآية رقم 9 :{قل كلٌ يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا}
والآية رقم 10 : {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا مايوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو أضعف مكاناً وأضعف جندا*ويزيد الله الذين آمنوا هدى}
والآية رقم 11 : {وأما من آمن واتقى*وصدّق بالحسنى*فسنيسره لليسرى*وأما من بخل واستغنى*وكذب بالحسنى*فسنيسره للعسرى}
والآية رقم 12 : {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى*فإن الجنة هي المأوى}
والآية رقم 13 : {والعصر*إن الإنسان لفي خسر*إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}
والآية رقم 14 : {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يره}
يحتوي القرآن على نصف يصف فيه المؤمنين والنصف الآخر يصف فيه الكافرين , بما فيها قصص الأنبياء التي تذكر صفاتاً للمؤمنين وكذلك صفات خصومهم الجاحدين الكافرين الماديين , أنت قدمت لي 8 آيات وأنا قدمت لك أكثر من 8 آيات , والقرآن أصلا كله عبارة عن هاتين الصفحتين ، وهما أسباب ونتائج الخير وأسباب ونتائج الشر , فبعد هذا هل ستعود مرة أخرى وتقول بأنه ليس هناك أدلة ؟ لا أظن ذلك .
وعلينا أن نعرف كيف يكون التأكد وأنت كيف تتأكد من الأشياء ؟ لا تقل بأنك تتأكد بعقلك , العقل ليس وسيلة للتأكد بل هو وسيلة للشك , هناك أشياء كانت ثابتة ومؤكدة عقليا وظهر علم جديد ينفيها ، وهذا على تتابع الحضارات .إن المتهم في المحكمة بأدلة عقلية إستنتاجية كانت أو مادية مثلاً تثبت عليه التهمة ، ولكن بما أنك تعرفه شخصيا فستقول : لا , لا يمكن أن يفعل كذا , فالعقل ليس وسيلة للتأكد ، فالتأكد يكون عن طريق إحساسك ولا يعارضه عقلك أيضا , فهنا يكون التأكد حينما يجتمع العقل مع الإحساس , والتأكد الذي جاء من القرآن هو بسبب أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينطق باسم الطبيعة , فجميع الفلسفات والنظريات هي عبارة عن ردود أفعال ومحكومة بمعرفة زمنية , فمعرفة زمانهم نتجت منها معرفة قياساتهم , ردة فعل لواقع في حياتهم نتجت منها فلسفاتهم ونظرياتهم المبنية على الواقع ، بينما الواقع نفسه متغيّر, وهكذا مسيرة البشر , عبارة عن تدافع . ولو كان البشر يفهمون البشر لفهموهم من الأساس .
لماذا الإنسان يبحث عن المعرفة ويعيش في رحلة من البحث ؟ لأنه لا يعرف , فلو كان يملك المعرفة لما أجهد نفسه بهذا المجهود الشاق , لو كان يملك المعرفة لتوقف ، لكنه لم يقف ، وهذا يعني أنه لم يعرف , وأنا تأكدت بأن القرآن هو الناطق الوحيد باسم الطبيعة الإنسانية , لأنه حينما تتأمل آيات القرآن تجد بأنه يقدم لك الفهم الأخير الذي يمكن أن تصل به عن نفسك من بعد محاولات من الفهم , كما حصل لي شخصيا , فلم يحصل لي هذا اليقين إلا بعد تشكك , ودعنا حتى من موضوع الإعجاز العلمي في القرآن مع أنه موجود , لكن ماذا أفعل حينما أجد بأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يفهمني ؟ القرآن هو الفهم الدقيق للبشر , ألا تلاحظ أن القرآن لا يخاطب المؤمن إلا مع الجماعة ؟ فالله لا يقول يا أيها المؤمن , ولكن حينما يخاطب غير المسلم فيمكن أن يخاطبه كقوله : يأيها الإنسان ، مثلا . لأن غير المؤمنين متفرّقين أما المؤمنين فهم متحدين , والله قال : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ، لم يقل الله ولا تعتصموا بغيره لأن الله يعرف بأن الناس لا يمكنهم أن يعتصموا بشيء آخر , فعدم إعتصامهم بحبل الله يؤدي بهم إلى الأنانية ، والأنانية هي تفرُّق واجتماعٌ على مصلحة تخدم هذه الأنانية فقط وتزول بزوالها ، وبالتالي فليست إجتماعاً حقيقياً في كل الأحوال , فقط بحبل الله تزول الأنانية ويكونون اخوانا.
ولا توجد أخوّة إلا بالإيمان بالله الذي لا يُرى وليس له تجسيد ولا يُشبه البشر ، والذي تربطك فيه الفضائل فقط ، وهذا كله من
الأشياء التي جربتها أنا والذين فهموا وجربوا هذا الإيمان مثلي ، فوجدنا أن هناك حياة تختلف عن حياة الناس العادية التي تكون
أغلبها قائمة في أساسها على الأنانية ؛ لذلك لا أحد يحسّ بأحد والجميع مشغول بنفسه .
الله يقول : {إني قريب} ، فكلنا سمعنا هذه الكلمة ولم نعلم أنه بهذا القرب الشديد ، لدرجة أنه يحس فيك وهو معك في كل لحظة ،
لكن هذا يحدث إذا كنت أنت معه ، وأما إذا ابتعدت عنه فلا تجد هذا .
القرآن يقدم للناس سبيل السعادة الوحيد بأن يسلّموا أنفسهم لله ، فإذا أسلمت لله يعني أنك أسلمت للفضائل ، فأنت تخلصت الآن من الأنانية فتستطيع أن تحب وتحس بغيرك ، وتستطيع ان تفعل الخير لأنه خير وليس لأن له علاقةً بمصلحتك ، فهنا تتنحى المصلحة ، فيأتيك خير هذا الفضائل ، فتجد الناس يحبونك ، وتجد أنك تُصَدَّق لأنك أنت تحب الفضائل ولا تقدِّم نفسك وأنانيتك ، وتجد أنك أصبحت حراً فعلاً ، فتكون حراً لأنك لا تسير وفق رأي أحد من البشر على سطح الأرض ولا تقدّس أحداً منهم ، بينما لا يستطيع
أحد -حتى ولو كان لا دينيّاً - أن ينكر أنه معجب أو مقدّس لأحد
كم هو رائع ألا تتّبع أحداً من البشر ، فالجميع معروف المشارب الثقافية والفكرية التي ينهل منها ومصدرها البشري، فالمؤمن هو الوحيد الذي يشعر بالحرية وأنه غير مقيد بأحد ، بل لا يرى أحداً أفضل منه ، فأن تكون رقبتك بيد ربك ورب الفضائل ورب الحب خير من أن تكون بيد أحد من البشر فأنت عبد لله ولست عبداً لأي أحد آخر ، وهذا الشيء الذي لا يستطيع أحد أن يتخلص منه إلا المؤمن بالله ، فهو ليس عبداً لأحد ولا حتى لنفسه ، فهنا الحرية الحقيقية وحتى شهوات نفسي لأجل الفضيلة التي يريدها ربي أقاومها وأفعل الخير ، فهنا يصبح الإنسان كبيراً ، وهذا هو طريق العظمة الوحيد إذا كنت تريد أن تكون عظيماً .. فقط عن هذا الطريق ، وأنا مستعد أن أجادل أي إنسان يقول أن هناك طريقاً للعظمة غير هذا ..
فأين الطريق للعظمة أمام نظريات تقول بأنك حيوان وأنه لا توجد روح وأن المادة هي كل شيء . فبالتالي ماذا ستكون أنت؟
ستكون – أنا أو أنت أو اي أحد يصدق بها - حيواناً مادياً همّك مصلحتك وشهواتك وأنانياً واستهلاكياً ، فلن يكون هناك عظمة .. فأين العظمة ؟!! فالأخلاق أصلاً يحتقرها المنهج المادي ويعتبرها من بقايا الأديان ، فعلى أي أساس سوف تحصل على العظمة ؟!
فهل تتحقق العظمة عن طريق عقل؟ هذا العقل الكليل المزعج الذي لم يستطيع أن يتقدم إلا في إطار المادة ، فمعنى هذا أنه يجب
أن تسبقهم كلهم حتى تكون عظيماً عندهم فقط ، فالإنسان مهما امتلك من مادة وسيطر عليها فلن يكون عظيماً عند نفسه في داخله
، لكن من أسلم نفسه لله بموجب ارتباط محبة لله ، الله الذي يريد له الفضائل ويعرفه عن طريقها ، فهنا يحصل الإنسان على
حب لذاته ، وهذا أروع ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان وهو حي وهو أن يحب نفسه ، وهو يختلف عن حب الأناني لنفسه
، فالأناني لا يحب نفسه بل يحب الامتلاك المادي لأجل شهواته ، لكن أن تُعجب بجمال داخلك فهذا لن تستطيع أن تحصل عليه في أي منهج مادي إطلاقاً.
والعقل ليس ضدك, ستقول أن هذه روحانيات موجودة في كل الديانات, في هذه الديانات يصطدم العقل كثيرا وحقائق العقل تتعارض مع هذه الروحانيات, لذلك يريدونها مجردة من العقل. أما المسلم الحق فالعقل يعمل مع الشعور ولكنه خادم له وليس أمامه, في انسجام , وكلما آمن كلما وجد العقل النتائج التي لا يستطيع هو بذاته أن يحصل عليها. القرآن هو الكتاب الوحيد الذي لايخدم مصالح أحد, لكن الكتب عن الشيوعية وعن الرأسمالية وعن الإلحاد, كلها تخدم مصالح أشخاص موجودين.
ولا تقل أن القرآن يخدم مصالح رجال الدين, فالقرآن لم يخصص رجال دين ولم يخصص تكايا ولا حوزات ولا مرجعيات, فهو يخاطب الإنسان مباشرة, حتى النبي محمد نفسه سماه القرآن بشراً مثل غيره ولم يضع له هالة ، وعاتبه كثيرا على أخطائه وأخبره أنه سوف يحاسب مثل غيره , ما أروع هذه العدالة والمساواة. هذا الكتاب مجرّد وخالي من ردود الأفعال, فهو يخاطب الفضيلة في الإنسان, وينفّره من الرذيلة. فلو افترضنا مسلما أسلم نفسه لله كما أسلم إبراهيم, فسوف يكون هو الإنسان الحر الوحيد على وجه الأرض, مسلما مجردا من الارتباطات ، فقط مرتبط بالقرآن, هنا هو لايخدم مصالح أحد بل يخدم الفضيلة والخير فقط, حتى أنه لايخدم مصالح نفسه إلا من خلال الفضيلة فهو قد أسلم نفسه لله. هنا يكون الإنسان رائعا في هذا الوضع فقط, وبدونه لن يكون رائعاً, وأتحدى أي أحد أن يثبت إنساناً رائعاً بالكامل وهو مرتبط بأنانيته.
كثيرا ما قيل عن أناس بأنهم عظماء ولما تبينت الأمو وجدنا المصالح الشخصية موجودة , فبرد حماسنا لهم. لا يكون الإنسان جذابا ولا جميلا إلا وهو مرتبط بالفضيلة، فالفضيلة لا تكون هدفاً بذاتها كما أراد الفيلسوف كانت ، بل هي تستمد قيمتها من ارتباطها بكل الكون ، ولا يكون ذلك إلا عن طريق إله هو مرجع الكون كله ، وهو الذي أراد أن تكون الفضيلة هي المقياس ، والحساب بموجبها .. فأنت ترتبط بالفضيلة ويجذبك جمالها بناء على ارتباطها بمصيرك ، فهنا تكتمل الدورة ولا تكون الفضيلة مقطوعة .. فهي تعود على بقية الاشياء الاخرى في حياتك بوصولها إلى خالق الكون الذي يصلح لك بقية هذه الاشياء في حياتك ، لكي تقوم من خلالها بفضيلة اخرى ، فتكون الفضيلة حية وفعّالة وليست شيئاً جميلاً نراه كلوحة الموناليزا .. شيئاً غير ملزمين به إلا عن طريق التكرّم كما هو في التصوّر الغربي ، ولا تجد أحداً يهتم بالإنسانية مثل المؤمن الحق ، لأن القرآن جاء رحمة للعالمين ، ولأن الله كرّم بني آدم ( ولقد كرمنا بني آدم) ، فإذاً على المسلم أن يهتم بالإنسان لأنه هو الشيء الوحيد الذي قال عنه كتابه أن الله كرّمه .. فبينما المؤمن الحق يتكلم عن الإنسان ، يتكلم المادي عن المادة ويسهب في ذلك ، ولاحظ الفرق ، وأيهما أثمن ..
فكلما تجرب الفضيلة التي أرادها القرآن تجد أن العقل يؤيد, ولكن بعد أن تجرب, ليس قبل أن تجرب وهذه هي النقطة المهمة جدا. فبما أن العقل لاتعتمدونه إلا بعد التجريب ، فإذاً طبقوا المنهج التجريبي على قضية الإيمان, جرّب أولاً ثم احكم ، فلا تحكم مسبقا. أما إيمانكم السابق الذي تتكلمون عنه فلم يكن إيماناً أصلا, كان تقليداً وراثيّاً. جربوا الإيمان الجديد ثم احكم بعدها, هنا شغّل العقل الذي سيكون مبهوراً بالنتائج التي لم يتوقع أن يحصل على شيء منها.
من حق الإيمان أن يُجرب ويدخل المختبر كغيره, أما أن لا تجرّب إطلاقا وتحكم من بعيد ، فهذه تعيدنا إلى صفات الكافرين التي هي {كانهم حمر مستنفرة} والمتكبرين عن الحق , فجرّب , فالباحث إذا صادف أشياءً لا يعرفها يجرّبها, ما دمت باحثاً عن الحقيقة.
ما ينتج عن الإيمان بهذا الطريق الذي أراده القرآن هي نتائج لا أستطيع أن أوضحها أو أصفها ، فهي أكبر من الوصف, على عقلك وعلى جسمك وعلى أخلاقك وعلى جمالك وعلى بشرتك حتى, كلك تتغير، لأن شعورك عرف الطريق, وشعورك هو الذي يتحكم بعملياتك الجسمية وغير الجسمية, بل حتى القلق والأمراض النفسية والجسم سوف يتعافى. القرآن هو المنهج الطبيعي الذي يوصلك إلى خالق الطبيعة, ويوصلك للتعامل السليم مع نفسك وجسمك والناس من حولك والطبيعة حواليك, فتعيش حياة طيبة و مريحة وبنفس مطمئنة. القلق الذي تعانون منه وأنا أعرف هذا الشيء, ليس شيئا عاديا وليس بالشيء الطبيعي, فهناك راحة, ولا تقل أنها مثل راحة المخدرات فالوضع مختلف تماما. هي راحة دائمة, راحة تنظر للوراء وتُسَر, لأنك لم ترتبط بأنانيتك فيما مضى بقدر ارتباطك بالصح والخطأ, وتنظر إلى مستقبلك بتفاؤل, فأنت مطمئن ومرتاح من الداخل, والمخدرات لا تقدم هذا يا عزيزي.
وباختصار: أنا أعلم بأن القرآن من عند الله ، وأستطيع أن اقنع من يريد أن يعرف حقيقة .. أستطيع ان اقنعه أنه من عند الله ، إذا كان قريباً مني واستطيع أن أجد وسيلة إتصال بيني وبينه .. فاي شيء في داخلك ومتأكد منه ، فستستطيع أن توصله إلى الآخرين . ولكن طريق الإيصال لا يكفي برسالة عبر الإنترنت ..
وأتوقع أن الأمر يستحق ، لأن الحياة بأكملها مليئة بالجمال والخصب والراحة ، وتنتظر من يستطيع أن يتأكد مما أنا تأكدت منه ..
وكل الكلام الذي أقوله لا أتوهمه ، بل هو من واقع تجربة ، ومن إنسان متشكك اكثر منك ، فأنا متشكك أكثر منك ، بل اسئلتي أكثر واصعب من اسئلتك ، وما كان العقل ليكفي ليهديني .. بل كان يزيدني أسئلة ، ولكني لما وجدت طريقاً للحقيقة أكثر إختصاراً ، ووجدت العقل السليم فيه ، فالإيمان لا يتعارض مع العقل ، بل الإيمان يبني العقل السليم الحقيقي ، لا المبني على أفكار مغرضة لأهداف أناس وراءها ، بل هو يبني عقلاً حقيقياً لك أنت ، أنت والحقيقة ، وعقلك والحقيقة ، ولكن الحقيقة التي تُقدّم هي حقيقة جزئية تخدم فئة أو جهة معيّنة ..
الإيمان الحقيقي يعطيك عقلاً حقيقياً مرتبطاً بالحقيقة ، وليس مرتبطاً بك انت حتى ، وهنا تحس بجمالك وترتاح من نفسك وترضى عنها . لقد كنت لا أستطيع أن ارى وجهي في المرآة يا أخي ، أما الآن فأنا ممتلئ من الداخل ، وبحدٍّ مقبول على الاقل من الرضى عن النفس ، وأنا آمنت ولا احس بأن عقلي تضرر ، بل ازداد وأصبح افضل ..
الإيمان علّمني أن أحترم إحساسي ، فعندما يقول إحساسي : أن هذا الشيء ربما غير جيد ، ويحتاج إلى تغيير . فإن عقلي يعمل فيه . وعندما يقول إحساسي : لا بد أن هناك من طريقة ما للتعامل مع هذه المشكلة بشكل مثالي ، فسوف يجتهد عقلي ليبحث عن هذه الطريقة ، فالآن عقلي يشتغل ولكن ليس في حلقة مفرغة فيدور حوليّ ويخنق ذاتي ، بل هو يشتغل بإنسيابية وبارتباط مع الطبيعة من كل جهة ، لأني لست مرتبطاً بأنانيتي فبالتالي فسوف يعمل مع كل الجهات ، ولكن المرتبط بأنانيته فإن عقله سوف يعمل من جهة واحدة ، وهي الجهة التي تخدم مصالحه (والذي توقّع أنها مصالحه) ..
والذين تلبّدوا على الانيباء الذين جاؤوا ليدلوا الناس على الطريق الصحيح والمفيد لهم ، الذين تلبّدوا عليهم هم كلّهم ارباب المصالح المادية ، وهم فكّروا وقدّروا ، فقتلوا كيف قدّروا .. فهم فكّروا انهم ضد مصلحتهم بينما هم جاؤوا ليقدموا لهم المصلحة الاثمن من المصلحة المادية ، والتي لا تتعارض مع المصلحة المادية ، بل ربما تزيدها ، وبالتالي تصبح اكثر وتنفع .. وليس فقط تجميع مال لا يفيد ، بل أنفع فهي تعود على الشعور ، فالمال الذي تنفقه وتساعد به الناس هو يعود على شعورك بالرضا والراحة ، ومحبة الناس الذين يساعدونك عندما تقع .. أما الفردانية المادية الغربية هذه فهي شيء مخيف (زندك أو مت ، أو إغرق) ..
والقرآن رحمة للمؤمنين في العالمين ، فهو لا يقدّم لك الإيمان لوحدك ، بل يلزم أن يكون هناك مؤمنين معك ، وأناس حواليك يحبونك اكثر من أنفسهم ، وأنت تحبّهم اكثر من نفسك . فاهتمامك بنفسك لا تقوم به أنت ، بل يقوم به الآخر ، وأنت بذلك تبادله الأدوار ..
وهذا ليس خيالاً بل هو واقع ، هو واقع عشته ..
ومن حق الجميع أن يجرّب ليخرج إلى هذا الواقع أو أفضل منه ، وأنا لا أتكلم بعواطف او روحانية ، بل من الواقع .. وأنت إنسان واقعي وتجريبي ، فالباب مفتوح لك ، وسوف أساعد من يريد أن يجرّب هذه التجربة ، والله قال : (أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي .. ) ، فالذي لا يريد أن يدعو هو مستكبر ، بينما العاقل يجرّب ، وغير المستكبر سوف يجد نتيجة ، إن الله لا يدع الناس ضائعين وحائرين .. لكن إذا هم تركوه ؟
فهذه الافكار التي تخرج من هذا العقل الذي يحترم شعوره ويؤمن ، هي أفكار تخدمك وتفيدك ، وتفكيرك دائماً مفيد لك ويرد عليك بالسعادة ، أما تفكير الذي خنق نفسه وخنق شعوره ، فتفكيره هذا كأنه عوسجة مزعجة تخنق ما بداخله بأغصانها وأشواكها ، وتخزّ قلبه وضميره وتعذّبه ، فليس له متعة وأمل إلا بالضحكات الساذجة والبحث عن الترفيه والكوميديا أو عن طريق المسليات والمكيّفات والمغريات ، من باب التعويض ، وهذه عبارة عن مسكّنات لا تقدّم ولا تؤخر ، وهذا يقودنا إلى موضوع المخدرات الذي تكلّمت عنه ..
الباحث الحقيقي يبحث عن افكار تريحه وتخدمه هو كإنسان ، سواء كانت من عنده أو غيره ، هذا الغير متكبّر .. الغير متكبّر يستطيع ان يصل إلى الحقيقة .. والمتكبّر لا يستطيع ذلك .
وأنت تقول أنك حائر ولم تصل إلى الحقيقة ، فأنت الآن بين اثنتين : فإمّا أن تكون متكبّراً فلا تصل إلى الحقيقة ، وإما أن تكون غير متكبّر فحينئذ أنا كلّي أمل أنّك سوف تصل إلى الحقيقة ، التي يستحقها من بحث عنها ، وستحصل على الإستقرار والسعادة ، لأجل هذا القلب الطيب .
ومن الخطأ الخوف على العقل من الإيمان ، بل هذا هو مكانه الطبيعي ، فالذكاء لا ينبني إلاّ مع الإيمان ، وهذه من الأشياء التي عرفناها عن طريق القرآن ، فالقرآن وصف الكافرين بأنهم لا يفقهون ، وأنهم كالأنعام في غباءهم ، بل هم اضلّ سبيلاً من الأنعام ، لأن الذكاء يعتمد على الحسّ ، والمؤمن يحترم الحس ، فهو اسلم نفسه بموجب الحس أصلاً ، فبالتالي الاحاسيس الأخرى محترمة عند المؤمن ، فبالتالي يكون كيّساً فطناً .. لأن كل حسّ يدفعك لأن تفكّر ، فيكون تفكيرك شمولياً ، ويقظاً دائماً ، وتحس بالاشياء وتحتاج لأن تفهمها بعقلك أو بالإستعانة بمعلومات ، فبالتالي تنبني ثقافة الإنسان وعقله على حقائق من شعوره .. ما أجمل الحقيقة التي في عقولنا عندما يقول إحساسنا عنها أنها شيء حقيقي ورائع .. هنا الإنسجام بين العقل والقلب . هذا هو سر الإطمئنان وهذا لا يكون إلا في حالة الإيمان ، فلو آمن البشر كلهم لما وُجدت أسلحة ولاعداوات ولا أحداً يكره أحد ، فالجميع يحب الجميع ، لأنهم - وبسبب واحد - تخلّصوا من أنانياتهم .
وأنظر إلى هذه النظريات المادية ، ماذا أنتجت ؟ هل أنتجت حباً ؟ أم سلاحاً ؟ كرماً؟ أم طمعاً؟ هي لم تنتج محبّة ، بالعكس فهي تحارب المحبّة ولا تؤمن إلا بالمادة والمصالح ، ويقولونها بكل صفاقة أن العلاقات مبنية على مصالح فقط . ويضيع الإنسان في هذا الوضع ، لأن هذا الكلام لم يصدر عن احد يفهم الإنسان ، مثلما صدر عن القرآن الذي يفهم الإنسان .
(كتاب أنزلناه ليدبّروا آياته ..) ، أي يمشوا وراءها فقط ، أي يصيروا دبرها ، حينئذ يدلّون الطريق السليم (الكتلوج) الذي يعيش عليه الإنسان حياة سليمة ، وهذا أمر بالتجربة ولا اقوله جزافاً ، فالسعادة التي أعيشها الآن ويعيشها من اقتنع بكلامي تعدل سعادة البشر كلهم ، لدرجة – أزعم – أنه لا يوجد أحد سعيد مثلي ، ولا ملتزماً مع نفسه مثلي ، ولا حتى أكبر فلاسفة الماديّة أو غير الماديّة .
وهل كل من يقول أنه مؤمن أو متديّن يحسّ بهذا الإحساس ؟ طبعاً لا ..
وتقول لي : المسيحي يقول كذا ، فأنا أقول : هذا من تجربة ، وأنا استطيع أن أعيّشك التجربة نفسها لو اطعت ، وبإمكانك أن تختار : أن ترجع ، أو تبقى .. ولا أظنّك ستختار الأولى ..
فحياة المسلم الحق ، حياة كلها عمل ، وتفكير فيما يخدم العمل ، فكل حياته إيجابية ، وكلها تنصبّ في عالم جميل ، لسبب : أنه لا يعاني من الانانية .. أما حياة التشكك والإلحاد فهي حياة العدم ، حياة الاسئلة الكبيرة ، حياة الفراغ ، حياة لا تدفع للعمل كثيراً ، إلاّ فيما ينصبّ بالمادة والشهوات فقط . وتفتقر للإرتباط .
وبعض الملحدين رضوا عن انفسهم أن يدعوا حيوانات ، وشرط الدخول في منتدى ريتشارد داوكنز أن تجيب على سؤال : هل أنت إنسان ؟ بالإجابة (لا) ، فإن أجبت بأنك إنسان فربما لا تدخل المنتدى ..
وسؤالك هذا منطلق من الفضيلة ، فضيلة العدالة وفضيلة الرحمة وفضيلة المساواة والحقوق ، بينما الفكر المادي الإلحادي هو حرب على الفضيلة وجاء ليُهمِّش الفضيلة ويُبقي الإنسان والمادة والمصلحة ، فأنت يا عزيزي تركب الحصان الذي لا يناسبك ، فلو كنت مادياً بحتاً لما كانت أسئلتك حول الفضيلة ، فأسئلتك أنت يا عزيزي (أنس) و(مسلم) و(الجوزاء) من قبل كلها تدور حول الفضيلة ، فأنتم أناس تبحثون عن الفضيلة ، أي أن الفكر المادي لا يناسبكم ، فالفكر المادي يناسب من يبحث عن المادة فقط ، ويجد سعادته في المادة فقط ، وتقض مضجعه الفضيلة ، أما أنتم فعلى العكس ، لكنكم تبنيتم فكر أولئك الذين ليس بينكم وبينهم أي همزة وصل حقيقية .
الماديون في القرآن وتمثل هذا في بني إسرائيل فهم قمة في الفكر المادي وهم المؤثرون في الغرب وهم من أنشؤوا الفكر الإلحادي الذين أنتم ضحيته ، فهؤلاء أسئلتهم كلها مادية .. {ادعوا لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا} ، {أرنا الله جهرة} ، {لن نصبر على طعام واحد} أي أنه لا تعنيهم الفضيلة بقدر ما تعنيهم الأطعمة والأدوات ، ولا نعمّ كل الشعب اليهودي ، لكن الذين ذكروا في القرآن وجادلوا الأنبياء وقتلوهم ، هم من الماديين ، لأجل هذا أقول لك أن القرآن هو صوت الحقيقة الوحيد .
الإنسان المسلم الحقيقي يعطي الحب ويعطي الخير ويعطي الاهتمام ويستقبل الشكوك والإهانات والصعوبات , والمحافظة على رونقه وعلى جماله , وهذا يصبر الصبر الجميل (فصبر جميل) ، فهذا الإنسان يكون فعلاً جميلا وهذا ما يقوله القرآن , هل يوجد أحد عبَّر عن هذا المعنى وبهذه الدقة عن الإنسان ؟ فالإنسان المسلم الحقيقي تفكيره هو تفكير منسجم مع الطبيعة ومع الفطرة , ومختلفي الفكر لن يعملوا بنفس الطريقة ، وسيأتي منهم تعب وعنت واستهتار .. الخ , لكن إرادة المسلم الحق في الوصول إلى قلب الآخر لا يمنعه هذا الأذى , والقرآن عبَّر عنها ( لن يضروكم إلا أذى ) , لكن الإنسان المرتبط بنفسه عند أول إساءة فإنه لن يصبر وينتقم ويثأر لنفسه ، فتموت المحبة بين الأنانيتين , وهكذا هي آيات القرآن هي تنطق عن الحقيقة المجردة الصافية .
والدليل العقلي الذي تنشده الجامع المانع المثبت مختبرياً الساري منطقياً فهذا لن تجده , ولن تجده حتى عند أي مذهب أو فلسفة أو فكر أصلاً له علاقة بالإنسان , فهل هناك فكر غير الإسلام تستطيع عقلياً أو منطقياً أو مختبرياً أن تثبت أنه هو الحقيقة ؟ لا . إذاً ليست هذه الوسيلة لمعرفة الحقيقة فيما يتعلق بالإنسان , وهل الفكر الإلحادي المادي حقيقة ثابتة ومنتهية علمياَ ؟ طبعاً لا . ولا شيء من هذه الأفكار والمذاهب والديانات ثابت بالكامل عن طريق العقل , وكل ما في الأمر أنك تتكلم عن الإنسان , والإنسان له طرقه في التيقُّن ، والعقل يجدي معه فيما يتعلق بعالم المادة فقط , وبنية العقل أصلاً هي من المادة , حتى اللغة أساسها مأخوذ من أشياء مادية ، ثم عبِّر بها عن أشياء معنوية عن طريق التشابه , فالإنسان الذي يعاني نفسياً تجده يقول عن نفسه : أنا أعاني من جرح عميق . فكلمة جرح أصلها مادي , وكلمة عميق أصلها مادي أيضاً من البئر العميق , أما الشعور فله لغته وله عالمه وله يقينه وتأكده ومعرفته .
إن كلمة إيمان الذي تشوه مفهومها العظيم الرائع بفعل الإعلام المادي أصلها من الأمن مثل : آمنت له , أي أمِنْت له مع أنه ليس عندي أدلة كافية , فالأمن هو ضد الخوف ، والإيمان هو أن تأمن لشيء لم تتأكد منه مائة بالمائة , لكن إحساسك أمن له وعقلك يتشكك فيه , فاحترمت إحساسك حتى يتأكد عقلك مما تأكد منه إحساسك , إذا فالتأكد عند الإنسان تأكدين , تأكد بالإحساس أولاً ثم يأتي العقل ليتبعه , فكلمة تصديق لوصف الإيمان ربما تكون غير دقيقة ، فالإيمان هو اختيار , أما التصديق هو أن تصدق شيء حتى لو لم تقتنع بالكامل به ، فهنا تغييب للعقل , أما الإيمان فهو استئمان وليس تصديق , فلا أحد وصل لمرحلة اليقين الكامل بأي شيء كان , وبالأساس يكون الإنسان على نوعين أو شخصيتين , فشخصية مؤمن - ولا نقصد بها مؤمن بالدين بل هو مؤمن كإنسان - فهي صفة إنسانية أصلاً قبل أن تكون صفة دينية , فلا يمكن أن يكون الشخص إنساني وهو لا يؤمن ، فلإنسان الشجاع هو إنسان مؤمن أي يؤمن بإحساسه فيقطع التردد , فعندما أحس أنه يستطيع أن يقفز من هذا المكان إلى ذاك المكان ولكن عقله يتشكك وغير متيقّن حسابياً ، فهناك أشياء كثيرة ممكن أن تكون واحتمالات كثيرة , وهو لا يعيرها اهتماماً مادام أنه أحس بأنه يستطيع ، وحتى لا يضيع الوقت بتعب , فيجد نفسه أنه يقال عنه بأنك شجاع ,
والعالم والمكتشف وجد العقول أوعقول الناس تقول له : أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان . وهو يقول : أنا أحس بأنه يوجد حل أفضل من هذا الحل . فبدأ ، ثم صارعقله يتعلم من شعوره , وكلما تعلم شيئاً عَرَضه على داخله أو شعوره هل هذا يصلح أو لا يصلح , ثم يعيد التجربة حتى يتوصل إلى شيء جديد ، أي عملية ديالكتيكية. فالإنسان الفاضل تكون أعماله عبارة عن إيمانات وهو غير متأكد , فالذي صنع المعروف بالآخرين مثلاً ، هو أمن لهم وهو لم يضمن حقوقه ولكن اعتماداً على احساسه , وتجد أنه جمع أناس كثر يحبونه ويحترمونه وينظرون له باحترام وعظمة , فكلما زاد الإيمان بهذا المعنى كلما زاد الإنسان في الفضائل وعلت قيمته فيمن حوله ، بغض النظر عن قضية الدين , فنحن نتكلم عن شخصية بشرية .
والذي يسمونه ثقة بالنفس هو إيمان , فمشاكل الإنسان التي تواجهه فإن حلها يكون بالإيمان , فالشجاع حل مشكلته بالإيمان , والإنسان حل مشكلته مع الآخرين بأنه تعامل معهم بالطيب والمعروف عن طريق إيمان ، فكسب قلوبهم وانحلت مشاكله , إذا ًَ نخلص بنتيجة مهمة جداً : أن الطريق لحل المشاكل ليس بالعقل وحده بل هو بالإيمان ، ومن ثم العقل التابع للإيمان , فلما حل الإنسان مشكلته مع نفسه ومع من حوله , بل وحتى مشكلات الحياة مع الإيمان , بقيت له أسئلة كبيرة هي عبارة عن مشاكل , مثل مشكلة من أنا ؟ ولماذا موجود ؟ وهل هناك إله ؟ وأين يوجد ؟ فما هو الطريق لحلها ؟ الطريق هو بنفس الطريقة التي حل بها الأسئلة الأخرى وهو الإيمان , وكلمة إيمان لا تعني بأنك توقّع على بياض , بل هناك إحساس يقول ويلح عليك , هذا غير الفكرة المغلوطة عن الإيمان وهي أنك توقّع على بياض بدون اقتناع وبدون أي شيء ، مغيَّب مثل معصوب العينين , لا .. هذا ليس حقيقة لأن الشجاع هو لا يرمي نفسه في وجه سلاح الأعداء , بل هو يحس أنه يستطيع أن ينال من خصمه بدون أن ينال منه , والإنسان الكريم يحس أن فضيلة الكرم هي التي ستبقى له , وأن الآخرين سيحترمونه بعد أن أهان المادة واحترم الإنسان ، فهو يتعلم ويتطور بناء على إحساسه , لا أن يحقن ويعبأ بالمعلومات العقلية , فهو يتعلم بناء على الحاجات التي وصل إليها , فشخصية الإنسان المؤمن هي التي ستصنع الإنسان السوب العظيم الرائع الخلاَّق المبدع الجميل الجذاب المحبوب , وعلى هذا المعنى لا أظن بأن أحداً منكم يكره بأن يكون سوبرماناً ..
أما الشخصية المقابلة الثانية فهي شخصية العقلاني المادي , فهي شخصية التردد والشك وعدم الثقة في شيء , وهي شخصية البيروقراطي المعقّد , ويندرج تحتها الجبناء والبخلاء , وما ينتج عن ذلك الضعف من أساليب كالكذب وغيرها , لا لسبب إلا لأنه لا يثق بإحساسه , فهو لا يؤمن ولا يستطيع أن يثق إلا بالمال وبالمادة وبأشياء يراها بعينه , والناس الذين من هذا النوع ولا أشك بأنكم تعرفون أناسا هكذا , ولاشك أن شخصية المادي العقلاني تثير الشفقة ولا تثير الإعجاب , فالمال مهم أكثر من الإنسان ، لأن المال يعتبره حقيقة مادية , أما الإنسان فشيء متقلب لا يثق به , وتصور فتاة وجدت إنسان إحساسها يقول لها بأنه هو الأنسب لك وهو الذي يحبك وهو فارس أحلامك , ولكن هذا الرجل فيه مشاكل لا يريدها العقل ، كأن يكون فيه اختلاف في الطبقة الاجتماعية أو اختلاف في الفقر والغنى ، أو اختلاف في التعليم أو اختلاف في العمر، إلى غيره من الاختلافات , فهذه كلها اختلافات عقلية , فالشعوران متفقان والعقلان مختلفان , فإذا هي اختارته وتجاوزت كل الحواجز فهنا نقول عنها أنها مؤمنة وليست ملحدة في هذه الحالة , لأن الإلحاد هو ميل عن الشعور, أما إذا هي فكرت بهذه الأمور وقالت : أنا أخاف أن تنتج مشاكل بالمستقبل أو أخاف أن تنتج مشاكل عائلية بسبب اختلافنا وأخاف وأخاف .. إلخ , ومنعت شعورها واحترمت عقلها المبني على أشياء مادية كالمال وغيره , فهنا ستكون إنسانة تعيسة وسوف تندم , ومن ثمّ تلومها أنت مع أنها طبّقت الماديّة .. وعقلها سوف يقودها إلى شخص تتوفر فيه هذه الشروط المادية العقلية , فحينئذ لن تجد أن شعورها معها ، وتكون ضحية للعقل والمادة ، لأنها غير مؤمنة في هذه الحالة , وهذا المثال من الممكن أن نعكسه ..
فلو أن إنساناً التجأ إليه أحد في ساعة ضيق , ثم اشتغل عقله وقال: لماذا أساعده وأنا لا أعرفه؟ ومن يضمن أن ترجع حقوقي ومن ومن .. الخ , فمرّ الظرف ومرت الأيام ثم رآه ذلك الشخص , فرآه بتقزز واحتقار، لأن المشكلة انحلت من دونه , وكان يستطيع أن يساعده هو في تلك الفترة , لكنه احترم عقله ( ومن يك ذا فضل ويبخل بفضله .. على غيره يستغن عنه ويذمم ) , لأنه مادي عقلاني . فهذه شخصية المرذول المذموم , وهو إنسان مادي عقلاني لا يحترم إحساسه بغض النظر عن موضوع الدين , فنحن نتكلم خارج موضوع الأديان الآن , نحن نتكلم عن الشخصية الإنسانية , فما دام الإيمان هو الذي يصنع الشخصية الصحيحة والمناسبة ، وهو الذي يحقق إنسانية الإنسان وليس العقل , إذاً فكلما زاد في احترام إحساسه وإيمانه وعرض على إحساسه مشاكله الصغرى والكبرى كلما صار أجمل وأروع إذاً , وأكثر معرفة وأكثر حباً من قِبَل الآخرين , فبالتالي من يؤمن بأن الإنسان العادي إذا ساعدته فإنه يساعدك , فإن هذا إيمان طيب . ومن يؤمن أن عدوك إذا ساعدته فإنه يساعدك ، فإن إيمانه أطيب , ومن يؤمن بوجود إله يستحق الشكر وهو لم يره ومع ذلك يؤمن به ويسلم نفسه له , فهذا أرتقى إلى الأعلى .. فكونك تساعد إنسان وأنت غير متأكد بأنه سيرد إليك كل ما أعطيته عندما ساعدته , فهذا حصل بناء على إيمانك بأن هذا الشخص يفيد فيه المعروف مع أنك لم تر أي بادرة تدل على هذا الشيء عقلياً .
نحن أمام فلسفة إيمانية وفلسفة مادية في كل الحياة , فرواد أو دعاة الفكر المادي لا يعمّمون أفكارهم , ولو عمموا لانكشف سوء فكرة المادية . والإنسان لا يستطيع أن يعيش حتى حياته العادية بدون إيمان .. حتى وأنت تطعم هذا القط أو هذا الكلب , من يضمن أنه لن يؤذيك ؟ فأنت تمشي على إيمان بأنه سوف يفيد فيه المعروف , وهذا معنى الإيمان , أما قضية تطبيق عقلي فقط ، فهذا اسمه تغييب , والتغييب يكون فيه الإنسان مغيَّب لا في عقله ولا في شعوره , وتعوَّد أن يقبل أموراً على أنها حقائق , فلما تبيَّنت للعقل وتعرّضت للنقد اتضحت أنها ليست حقائق وأنها قابلة للنقد , إذاً الإيمان يبنيه الإنسان هو بداخله ولا يعبّأ به ، الإيمان ليس فايروس أو جسما غريبا داخل جسم هذا الإنسان ، كما يحبون أن يقولوا أن الإنسان ملحد في أصله ، مخالفين في ذلك حتى أنفسهم هم .. وإنما هو نمو طبيعي بداخل الإنسان فهو الذي يؤمن , وليس يُجعل مؤمناً ، فهناك فرق بينهما .. وبعبارة أخرى : فكل إنسان تقريباً إلا أناس أراذل جداً ، كلهم يؤمنون ولكن بنِسَب , فكلما زادت نسبة الإيمان بالشعور والإحساس , كلما زاد رقياً في سلم الإنسانية , فنحن في الحياة اليومية وفي مشاهداتنا للأفلام دائماً نعجب وننشدّ للأكثر إيماناً في الشخصيات ..
ففي رواية فيكتور هيجو (البؤساء) لا تجد أننا ننشدّ إلا لذلك الأسقف الذي فتح بيته لوحده دون بقية السكان الخائفين من المجرم جان فالجان الذي يتجول بعد أن أطلق سراحه , وزاد إعجابنا به بعد أن سمح له بعد أن أحضرته الشرطة وبعد أن بات في بيته وسرق الشمعدان الأثري عنده , وأحضرته الشرطة مرة ثانية وقال : اتركوه إنه له , ولو لم يكن محتاجاً لما أخذه . هذه هي نقطة التحول في حياة جان فالجان ، لأن الأسقف آمن أكثر بأن في هذا المجرم إنساناً بداخله , فهكذا الإيمان ، فالبقية لم يؤمنوا ,
وهكذا الإيمان هو يصنع العظمة , إذاً ليس خطأ كبيراً أن ينقض الإنسان أفكار ومعتقدات أخذها بالتلقين كحقائق عقلية , ولكن الخطأ هو في أن لا يحترم إحساسه ويتجمد مع المادة الجامدة , فعليه أن يكمل المسيرة التي بدأها , فهو بدأ المسير في أن نقض تلك الأفكار الجامدة المأخوذة بالوراثة , ولكن عليه أن يكمل المسير ليستبدلها بأفكار حية مرتبطة بمشاعره , فهذا الكلام يفهمه الشعور الإنساني ويتعامل معه , لكن أن تقدم له حقائق عقلية جامدة لا يعرفها الشعور، كأن نعيش في عشوائية وفي كون عابث ولا يوجد له مدبر ، والعقل هو كل شيء والعواطف الإنسانية كلها تراكمات من أديان أو من برجوازية , فهذا الكلام لا يعرفه إحساسنا , ولذلك يحس الإنسان بوحشة وانفصال بين الإلحاد والسعادة , فهذا الإلحاد في النهاية عبارة عن نظريات، فهم لم يدوروا في كل الكون ويبحثوا عن هذا الإله ويثبتوا قضائياً وعلمياً أنه غير موجود , إذا ً فكرة الإلحاد هي فكرة تغييبية لا يحسّها الإنسان , فالإنسان لا يتعلم شيئاً ويقول علمته حتى يحس بداخله أنه ارتبط بهذه المعلومة , مثله مثل الإيمان الديني العقلي التغييبي , ومثله مثل فكرة الإلحاد فكلاهما لا يرتبط بإحساس الإنسان .
إن الفكر المادي عندما قطع العلاقة بين الإنسان وشعوره وحوَّل الاهتمام إلى المادة , فأصبح الإنسان ينساق لهذا الميل للمادة , أصبح وثنياً بشكل أكبر فأصبح يقدس كل المادة في كل الكون ، ويقدّس العلم الذي هو سادن في معبد المادة ، الذي هو الوسيلة للتعرف على هذه المادة , فأصبح العلم هو دينه والمادة هي ربه ، فالتقت هنا الوثنية الحديثة مع الوثنية القديمة , وإن تفوقت عنها الوثنية الحديثة بأنها أوسع ، بينما تلك القديمة كانت محصورة في نجم أو شجر أوحجر معين , فهناك تشابه فكري كبير بين المادية والوثنية ، فالوثني يقدس بشكل جزئي , بينما المادي يقدس بشكل شمولي كل الظواهر المادية في الحياة أي يعبد الحياة الدنيا.
كل هذه التصورات وغيرها كثير , كلها من روح القرآن ، فالقرآن فعلاً هو تفصيل لكل شيء , وتفصيل أي يفصل بين الحق والباطل , وليس تفصيلاً مادياً أي يخبرك بأجزاء الشيء المادي , وهو الفرقان، وهو موجه لهذه الفئة من الناس أو الفئة المؤمنة ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ) أي بما أنكم تؤمنون بشعوركم وبإحساسكم وما يقول لكم عن خير ، وأن هذا أفضل وأن الأخلاق أفضل , إذاً آمنوا بالله وتوّجوا هذه الإيمانات بالإيمان الأكبر .
والكافر بالله هو كافر من قبل , أي كافر بإحساسه من الأساس , وهذا الكلام أو كلام القرآن أي شعور يقبله ويريده ، ومن يعارضه هو من له مصلحة تعارض هذا الشيء , فهو إذاً يعارض نفسه ويظلم نفسه على تقدير خاطئ على أن مصلحته أثمن من أن يستجيب للإيمان (وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون) (إحساسهم) , والقرآن يقرنهم بمن آثر الحياة الدنيا ( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ) أي آثر المادة على نفسه , فليس في الأمر مغامرات , فجرّب الإيمان وحتى لو لم تؤمن بالكامل , فآمن بشيء ثم جربه ، وسوف يقودك لشيء آخر لتؤمن به .
وأخيراً أشكرك لأنك قلت أنك تبحث عن الحقيقة ، حتى ولو ضد نفسك .. فهذه الكلمة هي مفتاح السعادة ، فهنيئاً لك المفتاح ، وعليك العمل بجد لإستكمال البحث ..