لقد قعقعتنا يا قعقاع في الحديث عن العلم ، و ما وجدت أدلتك إلا خليط من كلام الفلاسفة المثاليين idealistics و على رأسهم باركلي و جون لوك و هيوم و كلهم من وفيات القرن الثامن عشر .
أنت تقول :
اقتباس:لا أحتاج لقراءة كتب فلسفية.. كلها عديم الجدوى!
أنا أتكلّم هنا عن حقائق علمية فعلية.. ومن المستحيل أن أقبل دحضا لها بفلسفة قرن مضى!
فكرة أنا أفعل كذا إذن فأنا موجود، هي مجرد مغالطة منطقية!
بينما أنت تردد فلسفة ظهرت قبل ثلاثة قرون ، و اسمها immaterialism أو اللامادية .
ما هي الأدلة العلمية التي تتكلم عنها ؟؟
هل هي فيلم ماتريكس أم ما نقلته عن الهنود الذين يسحرون السياح ؟؟؟؟
أم ما ذكره هارون يحيى في مقالته عن الأحلام و الربط المتوازي للأعصاب !!!!!
لقد قرأت مقال هارون يحيى ، بل طبعته و درسته كاملاً ، فما وجدته إلا مدلّس كبير ، و أكبر دليل على تدليسه هو قوله :
اقتباس:ويعلّق الفيلسوف المعروف "جورج بيركلي" George Berkeley على هذا الموضوع بما يلي:
"نحن نؤمن بوجود الأشياء، فقط لأننا نشاهدها ونلمسها.. فهي تنتقل إلينا من خلال حواسنا ووسائل إدراكنا.. ولكن ما ندركه هو مجرد أفكار توجد في أذهاننا.. لذا فكل ما ندركه بإحساسنا وحواسنا هو مجرد أفكار.. وهذه الأفكار حتما لا توجد سوى في أذهاننا.. وما دامت كل هذه الأشياء لا توجد إلا في أذهاننا، فنحن نقع إذن تحت تأثير تضليل وخداع ما نتخيله بأنفسنا، من أن الكون والأشياء لها وجود خارج أذهاننا.. فلا شيء مما يحيط بنا له وجود خارج أذهاننا". (174)
يعلّق !!!!!! :o
بيركلي الذي يعد أكبر المتطرفين في التأسيس لهذه الفلسفة اللامادية يذكره هنا هارون يحيى بأنه يعلّق !!!!!
هل يريد أن يوهم القاريء بأن هناك الكثير من الفلاسفة مؤمنون بهذه الفكرة فيأتي بزعيمهم الأكبر و بوقهم الأعلى صوتاً ليقول أنه يعلّق !!!
ألم يكن من واجبه (هارون يحيى) أن يعرّف بباركلي لقرائه بقوله "هذا هو إمامنا في فكرة اللامادية) ؟؟
هذا يشبه من يريد أن ينظر للمادية التاريخية ، ثم يقول أن الكثير من الفلاسفة المعروفين قد شهدوا للمادية التاريخية ، فالمفكر المعروف كارل ماركس يعلّق على هذه النقطة فيقول كذا و كذا ، و كذلك الفيلسوف الشهير فلاديمير لينين ، و تروتسكي و بليخانوف و بوخارين و و و و و غيرهم من متطرفي الفكر الماركسي ، فهل يصح أن يشهد المرء لنفسه !!!!
يعني هل من المنطقي أن نقول أن كثير من الناس أقرّ بمصداقية القرآن ، فأبو بكر يقول في حقه كذا و كذا و علي يقول كذا و كذا و ابن مسعود يقول كذا و كذا ، و يعلّق محمد بن عبدالله على القرآن فيقول كذا و كذا .
هذا بالضبط ما فعله هارون يحيى عندما اقتبس عن بيركلي . و ما كلامه إلا ترديدا كترديد الببغاء لما ورد في مقالات بيركلي عن إدراك العالم و مقالته حول نظرية الإبصار و غيره من الكلام القديم جدا عن الحواس الخمسة .
ربما نعود لاحقاً لتفاصيل المقالة الطويلة التي اقتبسها الزميل قعقاع عن هارون يحيى . و لكن لا بأس من المرور و لو بسرعة على بعض الأفكار التي يحاول هارون يحيى إحياءها عن بيركلي معتقداً أنه بذلك ينصر الإسلام .
حسب بيركلي و غيره من اللاماديين ، فإن العالم ليس له أي وجود موضوعي حقيقي مفارق لوعي الإنسان ، و عليه فإن كل ما نراه من جبال و صخور و حيوانات و شاشات كمبيوتر و كتب هو من إنتاج تفكيرنا المحض ، فهو ليس له أي وجود .
و أنا أسأل بدوري الأخ قعقاع :
1- بما أنك مسلم ، و تؤمن بالقرآن ، فلماذا لا يكون هذا القرآن مجرد أوهام اخترعها وعينا .
2- بما أن العالم كله من إنتاج وعينا - و أنا أستخدم كلمة (وعينا) كمرحلة مؤقتة - فهذا يعني أن جميع الناس و الذين هم جزء من هذا العالم هم خيالات أنتجها وعي ما ، فأي وعي هذا الذي أنتج كل هذه الخيالات ؟؟؟؟ هل هو وعيي أنا فقط ؟؟ أم وعيك أنت فقط أم وعي خمسة مليارات شخص في العالم فقط ؟؟؟؟
3- إن كان هذا من إنتاج وعيي أنا فقط فنأتي لما يسمى في الفلسفة الإغريقية الذات الوحيدة التي تتخيل كل هذا الكون ، و هذا فكر ساذج للغاية ، لأنه لا يوجد أي إنسان خالد منذ القدم حتى يحافظ على وجود الكون بوعيه الشخصي .
4- إن كان هذا الوعي هو وعي مشترك لجميع عقول الناس ، فكيف يحدث أن يُنتج خمسة مليارات عقل بشري نفس الأفكار ؟؟؟؟؟
فعندما يجتمع 10 آلاف مشاهد لمتابعة لعبة كرة القدم ، فعندما يسجل أحد اللاعبين هدفاً يقف الآلاف منهم وقفة رجلٍ واحد ، فكيف اتفقت عقولهم على إنتاج هذا الهدف في هذه اللحظة ؟؟؟؟ بل كذلك يقف معهم الملايين ممن يتابعون المباراة عبر التلفزيون ، (بينما لو فتحنا التلفزيون لما وجدنا فيه كرة و لا فريق ريال مدريد و لا برشلونة ;) )
5- بل كيف يتفق وعي جميع البشر و غيرهم من الكائنات الحية ، فعندما أمشي في الشارع ، و أشاهد بناية ، فإنني أنحرف عند زاويتها حتى لا أصطدم بها ، و حسب باركلي فإن العمارة غير موجودة ، بل وعيي الذي تخيلها ، و لكن كيف ينحرف عنها القط أيضاً ؟؟ هل وعيه تخيل نفس العمارة التي تخيلتها ؟؟ طيب و كيف ينحرف عنها الوطواط ؟؟؟؟ هل وعيه أيضاً أنتج له نفس العمارة بنفس الطول و الأبعاد ؟؟؟؟ أم أن ما تكوّن في وعينا جميعاً هو انعكاس لصورة هذه العمارة الموجودة حقيقةً ؟؟؟؟
فعيوننا و من ثم دماغنا يعكس صور الأشياء لنراها، و ليس هو الذي يُنتِجها .
6- ستقول لي أن العمارة و القط و الوطواط كلها من إنتاج وعيي الذاتي ، فنعود إلى الذات الوحيدة ، تلك الفكرة التي لا أتمنى لك أن تسقط فيها .
بالنسبة لمسألة
الواقع الافتراضي و فيلم ماتريكس ، يبدو لي أن الأخ قعقاع متأثر جداً بعالم السينما ، و أنا لا أعيب عليه هذا ، فأنا من عشاق السينما ، لكني لا أعتبرها أدلة علمية ، و إلا لاضطر واطسون و كريك مكتشفي تركيب ال DNA إلى تحليل الطفرات الجينية التي أدت إلى إنتاج زومبي .
يا عزيزي ما شاهدتَه و شاهدناه في فيلم ماتريكس هو مجرد عمل فني لا يمكن أن يكون تجربة علمية ، و لأثبت لك فشل تطبيق العالم الإفتراضي في ماتريكس ، فأنا أسألك :
8- لو قام أحد الأشخاص بإطلاق وابل من الرصاص عليك في الواقع الافتراضي ، نعم ربما ستشعر بالخوف من المسدس بل صوت الزناد ، و ربما رجعت بجسدك إلى الوراء كردة فعل انعكاسي للهرب ، و لكن هل ستشم رائحة البارود ؟؟؟
لنفرض جدلاً أن دماغك سيقوم بالتمويه عليك فيجعلك تشم أو تتذكر رائحة البارود ، و لكن هل ستموت حقاً كما في ماتريكس ، و لنفرض أنك مت ، فعندما يتم تشريح جسدك ، هل سيكون سبب الوفاة السكتة القلبية نتيجة للخوف و التوتر العالي أم سيجد الأطباء عشرين رصاصة في جسدك الممزق أشلاءاً ؟؟
9- هل من الممكن أن نُجلس شخصين على كرسيين و نجعلهم يحلمون نفس الحلم ؟؟؟ أي ندخلهم إلى نفس الواقع الافتراضي ؟؟؟؟ إثبت لنا هذه بالعلم يا عزيزي بما أنك تتكلم عن العلم .
هذا المثال عن فيلم ماتريكس يشبه ما ذكره هارون يحيى عن
الربط المتوازي للأعصاب ، و الذي يظهر مدى علمية الأدلة التي اعتمد عليها الزميل قعقاع في جملته التي بدأ فيها مقدمته لمقالة هارون يحيى (حسنا.. ما رأيكم أن أثبت لكم بالعلم وليس بالفلسفة أنه لا توجد مادة، وأنّ الوجود مجرد إحساس داخلنا، وأنّنا أصلا لا نعرف من نحن؟)
يبدأ هارون يحيى مثاله بالقول :
اقتباس:مثال ربط الأعصاب بالتوازي:
ولنأخذ مثال حادث التصادم الذي ساقه بوليتزر.. فإذا ما أخذنا أعصاب الحواس الخمس المتصلة بالمخ لدى الشخص الذي تعرض للحادث، ووصَّلناها بالتوازي مع مخ شخص آخر، وليكن بوليتزر.. ففي اللحظة التي صدمت فيها الحافلة هذا الشخص ستصدم بوليتزر، في حين أنه جالس في بيته.. بل إنه سيشعر بكلّ الأحاسيس التي شعر بها الشخص الذي تعرض للحادث.. وأوضح تشبيه لذلك هو الأغنية التي تستمع إليها من سماعتين مختلفتين كلتاهما متصلة بنفس جهاز التسجيل.. فبالرغم من وجوده في بيته أثناء حادث التصادم، فإن بوليتزر سيرى ويسمع صوت فرملة الحافلة، ومرورها على جسده، ويشاهد نزيف الدم، وسيشعر بآلام الكسر، ويرى نفسه عند دخوله غرفة العمليات، ويشعر بصلابة الجبس على ذراعه وقدمه المكسورة، كما سيشعر بضعف ذراعه.
ولو قمنا بتسجيل هذه الأحاسيس بجهاز معيَّن ثم نقلناها إلى مخ شخص ما، فإن هذا الأخير سيعيش الحادث ويشعر باصطدام الحافلة به أيضا.
ولنسأل الآن: أي من هذه الحافلات التي صدمت هؤلاء الأشخاص حقيقية؟.. إن الفلسفة المادية ليست لديها إجابة محددة عن هذا السؤال.. فالإجابة الصحيحة هي أن كل هؤلاء مروا بتجربة حادث التصادم بكل تفاصيله في أذهانهم فقط.
هل هذه هي البراهين العلمية ؟؟؟؟
هل يمكن لعاقل أن يسمي هذا الدجل الافتراضي بالبراهين العلمية ؟؟؟
أين يمكن أن نجد من قام بربط أعصاب مخين لشخصين معاً و عرض عليهما نفس الأحداث حتى يستنتج الكاتب ما يستنتج ؟؟؟؟؟
و إن حدث أن صدمت السيارة الشخص الحقيقي و لم تصدم الشخص المربوط بدماغه ، و جدلاً لنقل أن الثاني شعر بكل ما شعر به الأول ، فهل ستنكسر رقبة الثاني مثلما انكسرت رقبة الأول ؟؟؟
هل سيتحطم جسده مثلما حدث مع الأول !!!!
هذا هراء يا زميلي القعقاع و ليس أدلة علمية .
المثال الآخر و هو
الأحلام .
الغريب في الأمر أن اللاماديين (أي المنكرين لوجود المادة) لا يملون من تكرار هذا المثال السقيم ، معتقدين بذلك أنهم في كل مرة قد وقعوا على سر عظيم و اكتشاف خطير .
يقول هارون يحيى :
اقتباس:إن أفضل مثال يلقي الضوء على هذه الحقيقة ويشرحها هو الأحلام.. فالإنسان قد يرى أحداثا تبدو واقعية تماما وهو يحلم.. قد يرى الإنسان في الحلم أنه يقع على السلم فتنكسر قدمه، أو يرى حادث سيارة مُرَوِّعا، وقد يحلم بأن حافلة قد صدمته، أو أنه يأكل قطعة من الكعك ليشبع جوعه.
و بناءاً على ظن النائم بأن هذه الأمور حقيقية يسحب الكاتب و من قبله باركلي و هيوم و غيرهم مثال الأحلام على الواقع و يقول : لماذا لا أكون الآن نائم في مكان ما و أحلم بأني أجلس إلى الكمبيوتر و أتكلم مع الناس و أفعل كذا و كذا و أناقشهم عن وجود الله و غير ذلك .
حسنٌ .
لنفرض أن عدنان أثناء نومه الحقيقي ، حلم أنه قابل صديقه اسماعيل ، و ركبا طائرة عدنان قائدها و انطلقا في السماء الفسيحة ، ثم التقيا بهارون يحيى و شربا فنجانًا من القهوة التركي ، ثم انتهى الحلم .
و استيقظ عدنان و ذهب إلى عمله في صحيفة الشرق الهندي . و هناك في عمله حين قابل اسماعيل ، سأله :
- كيف رأيت قيادتي للطائرة ؟
فيرد عليه إسماعيل :
- أي طائرة !!!
فيجيب عدنان :
- أمس عندما صحبتك بالطائرة عند هارون يحيى في تركيا .
- أمس !!!!!! هل أنت سكران !!!!!
و يمد يده ليجس حرارة عدنان .
فيتابع عدنان موضحاً :
- يا إبني ، أنا أقصد في الحلم ، عندما ذهبنا معاً لرؤية هارون يحيى .
عندها يلوّح إسماعيل بظاهر يده لعدنان كي يصمت ، لأن لديه عمل يحب أن يركز فيه ، بدل الحديث عن أحلام عدنان التي لا تنتهي .
تعرف لماذا اختلف إسماعيل مع عدنان حول زيارتهم لهارون يحيى ؟؟؟؟
ذلك لأن عدنان عندما حلم بذلك لم يحلم به إسماعيل ، إذ أن إسماعيل كان يحلم بأنه ربح جائزة اليانصيب و لم يرَ صديقه عدنان في الحلم ، بمعنى ، أنك عندما تحلم بشخص ما و أحداث تدور بينكما ، فهذا لا يعني أن فلان يحلم بك في نفس اللحظة و يرى نفس الأحداث .
بينما في الواقع ، عندما أشاهد اعتقال صدام حسين ، و أذهب إلى العمل لأتحدث عن الموقف ، أجد أن الكل يشاركني نفس المسألة ، لأنهم جميعاً شاهدوا الحدث في بيوتهم ، فأنا لم أحلم بهم أنهم يشاهدون معي ، و لم أحلم أنهم يشاهدون في بيوتهم / بل لم أتذكرهم ، لكنهم شاهدوا نفس المادة التلفزيونية ، و كذلك بالنسبة لعدنان و إسماعيل .
و لو كانت قصة مقابلة عدنان و إسماعيل لهارون يحيى حقيقية و سفرهم حقيقي ، لما اندهش إسماعيل من كلام عدنان و جس حرارته ، لأنه شاركه نفس الحدث ، أي عاش وعيه نفس الذي عاشه وعي عدنان ، و هذا ما لم يتحقق في الحلم .
هل عرفت الفرق بين الحلم و الواقع ؟؟
و للحديث بقية
يجب أن أذهب