" ولو خطرت لي في سواك إرادة ...على خاطري يوما قضيت بردتي "
ابن الفارض
.................................................
الشاعر و الصوفي
الشاعر و الصوفي كلاهما يسعى لإنهاء نقص العالم ، وهما في ذلك يبحثان بمشاعرهما عن عالم لا يستطاع كشفه بالعقل الواعي ، ،و إلى ملاحقة حياة أكثر جمالا من الحياة الواقعية ، وفي لحظات بعينها عندما تتهيأ الحواس لتأملات بالغة الكثافة ، وعندما ترهف المشاعر و تهتز الأنا بشكل تتحرر معه الصورة من أصلها العملي ، عند هذه اللحظة تتكشف الحقيقة المطلقة ، و تنفجر في قلب كلاهما كفيض ساطع ، الحقيقة هنا ليست ابنة التفكير الناقد بل الحدس الشاعر ، عند هذه اللحظة الكاشفة نفسها يتوقف التشابه و تبدأ المفارقة ، فالشاعر في جوهره ليس نفسه الصوفي ، لأن حقيقة المتصوف هو الله ، بينما حقيقة الشاعر هو الإنسان .
هكذا نجد أنه رغم التشابه الكبير بين الشاعر و الصوفي إلا أن لكل منهما حقيقته وعالمه المختلف ، إن نقطة الإنطلاق في الشعر الصوفي هي التصوف ذاته ،بوصفه موقفا خاصا من الوجود ،هذا الموقف يبحث في الشعر عن القدرة على التعبير المكثف و الكشفي معا ، الصوفية تمتطي البنية اللغوية للشعر ، ليس طريقا إلى المحبوب بل كشفا للحب و افصاحا عنه و تفجيرا لطاقته الكامنة ، إن الصوفية موقف و لكن الشعر تعبير،و الشعر الصوفي هو ذلك الإمتزاج الملهم الفريد بين الموقف الإستثنائي و التعبير الإستثنائي أيضا .
في عالمه المتميز المفارق ، يتجلى الصوفي بموقفه العقلي و الروحي الفريد ، إن الصوفي هو المتمرد أبدا على هذه الحياة ، فإذا أقبلت أدبر ،و إذا أعطت زهد ، و إذا تبسمت قطب ، و إذا نعمت إخشوشن، المتصوف يقطع رحلته كلها في مجاهدة النفس،كي يخلص لربه وحده فلا شريك له ، يقول أبو يزيد البسطامي ( طلقت الدنيا ثلاثا بتاتا لا رجعة فيها، وصرت وحدي ‘لى ربي فناديته بالإستغاثة: إلهي !أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك ) ، التجربة النفسية الأساسية في التصوف هي العزوف عن الحياة،وهو عزوف يولده الملل من الحياة ذاتها ،وهي في نفس الوقت الإستغراق اللامحدود في المطلق ، هذا الإستغراق هو الذي يعني شيئا لا أقل من تخلية الذات و الغيب في ذات المحبوب أو الله ،وهنا يقول أبو اليزيد البسطامي ( أحببت الله حتى أبغضت نفسي) ، و يقول البسطامي في هذا ( انسلخت من نفسي كما تنسلخ الحية من جلدها ) .
يكشف لنا شعر الصوفية هذا الموقف الفريد ، و يسهم في تكوينه و جلائه ، كما أن البعد الصوفي في التجربة الشعرية يظل على مر العصور تعبيرا عن توق الإنسان إلى الحقيقة المطلقة ، الإتحاد بالكون و الشعور بالنشوة النهائية التي لا تخبو ، إلى البعد عن تفاهة الحياة اليومية و خداع الإنتصارات الرخيصة ، و تزداد حاجة الإنسان إلى هذا البعد كلما جثمت المدينة بأوزارها على روح الإنسان .
يقول ( سمنون ) الصوفي .
وكان فؤادي خاليا قبل حبكـــــــــــــــم ... وكان بذكر الخلق يلهو و يمزح .
فلما دعى قلبي هواك أجابـــــــــــــــــه ...فلست أراه عن فنائك يـــبرح .
رميت ببين منك إن كنت كاذبـــــــــــــــا ...إذا كنت في الدنيا بغيرك أفــرح .
و إن كان شيء في البلاد بأسرهـــــــا...إذا غبت عن عيني بعيني يلمــح .
فإن شئت واصلني و إن شئت لا تصل...فلست أرى قلبي بغيرك يصلـح .
ولنا عودة .
..............................
الأخ youssefy:97: