بسم الله أرحم الراحمين
منذ الصغر ولا يلذ لي من الشعر العربي غير تلك الأبيات
الفراهيدية.. كم سهرت الليالي في قراءتها .. كم بكيت معها .. كم ضحكت مع طرافتها .. وكم جلست أتخيل شعراءها - لا سيما بعد قراءة ( الأغاني ) الذي ربما قرأت أغلبه - و أعيش معهم ، ثم أرسم لهم ملامح من عندي ،ثم أجعلهم تارة أصدقائي - وأحياناً أعدائي - الذي ولدوا ورحلوا قبلي بقرون.. حتى أنك إذا رأيتني احفظ المعلقات السبع ومئات الأشعار قديمة ومتأخرة وأعرف عن شعرائها اكثر مما اعرف عن بعض اهلي الأحبة فلا تعجب..!!
حتى جاء يوم وبدأت أقرا الصحف و أطالع صفحاتها الأدبية.. فإذا بي أفاجأ بشعر مبعثر .. هذا السطر فيه كلمة .. ذاك كلمتان.. فكلمة .. فثلاث..!!
بحثت في الموضوع اكثر ، فإذا هم يسمونه ب " الشعر الحر " - زعموا..!! -
حسناً ، لا مشكلة ، كما يقول المثل الكويتي ( الزود ولا النقصان )..!!
إلى أن وقعت على قصائد المبدع الطائر ( أحمد مطر ) التي كانت تنشرها بين الفينة والفينة صحيفة ( القبس ) ، فلذت وطابت لي ، و طرت إعجاباً بهذا النوع الفاتن من شعرنا العربي ، ورأيته من جملة الفنون الحسنة ، وإنتاجاته فيها الرائعة والمستحسنة ، وكم كنت أركض بعد إنتهاء المحاضرة الجامعية ، لأذهب إلى مكتبة ( جابر الأحمد ) المركزية - تلك المكتبة التي لم أرَ مثلها ، وأحلم بأن تسمح لي الجامعة بالنوم فيها وقتما أشاء ..!! - وذلك لأنقض على أحد الحواسيب و أفتح الإنترنت ، لأغرق في هذا الموقع الدافيء الجميل :
http://www.mybiznas.com/s1/
وهذا ابن عمه :
http://www.ahmedmatar.jeeran.com/
ثم بدأت أقرأ للسياب ونزار قباني وغيرهم من رواد هذا الشعر الحر ، مع أني في أغلب الأحيان تغيب عني معاني الشاعر ومقاصده التي ضمنها في القصيدة ، بل أحياناً اشعر أنه يستغبي الناس برموز وعبارات غامضة ركبها بشكل إستعباطي ، حتى يتوهم القارئ بأن هذا المعنى العميق الذي يربكه إدراكه وفهمه ، إنما هو الأمارة التي ما بعدها أمارة على قوة الشاعر وفي المقابل جهله هو وسذاجته..!!
ولكن بعد أن رأيت نقاد الشعر ، ومهتمين أثق بعلمهم وثقافتهم في المنتديات الأدبية وهم هنا في نادي الفكر أيضاً ، ارتأيت أن أستقر على كون هذا الفن له أهله وأن العيب فيني أنا.
ولكن..!!
كيف افعل إذا بي أرى أناساً أعلم حقيقة مستواهم الثقافي ولقد وقعت على فداحة وبشاعة جهلهم ، يكتبون هذا النوع من الشعر ويصفق لهم الآخرون كما يصفق البقية لنيزك الملائكة وهي تغرد هنا في ( الكوليرا ) :
طلع الفجر
اصغ إلي وقع خطي الماشين
في صمت الفجر، أصغ، انظر ركب الباكين
عشرة اموات، عشرونا
لا تحص، اصغ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتي، موتي، ضاع العدد
موتي، موتي، لم يبق غد
في كل مكان جسد يندبه محزون
....؟!؟!
حسناً ، الآن سأحسب لنفسي دقيقتين وأكتب هذا الشعر :
في جدار الصمت..
عبر أخدود الظلام ..
بين آه وستار ..
بين حيطان الحنين..
ذاب وجدي فوق أحزان السنين..
من يدثرني..
لا أدري..
ربما ريحُ..
و عطرُ الياسمين..
كيف أنجو..
أنتَ أدرى..
ربما بغياب ..
لوننا الوردي..
( إنتهى الوقت ) :)
ربما سؤالي ساذج ، ولكن فعلاً ، كيف تفرقون بين غث وسمين هذا الشعر الحر ..!؟؟!
ولا أريد إجابة تقول : هذا الشعر الحر له تفعيلته ومعاييره التي لا بد من اعتمادها اثناء كتابة القصيدة ، أريد جواباً غيره :)