أخي العزيز أبو القيرواني:
شكرًا على تفاعلك معي. ألاحظ أنك ترد من أيات القرآن الكريم ولا أريد أن أرد بشكل يناقض أو يتعارض مع ما تقول حيث أنه "لا اجتهاد مع نص" ولكن اسمح لي أن أفهم ما تقوله بطريقة أخرى.
تفضلت وقلت:
اقتباس:والله تعالى يقول
الحمد لله الذي خلق السماوات والارض و جعل الظلمات والنور
بحسب ملاحظتي الشخصية وعلى قدر فهمي: هناك فعلان في الآية الكريمة وهما فعل "خلق" وفعل "جعل". الخلق يقتضي إيجاد الشيء من لا شيء وأما "جعل" فأفهمها أنا على أنها حتمية الصيرورة. صارت الأمور إلى هذا النحو فجعلها هو كذلك على هذا النحو. يتقسى مثلا قلب الإنسان فيجعله الله هكذا باعتبار أن الله عامة قائم في الصورة الأخيرة إجمالاً للأمور. هذه هي قراءتي وربما أنا مخطيء.
أعتقد أني أتوقع أنك تؤمن بأن الله قهار وجبار ومنتقم ومهلك إلخ... ويؤسفني أن أقول لك إني لا أؤمن بصفات كهذه تتماشى مع الإله الذي أعبد. لا أؤمن أن الله قهار ولا أؤمن أن الله جبار ولا أؤمن قطعا بأن الله منتقم ولكني أؤمن فقط بأنه كليّ الحب وكليّ التواضع. إن ثمة اقتدار فهو اقتدار محبته فقط ولا يقدر إلا على ما تقدر عليه المحبة. لا ارى لله صفات أخرى ولا أراه بحاجة لصفات أخرى بخلاف صفة الحب.
--------------------------------------------
صديقي الغالي "ضد الإلحاد":
سعدت بوجود رد منك تتفاعل فيه حواريا معي ولعلها أول مرة نتفاعل في حوار ومناقشة عبر هذا الموقع.
سعيد كل السعادة أني أتقاطع مع العملاق "محمد إقبال" في فلسفته ولي الشرف كل الشرف. سبق أن قرأت له كتاب فلسفي منذ سنوات وأعجبني كثيرًا وأعجبني اتساعه. أنا مع أي إنسان يتسع في أفقه بصرف النظر عن اعتقاده فمادام هناك عمق فنحن نتلاقى ونتقاطع.
تفضلت أستاذي الكريم وقلت:
اقتباس:ولكن إيماننا أن الجنة والنار مكانان لا حالان, وهذا ما صرح به كتابنا وسنة نبينا؛ بل وهو منقول من كتابات الأنبياء السابقين.
وهذا هو عين اعتقاد غالبية المسيحيين كذلك.
مشكلتي مع هذا الاعتقاد هي أن قولنا بأن ما يتصل بالأخرويات أو الماورائيات يمكن تحديده بمكان أو زمان يتعارض فورًا مع الطبيعة الأخروية أو الماورائية. الباريّ، تبارك اسمه، هو حقًا فوق الزمان والمكان وما هذان الاثنان إلا للبشر المساكين أمثالنا. نحن الذين نحتاج للزمان والمكان ويحداننا بمحدوديات لا حصر لها. كل ما هو في حيز الماورائيات هو غير ملموس وغير محسوس بل يتجاوز الملموس والمحسوس إذ هو ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. المكان يخطر على قلب بشر ضعيف عاجز مثلي وبالتالي لا أراه مناسب في الحديث عن وجود الله أو وجود الجنة أو وجود النار إلخ. لكن هيهات على الإنسان عامة أن يقبل ذلك فهو يريد جنة وأسوارها من رخام وبحيرة نار وكبريت وكل هذه الرموز التصويرية التي نقرأ عنها مثلا في الإنجيل. الرمز يُراد به إعطاءنا "صورة" عن واقع عميق لا يخطر على قلب بشر بالمرة لأن الكلام في مستوى الإلهيات ويجب أن ينخطف العقل والقلب تجاه هذا الحيز لا ما دونه.
من جهة الخلود في العذاب فما أسهل الاعتقاد به وهو شائع عند سائر فرق الأديان وبالأخص المسلمين والنصارى ولكني أراه صراحة لا يتوافق مع طبيعة الإله. ما الذي يستفيده الله من زج إبراهيم مثلا أو جرجس أو كوهين أو ماركس في بحيرة نار ويشاهدهم يغلون في الزيت وللأبد؟ هذه سادية وليس إله يفتقد خليقته ويريد لهم أن يمكثوا في حضرته. ولنفرض أنهم لم يمكثوا في حضرته لسبب أو لآخر ما ذنبهم؟ أليس هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء؟ بمعني إني أنا إبراهيم اخترت طريق الإيمان لأنه هو الذي هداني. إذا ما ذنب غيري من لم يهتدي بنور الله؟ في محدوديتي العاجزة كبشر الآن عندما أرى إنسان يلفظ أمور الإيمان أتبسم وأتعجب ولا أغضب بالمرة لأني أتعجب من أنه كيف يكون هذا الشخص ميالاً لأمور الإيمان وغيره يمجها كل المج ولا يستسيغها بالمرة. الاثنان يتقاطعان مع كياني وأكاد أكون كلا الشخصين ولولا فضل الله لكنت أنا الشخص الذي يرفض الإيمان ويلفظه خارجا. الإيمان معجزة وليس الطبيعي من الأمور الخاضع للعقل.
شكرًا على فرصة الحوار وأرجو أن تكتب بحرية كاملة دون تحفظ أو تبرير. ممنون لصداقتك وحوارك.