تحية للجميع
نبدأ باعتراضات الأخ أبو ناصر لأني أراه متحمس للغاية ، ثم نعود لنبدأ من البداية .
الاعتراض الأول :
اقتباس:يا الختيار ، تقول في قرآنك :
(فَفَجَّرْنَا مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِم مَاءًا حَتّى بَلَغَ الْحَنَاجِرَ فَقَالوُا هذا سِحْرٌ مَكِينٌ (10))
وأنا لست متخصصاً في اللغة ومن العامة - والبركة في الإخوة الخطيب والعميد وأبو رحمة- لكن من آياتك نفهم أن طول من فجرت تحتهم الماء واحد فالماء وصل لمستوى حناجرهم !!!
ففي أي عصر هؤلاء ذوي الطول الواحد بالسنتي متر؟!!
عزيزي أبو ناصر ، تعرف أن المعجزة هي شيء غير عقلاني أساساً ، و أنها خرق للعادة ، أليس كذلك ؟؟؟
فإن آمنتَ (ضمن سياق الآية و منطق المعجزات) بتفجير الماء من تحت أرجلهم كآية من الله لدعم نبيّه ، فهل تعجز عن الإيمان بأنه جعل الماء يصل لكل شخصٍ على حدة لمستوى حنجرته ؟؟؟؟؟
فهل المعقول هو فقط تفجير الماء من تحت أقدامهم حتى يوشكوا على الغرق ، ثم انكشاف الماء عنهم ؟؟؟ و اللامعقول هو بلوغ الماء لحناجرهم حسب أطوالهم المختلفة ؟؟؟
نقطة أخرى ، ورد في صحيح مسلم :
" حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن جابر حدثني سليم بن عامر حدثني المقداد بن الأسود قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [COLOR=Red]تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل "
فهل الخلق جميعه متساوين بالطول حتى تكون الشمس بمقدار ميل من رؤوسهم ؟؟؟؟
و لو أخذنا الميل بمعنى ميل الكحل فالمسألة تصبح عويصة الفهم ضمن المنطق البشري خارج مفهوم الغيبيات و المعجزات اللاعقلانية .
الاعتراض الثاني :
اقتباس:وخذ هذي كمان :
تقول في قرآنك :
(وَ فَرِيقاً صَدَّ عَنْ الهُدَى فَأَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ تِلْكَ مَشِيئَةُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينِ (4) فَمَنْ شَاءَ الهُدَى هَدَيْنَاهُ إِلَيْهِ وَ يَسَّرْنَا أَمْرَهُ وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ فَالزَّيْغُ طَرِيقُهُ وَ مَا نَحْنُ بِظَالِمِينَ)
الملاحظة الأولى : هل صدودهم قبل أم إزلال الشيطان لهم قبل ؟!
إذا كان الصدود قبل - وهذا واضح من السياق - فما حاجة الشيطان ليزلهم عن ماهم عليها إلا أن يكون مهتدي فأعادهم وهذا لا يمكن وبالتالي يكون السياق ركيك ملخبط.
ثانياً : في الآية 4 من قرآنك تزعم أن الله شاء لهم الصدود عن الهدى في حين أن الأية التي بعدها تنسب المشيئة في الهداية من عدمها لهم (فَمَنْ شَاءَ الهُدَى هَدَيْنَاهُ إِلَيْهِ وَ يَسَّرْنَا أَمْرَهُ) فكيف يكون ذلك ؟!
أولاً أنا لا أسميه قرآني .
سأجيب على الملاحظتين معاً لأنهما يتعلقان بالمشيئة الإلهية
في الآية الأولى يبدو لي أنك فهمتَ المسألة بشكل خاطئ ، و تقدير الكلام كالآتي :
"وَ فَرِيقاً صَدَّ (اللهُ) عَنْ الهُدَى فَأَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ تِلْكَ مَشِيئَةُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينِ "
فالله أولاً صدّ هؤلاء الناس عن الهدى ، ثم أزلهم الشيطان ، أي سبقت مشيئته فِعل الشيطان .
ورد في القرآن :
"وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" البقرة 127
و تقديره "و يقولان تقبل منا" كما ورد في قراءة أبيّ و ابن مسعود ، حكاه القرطبي .
أما إن أردتَ أن الفريق هو الذي صدّ عن الهدى ، فهذا له تخريج آخر و يدخل في التقديم و التأخير ، فأنت تعرف أن العرب كانت تقدّم بعض الكلام على بعض عكس الترتيب المراد به ، و لهذا شواهد عديدة في القرآن نذكر منها :
"وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ " هود 71
ذكر القرطبي في تفسيره:
" وَقَالَ الْفَرَّاء : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; الْمَعْنَى : فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاق فَضَحِكَتْ , أَيْ ضَحِكَتْ سُرُورًا بِالْوَلَدِ , وَقَدْ هَرِمَتْ " اهـ .
" إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا " آل عمران 55
ذكر القرطبي في تفسيره:
" وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَعَانِي مِنْهُمْ الضَّحَّاك وَالْفَرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى : " إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ " عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; لِأَنَّ الْوَاو لَا تُوجِب الرُّتْبَة . وَالْمَعْنَى : إِنَى رَافِعك إِلَيَّ وَمُطَهِّرك مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيك بَعْد أَنْ تَنْزِل مِنْ السَّمَاء ; كَقَوْلِهِ : " وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَل مُسَمًّى " [ طَه : 129 ] ; وَالتَّقْدِير وَلَوْلَا كَلِمَة سَبَقَتْ مِنْ رَبّك وَأَجَل مُسَمَّى لَكَانَ لِزَامًا ." اهـ .
"اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " القمر 1
ذكر القرطبي في تفسيره:
" وَقَدْ قِيلَ : هُوَ عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , وَتَقْدِيره اِنْشَقَّ الْقَمَر وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة ; قَالَهُ اِبْن كَيْسَان . " اهـ .
" ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى " النجم 8
ذكر القرطبي في تفسيره:
" وَقَالَ الْجُرْجَانِيّ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير أَيْ تَدَلَّى فَدَنَا ; لِأَنَّ التَّدَلِّيَ سَبَب الدُّنُوّ . " اهـ
ملاحظة مهمة : أعلم أن هناك اختلافات بينة بين العلماء في تفسير هذه الآيات و منهم من يرى لها وجوهاً غير التقديم و التأخير ، لكني أثبتها هنا كي أبرهن على أن مسألة التقديم و التأخير واردة في لغة العرب ، و ليس لأني أرجّح هذا التفسير دون الآخر ، فانتبه لذلك من فضلك .
أما بالنسبة لمسألة المشيئة يا صاحبي ، فهي من المسائل الشائكة في الفكر الإسلامي و التي لم يحلها القرآن بشكل حاسم، فكما تعلم فقد اختلفت فيها الفرق فمنها القدرية و منهم المرجئة و منهم الجبرية و المعتزلة و غير ذلك ، فهناك من يرى أن المشيئة من العبد خالصة و مشيئة الله مجرد علم أزلي و منهم من يرى مشيئة الله هي الخالصة و لا يوجد مشيئة للعبد و منهم من قال بالكسب (أبو الحسن الأشعري) و غير ذلك من المقولات التي يمكنك أن تبحث عنها في مظانّها .
أما التناقض الذي رأيته حضرتك من أن هناك مشيئة لله و مشيئة للعباد ، و اعتبرتَها قلة تركيز ، فكيف تفسر لي قوله :
"و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله "
"ختم الله على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة " .
"فهديناه النجدين"
"إنك لا تهدي من أحببت لكن الله يهدي من يشاء " .
"ليس عليك هداهم و لكن الله يهدي من يشاء"
"فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ"
ثم تجده يقول :
"أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ " البقرة 16
فتجد أن هؤلاء الضالين (اشتروا) الضلالة ، أي أنهم اختاروا الضلالة لأن الإنسان يشتري ما يريد بما يريد .
كذلك قوله :
"فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ "
فتجد هنا أن الإسلام هو فعل مسبوق بنية ، يعني مشيئة من العبد ، لكن هذه المشيئة لا تكون إلا بهداية الله ، أي بمشيئته الأزلية ، و هذا بالضبط ما كتبته في سورة الشجرة .
و هناك آيات كثيرة في مشيئة الله و مشيئة العباد و الهداية من الله أم من العباد يمكنك أن تجدها في الكتب التي اختصت بمسألة القدر .
اقتباس:والحمدلله وجدت شيء أقطع به الوقت :)
أضحك الله سنك دائماً يا عزيزي